نشرت دورية “فورين أفيرز” مقالا للزميلة في معهد جون أل ثورنتون للصين ومركز دراسات السياسة الصينية بمعهد بروكينغز باتريشا أم كيم تحت عنوان “الصين تبحث عن حلفاء”.
وقالت فيه إن السياسة الخارجية الأمريكية ظلت تقوم على بناء التحالفات وتقوية القائم منها، وهو ما ساعدها مع زيادة التنافس مع الصين.
وفي العام الأول لإدارة جو بايدن قوت التحالفات القائمة مع اليابان وجنوب كوريا وأضافت طاقة لتعزيز الشراكات المتعددة مثل الحوار الأمني الرباعي الذي يضم الهند واليابان وأستراليا بالإضافة للتحالف الجديد “أوكوس” الذي يضم اأستراليا وبريطانيا. وبالمقارنة فلم تبد الصين اهتماما بالتحالفات، لاعتقادها أن لها رأي مختلف في شؤون السياسة الدولية أو لخوفها من التورط في سياسات الدول الأخرى.
وهناك إشارات في السنوات الأخيرة الماضية عن بدء تآكل مقاومة الصين للتحالفات. فقد رفعت من شركاتها ووسعت من تبادلها العسكري والمناورات المشتركة مع دول مثل روسيا وإيران وباكستان. ولكن هذه لا تقارن بالتحالفات الأمريكية التي تشمل على بنود دفاعية وترتيبات لنشر القوات في قواعد وقدرات عسكرية مشتركة. وقد تكون هذه قاعدة لتحالفات الصين لو توصل القادة الصينيون لاعتقاد أن التحالفات مهمة من ناحية قدرتها الردعية وقيمتها العملياتية وتعطيها القدرة على التفوق في المنافسة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة وحلفائها. وتطور كهذا سيكون نقطة تحول في مجال التنافس الأمريكي- الصيني وستفتح المجال أمام عالم جديد ينذر بالخطر، مع انخفاض مستويات النزاع الإقليمي والقوى العظمى. ولدى الصين اليوم حليف رسمي واحد وهي كوريا الشمالية التي وقعت معها معاهدة دفاع مشترك. ولكن لديها عدد من الشراكات مع الدول حول العالم. وعلى رأس الهرم باكستان وروسيا التي تحمل العلاقات معهما ألقابا حصرية مثل الشراكة الاستراتيجية الصينية- الروسية للتعاون في العصر الجديد والشراكة الصينية – الباكستانية التعاونية في كل الأحوال”. وهناك عدة شراكات مع دول في جنوب شرق آسيا مثل ميانمار وتايلاند وكمبوديا وفيتنام ونيوزلندا.
واستثمرت بيجين طاقة كبيرة في بناء آليات تعددية تقودها الصين، مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنبر التعاون الصيني- الإفريقي ومنبر التعاون الصيني والدول العربية.
وتجنبت الصين بناء شبكات تقليدية من الحلفاء لأسباب تتعلق بالميول الأيديولوجية أو الحسابات الاستراتيجية المتصلبة. ففي السنوات الأولى للجمهورية الشعبية الصينية حاولت بيجين تقديم نفسها على أنها قائدة للعالم الثالث ومنافحة عن مبادئ حركة عدم الانحياز وعدم التدخل والكفاح ضد الإمبريالية. وفي السنوات الأخيرة بدأ القادة الصينيون بالتأكيد على أنهم يمارسون “نوعا جديدا من العلاقات الدولية” وتجنب سياسات القوة التقليدية وتفضيل نهج “رابح-رابح” في التعاون. وقصد من هذا السرد طمأنة المجتمع الدولي من أن صعود الصين لا يخيف أحدا بل ويجب التعامل معه على أنه دفعة للازدهار والتنمية في العالم.
وكذا التمييز بين بيجين واشنطن التي يتهمها قادة الصين بالتمسك بعقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن.
وبالإضافة للجهود الدبلوماسية العامة فابتعاد الصين عن التحالفات يعكس قرارا استراتيجيا لبناء علاقات تقوم على العلاقات الاقتصادية وكوسيلة لتعزيز تأثيرها الدولي. وهذا لا يعني أن الصين تستخدم فقط السياسة الاقتصادية لتحقيق أهدافها. ففي الحقيقة، وسعت الصين وبشكل متزايد قدراتها العسكرية واستخدمت قوتها العسكرية الجديدة التي بنتها على مدى العقدين الماضيين من أجل ترهيب تايوان والتدافع مع الهند بشأن الحدود المتنازع عليها وضغطت باتجاه زعم السيادة على بحر جنوب وشرق الصين.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه قادة الصين القوة العسكرية ضرورية لحماية الوطن والمصالح القومية الجوهرية ومواطنيها واستثماراتها في الخارج إلا أنهم أظهروا ترددا أو رغبة بالمشاركة في التزامات أمنية خارجية تورطهم في نزاعات بعيدة. وراهنت الصين بدلا من ذلك على أن تقديم القروض والاستثمارات والفرص التجارية والتعامل التجاري مع أي دولة ذات سيادة، بعيدا عن شخصيتها وسجلها في الداخل، سيعطيها أصدقاء وتأثيرا، وأثمرت هذه الإستراتيجية ثمارها. فقد رحب الكثير من شركاء الصين، وبخاصة في دول العالم النامي بالتبادل ودعموا بالمقابل مصالحها الجوهرية. وعادة ما يكون هذا الدعم سياسيا، مثل التأكيد على مبدأ “صين واحدة”، الصمت أو حتى الثناء على سياسات بيجين القمعية في إقليم شنجيانغ ودعم أجندتها في المنابر الدولية المتعددة الأطراف كالأمم المتحدة. وإلى جانب المحفزات الاقتصادية تبنت الصين سياسة الإكراه لمعاقبة الدول التي تتحدى مطالبها مثل استراليا والتي فرضت الصين عليها تعرفة جمركة قاسية، وذلك بعد حظرها شركة الإتصالات العملاقة “واوي” ودعمها لتحقيق دولي في منشأ كوفيد-19.
لا يتوقع أن تتخلى الصين عن استراتيجيتها الجيو- اقتصادية كوسيلة للهيمنة.
ولا يتوقع أن تتخلى الصين عن استراتيجيتها الجيو- اقتصادية كوسيلة للهيمنة. ولكن هناك سيناريوهين محتملين قد يدفعان بيجين لبناء شبكة حسنة النية من الحلفاء. الأول، في حالة ما لاحظت الصين تدهورا حادا في المناخ الأمني الذي قد يقلب تحليلها القائم على العائد ويدفعها للتحالفات العسكرية الرسمية. أما الثاني، فحينما تقرر أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة عسكرية مهيمنة، ليس في منطقة المحيط الهادئ- الهندي ولكن على المستوى العالمي. وقد يتوصل القادة الصينيون إلى هذه النتائج لو توصلوا في تقييماتهم أن مصالح الحزب الشيوعي الجوهرية مثل تمسكه بالسلطة في الداخل وسيطرته على إقليم شنجيانغ والتبت وهونغ كونغ وسيادته على تايوان سيكون من المستحيل الدفاع عنها بدون عقد اتفاقيات دفاع رسمية مع الحلفاء الرئيسيين مثل روسيا أو باكستان أو إيران. وفي الحقيقة فالتقييم الصيني بدأ يميل بذلك الاتجاه. مثلا، يقر التعليق الصيني على تعميق العلاقات الصينية- الروسية في السنوات الأخيرة بأنه ردة فعل على التطويق من قبل الغرب، كمحفز رئيسي لهذا التطور والتأكيد على أهمية العمل المشترك بين بيجين وموسكو لصد التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة.
ورغم استمرار الصين التأكيد على أن الصين وروسيا “ليستا حليفتان” إلا أنها بدأت بالتأكيد في نفس الوقت على أنه “لا توجد مجالات مقيدة” أو “حد أعلى” للشراكة. ومنذ عام 2012 شاركت الصين وروسيا بمناورات عسكرية واسعة بما في ذلك مناورات دورية بحرية في بحر جنوب الصين وشرق الصين. وفي بعض الأحيان بالتعاون مع طرف ثالث مثل إيران وجنوب إفريقيا. وفي الشهر الماضي كان البلدان محلا لعناوين الأخبار عندما قام بدورية مراقبة مشتركة في منطقة غرب المحيط الهادئ. ووصفت “غلوبال تايمز” الصحيفة التابعة للحكومة الدورية بأنها ضد الولايات المتحدة التي تتعاون مع حلفاء مثل اليابان وأستراليا. ومن المؤكد أن تاريخ العلاقات الودية الهشة والتنافس والقيمة التي توليها الدولتين للاستقلال الاستراتيجي قد تحد من التعاون والشراكة بينهما. لكنهما تستطيعان عقد صفقة لتقديم التعاون المتبادل من الدعم اللوجيستي إلى الدعم المباشر، بما في ذلك منطقة رمادية أو تقليدية للعمليات العسكرية، حالة تعرض أي منها لتهديد وجودي. وكمثال عن التغير في موقف هي رؤيتها للعلاقة مع الدول المارقة. فقد بدأ قادة الصين بالحديث عن العلاقة الصينية وكوريا الشمالية بنبرة مختلفة جدا. ففي السنوات الماضية حاولت بيجين إبعاد نفسها عن بيونغ يانغ، لكنها قامت في تموز/يوليو بتجديد معاهدة الدفاع المشترك وتعهدت برفع التحالف لمستويات أعلى. ووقعت الصين بداية هذا العام معاهدة تعاون لمدة 25 عاما مع إيران تقدم من خلالها مشاريع اقتصادية واستثمارات مقالا الحصول على النفط الإيراني.
