كتب محمدخير الوادي:
عام 2004 ، التقيت في الصين لي كيوان يو،الرجل الاسطوري الذي صنع معجزة اسمها سنغافورة، والذي اثبت ان قوة الدول لا تقاس بحجمها ولا بمواردها ، وانما بعقول ابنائها وحكمة قادتها.جرى اللقاء على هامش فعالية رسمية اقامتها سفيرة سنغافورة في الصين بمناسبة ذكرى اقامة العلاقات بين البلدين .
كان لي كيوان يحظى بمكانة رفيعة في كل آسيا والعالم . وكان قادة الصين يطمحون الى لقاء الرجل بهدف واحد، وهو الاصغاء الى ارائه حول سبل النهوض الاقتصادي ومعالجة المشكلات، وقد وصل الامر الى حد القول ان لي هو احد المساهمين في التحول الكبير الذي غير مجرى التطور في الصين .وكان قادة اليابان يحجون الى سنغافورة من اجل اللقاء مع لي كيوان يو والاستفادة من رؤيته في التطور .والشيْ نفسه فعله مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الاسبق، الذي اعلن انه اراء لي انارت له طريق بناء ماليزيا . ولم يخف قادة امريكا اعجابهم بالرجل ، حيث وصفه الرئيس نيكسون بانه اهم زعيم عالمي مفكر التقى به ، ووصفه قادة اليابان انه “مصنع للافكار الخلاقة “.
جرى اللقاء في مبنى السفارة السنغافورية ببكين ، وحضره عدد كبير من الشخصيات القيادية الصينية .تحدث الرجل عن تجربته في قيادة بلاده من العالم الثالث المتخلف الى العالم الاول المتطور ، وكيف حول سنغافورة من مزبلة ومرتع للامراض والمخدرات ،الى حديقة للزهور وعنوانا للنظافة والصحة والانضباط والالتزام بالقانون في العالم كله .وكيف نقل مدينة متخلفة مساحتها 600 كم مربع، بلا موارد وخدمات اسمها سنغافورة، الى اولى المراكز المالية والنفطية في العالم ،ورفع دخل الفرد هناك من عدة مئات من الدولارات سنويا الى نحو اربعين الف دولار آنذاك .
سألته: ما سر المعجزة السنغافورية : اجاب : لا توجد اسرار ، بل حصيلة جهد هائل لشعب بأكمله ارتكز الى عوامل ثلاثة : اولها اننا ركزنا على صناعة الانسان ، ولذلك فتحت المدارس والجامعات واوفدت الاف الطلاب الى الخارج للدراسة وامنت لهم سبل الانتاج والابداع في سنغافورة .وثانيا انني حرصت على بناء نمط خاص من نظام اجتماعي مختلف عن مثيله الاوربي القائم على الرأسمالية المتوحشة والمتاجرة بالديمقراطية ، وبعيدا عن النظام الشيوعي ذي المركزية الشديدة والمعرقل للفردية الخلاقة ( وهذا الكلام قاله في الصين التي يحكمها حزب شيوعي وبحضور قادة من الحزب الشيوعي الصيني !) . وثالثا: جئت الى السلطة بهدف بناء وطني وليس تكديس الاموال .
