كتب محمد خير الوادي :
اول مرة في تاريخها ، تعاني العلاقات السعودية من اجواء فتور وبرودة ، وصلت احيانا الى مرحلة هزٌالاسس التي بنيت عليها هذه العلاقات القديمة التي بدأت عام 1933.
فمنذ استلام الديمقراطيين السلطة في امريكا ، تراكمت علامات الغضب المتبادل بين البلدين ، خاصة العام الماضي ،و بدأت العلاقات الثنائية تفقد جزءا من زخمها ، وانحسرت اجواء الود التي كانت تسود التعاون الثنائي .
ونبدأ من امريكا ، فادارة بايدن ترى ان الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية في اليمن منذ العام 2015 ،لم تعط نتائج ايجابية ، وانه بات من الضروري ايقافها والدفع بمسار التسوية السياسية . ولذلك اتخذت واشنطن بشطب حركة الحوثي من قائمة الارهاب الامريكية قرارا (عللته الخارجية الامريكية بالرغبة في جذب الحوثيين الى طاولة المفاوضات )، واتبعت واشنطن ذلك بخطوة للبنتاغون بالتوقف عن تقديم الدعم اللوجستي لعمليات الطيران السعودي في اليمن .كما تلكأت القوات الامريكية في التصدي للصواريخ الحوثية التي ضربت بعض مصافي النفط السعودية في آذار من العام الماضي .لا بل ان واشنطن قد سحبت بطاريات صواريخ الباتريوت التي كانت تحمي المنشآت النفطية السعودية .
والقضية الثانية التي تغضب الامريكيين ، هي التقارب الكبير الذي بدأت به القيادة السعودية مع عدو امريكا اللدود – الصين ، والتنسيق النفطي غير المسبوق بين السعودية وخصم أمريكا وهو بوتين. فالتعاون السعودي الصيني لم يعد يقتصر على التبادل التجاري وبيع النفط لبكين فحسب ، بل وصل – حسب صحيفة النيويورك تايمز – الى انتاج السعودية -بمساعدة صينية -لصواريخ بعيدة المدى ، و اعتدة عسكرية اخرى . ويرى خبراء امريكييون ، ان التعاون العسكري بين الرياض وبكين ، قد يغير موازين القوى في الخليج لصالح الصين ، ويوفر لها موطئء قدم في تلك المنطقة التي تعتبرها واشنطن حيوية بالنسبة لأمنها .
ولم تجد واشنطن كذلك ،تفسيرا آخرلمواقف السعودية ازاء ازمة الويغور غير الخضوع للرغبة الصينية . ففي الوقت الذي تشن امريكا حملة شاملة للتضامن مع مسلمي الويغور ضد ما تسمية ” القمع الصيني ” وتفرض عقوبات على مسؤولين صينيين تقول واشنطن ان لهم علاقة باضطهاد مسلمي الويغور ، توقٌع السعودية رسالة موجهة الى الامم المتحدة تبارك فيها الخطوات الصينية في اقليم الويغور وتعتبر خطوات الحكومة الصينية تلك شأنا داخليا .
كما ان واشنطن تأخذ على الرياض تجاهل الطلبات الامريكية المتكررة في عدم المضي قدما في التنسيق النفطي مع روسيا . ولم تستجب الرياض للرغبة الامريكية في زيادة انتاج النفط السعودي لكبح جماح ارتفاع اسعار النفط . وعندما اتخذ الرئيس بايدن قرارا بالافراج عن جزء من مخزون الاحتياطي النفطي الامريكي ، اطلق وزير النفط السعودي الشهر الماضي تصريحا لافتا ،يشير الى مدى تدهور العلاقات الثنائية عندما قال : ان القرار الامريكي يخص امريكا وحدها !
وللسعودية – بدورها – مآخذ كبيرة تصل الى حد الغضب من امريكا . فالرياض تأخذ على واشنطن العودة الى الاتفاق النووي مع ايران ، والشروع في احياء المفاوضات النووية مع طهران وتجاهل دول الخليج في هذه المفاوضات ،وتخفيف بعض العقوبان عنها . وتعنبر السعودية ان هذه التوجه الامريكي ، سيشجع ايران على المضي قدما في سياستها الحالية في المنطقة .
اضافة الى ذلك ، فان الرياض غاضبة من اصرار واشنطن على طرح قضايا حقوق الانسان في السعودية ، لا سيما مسألة قتل المعارض الخاشقجي . وللتذكير ، فقد افرجت ادارة بايدن عن جزء من تقرير يتهم مقربين من ولي العهد السعودي في التخطيطي وتنفيذ خطة القتل هذه .
وهناك امور اخرى تغيظ القيادة السعودية منها ،ان الرئيس بايدن يصرعلى التعامل مباشرة مع الملك سلمان ، ويتجاوز ولي العهد الامير محمد ، رغم معرفة واشنطن الاكيدة ،ان محمد بن سلمان هو الملك الفعلي غير المتوج في السعودية . وكتعبير عن غضبه ، رفض الامير محمد في ايلول العام الماضي ،استقبال وزير الدفاع الامريكي اوستن الذي كان يقوم بجولة في دول الخليج .
ورغم هذا الغضب المتبادل ، الا ان الجانبين الامريكي والسعودي ، حريصان على الحفاظ على العلاقاة القديمة بينهما ، وعدم السماح بمزيد من تدهورها . وهذا مايفسر موافقة واشنطن على بيع السعودية مزيدا من الاسلحة المتطورة ، وتكثيف زيارات المسؤولين الامريكيين للرياض . وبدورها ، تسعى القيادة السعودة الى تهدئة الامور مع امريكا وعدم اتخاذ خطوات لاغضابها . واعتقد ان آخر خطوة تمت في هذا المجال ،تجلت في عدم حضور الامير محمد بن سلمان لحفل افتتاح اولمبياد بكين الشتوي ، الذي تقاطعه امريكا دبلوماسيا ، رغم ان الصين اكدت سابقا حضور الأمير محمد ، ورحبت بهذه الزيارة . و لاندري ما هي الاسباب التي منعت ولي العهد السعودي من اتمام الزيارة ، الا ان اوساطا امريكية عبرت عن ارتياحا لذلك .
وانهي مقالتي بالقول ، ان المسؤولين الامريكيين والسعوديين ، لا يملكون ترف المخاطرة بتصدع العلاقات القوية القائمة بينهما ، والتي تعتبر في غاية الاهمية لمصالح البلدين الحيوية .
6/2/2022