https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الوظيفة بمفهومها القديم تغيرت جدا، فهي لم تعد مجرد عدد يضاف لقائمة الموظفين حين الحصول عليها، ولا هي عدد يخصم من قائمة العاطلين، ولكنها «قيمة» تضاف كإنجاز لقطاع التعليم أو التدريب بحسب الحالة، إذا كان المخرج التعليمي يعتمد على المنتج التقليدي أو المنظومة التدريبية لتخرج حرفيين يعتمد عليهم.

هناك مهن تنقرض مثل «المعقب» الحكومي الذي قضت عليه الحكومة الإلكترونية المتطورة، أو وكيل السفريات السياحية الذي كان يوما مهما ورجل المهام الصعبة والمستحيلة، بتطور التقنية وسهولة استخدامها وتحسن المعلومات وخيارات استغلالها بات من الممكن وبسهولة جدا الاستغناء عنه وعمل كل المطلوب إلكترونيا، وطبعا هناك مهن أخرى لقيت نفس المصير، مندوب المبيعات التقليدي ينقرض مع اتساع دائرة ونفوذ التجارة الإلكترونية وتحسين التقنية والمراجعات والتدقيق المالي والأمني المطلوب والمصاحب لذلك، وكذلك المصرفي التقليدي الذي ينجز معاملات الشباك بالبنوك انتهى دوره فعليا مع تطور عظيم في الصيرفة الإلكترونية وبشتى طرقها وأساليبها.

حتى المهن الصناعية التقليدية التي كانت تعتمد على أعداد كبيرة من الموظفين وأرتال مهولة من العمال – باتت اليوم مركزا للآلات والأجهزة الذكية التي خف الاعتماد فيها على العنصر البشري للتقليل من الخطأ والإهمال وتطوير الاعتمادية العالية في الإنتاج. الزراعة هي الأخرى والتي كانت تعتمد على أعداد كبيرة من الكبار والأطفال، ينتشرون في شتى الحقول للزرع والحصاد في أسرع وقت، تم الاستبدال فيهم جميعا والاعتماد على آليات زراعية عملاقة تؤدي عمل العشرات بشكل أدق وأهم وأنجع. وطبعا، هذه مجرد أمثلة فقط، ولكن الفكرة هي أن التقنية المتطورة حسنت الأداء وفعاليته وخفضت الاعتماد على العنصر البشري عددا، ولكنها تعتمد عليه من ناحية القدرة الإبداعية والإنتاجية وتقديم الفكرة الأصلية نفسها والبناء عليها لاحقا بيسر وذكاء ودقة، وهذا هو ما نجحت فيه بعض المجتمعات من التحول إلى مجتمع صناعي يعتمد على «رخص» المنتج وتقديم البضاعة بأقل التكاليف الممكنة، وهذا حول المجتمع الاقتصادي هناك إلى ورشة عمل وكأنها باخرة محملة بالعبيد لإنتاج كل شيء بأرخص قيمة، ولكن دولة كسنغافورة أدركت أن هذا الأمر مؤقت فور ما ستبرز دولة قادرة على إنتاج نفس المنتجات بشكل أرخص وأقل تكلفة، وهذا تماما ما حدث حينما ظهرت دول صناعية جديدة مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا وكوريا والفلبين وفيتنام والصين وكمبوديا، فقررت سنغافورة التوقف تماما عن الصناعة الرخيصة لتركز فقط على الخدمات والمعرفة الاقتصادية المرتبطة برأس المال البشري، ونتج عن ذلك تطور طبيعي ومتصل في المناهج الدراسية ومعايير ومقاييس مخرجات التعليم، وتحسن في الإنتاجية والمنافسة، وتميزت منتجات سنغافورة الإبداعية، وهبطت معدلات البطالة، وارتفعت سمعة البلاد في مجال التنافسية بشكل استثنائي، وتنتقل من منافسة الدول الشبيهة لها لتكون منافسا لدول صناعية من العالم الأول بامتياز شديد.

التجربة السنغافورية مهم جدا التمعن فيها وإدراك أنها ليست غريبة ولا شاذة، ولكنها من الممكن أن تتكرر.

سنغافورة ربطت التعليم بسوق العمل تماما، وأصبحت هناك شراكة حقيقية بين سوق العمل وخط العلم، بحيث يدرك القطاعان أن المسؤولية مشتركة عليهما معا للنجاح، وبالتالي تتحقق الفكرة المطلوبة ويكون العائد الإيجابي لصالح المجتمع ككل بدلا من سوء الظن والتناحر المضر.

الشرق الاوسطو زافترا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 18 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube