محمد بن صقر السلمي
مقدمة
تزحف الصين بقوَّة نحو قمَّة النظام الدولي، وذلك ترجمةً لرؤيةٍ تبنّاها الحزب الشيوعي بتطوير الصين لتُصبح دولةً متقدِّمةً متوسِّطة المستوى بحلول عام 2035م، وإلى قوَّةٍ عُظمى على مستوى الولايات المتحدة عام 2050م. هذا الاندفاع الصيني فرضَ على واشنطن ضرورةَ مراجعة سياساتها تجاه بكين، وبالفعل بدأت في التحوُّل من سياسة الشراكة الإستراتيجية التي سادت بعد نهاية الحرب الباردة على المستوى الدولي إلى التنافُس الإستراتيجي.
يقفُ وراء تبنِّى الولايات المتحدة خيارَ المنافسة الإستراتيجية رغبةٌ مبدئية في إقناع الصين بعدم السعي نحو تهديد طبيعة النظام الدولي القائم والمكانة الأمريكية على قمّته، أو إنهاكها وفرض قيودٍ على تحوُّلها إلى قوّة تحويلية وتعديلية لهيكل النظام الدولي، وتشمل التحرُّكات الأمريكية في هذا الإطار العمل على: استعادة التوازُن الإستراتيجي بمنطقة غرب آسيا بتوجيه الموارد والقوّات نحو الشرق الأقصى، وإبقاء المزايا الاقتصادية والتفوُّق التكنولوجي لصالح الولايات المتحدة، وأخيرًا حشد التحالُفات لدعم القيم والمعايير التي ترعاها الولايات المتحدة.
لا شكّ أنَّ استجابة الصين لهذه التحرُّكات الأمريكية، هي التي ستُحدِّد طبيعة الصراع على المستوى الدولي، فالفارقُ كبيرٌ بين تبنِّي الصين سياسةً أقّل عدوانية، ومدى رضاها عمَّا ستُقدِّمه الولايات المتحدة لها من مزايا، وبما يضمن بقاء القوَّتين ضمن هيكل النظام القائم، وبالتالي إعادة الاعتبار لسياسة الشراكة والتوازُن في إطار النظام الأُحادي القائم، وبين اتّجاه الصين لتوسيع نطاق التنافُس الجيو-سياسي، والعمل على إضعاف الولايات المتحدة والتحرُّك نحو مركز النظام، وذلك بناءً على خلفية طموحها غير المُعلَن للريادة الدولية، أو تفسيرها للسلوك الأمريكي على أنَّه تهديدٌ وجودي لنظامها.
على الأغلب وعلى المدى الطويل، لن يمُرّ هذا التنافُس دون تغييرٍ ما في هيكل النظام والمعايير الحاكمة له، فهناك توازُن قوَّةٍ ما قادم؛ فصعود الصين واقعٌ وحقيقة تتأكَّد مع الوقت، وهذا سيُعطيها سُلطةً في تشكيل بعض قواعد النظام، أو على الأقلّ رفض بعضها؛ الأمر الذي سيُفضي إلى تأثيرٍ أكبر للبلدين في تبنِّي معايير جديدة، مع منح دولٍ أُخرى بعض الامتيازات من أجل الحفاظ على امتثالهم، ولا شكَّ أنَّ ظهور قطبٍ جديد كالصين وروسيا بدرجةٍ أقلّ، يمنحُ البُلدان الأُخرى خياراتٍ أكبر ممّا كانت عليه في حقبة القُطب الواحد.
هذا الواقع سينسحبُ بطبيعة الحال من النظام الدولي إلى الأنظمة الفرعية، ومنها الشرق الأوسط، الذي يحظى باهتمامٍ كبير من جانِب كُلٍّ منهما، لا سيما أنَّ التوازُن الاقتصادي والجيو-سياسي بين الولايات المتحدة والصين في هذا الإقليم تحديدًا أصبح حقيقةً تترسَّخ مع الوقت، بل إنَّ بعض مؤشِّرات المنافسة الإستراتيجية بدأت بالفعل تظهرُ في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، فالولايات المتحدة لديها نفوذٌ تقليدي وحضورٌ أمنيٌ وعسكريٌ كبير، والصين بدأت تنخرطُ بصورةٍ أوسع في قضايا الشرق الأوسط، وذلك بالتوازي مع مشروعاتها الاقتصادية العملاقة التي تعكسُ النفوذ الجيو-اقتصادي الواسع، وكان آخر هذه المؤشِّرات توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران([1]). والواضح من هذه المؤشِّرات أنَّ الصين ستواجه المنافسةَ الإستراتيجية الأمريكية وحصارَها في مجالها الحيوي بسياسةِ التوزُان خارج المجال، وتفادي انتقال الولايات المتحدة شرقًا بالتحرُّك عبر خطوط الربط الاقتصادي العملاقة، كمبادرة «الحزام والطريق»، والتي تمُرّ جميعها بالشرق الأوسط.
تستدعي هذه التطوُّرات تساؤلاتٍ حول مدى التغيير الذي سيطرأ على سياسة الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط، بناءً على هذا التنافس، وما هي التأثيرات التي سيُفضي إليها على مستوى الإقليم، وما هي الفُرص والتحدِّيات والخيارات أمام دول المنطقة في ظلّ تصاعُد الاستقطاب بين هاتين القوَّتين؟
أوَّلًا: السياستان الأمريكية والصينية تجاه الشرق الأوسط بين الاستمرارية والتغيير
يحتلُّ الشرق الأوسط مكانةً مهمَّة لدى الولايات المتحدة والصين، وتمتلك الدولتان فيه نفوذًا كبيرًا، وفي إطار تصاعُد التنافُس الراهن بين الدولتين، من المتوقَّع أن تشهد تحرُّكاتهما في المنطقة بعض التغيير، قد يشملُ تبنِّي سياساتٍ وتوجُّهاتٍ جديدة، أو بناءَ تحالُفات، حيث سيُلقي التنافُس بظلاله على مشاركةٍ أوسع في قضايا المنطقة وتطوُّراتها، ويمكن إلقاءُ الضوء على مدى الاستمرارية والتغيير، الذي قد يطرأ على سياسة ونفوذ البلدين في المنطقة، على النحو الآتي:
1. الأهمِّية والمكانة الإستراتيجية للإقليم في منظور البلدين
يُعتبَر إقليم الشرق الأوسط واحدًا من أهمّ الأقاليم الفرعية في النظام الدولي، إذ يعد قلب العالم، وحلقةَ الوصل بين الشرق والغرب، ويمتازُ بممرّاته الملاحية التي تمُرّ من خلالها غالبية التجارة الدولية، كما أنَّه مخزنٌ تاريخيٌ وحضاريٌ مهمّ، خاصةً أنَّه يمتاز بغِنى ثرواته، لا سيما مصادر الطاقة والنفط،كما كان أحد الساحات التي شهدت منافسةً جيو-ساسية خلال فترة الحرب الباردة، ورُبّما هو من المناطق التي ظلَّت مجالًا لتجاذُبٍ بين القُوى الدولية المؤثِّرة، على الرغم من تحوُّل النظام الدولي نحو الأُحادية القُطبية، لا سيما الولايات المتحدة والصين، حيث يُعتبَر الإقليم نموذجًا مصغَّرًا للصراع/التنافُس بين القوَّتين على الصعيد الدولي([2]).
من جانبها، تنظُر الولايات المتحدة بعين الاعتبار إلى الشرق الأوسط كأهمّ مصدِّرٍ للنفط على المستوى الدولي، كما أنَّه يُعتبَر أحدَ ركائز نفوذها على الساحة الدولية، بحُكم موقعِه الجغرافي الذي يمُرّ عبره نصيبٌ كبير من حركة التجارة الدولية، وبحُكم الصراع الحضاري بين الشرق والغرب، ووجود إسرائيل والرعاية الأمريكية لوجودِها ضمن إقليمٍ ينازعُها الحقَّ في الوجود والبقاء، فضلًا عن أهمِّيته في إطار مواجهة القوَّة المنافسة؛ كالصين وروسيا، وتُعتبَر معظم دولِه حُلفاءَ تقليديين للولايات المتحدة، وداعمين أساسيين للنظام الدولي القائم، باستثناء بعض الأنظمة التي تُعادي الولايات المتحدة وتُعارض نفوذها، ومع ذلك لا تدعم الولايات المتحدة توظيف هذه القُوى المناهضة لها في السيطرة الإقليمية وتحقيق التوازُن المرغوب، كالنظام الإيراني على سبيل المثال([3]).
