https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
  فازت في الأسبوع الماضي شركة «سبميك» الصينية بمناقصة عسكرية طرحتها تركيا، بلغت قيمتها أربعة مليارات دولار، وهي عبارة عن صفقة منظومة صواريخ بعيدة المدى من نوع «إف دي 2000». وقد تنافس على المناقصة كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا. وأثارت الصفقة اعتراضات الغربيين، إلى حد إبلاغ واشنطن أنقرة بـ«استغرابها» من موقفها في اختيار التعامل مع شركة فرضت عليها عقوبات لاتهامها بخرق قانون حظر انتشار الأسلحة مع كل من إيران وروسيا وكوريا الشمالية.   ومن الناحية العسكرية الصرفة، فإن أهمية منظومة الصواريخ الجديدة تعد نقلة نوعية على مستوى ترسانتها العسكرية، إذ لأول مرة ستملك تركيا منظومة دفاعية بعيدة المدى، وذلك على الرغم من أنها عضو في الحلف الأطلسي منذ 1952 وتمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف بعد واشنطن. وبالإضافة إلى ذلك فإن الصواريخ الصينية لا يمكن تشغيلها ضمن المنظومة الدفاعية التابعة للحلف الأطلسي، أو ضمن الأطر الجماعية للتعاون العسكري مع الدول الغربية.   بعض المحللين الأتراك يرجعون سبب اختيار أنقرة للصين إلى عاملين؛ الأول يتعلق بالسعر المنخفض للأسلحة الصينية بالمقارنة مع غيرها من الشركات، والثاني أن الصين تتمتع بمرونة على مستوى قابلية نقل التكنولوجيا. وتسعى تركيا في السنوات الأخيرة إلى تطوير صناعتها العسكرية، وضخت من أجل ذلك استثمارات كبيرة، واستطاعت أن تلبي جزءا مهما من احتياجاتها، بل أصبحت تتطلع إلى أن تأخذ مكانة أكبر في سوق الأسلحة كما هو الشأن بالنسبة للطائرات من دون طيار. وعلى هذا الأساس تحرص أنقرة على نقل خبرة التكنولوجيا العسكرية إليها عبر اتفاقيات التعاون العسكري، الأمر الذي تجد فيه صعوبات مع دول غربية.   وفي الواقع، فإنه على الرغم من التبرير الاقتصادي والتكنولوجي للأتراك، فإنه لا يمكن إلغاء محددات سياسية وجيوستراتيجية لهذه الصفقة. والناظر إلى التحديات التي تحيط بتركيا في الفترة الأخيرة يلحظ أن هناك شعورا لدى صانع القرار التركي بأن هناك رغبة في تحجيم دورها، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاستراتيجي. وتشكل الأزمة السورية وتداعياتها أهم مؤشر على ذلك، إذ على الرغم من الجهود التي بذلتها أنقرة لمزيد من الضغط على النظام السوري، فإن حساباتها اصطدمت مع حليفتها واشنطن، بل إن التسوية الأميركية – الروسية رأت فيها تركيا استبعادا لها ولمصالحها وأن المنطقة مقبلة على تغيرات مبنية على تفاهم روسي – أميركي. وفي هذا الإطار جاء «التحول» الذي شهدته العلاقات الإيرانية – الأميركية، ومنها المكالمة الهاتفية للرئيس الأميركي باراك أوباما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد قطيعة أكثر من 33 سنة. قرب الانسحاب الأميركي أيضا من أفغانستان عام 2014 يشكل هاجسا أيضا للأتراك، إذ إنها بنت جزءا من استراتيجيتها في آسيا الوسطى من خلال العلاقة مع واشنطن والحلف الأطلسي، وهناك تخوف من أن يسري منطق التسوية الروسية – الأميركية – الإيرانية حول الملف السوري على مناطق أخرى حيوية لأنقرة.   وعندما نعود إلى تاريخ العلاقات العسكرية الصينية – التركية فسنجد فيها محطات تحمل معنى رد فعل على توتر في العلاقات الأميركية – التركية. وحسب الخبير التركي في الشؤون الاستراتيجية والدولية أيوب أرسوي في كتابه «Turkish-Chinese Military Relations- Spinning More Moving Less»، فإن أولى العلاقات العسكرية بين البلدين بدأت عام 1973 عندما عينت أنقرة الكولونيل إسماعيل غورغن ملحقا عسكريا في بكين، وبعدها عينت الصين ملحقا لها في أنقرة عام 1977. إن هذا التاريخ كانت له دلالاته، إذ اعترضت الولايات المتحدة فيه على التدخل العسكري التركي في جزيرة قبرص، بل إنها فرضت حظرا لتزويد أنقرة بالأسلحة. وفي أثناء تدهور العلاقات الإسرائيلية – التركية بسبب الحرب على غزة عام 2008، امتنعت واشنطن عن المشاركة في مناورات جوية في غياب إسرائيل، فكان أن قام سلاح الجو التركي بمناورات مشتركة مع الصين عام 2010 عبرت فيها واشنطن عن قلقها منها.   وبالإضافة إلى ما سبق، فإن التحديات التي فرضها المحيط الاستراتيجي لتركيا في الفترة الأخيرة جعلتها تبحث عن صيغ أخرى من التحالفات منعا لأي انتكاسة في المكانة الدولية التي راكمتها في السنوات الماضية. وفي هذا الإطار نفهم السعي المتزايد لأنقرة لتطوير علاقاتها مع أميركا اللاتينية، إلى درجة وصف فيها أردوغان بأن «تركيا والبرازيل تتعرضان لنفس المؤامرة»، في إشارة إلى الاحتجاجات التي شهدها البلدان قبل بضعة أشهر. وفي صلة بالجانب العسكري، قام وزير الدفاع البرازيلي بزيارة إلى تركيا في 21 أغسطس (آب) الماضي تباحث فيها مع المسؤولين الأتراك حول قضايا التعاون في الصناعة العسكرية وتطورات الشرق الأوسط.   من جانب آخر، شهدت تركيا تطورا مهما على صعيد نسج تحالفات جديدة، إذ بالتوازي مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، جرى في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي عقد أول اجتماع لوزراء خارجية ما أطلق عليه مجموعة «MIKA»، التي تشمل كلا من تركيا وأستراليا والمكسيك وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. وتهدف المجموعة إلى التعاون في مجالات الاقتصاد والمناخ ونزع السلاح والأمن الدولي.   الخلاصة، أن الصفقة العسكرية الصينية – التركية بقدر ما جاءت في سياق خلافات مع واشنطن، بقدر ما تظهر مسارات أخرى تبحث عنها أنقرة لتتفادى الإقصاء أو الإضعاف، وعلى أساسها تقوم بمراجعة سياستها في المنطقة العربية بما يجعلها أكثر استدامة وتكاملا، خاصة مع الدول ذات الثقل الإقليمي. الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 − 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube