(من دراسة كتبها خضير عباس أحمد النداوي)
شهد العقد الأخير من القرنِ الحادي والعشرين تحّولًا في الاستراتيجيةِ الأمريكية إزاءَ الساحة الأسيوية، وتمّثلَ ذلك بالانسحابِ من دولِ منطقة الشرق الأوسط والانتقال التدريجي نحو دول شرق آسيا بهدف مُحاصرة جمهورية الصين الشعبية، وتحديدًا مع بدايةِ حُكم الرئيس باراك أوباما، وتوسع هذا التوجه مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب واتخذ منحى أكثر فاعلية في عهد الرئيس الحالي جو بايدن. إذ اتخذت إدارة الرئيس جو بايدن خلال المدة من 15 آب/ أغسطس ولغاية 15 أيلول/ سبتمبر 2021، أي على مدار ثلاثين يومًا فقط، قرارين، كان توقيتهما مُفاجئًا إلى حدٍ ما لغالبية دول العالم، وبضمنهم حُلفائها في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد عكس القرار الأول، انسحابًا عسكريًا أمريكيًا سريعًا من أفغانستان والذي أُعلن في 15 آب/أغسطس 2021 ونُفذ في غضونِ أسبوعين فقط، بينما تمَّثلَ القرار الثاني، بإعلان الرئيس جو بايدن في 15 أيلول/ سبتمبر 2021، عن تشكيل تحالف أمني استراتيجي جديد في منطقة المُحيطَين الهندي والهادئ تحت مُسمى تحالف أوكوس (AUKUS)، يضمّ كلًا من: الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة (بريطانيا) وأستراليا، وسُمي باسم AUKUS وهي الحروف الأولى باللغة الإنكليزية من أسماءِ الدول الثلاث أعضاء التحالف الجديد وهي كل من : الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا.
يُمكن إيجاز الأهداف المُعلنة للتحالف الجديد بالآتي:
وفقًا للإعلان المنشور في الموقع الرسمي للبيت الأبيض الأمريكي من رؤساء دول التحالف الجديد (AUKUS)، كل من: الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ورئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون. بتاريخ 15 أيلول/ سبتمبر 2021، سيتم تزويد أستراليا بأسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية مع تأكيد الرؤساء الثلاثة بعدم تسليح هذه الغواصات بأسلحة نووية في الوقت الحاضر، وذلك بهدف مواجهة تهديدات القرن الحادي والعشرين(]).
استهدف التحالف الدفاعي الجديد، المُحافظة على الأمن والاستقرار في المحيطين الهندي والهادئ، وستحصل أستراليا بمقتضى هذا الاتفاق على اثنتي عشرة غواصة تُدار بالطاقة النووية. وبذلك، تصبح أستراليا الدولة السابعة في العالم التي تمتلك هذا النوع من الغواصاتِ بعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين والهند. ومَثَّلَ هذا الاتفاق تراجعًا أستراليًا عن الصفقة المُماثلة التي كانت قد أبرمتها عام 2016 مع فرنسا. لذلك، أثار هذا الإعلان عاصفة من الغضب والاحتجاج في فرنسا على المُستويين الحكومي والإعلامي، ودعم موقفها عدد من الدول الأوروبية. وتضمن اتفاق الشراكة بإن تقوم الولايات المُتحدة بتسليم أستراليا غواصات تعمل بالدفع النووي، وهي أول مرة تزود بها واشنطن تلك التكنولوجيا إلى دولة أخرى غير بريطانيا؛ كما ستحصل أستراليا على صواريخ كروز أمريكية بعيدة المدى من طراز “توماهوك”. وعلاوة على ذلك، ستعمل دول تحالف الأوكوس على تعزيز التعاون في مجالي الدفاع السيبراني والذكاء الاصطناعي، وستحفز من تعزيز القدرات المُشتركة وإمكان التشغيل البيني العسكري بين البلدان الثلاثة]).
التخلي عن الغواصات الفرنسية التقليدية: نتج من تزويد أستراليا بالغواصات الأمريكية تخلي أستراليا عن صفقة مع فرنسا، كانت ستشتري أستراليا بموجبها نحو 12 غواصة تقليدية (غير نووية) من فرنسا تُقدر قيمتها بنحو 50 مليار يورو.
موازنة النفوذ الصيني في المحيطين: سيتم دعم أستراليا بالغواصات النووية، نظرًا إلى موقعها الاستراتيجي الحيوي في المحيطين الهادئ والهندي، وكذلك كونها الفناء الخلفي للصين. ولذلك يمكن القول إن هذه الشراكة ستسمح لأستراليا أن تصبح لاعبًا قويًا بطريقة قد تغير توازن القوة البحرية في منطقة كانت، ولا تزال، ضمن الأهداف التوسعية للنفوذ الصيني]).
وقد أُعلنَ الموقف الصيني عقب محادثات هاتفية أجراها عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني (وانغ يي) مع كلٍ من وزيري خارجية ماليزيا وبروناي بتاريخ 29 أيلول/ سبتمبر 2021 وأصدروا بيانًا أعربوا فيه عن قلقهم البالغ إزاء اتفاق الشراكة الأمريكي البريطاني الأسترالي، واستنادًا إلى صحيفة الشعب الصينية في 30 أيلول/ سبتمبر 2021، أكد وزير خارجية الصين مخاطر خطوة التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي على منطقةِ جنوب شرق آسيا بالآتي:
مخاطر تتعلق بالانتشار النووي: وفقًا لمُعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية تستطيع الدول غير الحائزة للأسلحة النووية استخدام الطاقة النووية بطريقة سلمية فقط، تحت إشراف ووفقًا لضمانات. لكن الغواصات النووية تُستخدم لأغراض عسكرية وتعمل بيورانيوم عالي التخصيب، يمكن استخدامه بشكل مُباشر لصناعةِ أسلحة نووية مما يساعد على زيادة الانتشار النووي.
ستحفز هذه الخطوة دورة جديدة من سباق التسلح: تعَدّ الغواصات النووية قوة أمنية استراتيجية قادرة على حمل أسلحة نووية. وستؤدي هذه الخطوة التي اتخذتها أستراليا إلى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في منطقة جنوب شرق آسيا.
ستقوض هذه الخطوة الرخاء والاستقرار الإقليميين، وستلقي بظلالها على السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.
ستخرب هذه الخطوة بناء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب شرق آسيا.
ستُحيي هذه الخطوة عقلية الحرب الباردة ([]).
الانعكاسات على أسواق النفط العالمية
تمتلك دول التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد احتياطيات نفطية قوامها نحو 7 مليار برميل من النفط الخام، أغلبيتها في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يبلغ إجمالي إنتاج الدول الثلاث نحو 17.975 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، في حين يبلغ مجموع استهلاكها النفطي نحو 20.245 مليون برميل يوميًا، إي إنها تستورد نحو 2.270 مليون برميل يوميًا)).
تمتلك جمهورية الصين الشعبية احتياطيًا نفطيًا قدره 26 مليار برميل من النفط الخام، ويبلغ إنتاجها نحو 3.901 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، في حين ارتفع إجمالي استهلاكها ليصل إلى 14.314 مليون برميل يوميًا، أي إنها تستورد نحو 10.413 مليون برميل يوميًا، وبذلك أضحت الصين أكبر مُستورد للنفط في العالم في الوقت الحاضر
يتضح مما تقدم أنَّ تأثير التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد على أسواق النفط العالمية يتركز في عدة اتجاهات، لعل أهمها الآتي:
الاتجاه الأول: أنَّ دول التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد والدولة المناهضة له وهي جمهورية الصين الشعبية، هي دول عظمى تمتلك ترسانة عسكرية ونووية متقدمة جدًا (عدا أستراليا التي لا تمتلك أسلحة نووية حاليًا)، فضلًا عن كونها من الدول الصناعية المتقدمة والمستوردة للنفط الخام، إذ يبلغُ إجمالي الاستهلاك النفطي لدول التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد مع الدولة المناهضة لهذا التحالف وهي الصين نحو 34.559 مليون برميل يوميًا، أي ما يعادل 31 بالمئة من الاستهلاك العالمي من النفط الخام والبالغ 078 مليون برميل يوميًا،. عندئذ سيبقى العامل النفطي أحد أهم العوامل الحاسمة في ضبط اتجاهات التوتر المُحتملة بين دول التحالف الجديد مع جمهورية الصين الشعبية في المدى المنظور.
الاتجاه الثاني: ستعمل الدول المُتضررة من تحالف دول أوكوس، وبخاصة جمهورية الصين وفرنسا، وبالتنسيق مع دول أخرى، نحو تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول الخليج العربي النفطية، وكذلك مع إيران أيضًا، وبما يُعزز من مصالحها الاستراتيجية، ولإيجاد نمط من التوازن في الاختلال الذي أحدثه التحالف الجديد في الساحة الدولية.
الاتجاه الثالث: توجد خلافات أمريكية صينية، لاعتبارات استراتيجية واقتصادية، ترتبط بموضوع الهيمنة على بحر الصين الجنوبي، والذي تعدّه الصين جزءًا من مياهها الإقليمية وثمة مؤشرات عن اكتشافات نفطية واعدة في أعماق هذا البحر، بينما ترفض الولايات المتحدة الأمريكية هذا التوجه، وأي احتكاك عسكري في بحر الصين الجنوبي بين الطرفين ستكون له نتائج كارثية على أسواق النفط العالمية بوجه عام، وعلى البلدان العربية المصدرة للنفط للصين على وجه التخصيص.
الاتجاه الرابع: أضاف تحالف دول أوكوس مهام جديدة، اضطلعت بها ثلاث دول كبرى في بادئ الأمر، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المُتحدة وأستراليا، ويتركز في المحافظة على الأمن في المحيطين الهندي والهادئ (من وجهة نظر دول التحالف)، ولا يُستبعد التحاق دول أخرى بهذا الحلف بما يجعل منه محورًا جديدًا للاستقطاب الإقليمي والدولي، وساحة استثمار واسع في القطاعات النفطية في المدى المنظور.
إنَّ التحالف الأمريكي البريطاني الأسترالي الجديد مَثلَ تطورًا استثنائيًا في الساحةِ الدولية، وستكون لهُ تداعيات مُتباينة على أغلبيةِ دول العالم، وبخاصة دول الخليج العربي المُصّدرة للنفط الخام، والمُتمثلة بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منطقةِ الشرق الأوسط مما يُثير طمع قِوى إقليمية ودولية لمحاولة ملء الفراغ في المنطقة، وهو ما يتطلب من صُناع القرار، والمختصين بالميدان الاقتصادي والمُتابعين، إيلاءه أهمية استثنائية، والاستفادة من الفُرص الإيجابية المتاحة لتعزيز واقع ومكانة دول الخليج العربية المُنتجة للنفط وتطوير علاقاتها الثنائية والإقليمية والدولية، مع الأخذ بالحسبان أنَّ دول شرق آسيا، وفي مُقدمتها الصين تُمثل الأسواق الواعدة للنفط الخليجي، سواء أكان ذلك في المدى المنظور أم في الإطار الاستراتيجي.