كتب محمد خير الوادي :
لعل احدى نتائج هزيمة الترامبية في امريكا ، ستكون تراجع المد الشعبوي الذي انتشر كالهشيم في النار في الولايات المتحدة واوربا وبقية مناطق العالم .
لقد غذى وجود ترامب على رأس أعتى قوة عالمية حركات اليمين العالمي المتطرف ، ووفر لها الحماية والوقود اللازمين لاكتساب زخم جديد واكتساح مناطق اضافية .
وليس مصادفة ابدا ، ان يترافق فوز ترامب في الانتخابات عام 2016 مع خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي، اثر مد انفصالي تزعمه شعبويو بريطانيا .
كما اشعلت الترامبية اوار موجة العداء للمهاجرين والاسلام ، ورفعت من وتيرة الشعارات العنصرية في امريكا واروبا ، وضاعفت دعمها الكامل لطغاة العالم .
لقد اعتقد زعماء الشعبوية ، ان انتصار ترامب هو نقطة تحول تاريخية لاعادة صياغة العالم وفق منظورهم . وبادر هؤلاء الى توحيد الحركات الشعبوية في العالم كله . فبعد عام من من الانتخابات الامريكية ، زار مستشار ترامب، ستيفن بانون، أوروبا حاملا معه خططا كبرى لتوحيد اليمين المتطرف العابر للدول في أوروبا مع اليمين المتطرف في أمريكا. كما كال بانون المديح لرئيس الوزراء الهنغاري المتطرف فيكتور أوربان ، ولقبه بـ بالبطل الوطني الشعبوي الاول في الاتحاد الاوربي . ولم يبخل -أمام تجمع حاشد في مدينة ليل الفرنسية- باغداق الالقاب الفخمة على لوبين ، زعيمة الشعبويين الفرنسيين ، مؤكدا : “ان تيار التاريخ يقف الى جانبنا ”. وبذل بانون جهودا لجر الحكومات الايطالية والبولندية والبريطانية الى تيار الشعبوية . كما تم التنسيق مع حركة ” البديل اليمينة المتطرفة في المانيا وترافق ذلك بهجوم غير لائق شنه ترامب على ميركل. وتم تقديم الدعم للحركات القومية المتطرفة في كل من هولندا والنمسا واليونان ودول بحر البلطيق.
وفي امريكا اللاتينية ، سعت ادارة ترامب الى رعاية الرئيس البرازيلي جائير بولسونارو، الذي يعتبر من أكبر القوميين المتطرفين في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
وقد تاثرت المنطقة العربية بموجة الشعبوية هذه ، من خلال التحالف مع المستبدين في ، والاحتضان الكامل لاسرائيل ونتنياهو ، ودعم المطبعين معها وتشجيعهم ، ونقل السفارات الى القدس المحتلة، ومعاقبة الشعب الفلسطيني ، ووصم اغلب العرب بالارهابيين، ونشر الاسلام فوبيا .
وتتميز الشعبوية بسمات مشتركة ، هي الديماغوجية وممارسة التضليل ، والاتجار بالشعارات الوطنية والديمقراطية ، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة لتخريب الوعي الشعبي وخلق ثقافة القطيع المطيع ، والسعي الى بناء شخصية الزعيم الملهم، والترويج لكراهية الاجانب،واطلاق صفة المؤامرة على الخطوات التي لا تروق لها ، كالانتخابات وحماية البيئة ،والتهوين من قيمة العلم في مسألة انتشار جائحة كورونا ، واحتقار النخب الثقافية والسياسية، والعداء للمهاجرين والاسلام .
وقد استغلت الشعبوية الازمات الاقتصادية والاجتماعية، من اجل كسب مزيد من الانصار بين القوميين والمتدينين المتطرفين .
حدث هذا في امريكا عندما رفع ترامب عاليا شعاراته العنصرية ،واجج مقولة تراجع العنصر الابيض لصالح السود والملونيين والمهاجرين ، وحمٌل الادارات السابقة وزر الازمات التي عصفت بامريكا ، وتحدث بديماغوجية عن المستقبل المشرق . وقد تمكنت الشعبوية الترامبية من استقطاب الغاضبين والقلقين والمهمشين ،وانصاف المثقفين والعاطلين عن العمل والريفيين الى جانبها . وكان من المفترض ان تتوسع الشعبوية وتتعزز، لولا جائحة كورونا التي عصفت بخطوات ترامب كلها ، وعرٌته امام الجميع .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : هل انتهت الشعبوية مع هزيمة ترامب ؟
الجواب قطعا لا . فالترامبية هُزمت ولكنها لا تزال تتمتع بتأييد نصف المجتمع الامريكي ، وهي ستسعى الى اثارة الازمات والمشكلات الداخلية والخارجية امام ادارة بايدن ، والتمهيد لالحاق الهزيمة بها في انتخابات عام 2024. ثم ان اسباب ظهور الشعبوية لم تنتنه . فالازمات الاقتصادية التي تفاقمت مع جائحة كورونا ستبقى ،لا بل يمكن ان تتضاعف . وقلق البيض الامريكيين من تراجع تأثيرهم لصالح الملونيين سيبقى ،وتاثير المتطرفين الدينيين الانجيليين – وهم قاعدة ترامب الصلبة – لم يتراجع .ولذلك يمكن القول ، ان الترامبية الشعبوية قد خسرت معركة ، ولكنها لم تخسر الحرب كلها . والامر يعتمد على مدى فاعلية الادارة الديمقراطية المقبلة ، وقدرتها على معالجة الجروح الى خلفها ترامب ،وجسر الانقسات الاجتماعية والعرقية التي حفرها ، والعمل على تجاوز حقبة ترامب، واشعار الناس بتوفر البديل الافضل .
انها تحديات هائلة تشخص امام بايدن ، والتغلب عليها سيحدد مصير الشعبوية في امريكا والعالم كله .
1/12/2020