كتب محمد خير الوادي :
بعد هدوء نسبي استمر نحو نصف قرن ، نشهد اليوم تنافسا دوليا مستعرا للوصول الى القمر واقامة مستوطنات تقنية هناك.
فاضافة الى الدول التي تملك برامج مستمرة لاستكشاف القمر ، مثل امريكا والصين ، سارعت دول اخرى مثل روسيا والهند واليابان وغيرها للانخراط في هذا السباق المكلف حقا . فامريكا مثلا، رصدت عام 2018 نحو مائة مليار دولار لتمويل برامج جديدة لاستكشاف القمر . والصين خصصت نحو ثلاثين مليار للغرض نفسه .وسارت روسيا في الاتجاه ذاته برصد اكثر من ستتة مليارات دولار . بل ان دولة مثل الهند ، تعاني من نقص الموارد وزيادة مفرطة في السكان ، وجدت من المناسب اقتطاع مليارات الدولارات من خططها التنموية للانفاق على برنامجها القمري المسمى تشاندران .
والسؤال الذي يطرح نفسه : ما السر في عودة هذا الاهتما م الدولي الكبير بالقمر ؟
اعتقد ان هناك اسبابا ثلاثة وراء ” هذه الصحوة القمرية “.
السبب الاول ، سياسي ، و يتجلى في ظهور منافسة شديدة بين الصين وامريكا على شغل المركز الاول في العالم ، الذي كان حكرا على امريكا . وهناك قناعة ، ان غزو الفضاء –بما في ذلك القمر – بات عنصرا اساسيا لتدعيم طموح اية دولة تسعى الى دور كبير على مستوى العالم .وقد انضمت دول كبرى الى هذه ” المنازلة ” الكبرى ، املا في الفوز بمقاعد متقدمة في مجلس ادارة العالم .
السبب الثاني – والاهم – وهو اقتصادي . فقد اكدت الابحاث العلمية والاستكشافات القمرية التي تمت حتى الآن ،وجود ثروات اسطورية من المعادن والغازات النادرة في تربة القمر . فهناك معادن نادرة منها كما -تقول الابحاث- الاسكانديوم والاتريوم وغيرها ، وهي تستخدم في تصنيع الهواتف والحواسيب الذكية والتقنيات المستقبلية . وهناك غازات يندر وجودها على الارض كالهيليوم -3 ، والتي تكفي عدة غرامات منها لانتاج طاقة تعادل الاف الاطنان من الفحم والنفط . والدراسات تقول بان القمر يملك مبدئيا اكثر من مليون طن من هذا الغاز النادر . فضلا عن ذلك ،تملك تربة القمر كميات هائلة من معادن الذهب والبلاتينيوم وغيرهما من المعدن الثمينة . وقد اسهم التقدم العلمي والتقني ، في توفير المستلزمات والادوات العلمية لهذة القفزة الفضائية ، من اجهزة التحكم عن بعد، الى وجود السفن التي تمخر عباب الفضاء بسرعات فلكية ، الى تصنيع الروبوتات الآلية التي تحل مكان الانسان في القيام بكل مهمات استثمار موارد القمر في اقسى الظروف الجوية ،ودون الحاجة الى توفر الاوكسجين والماء والطعام . ومؤخرا ، دخل على الخط الذكاء الاصطناعي الذي سييسر مهمات استكشاف القمر وبقية الكواكب ، بطرق آمنة وباقل التكاليف.
السبب الثالث وهو عسكري .وهو مرتبط بعسكرة الفضاء . فهناك خطط وبرامج موجودة ، لبناء قواعد عسكرية على سطح القمر .وهذه القواعد ستكون – حسب مخططيها – قادرة على توجيه ضربات الى اي منطقة في العالم ،دون المخاطرة بالتعرض لضربات انتقامية جوابية .
لقد ادرك العالم خطورة عسكرة الفضاء واهمية استثمار موارد كواكبه منذ زمن طويل ، ولذلك بادرعدد كبير من الدول الى صياغة اتفاق عالمي عام 1966 ، اعيدت صياغته عام 1979 ، وهو يشير صراحة ،الى ان القمر يجب ان لا يصبح ملكا لاية دولة اوجهة خاصة . لكن القوى الكبرى لم تصادق على هذا الاتفاق لاعتبارات كثيرة منها ، انها تدرك ان مستقبل العالم كله موجود على القمر ، وان من يملك ثروات القمر ويقيم قواعد هناك ، سيتحكم فعليا في مصير هذا العالم ومسار الاحداث فيه .
لهذه الاسباب تتنافس الدول الكبرى في الحصول على موطيء قدم على القمر .
ان القمر ، والفضاء الشاسع، هو ملك للبشرية كلها ، وان سعي بعض الدول – مستغلة قدراتها العلمية والعسكرية – للاستئثار بالفضاء، هو سلوك اناني مدان ،ويخالف تطلعات شعوب الارض باكملها . وان العودة الى الاتفاقات الدولية حول الفضاء ، والتي تشير صراحة الى ملكية البشرية كلها للفضاء ، هو السبيل الافضل لابقاء الفضاء عامة – والقمر خاصة – بعيدا عن الصراعات الارضية ، ويجنبه التدمير المنهجي الذي يتعرض له كوكبنا لازرق الجميل، واعنى الكرة الارضية .
26/8/20123