أمّا بالنسبة للصين، فلديها علاقاتٌ تاريخيةٌ مهمَّة مع دول الشرق الأوسط بحُكم القُرب الجغرافي، وحركة التجارة بين الصين ودول الإقليم، ومع الصعود الصيني حظي الإقليمُ بعلاقاتٍ اقتصادية وتكنولوجية وتنموية يمكن وصفُها بالمثالية مع الصين، وتعتمد الصين على إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط بما لا يقلّ عن 60% لتحريك عجلة إنتاجِها الفائقة، كما أنَّ الشرق الأوسط هو ركيزةٌ جغرافية وقيمةٌ سوقيةٌ مهمَّة لمشروعات الربط الاقتصادي الصيني العملاقة على المستوى الدولي، وتحديدًا مبادرة «الحزام والطريق»([4])، ومن ثمَّ فإنَّ الصين أهمّ شريكٍ تجاري لدول الشرق الأوسط، وعلى أراضي دولِه تمُرّ المراحل الأولى من الطموح الصيني للهيمنة الاقتصادية على النظام الدولي، والتي لا شكَّ يتبعُها طموحُ الهيمنة السياسية، وحتّى خلقِ نموذجٍ اقتصاديٍ صيني بديلًا عن «النموذج الغربي» في المنطقة، والترويج له عبر عمليات التنمية في البلدان المتعثِّرة ماليًا، من خلال البنك الآسيوي للتنمية، الذي أصبحَ يُنافس البنك وصندوق النقد الدوليين اللذان تهيمن عليهما الولايات المتحدة. ولعلَّ الشراكةَ الصينية-الإيرانية المُعلَن عنها مؤخَّرًا؛ تُعدُّ تطبيقًا عمليًا واضحًا.
ولا شكَّ باشتراك كلا القوَّتين الأمريكية والصينية في إدراك الأهمِّية الاقتصادية التي تتمتَّع بها منطقة الشرق الأوسط، فدُولُه ليست فقط من ضمن أكبر منتجي النفط والغاز عالميًا، بل تحوي بواطن أراضيه بجانب المعادن الطبيعية المختلفة، أكبر احتياطيٍ نفطيٍ وغازي على وجه الأرض، سواءً في الجزيرة العربية أو في دول شمال أفريقيا، فإذا قلَّ استهلاكُ النفط مستقبلًا كما يذهب إليه البعض، فإنَّ الغاز لا يزالُ واحدًا من أهمّ ثرواته التي تُكتَشف يومًا بعد يوم، وتُعَدّ مصادر الطاقة المحرِّك الأساسي للاقتصادات الكُبرى في العالم، أمّا على مستوى التجارة العالمية، فلا يمكن لها الجريانُ الطبيعي، إذا ما تمَّت إعاقةُ حركتها في الموانئ والممرّات الحسّاسة الواقعة في الشرق الأوسط، كالموانئ العربية على كُلٍّ من الخليج العربي والبحر الأحمر، أو الممرّات الدولية؛ كمضيق هرمز ومضيق باب المندب أو قناة السويس. أيْ أنَّ استمرار النمو الاقتصادي الصيني والأمريكي وحتّى العالمي، وانسيابيةَ التجارة، مرتبطان بشكلٍ وثيق بمنطقة الشرق الأوسط حاضرًا ومستقبلًا. بالإضافة إلى سُرعة النمو السُكّاني لأغلب دولِ المنطقة، وارتفاع مستوى دخول بعضها، وتسارُع النمو الاقتصادي في بعضها الآخر؛ ما يجعلها أسواقًا واعدةً للاستثمار وتشغيل رؤوس الأموال في مجالاتٍ مختلفة، وحتّى بيع وتصدير المنتجات الدفاعية والعسكرية.
2. النفوذ العسكري الأمريكي في مقابل النفوذ الاقتصادي للصين
تحتفظ الولايات المتحدة بوجودٍ عسكريٍ إستراتيجيٍ مهمّ في الشرق الأوسط، من أجل الحفاظ على مصالحها، وتُعتبر القواعدُ العسكرية والانتشار العسكري الأمريكي مظلَّة حمايةٍ للأمن والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، كما تمتلكُ الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتٍ اقتصادية إستراتيجية في الشرق الأوسط ([5])، فهي شريكٌ لدول الخليج في استخراج وتصدير النفط قديمًا، وحاليًا هي من أكبر الشُركاء التجاريين والاستثماريين لكثيرٍ من دول الشرق الأوسط، وتعتمد عليها المنطقة في توفير الخدمات والمنتجات عالية التقنية؛ كالمعدّات الصناعية والطبِّية التكنولوجية والاستهلاكية والآلات ووسائل النقل وقطع الغيار. وبلغ حجمُ التجارة بينهما 113 مليار دولار في عام 2020م، وفقًا لصندوق النقد الدولي ([6])، بينما بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الشرق الأوسط حوالي 75 مليار دولار، خلال الفترة من 2000 إلى 2019م ([7])، وفي المقابل تستثمر كثيرٌ من دول المنطقة مئات مليارات الدولارات من مدّخراتها السيادية في الولايات المتحدة.
في المقابل، فإنَّ الصين تحتفظُ بوجودٍ أمنيٍ محدود لحماية مشاريعها الاقتصادية واستثماراتها ومواطنيها، أو ما يُسمِّيه البعض بوجودٍ عسكريٍ ناعم، ووجودٍ عسكريٍ محدود لحماية حركة التجارة عند الممرّات الإستراتيجية ([8])، وبالتالي يرتكز حضور الصين على الاقتصاد بالأساس. واستطاعت الصين أن تطوِّر علاقاتها مع دول المنطقة اقتصاديًا بصورةٍ وصلت إلى أن أصبحت أهّم شريكٍ اقتصادي لدول المنطقة، منذ عام 2016م، وتعتمد دول المنطقة في خططها التنموية الطموحة قصيرة ومتوسِّطة وطويلة المدى، على الشراكة مع الصين.
وبلغة الأرقام، يظهر أنَّ الحضور الاقتصادي الصيني في المنطقة يتفوَّق على الحضور الأمريكي، بفعل نموه في الآونة الأخيرة؛ ما يؤكِّد سعي الصين بخطى حثيثة نحو تحقيق إستراتيجيتها المتكاملة في المنطقة. وتمُدّ الصين دولَ المنطقة بمنتجاتٍ صناعية واستهلاكية وبدائل متنوِّعة بأسعارٍ تنافُسية وبجودةٍ مختلفة، إذا بلغ حجم الاستثمارات الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 197 مليار دولار، خلال الفترة من 2005 إلى 2020م ([9])، بينما وصل حجم التبادُل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط 151 مليار دولار خلال عام 2020م ([10]) أيْ أكبر من التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، رغم وجود أزمة كورونا وتداعياتها على التجارة عالميًا، وخاصَّةً الصينية.
3. الشكوك حول تراجُع أهمِّية الشرق الأوسط في ظلّ توجُّهات بايدن
على خُطى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تتحرَّك إدارة الرئيس جو بايدن نحو إعادة صياغة مقارباتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط، لا سيما مقارباتها الأمنية، ولم تتّضح بعد إن كانت هذه المقاربة ستحتفظُ بمظلَّة الحماية الأمريكية للأمن الإقليمي وفق آليات عملٍ جديدة، أم أنَّه تخلٍّ جزئي عن هذا الدور، في ظلّ الحديث عن تراجُع أهمِّية الشرق الأوسط، كما تروِّج بعض مراكز الفكر الأمريكي؛ إذ يذهب البعض إلى أنَّ إستراتيجية إعادة الانتشار ونقل بعض القوّات الأمريكية إلى الباسيفك بهدف مواجهة الصين، ستكون على حساب التواجُد الأمريكي في الشرق الأوسط([11]).
لكن لا يزال من الصعب تصوّر ترك الولايات المتحدة لفراغٍ أمني تملؤه القُوى المنافسة لها بهذه السهولة، ومن ثمَّ فإنَّ الأرجح أنَّ مسألة إعادة الانتشار، لن تُخرج الشرق الأوسط بأيّ حال من اهتمامات الولايات المتحدة، ولن تسمح الولايات المتحدة بمعادلةٍ أمنيةٍ بديلة قد تطرحُها الصين وروسيا أو كلاهما معًا، تكون حتمًا في غير صالحها.
لقد أثبت جنوحُ السفينة «إيفر جيفن» في قناة السويس، وتعطُّل هذا الممرّ الحيوي، مركزيةَ الشرق الأوسط في السياسة الدولية ودوره لاحتفاظ أيّ دولة بمكانتها في هذا النظام، فضلًا عن أهمِّية النفط في احتفاظ الولايات المتحدة بمكانتها. كما فرضت الصين بشراكتها التكنولوجية مع دول الشرق الأوسط بشبكات الجيل الخامس ((5G، خلق تعاونٍ تكنولوجي أصبح بدوره مصدرَ إزعاجٍ لواشنطن، وذلك لما له من مزايا اقتصادية تنافُسية لصالح الصين، واتّساعٍ للنفوذ الأمني والاستخباراتي، وقد خلق ذلك ضغوطًا أمريكية على بعض دول المنطقة، من أجل وضع حدٍّ لهذا النفوذ التكنولوجي الصيني، الذي يبدو كـ «حرب تكنولوجية» باردة، ناهيك عن النفوذ الصيني المتّسع المرتبط بمشروع «الحزام والطريق»، وتوفيره هيمنةً صينية وحضورًا على الأرض، قد يتعزَّز بحضورٍ عسكري مع الوقت في عددٍ من البلدان، وفي الموانئ الرئيسية التي يمُرّ عليها المشروع، وهو ما يحدُّ من النفوذ الأمريكي مع الوقت، ويضعُ مستقبل حركة التجارة والتحكُّم بها في يد الصين.
ولا يزال الحديث عن تراجُع أهمِّية نفط الشرق الأوسط، وفاعلية أيّ تحالُفاتٍ إقليميةٍ بديلة، تقديرات غير دقيقة كمسوِّغات للانسحاب الأمريكي من المنطقة، لا سيما مع استعداد الصيني لنقل معركتها مع الأمريكيين إلى خارج مجالها الحيوي، والأغلب إلى الشرق الأوسط، فضلًا عن أهمِّية النفط لحُلفاء الولايات المتحدة، وهم ركيزةٌ أساسية في إستراتيجيتها لمواجهة الصعود الصيني. كما أنَّ الولايات المتحدة قد اختبرت العديد من التحالُفات البديلة والمبادرات الأمنية كبدائل لتوفير مظلَّة حماية أمنية تحت رعايتها، لكن أيًّا من هذه المبادرات لم تثبت كفاءتها بعد، ومن ثمَّ من المبكِّر الحديث عن تغيير جذري أو واسع النطاق، فيما يتعلَّق بالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. وكما قال وزير الدفاع الأمريكي، فإنَّ عملية تحريك القوّات ما هي إلا مناورات تكتيكية اعتيادية، وليست تراجُعًا عن الدور الأمريكي في الإقليم ([12]).
4. مدى استعدادات الصين والقُوى المنافسة لتعزيز الحضور وموازنة الضغوط الأمريكية
تُبدي الصين رغبةً في تسوية الصراع مع الولايات المتحدة عبر الحوار والتفاهمات الثُنائية، وتحاول أن تتجنَّب الدخول في استقطاب إستراتيجي، ومع ذلك فإنَّ حالة التنافُس ستظلّ قائمة؛ ولأنَّ الشرق الأوسط هو مجالٌ حيوي تتقاطع فيه مصالح الطرفين بصورة مكثَّفة أكبر من أيّ إقليم آخر، ولأنَّها تتبنّى سياسةً هادئة نحو الصعود تركِّز أكبر على المبادرات الاقتصادية، فإنَّ الصين ستظلّ تستفيد بصورة أساسية من مظلَّة الحماية الأمريكية في المنطقة، حيث تتّفق الصين والولايات المتحدة في أولوية ضمان الاستقرار الإقليمي، واحتواء الصراعات بين دول المنطقة، إذ يوفِّر ذلك لمشروعاتها بيئةً ملائمة، ولاستثماراتها أسوقًا مستقرَّة، فضلًا عن ضمان إمدادات النفط لمصانعها الهادرة.
ومع ذلك، لن تتوانى الصين أو روسيا إذا ما أُتيحت لهما فرصة لتغيير خريطة المنطقة الجيو-سياسية لصالحهما، وتحديدًا تستعدّ الصين لتوسيع نطاق تعاونها مع بعض القوى الإقليمية المؤثرة، وذلك ضمن خططها لتعزيز مكانتها الاقتصادية والإستراتيجية على الساحة الدولية ككُلّ، والحدّ من الهيمنة الأمريكية، خصوصًا بعد توجُّهات بايدن لبناء تحالُفات في منطقة جنوب شرق آسيا لمواجهة الخطر الصيني. وقد ظهر استعداد الصين لإقحام الملف النووي وعلاقتها مع إيران في التنافُس مع الولايات المتحدة، بعدما تعهَّدت مؤخَّرًا بالسعي لحماية الاتفاق النووي، والدفاع عمّا وصفته بمصالحها المشروعة في العلاقات مع إيران، وذلك حسب ما جاء على لسان وزير خارجيتها وانغ يي، في 25 مارس 2021م.
وقد بدأت مؤشِّرات التحرُّك الصيني بتوقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع إيران في 27 مارس 2021م في طهران، وهي خطوة موجهة بالأساس إلى الولايات المتحدة. ويبدو وشيكًا -وفقًا لسياسة الصين وتصميمها المعهود على النفاذ إلى قلب مصالحها-أنَّ بكين ستصل إلى الشرق الأوسط محمولةً على جناح هذه المعاهدة، التي ستكون مصحوبةً باتفاقاتٍ اقتصادية وتجارية لن تقتصر على إيران، بل ستمتدُ إلى بقية دول المنطقة.
ولا يختلف الأمر مع روسيا، التي تبدو مستعدَّةً للعب دورٍ أوسع في الشرق الأوسط، كما حدث في سوريا، وذلك في إطار تخفيف ضغوط حلف شمال الأطلسي في مناطق نفوذها التقليدية، خصوصًا التحالُف الذي تسعى إدارة بايدن لتشكيله مع الأوروبيين لمواجهتها. ويبدو موقف روسيا المُعلَن من الاتفاق النووي ومن العلاقة مع إيران منسجمًا مع روح التنافُس الجيو-سياسي، وراغبًا في امتلاك مزيدٍ من الأوراق لموازنة الضغوط الأمريكية المرتقبة. ولم يقتصر هذا التحرُّك على سوريا، بل عمَّقت روسيا شراكتها مع تركيا، حتّى وصل الأمر إلى إمداد الأخيرة بمنظومة S-400 الدفاعية، وهو أمرٌ يُشير إلى تحوُّلٍ عكسي للنفوذ الأمريكي ولحلف الناتو في الشرق الأوسط.
لكن حتّى الآن لا يمكن القول إنَّ الصين أو حتّى روسيا أو أيّ قوُى أُخرى تملك أيّ مبادرة بديلة، أو لديها استعدادٌ لتوفير مظلَّة أمنية بديلة في الشرق الأوسط، أو أنَّ لديها مخطَّطات من أجل توسيع رقعة المنافسة مع الولايات المتحدة في الإقليم، وفي المقابل دول الإقليم متردِّدةٌ في منح الصين أيّ امتيازاتٍ أمنية، لا سيما في ظلّ اختلاف التوجُّهات بشأن بعض القضايا، مثل الموقف الصيني من إيران الذي تنظُر إليه دولُ الخليج بريبة، وكذلك موقف إسرائيل من الصين التي تنظر إليها على أنَّها داعمٌ للقضايا العربية، ومن ثمَّ فإنَّ دول المنطقة لا تريد أن تحُلّ الصين محلَّ الولايات المتحدة، لكنَّها بصدد استخدام نفوذ الصين الاقتصادي للضغط على الولايات المتحدة؛ من أجل الاحتفاظ بدعمها أو تغيير وجهة نظرها بشأن قضايا إقليمية بعينها، ومن جانبها تخشى الصين أن يؤثِّر تدخُّلها في قضايا المنطقة وصراعاتها على مكاسبها ومشاريعها الاقتصادية وتدفُّق المصالح الإستراتيجية مِن وعبر تلك المنطقة.
مجمل القول إنَّ الصين لن توقف نمو علاقاتها الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط، وستعمل على استكمال مشاريعها العملاقة التي تربط اقتصادات دولهِ باقتصاد بكين المتنامي بصورةٍ كبيرة، وأهمّها مشروع «الحزام والطريق»، الذي سيُحوِّل بكين عاجلًا أم آجلًا إلى قوَّةٍ أكثر تأثيرًا في السياسات الإقليمية والعالمية، وهذا بطبيعة الحال سيكون خصمًا من نفوذ الولايات المتحدة، ليس في المنطقة وحسب، ولكن من نفوذها ومكانتها على المستوى الدولي ككُلّ، وهو ما ستُحاول الولايات المتحدة إيقافه. لهذا فإنَّ المنطقة ستشهد خلال المرحلة المقبلة تنافُسًا كبيرًا، وستتأثَّر المنطقة بهذا الصراع بشدَّة؛ نظرًا للواقع الإقليمي المعقَّد وصراعاته الممتدَّة، التي تسمحُ بالتدخُّل الخارجي، بجانب تشابُك الحضور الأمريكي-الصيني، وشدَّة تنافُسيته، ناهيك عن كونه يمثل ساحةَ مواجهة خارج المجالات الحيوية لواشنطن وبكين، وحديقةً خلفية للصراع الدولي القادم.
ثانيًا: أثر الاستقطاب الأمريكي-الصيني على منطقة الشرق الأوسط
بموجب موقِعه الجيو-إستراتيجي وما يذخرُ به من موارد للطاقة، يحظى الشرق الأوسط باهتمامٍ جمّ لدى القُوى الدولية كافَّة، على اختلاف رؤاها وأيديولوجياتها السياسية. وإن تحسَّب الخبراء لتشكُّلٍ قُطبيٍ جديد يُغيِّر البُنية الدولية بصعود الصين كقَّوةٍ اقتصاديةٍ عملاقة، فإقليم الشرق الأوسط سيكون أحد المناطق المتأثِّرة بالتطوُّرات المصاحبة، سلبيةً كانت أم إيجابية، لتحوُّل القطبية الدولية من أُحادية ثابتة إلى قطبية ثُنائية أو متعدِّدة.
هُنا نتناول الأثر المُحتمَل على دول المنطقة، من جرّاء الاستقطاب الأمريكي-الصيني، بتمحيص اتّجاهين مختلفين: الأوَّل تفادي القوَّتين الدوليتين للتنابُذ المباشر بالإبقاء على الوضع الراهن دون تعديل، والثاني تفاقُم سياسات التصعيد والمناكفة وصولًا إلى حربٍ باردة تعتري مناطق التماس بين القوَّتين، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط، بما يُعيد رسم خارطة التحالُفات وإستراتيجيات دول المنطقة.