التقيته من جديد عام 2006، ولكن هذه المرة في منتدى بوآو الصيني الذي يعقد مرة كل سنتين في جزيرة هاينان.القى الرجل محاضرة اكد فيها ، بان الفقروالتخلف ليسا قدر شعوب آسيا ، وانه بامكان هذه القارة الكبرى النهوض اعتمادا على العلم والمعرفة وضمان حرية العمل والابداع .وكان صارما بقناعته حول اهمية الانضباط في العمل، ورفضه لمعظم مبادئء الديمقراطية الغربية في الحقل السياسي . طلبت لقاء خاصا معه . ورغم ازدحام وقته ، لكنه وافق .كان من المنطقي ان ابدأ بسؤال عن علاقته بالصين . اجاب : الصين جار كبير لنا ، وقد خالفت نصيحة البريطانيين والامريكيين بالابتعاد عن الصين . وكنت مقتنعا بان الصين ستنهض عاجلا ام آجلا ، ومن الخير لسنغافورة ان تكون صديقا للصين ، وبذلك نتقي اخطار نهوضها ونستفيد من تقدمها. لذلك – والكلام للي كيوان – لم ابخل بتقديم النصيحة للقائد الصيني دينغ شياو بينغ الذي قاد عملية الاصلاح هناك . واضاف زعيم سنغافورة : قلت لدينغ : ان الشرط الاول لنهوض الصين هو ان تتوقف عن التزمٌت الايديولوجي ، وان تكف عن محاولات تصدير الافكار الشيوعية ، وان تقيم علاقات شراكة مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة . وقلت له ايضا عندما زار سنغافورة عام 1978:ان عليك ان تكون مرنا في الاقتصاد والسياسة ، والا تتمسك بالمباديء ، و لا تخف من الاخفاق ، وان تكون النتيجة على الارض هي مقياس النجاح لاي قرار . وان تبدأ بتجارب صغيرة ، فان نجحت ،يجري تعميمها، وان اخفقت يكون تأثيرها السلبي محدودا . وسألني دينغ خلال زيارة اخرى لسنغافورة – والكلام للي كيوان – ولكن من اين نبدأ ؟ لم القي محاضرة نظرية عليه ، بل قررت ان يستقي هو الجواب من التجربة السنغافورية ، ولذلك اصطحبته عام 1986 الى حديقة العلوم والتقانة في سنغافورة ، وهي واحدة من النماذج الاقتصادية الناجحة التي بدأنا بها بهدف توجيه التنمية الاقتصادية نحو توطين التقنيات الجديدة. لقد كانت الغاية من انشاء هذه المنطقة التقنية الخاصة ، التأكيد على ان عصر الصناعات المكثفة العمالة قد قامت بدورها في توظيف المواطنين ،ولكنها لن تخدم سنغافورة في المستقبل لصغر مساحة البلاد وقلة سكانها ،ولكون الدولة المجاورة لنا (الصين) أصبحت هي الآن المركز المفضل عالميا للصناعات التقليدية ذات الكثافة العمالية. وفيما بعد ، تم تعمييم تجارب المناطق الخاصة في الصين .
واضاف لي :عام 1978 كان عمرالزعيم الصيني دينغ حينها 74 عاما، وقد بهرني ان شخصا بهذه السن المتقدمة كان مرنا وقادرا على تبني قرارات جريئة. ولذلك لم ينزعج من آرائي ونصائحي ، و الثابت ، ان دينغ شياو بنغ قد اتخذ – على اثر تلك الزيارة – قرارا بتبنى سياسة الاصلاح والانفتاح الاقتصادي التي غيرت وجه الصين لاحقا . وكنت -والكلام للي – في كل مرة ازور فيها الصين اسمعه يقول لزملائه : اذهبوا الى سنغافورة وتعلموا كيفية العمل والنجاح .
وسألته: لقد قدمت نصائح قيمة للزعيم الصيني دينغ وخاصة تلك في ان يبدأ من من تجربة متقدمة في سنغافورة هي الحدائق التقنية ، وسؤالي من اين بدأت انت في عملية الاصلاح في سنغافورة ؟
قال لي كيوان : عندما جئت الى الحكم كان عمري خمس وثلاثون عاما، كانت الصورة قاتمة في البلاد. فلم نكن نجد ما نأكله ، فقد كان الفقر معششا في كل مكان ، وكان التخلف عنوان سنغافورة ، والجهل والامية سمتها، وكانت المخدرات والجريمة تفتكان بالمجتمع ، وكان الفساد مستشريا في كل مفاصل الدولة . بدأت بتطوير قطاعين اساسيين هما التعليم والاقتصاد، والتركيز على مكافحة الفساد. في التعليم، بنيت المدراس، والجامعات، و أرسلت الشباب إلى الخارج للتعلم، وتمت الاستفادة من دراساتهم لتطوير الداخل السنغافوري.