وتعهد البلدان بتعميق التعاون العسكري والتبادل في المعلومات الاستخباراتية وتطوير الأسلحة. وبعد ذلك صادقت الصين على قبول إيران عضوا في منظمة شنغهاي للتعاون، وبعد 15 عاما على الطلب الذي تقدمت به إيران لأول مرة.
وبحسب المحللين الصينيين، فقد تجاهلت الصين الطلب خشية إغضاب أمريكا وخلق انطباع أن منظمة شنغهاي للتعاون تهدف لمواجهة الولايات المتحدة. وقررت التحرك بعدما توصلت إلى أن سياسة الاحتواء الأمريكي ضد الصين ستظل باقية. ولا يعرف المدى الذي ستذهب فيه الصين بتطوير هذه الشراكات، وبخاصة مع إيران وكوريا الشمالية، إلا أن تطورا كهذا يعكس أن رغبة بيجين بعدم توريط نفسها بلاعبين خارجيين مثل إيران وكوريا الشمالية تتراجع نظرا لحاجتها إلى حلفاء. وعلينا ألا ننسى هنا مسألة مصداقية هؤلاء الحلفاء وشكوكهم نحو الصين، مما سيضيف تعقيدات على العلاقة. وقد يقرر قادة الصين في المستقبل القريب أن الطريقة المثلى لحماية المصالح والوقوف أمام الضغط من واشنطن وحلفائها هو التحول إلى قوة عسكرية لا يمكن تجاهلها، وبشبكة من الحلفاء، تماما مثلما فعلت الولايات المتحدة قبل 70 عاما. وبالتأكيد فستجد الصين صعوبة في تقليد المثال الأمريكي، ذلك أن معظم القوى الاقتصادية المتقدمة هي حليفة للولايات المتحدة. وتواجه الصين الكثير من الشكوك حول العالم بشأن نواياها طويلة الأمد وميولها نحو الهيمنة. ويصدق هذا على شركائها في مبادرة الحزام والطريق. وأعربت الكثير من الدول عن أنها لا تريد التحالف الكامل مع الصين أو أمريكا، إلا أن الوضع القائم لن يظل ثابتا، فقد طورت الصين علاقات مع اقتصاديات متقدمة ودول صاعدة وتحاول دق إسفين بين واشنطن وشركائها. وحتى لو لم تكن قادرة على جلب بعض اللاعبين إلى جانبها فإنها قد تدفع باتجاه وضع كفنلندا أثناء الحرب الباردة وإجبار عدد من اللاعبين إلى نبذ علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويمكن أن تنجح مع بعض اللاعبين الرئيسيين في شبه الجزيرة الكورية وجنوب- شرق آسيا. ولهذا فالخطوات الحثيثة التي قامت بها إدارة بايدن من أجل إحياء تحالفات الولايات المتحدة وزيادة مساهمة الحلفاء في منطقة المحيط الهادئ- الهندي تعتبر مهمة في سياق التحول بموازين القوى والتنافس الاستراتيجي. وعلى بايدن الوعي بأنه عندما يتعهد قادة الولايات المتحدة بإعادة تخيل تحالفات واشنطن والعمل باتجاه “رؤية القرن الحادي والعشرين” من “الردع المدمج” فإن بيجين تستطيع عمل نفس الأمر مع شركائها الاستراتيجيين. وهذا لا يعني أن على واشنطن التخلي عن حلفائها على أمل تعديل سلوك بيجين. وبعد كل هذا فخيارات بيجين ستقوم بناء على رؤيتها الاستراتيجية وطموحاتها. وقد تفعل إدارة بايدن جيدا عندما تقوم بفحص أثر سياساتها عندما تقوم بتعبئة حلفائها على رؤية الصين للتهديدات ومنع خلق شبكة تحالف تقودها الصين. ويجب التفكير الجاد بمنع نتيجة كهذا. ويجب التفكير بطرق حول كيفية مواصلة الصين استثماراتها في علاقات مستقرة مع واشنطن، والتأكد من التعامل مع كل الدول وليس تلك المتفقة مع الولايات المتحدة وبل والواقعة خارج دائرتها التقليدية، ومنحها خيارا بدلا من أن تستنتج أن الطريق الوحيد أمامها هو التحالف مع الصين. فالنظرة الإستراتيجية والتخطيط ضروريان لمنع انحراف العالم نح عالم أكثر انقساما بكتلة تقودها الصين، الأكثر تشابكا وتدخلا