1. انعكاسات التنافُس على الشرق الأوسط في ظلّ تفادي العداء المباشر
تأخذ الدراسة في الاعتبار الاحتمالات السِلْمية لصعود الصين كقوَّة ذات تأثير في مجريات الشرق الأوسط، متى ما تيقَّظت إلى عدم المساس بمكانة الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة. والعلاقات التبادُلية الصديقة التي تمارسها دول المنطقة مع القوَّتين الصينية والأمريكية على السواء، تساهم في استدامة الوضع الراهن. فالعديد من دول الشرق الأوسط، ما عدا إيران وسوريا، تحظى بعلاقات متينة مع الولايات المتحدة، لا سيما على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، فيما تتشارك معظم الدول مع الصين علاقاتٍ اقتصادية متنامية باطّراد.
بمنطق مشابه، يعزِّز لاتّجاه تفادي الصدام في المنطقة، ما تولِّيه الولايات المتحدة والصين من أهمِّية بالغة لأمن الطاقة، فالدولتان يؤرِّقهما تعطيل انسياب صادرات النفط، وانعكاسات ذلك على الأسواق العالمية. هذا التوافُق يخلق مساحةً من الهدوء النسبي في معادلة التنافُس الضاري بين الطرفين، والذي يشهده العالم الآن مع تزايُد قوَّة الصين الاقتصادية، وعزم الولايات المتحدة قطع السُبُل على التنِّين الصيني للحيلولة دون تحقيقه الهيمنة الإقليمية في شرق آسيا.
حالة الوضع الراهن تخوِّل دولَ الإقليم اغتنامَ المكاسب المُعتبَرة من الطرفين الصيني والأمريكي؛ فالصين برعت في الجوانب التكنولوجية المتطوِّرة (5G)، والإسهام في إنشاء البُنى التحتية، وإقامة مشاريع الطاقة المتجدِّدة الشمسية والنووية بأقلّ تكلُفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، الصين في عام 2019م كانت الشريك الاقتصادي الأوَّل للمملكة العربية السعودية، والثاني لإسرائيل([13])، كما أنَّها وقَّعت خلال العقد الماضي اتفاقياتِ شراكةٍ متنوِّعة مع ثلاثة عشر دولةً في الإقليم([14]). وعلى الجانب الآخر، فالولايات المتحدة بعُلو كعبها في المجالات العسكرية والأمنية ومدى نفوذها في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود؛ كونها القوَّة العُظمى في العالم، أتاحت الفرصة للدول الحليفة بإقامة الشراكات الأمنية والتسليحية والاقتصادية والاستثمارية، التي عادت بالنفع على أمن ورفاهية شعوب المنطقة.
ويجدُر التنويه هُنا إلى أنَّ متغيِّراتٍ إقليمية حديثة قد تُساعد في الإبقاء على الوضع الراهن، وأهمَّها اتفاقات «أبراهام» الموقَّعة بين عدَّة دولٍ عربية مع إسرائيل، حيث أنَّها تعزِّز من مكانة واشنطن في الإقليم في وجه أيّ قوَّةٍ مناهضة. الولايات المتحدة بسياسات التحشيد والجمع بين شُركائها لمواجهة أطراف مناوئة لها مثل إيران، تستفيد من هذه الاتفاقيات لتوطيد مكانتها وتخفيف أعباء حفظ الأمن ضدّ الشُركاء المتنازعين في المنطقة، لا سيما العرب وإسرائيل.
بيْد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وعبر إدارتها الحالية والإدارتين السابقتين، أرسلت إشاراتٍ مضطربة بشأن ضمان السلام والاستقرار في المنطقة، فالرئيس أوباما تردَّد في التدخُّل في سوريا، وخَلَفه الرئيس دونالد ترامب الذي انسحب منها بشكلٍ مفاجئ؛ ما أثار مخاوف وشكوك النُّخب القيادية في المنطقة إزاء الالتزام الأمريكي بأمن الملاحة البحرية وحماية الممرَّات المائية في الإقليم.
في ظلّ الوضع الراهن وتزايُد الشكوك حيال الموقف الأمريكي، اتّجهت دولُ الإقليم نحو القوَّتين العالميتين الأُخريين؛ روسيا والصين، بتفعيل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، وإرساء قواعد الشراكة في مجالات متفرِّقة. روسيا بطموحات إعادة قوَّتها العالمية، وبتواجُدها العسكري في سوريا وليبيا، فضلًا عن ترابُط اقتصادها مع دولٍ مثل مصر والجزائر والسعودية (عبر منظومة أوبك بلس)، نجحت في ترميم علاقاتها الثُنائية مع دول المنطقة، وإبراز ذاتها كوسيطٍ محايد في نزاعات الإقليم. كما أنَّ مساعدتها لبشار الأسد ضدّ الضغوط الغربية مكّنتها من تحقيق أهدافٍ عدَّة، كان أهمَّها بالنسبة لدول المنطقة ظهورها كقوَّةٍ تُراعي السيادة الوطنية، وتسعى للحفاظ على حالة الوضع الراهن، علاوةً على تزايُد اهتمام بعض الدول بالسلاح الروسي (كالسعودية وقطر ومصر)، وأخيرًا الدفع بعضو حلف الناتو المهمّ، تركيا، ضدّ مصالح الولايات المتحدة والحلف([15]).
في سياقٍ موازٍ، الانفتاحُ على الصين كان دافعُه -فضلًا عن الإشارات الأمريكية المضطربة-مبادئ «عدم التدخُّل» وامتثال «الحياد» كأُسُسٍ يتبنّاها الجانب الصيني في سياسته الخارجية. فالصين لم تتّخذ موقفًا متحيِّزًا في التنافُس الإقليمي الشرس بين السعودية وإيران، كما أنَّها لم تَحِد عن موقف الحياد تجاه المعضلة الفلسطينية-الإسرائيلية؛ وفي المقابل، فإن مبادرتها الموسومة بـ«الحزام والطريق» تُرغِّب دولَ الإقليم في إقامة الشراكات مع الصين، والدخول في حيِّز النطاقات المستفيدة من مكاسب هذا التمدُّد الاقتصادي.
وقبل الانتقال إلى الاتّجاه الآخر في هذه المعادلة، نُشير إلى تزايُد القلق الأمريكي من تغلغُل القوَّة الاقتصادية الصينية في الإقليم، لا سيما مع الحُلفاء والشرُكاء المعتادين. ودراسة الحالة تستعرض هُنا بلمحةٍ سريعة ردّ الفعل الأمريكي تجاه علاقة إسرائيل مع الصين؛ فإسرائيل التي تعوِّل على القوَّةِ الأمريكية في ضمان وجودها وأمنها، تنامت شراكتها الاقتصادية مع الصين من خطط بناءِ محطَّة تحلية، إلى مشاريع التواجُد في ميناء حيفا، الذي يمثِّل مرفأً دوريًا للأسطول البحري الأمريكي السادس، وصولًا إلى اتفاقياتٍ مستقبلية للاستفادة من تقنية 5G الصينية.
2. انعكاسات التنافُس على الشرق الأوسط في ظلّ الاتّجاه نحو قطبية جديدة
في سياق التنافُس المتزايد بين الطرفين، نجد أنَّ الشقاق الحقيقي فيما يتعلَّق بدول الشرق الأوسط يتمظهرُ بشكلٍ صارخ في المناكفات السياسية داخل أروقة المنظَّمات الدولية؛ كمجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية. على سبيل المثال، نجد الاختلاف قائمًا بين الطرفين حيال الملف النووي الإيراني والقضية السورية، فضلًا عن استخدام كُلّ طرف لهذه الأوراق بشكلٍ يخدم مصالحه الذاتية. فلطالما توازنت الصين وروسيا توزُانًا ناعمًا -بحسب المقاربة الواقعية في العلاقات الدولية-ضدّ الولايات المتحدة دوليًا؛ بُغية تقويض جهودها، أو تشويه شرعيتها القانونية، متى ما سنحت لهما الفُرصة (مثل معارضة «سناب باك» الأمريكي ضدّ إيران).
يأخذ هذا الاتّجاه في الاعتبار تطوُّرات الحالة الراهنة والناجمة عن إستراتيجيتين متضادّتين، تعبِّران عن فعلٍ وردِّ فعل، والتي تتمثَّل في إستراتيجية الولايات المتحدة «الاتّجاه شرقًا» الرامية إلى احتواء التمدُّد الصيني المطّرِد، وما نجم عنه من إستراتيجيةٍ صينية بـ «الاتّجاه غرباً»؛ بهدف خلق تعقيدات سياسية في مناطق نفوذ الولايات المتحدة المعتادة، للحدّ من ابتزازاتها وكبحِ خططها لتطويق الصين.
انعكاس التنافّس الصيني-الأمريكي على دول المنطقة يتحرَّى أولاً المبادئ والمعايير، التي تؤطِّر النُظُم السياسية الداخلية والسياسة الخارجية لكُلٍّ من الدولتين؛ فالولايات المتحدة بأبعادها الفكرية والمعيارية ترى في انتشار الديمقراطية حلًّا ناجعًا لصراعات المنطقة، وسبق أن حاولت غرسَ النُّظُم الديمقراطية الغربية في العراق وأفغانستان دون جدوى ملموسة. بالتالي تعي المنطقة تمامًا بموجب خبراتها التاريخية في التعاطي مع الشريك الأمني الأمريكي، ماهية المبادىء الليبرالية التي يحملها، وتتحوَّط تجاه مساعيه تغيير نُظُم المنطقة والتدخُّل في شؤؤنها الداخلية، لا سيما ما يعتبرها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان.
برغم تأثُّر دول المنطقة سلبًا من جرّاء المناورات الدبلوماسية التي تفرضها أيديولوجية الإدارات الأمريكية، على وجه التحديد الديمقراطية، إلّا أنَّ الشراكة الأمنية والعسكرية مع الطرف الأمريكي لا يمكن أن تُضاهَى ببديل، ولن يكون بمقدور الدول الشُركاء في المنطقة أن تتخلَّى عن الامتيازات الأمنية التي تحظى بها، لتذهب وتمكِّن قوَّةً أُخرى مثل الصين من إحلال مقدَّراتها العسكرية المقوِّضة لمستوياتِ النفوذ الأمريكي. رُبّما كان بوسع بعض الدول استخدام العلاقة مع الصين كورقة ضغطٍ على الجانب الأمريكي، لكن الميل التامّ تجاه القوَّة الشرقية مفادُه إشهارُ العداء للقوَّة الأمريكية، وبالتالي خسارتها كحليفٍ أمني.
. لكن المؤشِّرات الراهنة تشِي بتطوُّر في السياسية الخارجية الصينية، لا سيما تجاه الشرق الأوسط، والاتفاقية الأخيرة الموقَّعة مع إيران خير شاهد. اتفاقية الصين وإيران لم تقتصر فقط على جوانب اقتصادية، بل إنَّها بحسب البنود المسرَّبة، تشتمل على اتفاقيات تخوِّل الصين تشييد موانئ يسهُل استخدامها كقواعد عسكرية، بمحاذاة الممرّات المائية ذات الأهمِّية البالغة لتدفُّق شحنات الطاقة للأسواق العالمية ([16]).
الشرق الأوسط يقع ضمن حيِّز المبادرة الصينية «الحزام والطريق»، وقد أصدرت الصين منذ عام 2016م «الكتاب الأبيض» لتفصيل سياساتها تجاه الشرق الأوسط، وفق صيغة تعاونية قائمة على ثلاثة جوانب؛ الأوَّل مجال الطاقة كمحورٍ رئيس، والثاني مجالا البُنى التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كرافدين مهمّين، وثالثًا المجالات التقنية المتقدِّمة كالطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية ([17]). وقد سعت الدولة الصينية إلى إرساء قواعد العلاقات المشتركة، بإبرام العقود الاستثمارية وإنشاء البُنى التحتية لمشاريع الطاقة المتجدِّدة ومشاريع التكنولوجيا الحديثة، فضلًا عن عقد الصفقات التسليحية، كما أُشير سابقًا. ولا شكَّ أنَّ انخفاض تكلُفة الخدمات الصينية يجعل منها شريكًا اقتصاديًا واستثماريًا مربحًا لعديدٍ من الدول، كما أنَّ الإحباط المتزايد لدى دول المنطقة من التلويح الأمريكي بانخفاض أهمِّية الشرق الأوسط، يدفع بهذه الدول نحو الطرف الصيني.
على كُلّ حال، تغلغُل النفوذ الصيني له اعتباراته بالنسبة لدول الإقليم؛ فالصين وإن كانت مغريةً في شراكتها بموجب ارتكازها على المبادئ «الوِستفالية» الخاصَّة باحترام سيادة الدول، بخلاف الولايات المتحدة التي تضغط بأوراق المبادئ الليبرالية، إلّا أنَّها ذات قاعدةٍ أيديولوجية شيوعية، ولديها سلوكٌ عدائي في تناوُلها للقضايا المحورية مع مناطق ودول الجوار في شرق آسيا، لا سيما ذات النهج المغاير، مثل تايوان وهونغ كونغ وحتّى كوريا الجنوبية واليابان. علاوةً على ذلك، فإطلاق العنان لليد التكنولوجية الصينية للتغلغُل في الداخل الوطني لدول المنطقة، قد يحمل في طيّاته مثالب عدَّة، أهمَّها الاختراقات الاستخباراتية، وتمكين الصين من أوراق ضغطٍ متفرِّقة ضدّ مصالح هذه الدول.
وفيما يتعلَّق بالبيئة الإقليمية الأمنية، فالمسألة ذات تشابُكٍ تداخُلي. الولايات المتحدة لا ترى في الصين قوَّةً عسكريةً قادرة بالاضطلاع بضمان الأمن في المنطقة، وفكّ الاشتباك الناجم عن مختلف الصراعات الدائمة في هذه المنطقة، ورُبّما كان هذا الأمر أحد دواعي الصين لاستخدام عنصر المفاجأة بنقل المعركة القائمة بين الطرفين إلى تخوم النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. ودول المنطقة، كما هي الصين، يدركون مدى خطورة التداعيات على المنطقة، في حال تزايُد التنافُس ومقارعة الصين للولايات المتحدة عسكريًا.
بيْد أنَّ تغيير الوضع الراهن يحمل في طيّاته مساوئ عدَّة للصين ذاتها، وهي التي تنعم باستثمارات المنطقة واستيراد موارد الطاقة الضرورية دون تحمُّل أيّ أعباءٍ أمنية أو تكاليفَ عسكرية، كما هو الحال لدى النظير الأمريكي. هذه الأطروحة هي التي تبنّاها الرئيس ترامب وصرَّح بها في يناير 2019م، عندما أشار إلى أنَّه يتعيَّن على الصين وبقية دول العالم حماية شحنات البترول العائدة لهم خلال عبورها في مضيق هرمز، وتساءل لماذا يقوم بلده بحماية الممرَّات المائية، بينما تستأثر دولٌ أُخرى بالاستثمارات والعوائد المادية ([18]).
الصين مع تعاظُم دورها الدولي، تشترك مع روسيا في الرغبة بكسر الهيمنة الأمريكية على خطوط الملاحة البحرية في المنطقة، وهي برغم امتلاكها لقاعدة عسكرية في جيبوتي واهتمامها بتسيير عمليات الشحن الدولي عبر الممرّات المائية، لم تتحدَّ بعد الهيمنةَ الأمريكية العسكرية في المنطقة. مع ذلك، فالصين بخططها طويلة الأمد، لديها طموحٌ لتعظيم دورها في ضمانة الأمن المتعلِّق بتجارتها ومنتجاتها مع دول العالم، ومحاولات تشييد قواعد عسكرية جديدة سواءً في الخليج العربي أو بحر العرب وغيره، تعني مثولَ الحرب الباردة بين الطرفين.
دولُ المنطقة وإن استفادت من حدَّة التنافُس لتحقيق المصالح النفعية عبر هذا الطرف أو الآخر، إلّا أّنَّ مثولَ الحرب الباردة يقلِّص مساحات المناورة الدبلوماسية التي تملكها إلى أدنى درجاتها، لا سيما إذا تصاعد التوتُّر واضطرَّت الدولُ للتخلِّي عن الحياد، وأُرغِمت على الانضمام لأحد المعسكرين ضدّ الآخر، وبمجرَّد دخول المنطقة في حربٍ باردة بين الطرفين؛ فالناتج بالتأكيد تغذيةُ الصراعات، وإطالةُ أمدها في الإقليم.
عند ذلك المستوى من التصعيد، ستجدُ الصين نفسها أمام حتمية الاختيار بين أطراف النزاعات الإقليمية، وهو الأمر الذي سيُشعل فتيلَ الحرب الباردة، لا سيما إذا ما دعمت الصين والولايات المتحدة معسكراتٍ متناقضة، والضغط الأكبر سيكون على عاتق الدول الشريكة للولايات المتحدة، عندما تُرغَم على الاصطفاف مع هذه القوَّة أو تلك، وما يمكن أن يُسفر عنه ذلك القرار من خسارة إحدى الميزتين؛ الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية مع الصين.
على الجهة المقابلة، فصانعُ القرار الأمريكي يواجه معضلاتٍ متشابكة، فهو يُدرك أنَّ ما يكتنفُ العالم من تنافُس، سينسحب لا محالة إلى تنافُساتٍ إقليمية قد يتفاقم انقسامُها مع مرور الوقت بين حليفٍ شرقي وآخر غربي، وكيف له أن يحتوي الصين، في الوقت الذي ينبغي له ألّا يتخلَّى عن منطقةٍ حيوية كالشرق الأوسط، ولا يكُفّ عن موازنة الصراعات بين القُوى الإقليمية؛ لضمان عدم انحيازها باتّجاه التنِّين الصيني. مباحثات الاتفاق النووي الإيراني هي من أهمّ التحرُّكات الأمريكية الرامية إلى كبحِ التمدُّد الصيني، لا سيما بعد توقيع الاتفاقية الإيرانية-الصينية، والتي في مضمونها تُتيح لإيران النفوذ في أنظمةٍ تسليحيةٍ منوَّعة؛ ما يزيدُ من حدَّة التوتُّرات في المنطقة.
ثالثًا: الفُرص والتحدِّيات والخيارات أمام دول الشرق الأوسط
1.الفُرص
أ. خلق توازُن قُوى جديد والتخلُّص من قيود الأُحادية القطبية: من مصلحة الدول متوسِّطة القُوى والدول الصغيرة أن يسود النظام الدولي تعدُّدية، بدلًا عن حالة الأُحادية الراهنة، ورُبّما تجد دول الشرق الأوسط في صعود الصين ورُبّما قُوى دولية أُخرى لمعاودة منافسة الولايات المتحدة فُرصةً للدفع قُدُمًا بتأثيرات تعدُّدية النظام الدولي على المستوى الإقليمي، وهذا من شأنه أن يخلق مساحةً أكبر للحركة والمناولة، كما يخفِّف من القيود والإملاءات الأمريكية، ورُبّما العقوبات والضغوط، فلا شكَّ أنَّ التنافُس بين الصين والولايات المتحدة يُتيح لدول الشرق الأوسط التوازُن في علاقاتها، وكذلك تنويعها وتوزيعها بين الدول المتنافسة؛ ما يُتيح لها إظهار خياراتٍ واسعة، لكن دون المساس بأُسُس العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بدأت هذه الرؤية في التبلوُر خلال الأشهُر القليلة الماضية، حيث قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارةٍ لكُلٍّ من السعودية والإمارات وقطر، كما استقبلت الكويت وقطر عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب يانغ جيتشي.
كما أنَّ التوجُّهات الصينية تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وبالتالي فإن التنافُس قد يؤدِّي إلى تخفيف الضغوط التي تمارسُها الولايات المتحدة على الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلَّق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
ب: إمكانية احتفاظ دول المنطقة بعلاقات متنوِّعة بين القوَّتين المتنافستين: تحظى الولايات المتحدة والصين بأهمِّيةٍ خاصَّة في السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط، وذلك بسبب طبيعة المنطقة المعقَّدة، وكثرة الصراعات، وحاجة هذه الدول إلى شُركاء تجاريين ومشترين موثوقين لسلعهم التصديرية الأساسية. فالولايات المتحدة إضافةً لكونها شريكًا تجاريًا لهذه الدول، فإنَّها تُعتبَر كذلك شريكًا أمنيًا وعسكريًا، ومن الممكن أن يُسهم استمرار التعاون معها باستقرار المنطقة، ومجابهة التحدِّيات الأمنية والعسكرية التي تواجهها.
وفي الوقت نفسه، وسَّعت الصين استثماراتها في المنطقة بشكلٍ كبير، وهي من بين الدول الآسيوية الأربعة الكبار التي يتجاوز حجمُ تجارة دول المنطقة معها حجمَ تجارتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذا المنطلق، ينبغي على دول الشرق الأوسط، توظيف التنافُس بين الصين والولايات المتحدة لصالحها بالشكل الأمثل، وذلك بالاحتفاظ بعلاقات تجارية واقتصادية قويّة مع الصين، وفي نفس الوقت الاستفادة من الفوائد الأمنية للوجود الأمريكي المستمرّ في المنطقة، فضلًا عن فتح مسار للعلاقات مع بقية القُوى العالمية، لا سيما في ظلّ إظهار بعض الدول ومنها روسيا استعدادها لتوسيع العلاقات مع دول المنطقة، وذلك للحيلولة دون انفراد هاتين القوّتين بدول الإقليم.
ج. توفير مشترٍ بديل لنفط الشرق الأوسط بعد تراجُع أهمِّيته بالنسبة للولايات المتحدة: تُعتبَر الصين أكبر مستوردٍ للنفط من الشرق الأوسط، وتُشير التقديرات المستقبلية إلى أنَّ الصين بحاجةٍ ماسَّة للنفط؛ مايجعل منها زبونًا مربحًا جدًّا غير قابلٍ للخُسران لدول المنطقة.
د. الاستفادة من موقف القوَّتين من تحقيق الاستقرار الإقليمي: إنَّ الشرق الأوسط مليءٌ بالتحدِّيات والأزمات، ورُبّما لا تستطيع أيّ دولةٍ في الشرق الأوسط تحمُّل حلقةٍ جديدة من التنافُس بين القُوى العُظمى، وتشترك كُلٌّ من الصين والولايات المتحدة في مصالح متوافقة ومتكاملة، فيما يتعلَّق بالبُعد الأمني في الشرق الأوسط، والتخفيف من حدَّة تصعيد النزاعات؛ الأمر الذي قد يؤدِّي إلى تشكيل ديناميكيات هيكلية لبكين وواشنطن، للبحث عن أرضية مشتركة تضمن للصين تحقيق مصالحها الجيو-اقتصادية في مجال التجارة والطاقة والاستثمارات، وكذلك تمكِّن الولايات المتحدة من المحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية بالمساهمة في بسطِ الأمن بدول المنطقة، والدفاع عن الحُلفاء في الشرق الأوسط؛ الأمر الذي سيُجنِّب المنطقة الآثار المدمِّرة للتنافُس بين هاتين القوتين.
وتُعتبَر الصين من بين دول مجلس الأمن التي لها أكبر عددٍ من قوّات حفظ السلام العالمي، وتأتي في مقدِّمة الدول الأكثر إسهامًا في ميزانية حفظ السلام الدولي، بالإضافة إلى إرسالها للأساطيل البحرية لتنفيذ مهمَّات الحراسة البحرية وفقًا لقرارات مجلس الأمن، وبالتالي قد تلعبُ دورًا مهمًّا في استتباب الأمن في دول المنطقة، وهذا ما يستدعي الاستعانة بها، في حال تراجُع الاهتمام الأمريكي بأمن دول المنطقة.
إنَّ الرغبة الصينية في التوجُّه نحو الشرق الأوسط تتطلَّب استقرارًا أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ولتحقيق هذا الهدف قد تجد الصين نفسها مضطرَّةً للتوأمة بين الشراكة التجارية والشراكة الجيو-إستراتيجية مع عددٍ من الدول في المنطقة؛ ما قد يمثِّل فرصةً لدول المنطقة في استجلاب الصين للعب دورٍ مهمّ في التقريب بين وجهات النظر المختلفة في أهمّ ملفات المنطقة، ومنها الملف النووي بحُكم قُربها من إيران، التي تشِّكل للصين مصدرًا للطاقة، إضافةً للعلاقات الاقتصادية والتجارية القويّة التي تجمعهما.
بحُكم علاقة الصين بالحكومة السورية وكذلك بالنظام الإيراني الذي يعلب دورًا رئيسيًا في الأزمة السورية، ورغبة الصين بالدخول في شراكةٍ حقيقة وتنافُسٍ مع الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، يمكن لدول المنطقة توظيف هذه العلاقة في الضغط على الصين للعب دورٍ أكثر مركزية في إنهاء الأزمة السورية، وتبديد المخاوف من الطموحات النووية والتدخُّلات الإيرانية، وتخفيف التوتُّرات بين القُوى في الشرق الأوسط.
هـ. وجود شريك تجاري بديل لدعم الخطط التنموية: على المستوى الاقتصادي، تمُرّ أغلب دول المنطقة بتحوُّلات اقتصادية عميقة، تشمل تغييرات بنيوية، من قبيل التحوُّل من الاعتماد على النفط إلى الرقمنة، وتحديث روافد الاقتصادات الوطنية. والصين التي أصبحت منذ 2016م أكبر شريكٍ تجاري لعددٍ كبير من دول المنطقة، من الممكن أن تلعب دورًا كبيرًا في إنجاح هذه الخطط، كما أنَّ الكثير من الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، تمتنع عن بیع الکثیر من الصناعات العسكرية لدول الإقليم، مثل الطائرات بدون طيّار وبعض الأسلحة الثقيلة، لكن الصين من الممكن أن تؤمِّن هذه الصناعات لدول المنطقة.
2.التحدِّيات
أ. تدخُّل الصين في الصراعات الإقليمية وتفاقُم حالة عدم الاستقرار: تمثِّل اتفاقية التعاون الصيني-الإيراني واستخدام الصين لورقة إيران في صراعها المتنامي مع الولايات المتحدة الأمريكية، تحدِّيًا وإشكاليةً مستقبلية للعديد من دول المنطقة. وأيًّا كان ما ستُسفُر عنه التطوُّرات المقبلة والحقائق في مسار العلاقات المتشابكة بين الصين والولايات المتحدة وبين إيران في المستقبل، يدعم الواقع أُسَس تدشين عصرٍ لا تملك فيه الولايات المتحدة مفاتيح السيطرة الرئيسة على الشرق الأوسط، على النحو الذي ساد في الماضي، ومع دخول لاعبين رئيسيين ومحوريين كالصين، تكتسب التعدُّدية القطبية أبعادًا واقعيةً ملموسة، رُبّما ستتطوَّر في المستقبل بدرجةٍ قد تزيد من حدَّة التنافُس الإقليمي بين هاتين القوَّتين، وهو ما قد يُفاقم من حالة عدم الاستقرار التي يشهدها الشرق الأوسط.
ب. معاقبة القوَّتين للدول التي تنخرط في محاور ضدّهما: تحدٍّ آخر سيترتَّب على هذه العلاقة التنافُسية بين العملاقين الصيني والأمريكي، حيث أنَّه من المرجَّح أن تلجأ إحدى القوَّتين إلى وسائل وأدواتٍ أُخرى للحدِّ من اندفاع الآخر وبناء السدود على طريقه؛ وهُنا، يتوقَّع أن يزداد ميلُ واشنطن لممارسة ضغوطٍ سياسية ودبلوماسية على عددٍ من الدول الشرق أوسطية، مصحوبةً بتهديداتٍ اقتصادية وتجارية، على الحكومات التي تجتاز أو تفكِّر باجتياز الخطّ الأحمر في تعامُلاتها مع الصين، وسيُسهم هذا التنافُس بين العملاقين، في خلق انقساماتٍ في عددٍ من الدول، كما أنَّه قد يُفضي إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخليًا، وعلى مستوى الإقليم.
ج. الضغوط الأمريكية على دول المنطقة للحدّ من علاقاتها الاقتصادية بالصين وتأثيرها على الخطط التنموية: خلال الفترة الماضية أثبتت الولايات المتحدة أنَّها بصدد تقليص النمو الاقتصادي الصيني في المنطقة، وأنها قد تضرّ بالمصالح الاقتصادية لحُلفائها، إذا ما حاولوا تعزيزَ النفوذ الصيني. وخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو إلى تل أبيب في مايو 2020م، حذَّر المسؤولين الإسرائيليين من أنَّ تعاونهم مع الصين سيُعرِّض علاقاتهم الإستراتيجية مع الولايات المتحدة للخطر ([19])، ومارست واشنطن ضغوطًا شديدة على إسرائيل؛ للحيلولة دون فوز الشركات الصينية بمناقصةٍ لبناء أكبر محطَّة تحلية للمياه في العالم يتمّ إنشاؤها في إسرائيل ([20])، وقد تستخدم الولايات المتحدة نفس هذا التهديد مع بقية حُلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
د. تعرُّض المنطقة لحرب باردة جديدة مع تزايُد الحضور العسكري الصيني: ليس مُستبعَدًا أبدًا، أن يُفضي هذا التنافُس على الأسواق والاستثمارات والبُنى التحتية في المنطقة بين العملاقين، إلى دفع الصين إلى تخطِّي حذرها التقليدي في اللجوء إلى خياراتٍ عسكرية في سياساتها الخارجية، والتفكير بزيادة وجودها العسكري في المنطقة؛ الأمر الذي قد يدفع بالولايات المتحدة للدخول في حربٍ باردة معها تكون ساحتها هذه المرة منطقةَ الشرق الأوسط المليئة بالتوتُّرات والصراعات. فتحت عنوان حماية طُرق التجارة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، أنشأت الصين قاعدةً عسكرية في جيبوتي، ورُبّما تحت عناوين مماثلة تتوخَّى تأمين مبادرة «الحزام والطريق»، سيجري العمل على زيادة انتشارها العسكري على امتداد هذا الطريق،ويدلِّل على هذا التوجُّه، المبادرات الأخيرة التي أقرَّها الحزب الشيوعي الصيني في مارس 2021م، والتي تقضي برصد موازناتٍ ضخمة لإعادة تطوير وتحديث الجيش الصيني، وتطوير الأسطول البحري الصيني خلال العقد المقبل؛ ليكون قادرًا على حماية البلاد داخل وخارج الحدود الصينية.
هـ. الانحيازات الصينية: منذ بداية الأزمة السورية، اتّخذت الصين موقًفا مُنحازًا للنظام السوري، وذلك بحُكم العلاقات التاريخية والقوية التي تربط البلدين، وتجاوز الموقف الصيني من الأزمة السورية حدود عدم الرضا عن التدخُّلات الأجنبية في الأزمة السورية إلى الرفض بشكلٍ علني تنحيةَ بشار الأسد، بعدما استخدمت الصين في فبراير 2012م حقّ الفيتو للاعتراض على مشروع القرار العربي-الأوروبي، الذي يتبنّى دعوةَ الجامعة العربية لتنحِّي الرئيس السوري بشار الأسد عن السُلطة ([21]). الفيتو الصيني الذي عُدَّ تطوُّرًا نوعيًا مهمًّا ليس فقط في أسلوب تعامُل الصين مع منطقة الشرق الأوسط الغنية بموارد الطاقة الضرورية للمحافظة على نموها الاقتصادي المتسارع، وإنّما أيضًا في نظرة بكين إلى دورها الدبلوماسي والسياسي على الساحة العالمية، وظلَّت الصين على موقفها الداعم للنظام السوري، واستخدمت حقّ الفيتو مرّاتٍ عديدة لإحباط صدور قراراتٍ عن مجلس الأمن ضدّ النظام، كما عارضت أيّ تدخُّلٍ عسكري في سوريا، حتّى إن جاء لمحاربة التنظيمات الإرهابية فيها.
3.الخيارات
أ. اختيار سياسة متوازنة بين القوَّتين لتعظيم المكاسب: سيكون من الصواب أن تصوغ دولُ المنطقة سياسةً متوازنة تجمع فيها بين الطرفين؛ فالولايات المتحدة هي أهمّ حليفٍ إستراتيجي للعديد من دول المنطقة اليوم، ورُبّما لا تملك دولُ المنطقة بديلًا عن الدعم الأمريكي في مختلف الأُطر الدولية، بما في ذلك المساعدات الأمنية والعلاقات الاقتصادية. كما أنَّ العلاقات التي تجمع دولَ المنطقة مع الصين، في ضوء الاهتمام بالحفاظ على تنافُسيتها الاقتصادية على المدى الطويل، وفي ظلّ صعود الصين إلى مكانةِ قوَّةٍ اقتصاديةٍ وتكنولوجية، يحتِّم عليها صياغةَ سياسةِ توازُنٍ بين مصالحها الاقتصادية قصيرة المدى وأهمِّية حماية أمنها على المديين المتوسِّط والبعيد، والتعامُل بحذر وبراغماتية مع كلا القوَّتين.
يُعتبَر الشُركاء الأمنيون والسياسيون للولايات المتحدة بالشرق الأوسط، في الوقت ذاته هُم الشُركاء الاقتصاديون للصين، ويُعتبَر الخيار المثالي بالنسبة لدول المنطقة، هو الحفاظ على التوازُن في التعاطي مع هاتين القوَّتين، بدلًا من الميول في رهاناتهم إلى أحد الطرفين، وذلك عبر الاعتماد على الولايات المتحدة في التعاون الأمني، مع الحفاظ على التعاون الهام في مجال التجارة والطاقة مع الصين.
إنَّ دول المنطقة أمام تحدِّي عدمِ امتلاكِ أمريكا لشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، التي باتت مطلبًا ملحًّا لها في خططها التنموية للتحوُّل من النفط إلى الرقمنة، كما في رؤية 2030 السعودية ورؤية أبو ظبي 2030، وتعمل الصين حالياً على التقدُّم السريع في سباق تطوير شبكات الجيل السادس ((G6، وهذا ما يجعل دول الخليج في حالةٍ من التردُّد بين الخيارات التكنولوجية الصينية والتعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة. كما أنَّ هناك حذرًا لدى شعوب المنطقة من النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، وذلك نتيجةً لإخفاقاتها الداخلية في ملف حقوق الإنسان، وانتهاك حقوق أقلِّية الإيغور المسلمة، وتحيُّز الصين لمصلحة إيران (بسبب المناكفة الصينية لأمريكا) في كثيرٍ من الملفات، إضافةً إلى التردُّد الصيني في لعب دورٍ أكبر بمنطقة الشرق الأوسط، وعدم امتلاكها بدائل دبلوماسية أو عسكرية قد تتمكَّن من خلالهما من لعب نفس الدور الذي ظلَّت تلعبُه الولايات المتحدة كضامنٍ للمعادلة الأمنية الإقليمية، وهذه العوامل مجتمعةً تتطلَّب من دول المنطقة الموازنة في علاقاتها مع هاتين القوَّتين.
ب. تعزيز الاستقلالية الإستراتيجية لدول الشرق الأوسط: في ظلّ ما يصفُه محلِّلون بعالمٍ جديد قيد التشكُّل عنوانه معسكرٌ صيني وآخر أمريكي، تسنحُ فُرصةٌ لدول المنطقة لتعزيز استقلاليتها وتنمية شراكتها الإستراتيجية؛ حتّى لا تجد نفسها في موقفٍ يحتِّم عليها الاختيار بين المعسكرين، أو دفع جزءٍ من فاتورة الحرب الباردة الجديدة، لذا قد تجد دولُ المنطقة نفسها أمام خيارِ تقليص الاعتماد على بكين وواشنطن، ويمكن أن يبدأ هذا المسلك بالبحث عن تعزيز العلاقات السياسية والتجارية والأمنية مع شُركاء غير تقليديين.
على هذه الدول أن تحافظ على استقلاليةٍ إستراتيجية بعيدًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، حين يتعلَّق الأمر بالتجارة والاستثمار، في ظلّ التخوُّف من التوجُّهات الأمريكية وسياساتها في فكّ الارتباط الجزئي وإعادة تقييم الاهتمامات ومصالح الأمن القومي الأمريكي بالمنطقة، وكذلك استخدام اتّساع نطاق دور الصين الاقتصادي والاستثماري في المنطقة كعنصرِ ضغطٍ على الولايات المتحدة؛ لإعادة رفع مستوى التزامها بقضايا المنطقة، ودعم سياساتها.
ففي حال تصاعُد التنافُس الأمريكي-الصيني على دولِ الشرق الأوسط وتسابُقهِما بتقديم الإغراءات لدول الشرق الأوسط، في محاولةٍ من كُلّ طرفٍ لجذب هذه الدول لناحيته، سيُصبح من الضرورة أن تسعى دولُ المنطقة للنظر لخططٍ بديلة تعزِّز من استقلاليتها، وتقوِّمُ سياساتها السابقة في ضوء المتغيِّرات بموازين القُوى.
ج. إعادة التموضُع الإقليمي وتكثيف الشراكة مع القُوى المتوسِّطة: يبدو من الأهمِّية بمكان في ظلّ تنامي التنافُس بين الولايات المتحدة والصين، أن تلتفتَ دولُ المنطقة إلى سدّ الثغرات وتصفية الصراعات الإقليمية، وإعادة بناء التحالُفات الإستراتيجية والمبادرات الأمنية، حيث يكون الإقليم رقمًا صعبًا أمامَ أيّ محاولةٍ لتوظيفه في إطار الصراع بين القُوى الكبرى. كما يجبُ أن تُعمِّق دولُ المنطقة علاقاتها مع الدول والشُركاء من القوى المتوِّسطة والمؤثِّرة في النظام الدولي، لا سيما الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وكذلك الاتحاد الأوروبي، بحيث تكون هناك بدائل وخطوط دفاعٍ أمامية من جانب تلك القُوى عن مصالحها في المنطقة، ولفرض معادلةٍ متوازنة تحولُ دونَ التعرُّض لتأثيرات أيّ حربٍ باردة قد تطالُ المنطقة.
خاتمة
لا تزالُ الولايات المتحدة تنفردُ بموقع المهيمن في النظام الدولي، ومن الواضح أنَّ الصين لا تزالُ بعيدةً عن إمكانية إحداث تغييرٍ في طبيعة هذا النظام القائم؛ نظرًا للتفوُّق العسكري الأمريكي، وانتشاره الواسع، والنفوذ السياسي والدبلوماسي والثقافي، والدورِ بالغِ التأثير على المنظَّمات الدولية، ناهيك عن وجود عددٍ كبيرٍ من الحُلفاء لا يزال يدورُ في فلكها ويدافعُ عن القِيم التي تتبنّاها. لكن لا يعني ذلك أنَّ الصين قوَّةٌ يُستهانُ بها؛ فالصين أصبحت قوَّةً اقتصاديةً هائلة تخطَّت إمكانياتها دولًا عُظمى عديدة، ولديها خطَّةٌ طموحة لهيمنةٍ دولية من خلال التفوُّق الاقتصادي.
لا تزالُ دولُ الشرق الأوسط تنظُر إلى هذه الاعتبارات بعناية، ومن ثمَّ فإنَّها تُدرك أهمِّيةَ العلاقات مع الولايات المتحدة، وتُحرِّك سياساتها الخارجية من منظورِ تقييمٍ لمدى الضررِ الذي يمكن أن يلحقَ بهذه العلاقة؛ فالولايات المتحدة شريكٌ إستراتيجي، ولا تزال توفِّر مظلَّةَ دعمٍ أمني لا غِنى عنه. فعلى المستوى الإستراتيجي والأمني، لا غِنى عن الدور الأمريكي بالنسبة لدول المنطقة، بل إنَّ الصين نفسها تعتمدُ على الولايات المتحدة لضمان الاستقرار في المنطقة ولضمان تدفُّق مصالحها بصورةٍ أساسية، لكن بالمقابل فإنَّ الصين شريكٌ تجاريٌ واقتصادي لا غِنى عنه، بحيث لا تعوِّض مكانتها أيُّ قوَّةٍ أُخرى، حتّى الولايات المتحدة نفسها، هذه المعادلة الجيو-أمنية التي تستندُ إلى علاقةٍ إستراتيجية مع الولايات المتحدة وتوازنها معادلةٌ جيو-اقتصادية مع الصين، تجعلُ من الشرق الأوسط أكثر مناطق العالم تأثُّرًا بنشوب صراعٍ مفتوح بين القوَّتين الكبيرتين على قمَّة النظام وعلى الريادة العالمية، ومن ثمَّ فإنَّ الحفاظَ على علاقة متوازنة والإبقاءَ على هذه المعادلة الجيو-أمنية والجيو-اقتصادية ضمانٌ مهمّ من أجل تجنُّب دولِ المنطقة لتأثيراتٍ سلبية من انتقالِ الصراع إلى الشرق الأوسط.
([1]) Leng Shumei and Li Qiaoyi, China-Iran cooperation based on domestic devt requirement, Global Times, (Mar 29, 2021), accessed Apr,19, 2021, https://bit.ly/3mWWeHV
([2]) Chas W. Freeman, Jr., The United States, the Middle East, and China, The Middle East Policy Council, accessed Apr,19, 2021, https://bit.ly/3sufeyB
([3]) Chas W. Freeman, Jr., The United States, the Middle East, and China, The Middle East Policy Council, Ibid.
([4]) Michael Singh, China and the United States in the Middle East: Between Dependency and Rivalry, The Washington Institute for Near East Policy, (Sep 10, 2020), accessed 1 Apr,19, 2021, file:///C:/Users/m.hamdy/Downloads/Singh20200909-china-us-chapter-USF.pdf
([5]) Mohammed Soliman, The coming US-China cold war: The view from the Gulf, Middle East Institute, (March 15, 2021), accessed 1Arr,19, 2021, https://bit.ly/3dvyV4N
([6]) IMF, Direction of Trade statistics (DOTS), Exports and Imports by Areas and Countries, Middle East,2020. Accessed 10, Apr, 2021. https://bit.ly/3eby9sR
([7]) Statista, Direct investment position of the United States in the Middle East from 2000 to 2019, Accessed 10, Apr, 2021. https://bit.ly/3anDYlU
([8]) Degang Sun, China’s Soft Military Presence in the Middle East, Middle East Institute, (March 11, 2015), accessed 19 Apr 2021, https://bit.ly/3dwmiq6
([9]) American Enterprise Institute, China Global Investment Tracker, Worldwide Chinese Investments and Construction (2005-2020). Accessed 10, Apr, 2021 https://bit.ly/2P1eTFX
([10]) IMF, IBID.
([11]) Ito Mashino, The Future of the Middle East Caught Between US-China and US-Russia Rivalry, Global Strategic Studies Institute Monthly Report, (August 2020), accessed Apr 19, 2021, https://bit.ly/3etrF91
([12]) Natan Sachs and Kevin Huggard, Israel and the Middle East amid U.S.-China competition, (July 20, 2020), accessed Apr 19, 2021, https://brook.gs/2QyAy8M
([13]) Wojciech Michnik, “Great power rivalry in the Middle East,” Real Institute Elcano, 18 Jan, 2021, Accessed: 15 April, 2021, https://bit.ly/3mXSZ2G .
([14]) Natan Sachs & Kevin Huggard, “Israel and the Middle East amid U.S.-China competition,” Brookings, 20 July, 2020, Accessed: 14 April, 2021, https://brook.gs/3n1BYoC .
([15]) Wojciech Michnik, “Great power rivalry in the Middle East,” Real Institute Elcano, 18 Jan, 2021, Accessed: 15 April, 2021, https://bit.ly/3mXSZ2G .
([16]) Farnaz Fassihi & Steven Lee Myers, “Defying U.S., China and Iran Near Trade and Military Partnership,” The New York Times, 11 July, 2020, Accessed: 18 April, 2021, https://nyti.ms/3fRzjZh .
([17]) 180 بوست، الشراكة الصينية-الإيرانية: الخليج خط اشتباك متقدم، 29 مارس 2021م. تاريخ الإطلاع: 15 إبريل 2021م. https://bit.ly/3tuElmj
([18]) Alex Lockie, “Trump calls on China, and the world, to protect their own ships from Iran,” Business Insider, 24 June, 2019, Accessed: 15 April, 2021, https://bit.ly/3x7nyHR .
([19]) بومبيو يطالب إسرائيل بالتراجُع عن صفقات تجارية مع الصين: يعرِّض مشاريعنا المهمَّة للخطر، (14 مايو 2020م) تاريخ الاطلاع: 18 أبريل 2021م.
([20]) ضغط أميركي على إسرائيل لمنع الصين من بناء منشأة لتحلية المياه، (02 مايو 2020م)، تاريخ الاطلاع: 18 أبريل 2021م.
https://bit.ly/3gnprdy ([21]) Xinhui Jiang, “From Nonintervention to What ?: Analyzing the Change in China’s Middle East Policy”, Middle East Institute, 15 July, 2015,