وقلت للجهاز المشرف على التعليم والتدريب: لا اريد منكم تأهيل عمال عاديين ، بل تخريج كوادر فنية عالية المستوى وتمتلك ثقافة تقنية نوعية .وضربت لهم مثلا : ان اربعة من التقنيين ذوي المستوى الرفيع ، قادرون على ادارة اربعة معامل في كل منها آلاف العمل ! وفي الوقت نفسه،وضعنا استراتيجية جذب المبدعين من كل انحاء العالم، والان يتنافس مبدعو العالم للحضور الى سنغافورة والاقامة والعمل فيها . واردف لي قائلا : انا دائما اذكر الحكمة الصينية التي تقول ان سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعشر ضرورية لكي تنمو شجرة، ومائة ضرورية لكي ينمو إنسان، صحيح انه لم تمر مئة سنة علينا منذ الاستقلال عن بريطانيا ، لكننا خلال هذه الفترة تمكنا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم ، يؤمنون بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم، وارسينا نظاما تعليميا مبنيا على قاعدة تقول : لا تقمع الفضول عند الأطفال ولا تسكت صوتهم واعطهم حرية التعبير. وفي الاقتصاد انشأنا هيئة التنمية الاقتصادية ومهمتها جذب الموارد الخارجية وتسهيل عمل المستثمرين وحثهم على الاستثمار في أربع صناعات أساسية هي: بِناء وصناعة السفن، هندسة المعادن، الكيمياويات، والأدوات الكهربائية.وكنت حازما جدا في مكافحة الفساد.وكانت قناعتي ان القضاء على الفساد لا يتم الا عبر تنظيف قمه الهرم في الاقتصاد والسياسة . فغسل السلالم وتنظيفها يتم من الأعلى لا من الاسفل .ولتحقيق ذلك انشأنا جهازا خاصا للتحقيق في قضايا الفساد ومكافحتها .ومُنح هذا الجهاز كافة الصلاحيات في التحقيق والاعتقال واستدعاء الشهود، بالإضافة إلى صلاحية الاطلاع على الحسابات البنكية والذمم المالية الخاصة بالمتهمين بشبه الفساد وكل أفراد عائلتهم أيضا. وحصٌنا القضاء وحميناه . فالقضاء النزيه هو الركيزة الأساسية والقوة الداعمة التي اعتمدتُ عليها في القضاء على الفساد، . وقد بات القضاء الماليزي ،من حيث النزاهة والشفافية ، مثالا يحتذى به عالميا، باعتراف المفوضية الدولية للقضاء. واضاف لي كيوان : لقد نجحت توجهاتنا الاقتصادية في جذب شركات النفط الكبرى مثل ” شل و أيسو “، وتم انشاء المصافي النفطية، و مصانع التكرير. و بحلول التسعينات، أصبحت سنغافورة ثالث أكبر مركز لتكرير النفط في العالم بعد “هيوستن ونوتردام”، و ثالث أكبر مركز لتجارة النفط بعد نيويورك و لندن، و أصبحت سنغافورة مُنْتِجاً رئيسياً للبتروكيمياويات على مستوى العالم.، كما تمكنت حدائقنا التقنية من تحويل البلاد الى واحد من اكبر المنتجين العالميين في مجال الاقراص المدمجة وتقنية الاتصالات .لقد نجحت توجهاتنت الاقتصادية والدليل على ذلك انه منذ بداية عام 1980، استطعنا تخقيض معدل البطالة في البلاد إلى 3%، و ارتفع الناتج المحليالإجمالي من 7 مليار دولار في عام 1960م إلى 87 مليار دولار عام 2002م، و ارتفع دخل الفرد من 435 دولار، إلى 30 الف دولار سنوياً في نفس الفترة الزمنية( الان خمسون الف دولار).
وصمتٌ الرجل ملمحا الى نهاية اللقاء ، لكنني عاجلته بسؤال عن فهمه للديمقراطية الغربية وطبيعة البناء السياسي . قال لي : انا شخصيا لم اشغل وقتي بالنقاش حول مسائل نظرية مثل الديمقراطية ونوعية البناء السياسي . كان همٌي الأول ان اطعم شعبي وأوفر له الحياة الرغيدة والاستقرار. فما قيمة ان تمنح الناس الحريات الديمقراطية وهم جائعون !.وهل من العدل ان نشغل انفسنا بالتنافس على السلطة في ظل انتشار الفقر والتخلف والفساد والجريمة ؟ لم يكن لدي وقت للثرثرات السياسية . كان وقتي كله مخصص لانتشال شعبي من براثن التخلف ورفع بلدي الى مصاف الدول المتقدمة !.
التقيت لي مرة اخرى وكان قد تخلى عن رئاسة الوزراء لابنه ، واكتفى بشغل منصب اسماه وزير الافكار . سألته عن رأايه بالمنطقة العربية وسبل نهوضها ، اجاب :التقيت عددا كبيرا من القادة العرب ومن بينهم شخصيات كبيرة مثل جمال عبد الناصر، و زرت عددا من الدول العربية ومن بينها السعودية عام 2009، والقيت هناك محاضرة بعنوان: لو كنت سعوديا ماذا افعل ، قلت لهم ان لديكم ثروات كبيرة استثمروها بشكل اساسي في تطوير الانسان لانه العنصر الاساسي في التنمية .وقلت لهم اهتموا بالتعليم وانقلوه من التعليم الديني ومن التغني بالماضي الى تعليم العلم والتقانة وكيفية صناعة المستقبل ، وقلت لهم كافحوا المحسوبية والفساد واعطوا فرصا متساوية لشعبكم واهتموا بالمبدعين واستقطبوهم . واضاف لي : العرب لديهم امكانات وثروات هائلة ، لكن للاسف يبددونها في التافس السياسي فيما بينهم ، بينما المطلوب استثمار هذه الثروات في الاقتصاد والتعليم ، اغلب قادة العرب مشغولون بالتاريخ ، ورأي ان عليهم ان ينشغلوا بالمستقبل ، وان يغمضوا اعينهم عن ماآثر الماضي ويعملوا من أجل زيادة تأثيرهم وحضورهم الان . لم أساله هل اخذ احد من القادة العرب بنصائحه – كما حدث في الصين وماليزيا واليابان – فالواقع المزري العربي يقدم الجواب الكافي والشافي .
لم التق لي كيوان يو بعد ذلك ، ولكنني كنت اتابع انشطته ومحاضراته ومذكراته التي نشرها في جزئين ، الاول بعنوان “قصة سنغافورة”، والتي تغطي رؤيته لتاريخ سنغافورة حتى انفصالها عن ماليزيا عام 1965، والثاني بعنوان “من العالم الثالث إلى الأول ” ويروي كيف انتقلت سنغافورة من دولة نامية إلى دولة متقدمة.
في احدى محاضراته تحدث لي كيوان يوعن الدرس الذي استفاده من الاستعمار البريطاني لبلاده. قال الزعيم السنغافوري : ان كلمة الاستعمار مكروهة لانها تقوم على احتلال ارادة الاخرين ، والبريطانيون خلقوا لنا مشكلات كثيرة منها الفقر والتخلف والصراعات الاتنية ، لكن الوجود البريطاني قدم لي درسا ثمينا وهو ان بريطانيا العظمى لم تتمكن من حكم سنغافورة بقوة الحديد والنار فحسب ، بل استطاعت الهيمنة علينا ، لانها تملك المعرفة والتقنية ، وما اثار الاستغراب ، ان لي رجا البريطانيين لتمديد ” استعمارهم ” لبلاده عشر سنوات اضافية تخصص لاعادة تأهيل البلاد وبناء بنيتها التحتية . ولكن البريطانيين رفضوا هذا العرض وآثروا الرحيل المبكر ! وقناعتي ان لي لجأ الى ذلك بنية الاستفادة من المستوى المتقدم لبريطانيا في بث العلم والتقانة بمفاصل الدولة الوليدة . وهذا دليل اضافي على ان الاستعمار لا يحمل الحضارة والتقدم لشعوب العالم ، بل التخلف واغتصاب الارادة ونهب الثروات . كان لي على قناعة تامة بان الطريق لتحقيق الاستقلال الحقيقي يمر عبر امتلاك ناصية العلوم والتقانة .وقد تمكن الزعيم السنغافوري من تعويض انعدام الثروات الطبيعية في بلاده من نفط وغاز ومعادن ، بالاستثمار في الثروة الوحيدة التي يملكها وهو الشعب ، والعمل على دمجه بالمعرفة والتقانة العالية . وقد انجز ذلك عبر مبادرة وطنية شملت إنشاء عدة مناطق صناعات تقنية ذات معايير عالمية في البلاد. وتمكنت سنغافورة – من خلال هذه المناطق – من جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوظيف آلاف المواطنين من مهندسين وباحثين وموظفين ، مما اسهم في دعم التنمية الاقتصادية المستدامة فيها. وتركز مناطق الصناعات التقنية في سنغافورة على تقنية المعلومات والاتصالات والالكترونيات والتقنية الحيوية ، ويوجد بها نظام متطور يهدف إلى انتقاء المنشآت التي تركز على انتاج التقنيات العالية ورعايتها .
لن اشيد بالرجل الذي رحل عام 2014 وعمره 91عاما ، ولكني اترك للوقائع الحديث عن نفسها . كانت سنغافورة قرية متخلفة للصيادين ، ولكن لي كيوان يو حولها الى واحدة من أغنى أغنياء بلدان آسيا والعالم وأكثرهم تقدما، على الرغم من انها واحدة من اصغر دول العالم من حيث المساحة وعدد السكان .
كانت سنغافورة مرتعا للجهل والامية والامراض المستعصية ، وكانت اكوام الاوساخ تحدد وجه هذه الدولة ، فباتت اليوم واحدة من الدول التي يضرب بها المثل في النظافة وارتفاع مستوى التعليم ،ومقصدا لكل عباقرة العالم ، حتى ان احد مؤسسي موقع الفيسبوك اثر مؤخرا التخلي عن جنسيته الامريكية والانتقال للعيش في سنغافورة ! ويحق للرجل ان يفخر بما صنعه لبلاده عندما قال :
عندما جئت الى الحكم وكان عمري خمس وثلاثون عاما لم نكن نجد ما نأكله ، كان الفقر معششا في كل مكان ،وكان التخلف عنوان سنغافورة وكان الجهل والامية سمتها.الان وانا اغادر الحكم وعمري تسع وثمانون عاما ، استطيع القول ان انني فخور بما صنعه شعب البلاد بملايينه الخمس.
توفي لي كيوان يو، ولكنه خلف وراءه معجزة حقيقية اسمها سنغافورة ، وتراثا من الفكر والتجارب غير وجه جنوب شرقي اسيا، واثرى الحضارة الانسانية ، واستحق عن جدراة لقب الزعيم المفكر وصانع المعجزات .3/10 / 2016
لمحة عن لي كوان يو
ولد لي في سنغافورة، ودرس في كلية رافلز بسنغافورة. وفي عام 1949 تخرج في جامعة كمبردج بإنجلترا بدرجة جامعية في القانون. عاد لي إلى سنغافورة عام 1951 وأصبح محاميًا عماليًا. وقد ساعد في تأسيس حزب العمل الشعبي، أكبر الأحزاب في سنغافورة عام 1954، ثم أصبح لي رئيسًا للوزراء عام 1959م حين حصلت سنغافورة على الحكم الذاتي وعاد لي رئيسًا للوزراء بين عامي 1963 و1965 بينما كانت سنغافورة جزءًا من اتحاد ماليزيا. واستمر لي في ذلك المنصب بعد أن أصبحت سنغافورة دولة مستقلة عام 1965.
في الانتخابات العامة التي جرت في 30 مايو 1959، فاز حزب الحراك الشعبي بـ43 مقعداً من 51 مقعد في المجلس التشريعي. وحصلت سنغافورة على الحكم الذاتي مع استقلال ذاتي في كل شئون الدولة ماعدا الدفاع والعلاقات الخارجية، وأصبح لي أول رئيس وزراء لسنغافورة في 3 يونيو 1959، .
بعد أن اقترح رئيس وزراء الملايو تونكو عبد الرحمن تشكيل اتحاد كان سيضم مالايا، سنغافورة، صباح وسرواك في 1961، بدأ لي حملة للاندماج مع ماليزيا لإنهاء الحكم الإستعماري البريطاني. وقد استعمل نتائج الإستفتاء الذي أجري في 1 سبتمبر 1962، حيث كانت اغلبية الأصوات مؤيدة لاقتراحه، ليوضح أن الشعب يؤيد خطته. ومن خلال هذه العملية سحق لي الجماعات المتعاطفة مع الشيوعية التي كانت معارضة بشدة للإندماج.
وفي 16 سبتمبر 1963، أصبحت سنغافورة جزءاً من اتحاد ماليزيا. إلا أن هذا الاتحاد كان قصير العمر. فالحكومة المركزية الماليزية، التي كانت تحكم من خلال المنظمة الوطنية للملايو المتحدين ، أضحت قلقة من ضم الغالبية الصينية بسنغافورة والتحدي السياسي من حزبها في ماليزيا. عارض لي خطط الحكومة ، واستخدم الهتاف الشهير لمؤتمر التضامن الماليزي “ماليزيا الماليزية!”، أي أمة تخدم القومية الماليزية، وليس فقط عرق الملايو. وتوترت علاقاته بشدة. مع الحكومة بل ورغب البعض في إلقاء القبض عليه.
تلت ذلك اضطرابات عرقية، اندلعت في يوم المولد النبوي الإسلامي الشريف (21 يوليو 1964)، بالقرب من معامل الغاز في كـَلانك، والتي قـُتـِل فيها 23 شخصاً وجـُرح المئات ،عندما هاجم الصينيون والملايو بعضهم البعض. ومازال سبب اندلاع تلك الاضطرابات موضع خلاف، والنظريات تتضمن إلقاء شخص صيني زجاجة على احتفال إسلامي، بينما يدفع الآخرون بأن الاضطرابات بدأها شخص من الملايو. اندلع المزيد من الاضطرابات في سبتمبر 1964، وقد نهب المتظاهرون السيارات والمحال، مما دفع كل من تونكو عبد الرحمن ولي كوان يو للظهور علناً لتهدئة الموقف. وقد ارتفعت أسعار الغذاء بدرجة كبيرة أثناء تلك الفترة، بسبب تعطل المواصلات، مما فاقم الوضع.
وبسبب عدم قدرته على حل الأزمة، د قرر رئيس الوزراء الماليزي، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من اتحاد ماليزيا، مختاراً أن “يقطع كل الروابط مع حكومة ولاية لم تقم باي اجراء ايجابي تجاه الحكومة المركزية”. وقد كان لي مصراً على الوحدة وحاول التوصل لتسوية ، إلا أنه لم يفلح. وقد اقتنع ان الانفصال لا مندوحة عنه. فوقـّع لي كوان يو اتفاقية الإنفصال في 7 أغسطس 1965، التي نظمت علاقة سنغافورة بماليزيا بعد الانفصال لمواصلة التعاون في مجالات مثل التجارة والدفاع المشترك.
كان فشل الإندماج صدمة قوية للي، الذي آمن بأهميته لبقاء سنغافورة. وفي مؤتمر صحفي متلفز، انهار عاطفياً أثناء اعلانه الانفصال للشعب عندما قال :
“بالنسبة لي، فهذه لحظة كرب. فلقد آمنت طوال حياتي، البالغة، بإندماج ووحدة المنطقتين. … والآن، فها أنا ذا، لي كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة، أصرح هنا وأعلن نيابة عن شعب وحكومة سنغافورة أنه من اليوم، التاسع من أغسطس في سنة ألف وتسعمائة وخمس وستين، فسوف تكون سنغافورة إلى الأبد أمة مستقلة وذات سيادة، مؤسسة على مبادئ الحرية والعدالة وتسعى دوماً لرفاهية وسعادة الشعب في مجتمع هو الأكثر مساواة وعدالة.”
مضى لي قدماً في تحسين العلاقات مع مهاتير محمد ، قام لي بدعوة مهاتير لزيارة سنافورة عام 1978. وطدت الزيارة الأولى والزيارات اللاحقة العلاقات الشخصية والدبلوماسية بينهما. أخبر مهاتير لي بقطع العلاقات مع زعماء حزب الحراك الديمقراطي الصيني؛ في المقابل، تعهد مهاتير بعدم التدخل في شؤون سنغافوريو الملايو.
انتقد الغرب لي وبخاصة ، بدعوى تقليص الحريات المدنية. من جانبه، قال إن هذه التدابير التأديبية جرت جنبا إلى جنب مع سيادة القانون وهي ضرورية للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي. في عام 12 أغسطس 2004 أصبح إبنه لي هسين لونغ ثالث رئيس وزراء لحكومة سنغافورة أما هو فعين نفسه مستشارا في منصب الوزير المفكر للحكومة .بعد الإنتخابات العامة التي تمت سنة 2011 أعلن لي كوان يو تركه الحكومة وإفساح المجال للدماء الشابة الجديدة. توفي في 23 مارس 2015 عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاما.