https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :
كثيرون من الكارهين لأمريكا خارج الصين ، تمنوا ان تردٌ بكين حربا على الاستفزاز الامريكي ،الذي تجلى في زيارة بيلوسي لتايوان . والامنيات نفسها داعبت صقور القوميين الصينين ، الذي نادوا باسقاط طائرة رئيسة مجلس النواب الامريكي ، وتدمير حاملات الطائرات الامريكية في جنوب شرقي آسيا. ثم ان واشنطن نفسها كانت تدفع باتجاه انزلاق بكين الى مستنقع الحرب ، ولذلك سهلت عملية زيارة بيلوسي .
واعتقد ، ان القيادة الصينية لم تقع – حتى الآن- في هذا الفخ القاتل فعلا ، واقتصر ردها على اجراء مناورات عسكرية ، واتخاذ بعض الاجراءات الدبلوماسية بحق واشنطن . وعلى هذا ، يمكن القول ، ان الثبات وبرودة الاعصاب، طغيا على الموقف الرسمي الصيني ازاء الازمة التايونية الأخيرة .
وافترض ، ان بكين تعي مخاطر اندلاع حرب شاملة في تلك المنطقة . فالتجربة الاوكرانية اثبتت انه يمكن التحكم ببداية الحرب ، لكن نهايتها تبقى مفتوحة على الاحتمالات كلها .واشتعال الحرب في تلك المنطقة الحساسة من جنوب شرقي آسيا ، سيضرب امن العالم كله ، وسيطعن في الصميم الاقتصاد العالمي -لا سيما الغربي منه- ، حيث تمر نحو نصف التجارة العالمية عبر الممرات البحرية في تلك المنطقة .
ثم ان الصين نفسها ،ستتأثر اقنصاديا من ذلك . فسيتعطل طريق الحرير البحري الذي يشكل عماد مبادرة الرئيس شي جينغ بين المسماة طريق الحرير والحزام ، والتي انفقت بكين عليها- حتى الآن – مئات المليارات من الدولارات .كما انه يمكن ان تتوقف معظم الصادرات الخارجية الصينية ، حيث تشكل صادرات الشركات الصينة الى الغرب نحو ثلثي حجم هذه الصادرات .كما ستتراجع عمليات نقل البضائع الصينية الى العالم ،والتي اضطرت لاستخدام المضائق البحرية في شرق آسيا ، بسبب تعطل الطرق البرية نتيجة للازمة الاوكرانية.وسيغرق الاقتصاد الصيني في الازمات بسبب العقوبات الغربية المفترضة .
والاهم من ذلك كله ، ان الحرب في تلك المنطقة ، ستفسد خطط بكين الرامية الى الاستيلاء السلمي والسلس على واحد من اكبر الكنوز الاقتصادية العالمية – وهي تايوان . فرغم فقرها في الثروات الباطنية ، ومساحتها الصغيرة ( 36 الف كيلومتر مربع وعدد سكانها الصغير 23 مليون نسمة بالمقارنة مع الصين ) الا ان هذه الجزيرة اصبحت واحدة من الدول الغنية في العالم ( تشغل الموقع الثامن عشر ). ومن حيث حجم الانتاج – مثلا – ، تتفوق تايوان على دول الخليج العربي الثرية مجتمعة ،وتايوان تنتج ثلثي انتاج العالم من الرقائق( صناعة المستقبل ) ، وهي الرابعة في العالم في انتاج الاجهزة الالكترونية ، وحجم ناتجها الوطني يقترب من الترليون دولار .
هذه المعطيات ، تدفع اي مراقب للافتراض ، ان الصين تسعى لاستعادة تايوان المزدهرة ذات القوة االاقتصادية الهائلة ،والتي يمكن ان ترفد التنين الصيني بمزيد من القوة والابداع .وبالمقابل ، يمكن الجزم ، ان بكين لا تريد تايوان مدمرة وعبئا عليها ،لأن في ذلك خسارة كبرى لا تعوض . والحرب هي اقصر الطرق للتدمير .
وفي الجانب العسكري ، فان الاستيلاء بالقوة على تايوان لن تكون عملية نزهة للجيش الصيني . وسبب ذلك لا يكمن فقط في قدرة الجزيرة على تجنيد نحو مليوني مقاتل مددجين باحدث الاسلحة الغربية ، وانما في التدخل الامريكي والغربي عامة ، والذي سيصعٌب كثيرا تحقيق نصر صيني سريع في تايوان . ولايمكن تجاهل حقيقة ، ان امريكا تعد تايوان كي تكون مستنقعا قاتلا للصين ، تماما كما يجرى اليوم في اوكرانيا بالنسبة الى روسيا .
اضافة الى ذلك ، فان اي عمل عسكريي صيني تجاه تايوان، سيؤلب علي بكين دول شرقي آسيا ، لا سيما تلك الدول التي تستٌعر في عقول قادتها مشاعر العداء لبكين ،بسبب خصومات عميقة حول الجزر المتنازع عليها ، واخص بالذكر دول : اليابان وفيتنام والفيليبين وماليزيا وسنغافورة .
واعتقد ، ان القيادة الصينية تعي هذه الاخطار لأي عمل عسكري تجاه تايوان، ولذلك تفضل -حتى الآن – عدم الانجرار وراء الاستفزازات الامريكية الخبيثة .
لقد اثبت سلوك الصين السلمي خلال العقود الاربعة الماضية فاعليته ازاء الازمة التايوانية . فقد اصبحت بكين الشريك التجاري الاول للاقتصاد التايواني بحجم تبادل تجاري يصل مئات المليارات من الدولارات .اضافة الى ذلك ، فان بكين تمكنت من جذب آلاف الشركات التايوانية للعمل والانتاج في البر الصيني ،وبذلك بنت اكبر رابط اقتصادي للمنتجين التايوانيين مع الصين .
وسياسيا ، فان الجهود الصينية اثمرت عن استقطاب عدد كبير من القوى السياسية التايوانية نحو الوحدة مع الصين .والدليل على ذلك المظاهرات التي خرجت في تايوان ضد زيارة بيلوسي ، ومواقف احزاب كبرى في تايوان، المنددة بالخطوة الامريكية .
باختصار ، فان جهود الصين السياسية والاقتصادية خلال العقود الماضية ، قد بنت جسورا كبيرة مع تايوان للتفاهم والتعاون . واية عملية عسكرية صينية ستدمر هذه الجسور ، وتقضي على قوة جذب الصين ،وستقوض توجهاتها التقليدية حيال تايوان، والقائمة على اتباع مبدأ :صين واحدة ونظامان . كما ستفتح الحرب الباب على مصراعية امام التدخلات والجهود الغربية الرامية الى اضعاف الصين ،وضرب مواطن قوتها وتقدمها .وهذا كله لا يصب في مصلحة الصين .
9/8/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube