اثر انهيار الاتحاد السوفياتي بداية تسعينات القرن الماضي،اشتدت الاطماع الدولية ازاء الثروات الكبيرة الي يزخر بها بحر قزوين.وقد سارعت الولايات المتحدة الى مليء ما اعتقدته ان فراغ سياسي في المنطقة،وشجعها على ذلك حالة الانهيار والضعف الي عانت منها انذاك روسيا الاتحادية- وريثة الاتحاد السوفياتي. لقد ارادت واشنطن السيطرة علي موارد الطاقة في المنطقة واضعاف التأثير الروسي هناك وتطويق ايران ومنعها من التسلل الى دول بحر قزوين.وبرز طرف اخرمهتم بالمنطقة هو اوربا التي رأت ان من مصلحتها ايجاد بديل لحالة الاعتماد علىروسيا التي تزود اوربا بربع حاجتها من الغاز والنفط.وهناك طرف ثالث اعتقد انه يملك حقا تاريخيا بالتدخل في المنطقة ، تجلى بتركيا التي كانت بامس الحاجة الى الطاقة. وقد تظافرت جهود هذه الاطراف الثلاثة من اجل منع اي اتفاق بين الدول المطلة على بحر قزوين من شأنه ان يقوض الخطط الامريكية،كما سعت امريكا الى خلق وضع جديد يتمثل في ابعاد خطوط نقل الطاقة في المنطقة عن الهيمنة الروسية.، وعن ايران. ان بحر قزوين هو بحر مغلق لا يرتبط بأي من الممرات المفتوحة ، وتبلغ مساحته 371 ألف كيلومتر مربع ويحتوي على ثروات كبيرة تشير التقديرات الأولية إلى انه يحوي 200 مليار من النفط الخام و600 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وبذلك يصبح الاحتياطي النفطي فيه في المرتبة الثالثة عالمياً بعد الخليج العربي وسيبيريا ، جغرافيا تطل عليه خمس دول ، قانونيا كانت تنظمه اتفاقيتان بين إيران والاتحاد السوفيتي سابقا وقعت عام 1921 ، 1940 في شؤون الملاحة وصيد الأسماك والكافيار بالاضافة إلى اتفاقية وقعت بينهما عام 1970 ، لكن هذه الاتفاقيات عفا عليها الزمن. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تصاعدت المشاكل والخلافات بين الدول المتشاطئة خصوصاً بعد أن أصبحت خمس دول بعد أن كانت اثنتان هما إيران والاتحاد السوفييتي ، ، ورغم أن (أذربيجان ، تركمانستان ، كازاخستان ) وهي الدول التي استقلت عـن الاتحاد السوفيتي السابق وأصبحت شريكة في بحر قزوين ، إلاّ أن روسيا ورثت كل التعهدات والاتفاقيات المعقودة بين الدولتين الأساسيتين المتشاطئتين على بحر قزوين ( إيران ، الاتحاد السوفيتي). ومما أثر على توسع قاعدة التنافس تقرب أذربيجان إلى الولايات المتحدة وشركاتها النفطية من أجل استثمار مواردها النفطية ، بل وقرارها المتفرد في هذا الأمر دون مشاورة شركائها الأساسيين روسيا وإيران وذهبت إلى أبعد من ذلك إذ تزعمت حملة لإعادة تقسيم ثروات بحر قزوين بين الدول الخمس حسب نسبة تشاطئها على البحر ، في الوقت الذي ترفض فيه إيران هذا التوجه من منطلق أن أذربيجان لم تحسن اختيار الشريك وأنها ستفتح أبواب المنطقة أمام النفوذ الغربي مما يؤثر على استراتيجية كل من طهران وموسكو كما اسلفنا سابقا ،فان دول قزوين في معظمها، لا سواحل لها وتحتاج إلى استثمارات أجنبية لتطوير مواردها وإيصالها إلى الأسواق العالمية. ويوجد القسم الأكبر من البترول والغاز في أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان. وتركمانستان وأوزبكستان غنيتان بشكل خاص بالغاز الطبيعي. ولكن اكبر الاحتياطيات موجودة في اذربيجان . ان للنفط تاريخاً طويلاً في أذربيجان،ويقول المؤرخون ان استكشاف النفط هناك يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي وربما قبله، حيث كان النفط يوضع في أكياس من الجلد لتحمله الجمال في رحلات طويلة إلى إيران والعراق وبلدان أخرى، حينها كان النفط يستخدم للإضاءة، وفي الأغراض الحربية والطبية، وحينها أيضاً كانت وسائل استخراجه غاية في البدائية. وفي عام 1844م حفر أول بئر للنفط في أذربيجان، وفي عام 1922م شهدت أذربيجان بناء أول مصفاة للنفط في العالم كله، وخلال سنوات الحكم السوفياتي كان نفط اذربيجان يستغل وفقا لسياسة موسكو، وقد أنتجت باكو في الفترة ما بين عام 1941م وعام 1945م حوالى 64% من نفط الاتحاد السوفيتي كله. وبانهيار الدولة السوفياتية وحصول أذربيجان على استقلالها بداية تسعينات القرن الماضي. قررت باكو استغلال مواردها النفطية بأقصى طاقة ممكنة، وتزامن ذلك مع ضجة إعلامية تتحدث عن أن قاع بحر القزوين يحوي كميات هائلة من النفط قدرتها بعض الأوساط بأنها تزيد عن مئة مليار برميل، وأنها تضم أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي. الأطراف الرئيسية في مسألة استثمار هذه الثروات خمس دول تطل على بحر القزوين هي : الجمهورية الإسلامية في إيران، وثلاث دول مسلمة خارجة من عباءة الاتحاد السوفيتي، وهي أذربيجان وتركمانستان وكازاخستان بالإضافة إلى روسيا، و للمفارقة فإن غالبية مناطقها المطلة على بحر القزوين هي مناطق مسلمة.وقد طرحت هذه الدول تصورين متنافرين لاستغلال ثروات بحر قزوين. يقول التصور الاول، ان القزوين بحيرة مغلقة”يعني أن المياه الإقليمية لكل دولة تمتد إلى عشرين ميلاً بحرياً يليها عشرون ميلاً بحرياً أخرى يحق لكل دولة استغلالها اقتصادياً، ثم تظل المساحة المتبقية كمنطقة مشتركة بين الدول المطلة على القزوين تقسم عائداتها الاقتصادية عليهم بالتساوي، وهذا التصور تؤيده كل من روسيا وإيران وتركمانستان. ويتضمن التصور الثاني الرأي التالي: “القزوين بحر مفتوح”يعني أن المياه الإقليمية لكل دولة تمتد إلى اثني عشر ميلاً بحرياً، يليها 200 ميلاً بحرياً أخرى يحق لكل دولة استغلالها اقتصادياً، ، او يمكن تقسيمه بين الدول طبقا لطول سواحل كل دولة مطلة عليه0 ووفقاً لوجهة النظر الأذرية تكون الحصص 11% لإيران ، 17% تركمانستان ، 19% روسيا ، 23% أذربيجان ، وحصة الأسد لكازاخستان 30%. وتدعم اميركا وجهة النظر الأذربيجانية في خلافها مع بقية دول بحر قزوين من منطلق حماية استثمارات شركائها التي بلغت ثلاثين بليون دولار ، إضافة إلى دخول تركيا على الخط وتأييدها أيضاً لأذربيجان لإثبات أنها مازالت المدافع عن المصالح القومية للشعوب التركمانية ، فضلاً عن ارتباطهما باتفاقية عسكرية. وهذا التصور يؤيده أذربيجان وكازاخستان إذن فالمعركة الأولى تدور -أو بالأحرى دارت- حول حق التنقيب عن النفط واستخراجه، وقد اخفقت كل القمم التي ضمت قادة دول قزوين في الوصول الى اتفاق . ولابد من القول، ان الاصابع الامريكية موجودة وراء هذا الاخفاق. وقد شجعت الولايات المتحدة اذربيجان على فتح قطاع الطاقة فيها امام الاستثمارات الاجنبية، وكانت المحصلة ما سمي بصفقة القرن الموقعة في العشرين من شهر سبتمبر/ أيلول لعام1994 . وحسب هذه الصفقة ، فقد تقرر تأسيس تحالف بين شركة العمليات الآذرية الدولية وشركة النفط الوطنية لأذربيجان وبين مجموعة الشركات الأجنبية، وهي إحدى عشرة شركة تمثل سبع دول اهمهاالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والنرويج واليابان ثم تركيا والسعودية. مدة العقد ثلاثون عاماً تعمل خلالها هذه الشركات على استخراج أربع مليارات برميل من ثلاثة حقول نفطية، وتنال أذربيجان 80% من الأرباح، والتي يُعتقد أنها سوف تصل إلى 34 مليار دولار. وقد وصلت نسبة المشاركة الأميركية الى 38.46% فضلاً عن الامتيازات التي مُنحت للشركات الأميركية للتنقيب ولاستخراج البترول في أغنى حقول النفط دون غيرها من الشركات الأجنبية، وبذلك تكون واشنطن قد حصلت علىحصة الاسد وضمنت لنفسها ما يفوق 70% من المشاركة. وسارت واشنطن في الخطوة التالية، وهي بناء خطوط لنقل النفط والغاز بعيدة عن روسيا .وكانت البداية في الاتفاق الذي وقع لاقامة خط ينقل النفط الاذري الى تركيا.وقد اتخذ القرار لاعتبارات سياسية اكثر منها اقتصادية . وفي عام 2001 وضع رؤساء كل من اذربيجان وجورجيا وتركيا حجر الأساس في العاصمة الأذربيجانية باكو لتنفيذ هذا المشروع، وقال الرئيس الأذربيجاني آنذاك حيدر علييف في كلمة ألقاها بهذه المناسبة «إن مشروع بناء خط الأنابيب باكو – جيهان سيعمل على توطيد الروابط بين أذربيجان وجورجيا وتركيا، ويساعد على تعزيز وضمان الاستقرار في المنطقة». كما نسبت الوكالات إلى الرئيس التركي نجدت سيزار القول إن خط أنابيب النفط الذي يجمع البلدان الثلاثة سيضمن أمن الغرب بما في ذلك تركيا في مجال الطاقة. ومن جانبه، ذكر وزير الطاقة الأميركي سبنسر أبراهام الذي شارك في ذلك الاحتفال أن خط أنابيب النفط “باكو – تيبليسي – جيهان” يعتبر عنصراً رئيساً لممر الطاقة بين الشرق والغرب، معرباً عن أمله في أن يؤدي تنفيذ المشروع إلى جذب الاستثمارات إلى المنطقة، ويضمن الأمن في مجال الطاقة ويعمل على تعزيز سيادة واستقلال الدول المطلة على بحر قزوين.وكان من الطبيعي ان تغيب روسيا عن الاحتفال. وقد تأجل العمل في هذا المشروع بضع سنوات الى أن عثرت “بريتيش بتروليوم” على المزيد من النفط في أذربيجان، وبعد أن بدأت أسعار الخام في الخروج من مستوياتها القياسية المنخفضة في أواخر التسعينيات. وتعطي الأوساط النفطية بدورها أنبوب “باكو – جيهان” أهمية خاصة لأن أذربيجان دولة ليست عضواً في أوبك، وهو ما سيعطي أميركا وبريطانيا الشريكان الرئيسيان في الأنبوب فرصة التأثير على دول الأوبك خلال الأزمات النفطية. بدأ بناء خط أنابيب باكو تيبليسي جيهان في العام 2003 وانتهي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2005، ووصلت تكلفته إلى 6،3 مليار دولار، ومن المقرر أن يضخ عبره مليون برميل يومياً، أما طوله فهو 7671 كم (344 كم منها في الأراضي الأذربيجانية، و842 كم في أراضي جورجيا، و6701 كم في أراضي تركيا. وبذلك يكون هذا الخط الاطول في العالم والاغلى من حيث التكلفة. وحسب بعض الدراسات ،فان سعر 60 دولارا لبرميل النفط يغطي تكلفة الضخ والاستخراج فقط.ولا ندري كيف تتصرف الشركات الممولة والحكومة الاذرية الان بعد ان هبط سعر النفط الى نحو الثلاثين دولارا للبرميل الواحد . وضغطت واشنطن من اجل توسيع هذا الخط وبناء خط موازله لنقل الغاز من اذربيجان وتركمنستان الى تركيا. ومرة اخرى تبرز الاعتبارات السياسية قبل الاقتصادية.لقد كان الاجدى من الجانب الاقتصادي، بناء خط لنقل النفط الاذري والغاز عبر ايران .وقدر المختصون تكلفة هذا الخط بنحو مليار دولار فقط. وفي الوقت نفسه، عرضت ايران على باكو اقتراحا اخر اقل تكلفة ، يقضي بان تقوم اذربيجان بتزويد المناطق الشمالية في ايران بالنفط، والمقابل ستبيع ايران كمية مساوية من نفطها لحساب اذربيجان. ولكن الضغوط الامريكية حالت دون تحقيق اي انفتاح باتجاه ايران.ومؤخرا تمكنت روسيا من تعزيز وضعها عندما وقعت مع تركمستا واوزبكستان اتفاقية جديدة لبناء خط اخر لنقل الغاز من هذه الدول عبر روسيا. يذكر ان هناك خطوطا من زمن الاتحاد السوفياتي لنقل الغاز من تركمستان وهي لا تزال تعمل. وفي الوقت نفسه ،شجعت واشنطن باكو على نقل نفطها وغازها عبر الموانيء الجورجية، هذا فضلا عن ان خط باكو –جيهان يمر عبر الاراضي الجورجية ايضا. ويمثل ذلك دعما لنظام تبليسي المعادي لموسكو. بقي ان نقول ان الشركات الاسرائيلية لم تكن بعيدة عن موقع الطاقة في بحر قزوين. فهذه الشركات موجودة في كازاخستان واذربيجان وجورجيا، وحتى في تركمستان، وهي تعمل في ظل عباءة الشركات الامريكية، وتقدم الخدمة والمشورة خاصة في مسائل حماية خطوط نقل النفط. |