– المؤلف: جيمس بريان مكناب تاريخ الفشل في الحرب يتلخص في كلمتين “فوات الأوان”؛ مقولة للماريشال الأميركي دوغلاس ماك آرثر، استهل بها جيمس بريان مكناب كتابه “التاريخ العسكري للشرق الأوسط الحديث”، لتلخص وتسهل فهم تاريخ طويل من الأحداث في هذه المنطقة. يتجاوز الكتاب مجرد السرد التاريخي ليقدم سياقا تحليليا حول موضوعات شتى؛ كتأثير التكنولوجيا على الصراعفي الشرق الأوسط، ودور السياسات ومنافسات القوى العظمى وحربها الباردة، واستمرار تأثير الدين والكراهية العرقية والقبلية على الصراعات التي لا تنتهي أبدا في المنطقة. البداية في الفصل الأول كانت من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، فبحلول أواخر القرن الثامن عشر كانت سيطرة الدولة العثمانية على مصر آخذة في التدهور، ودخل الفاعلون الغربيون وغيرهم من القوى بأوراسيا، في تنافس للاستفادة من حالة الانهيار العثماني تلك. اجتاحت فرنسا مصر، وثبّت نابليون بونابارت أقدامه وذاع صيته بعد الانتصار على الجيش العثماني الذي نقلته السفن البريطانية إلى معركة على سواحل الإسكندرية أدت لمقتل أو أسر جميع أفراد الجيش (18000 جندي). ورغم ذلك لم تستطع فرنسا أبدا تحقيق أهدافها بإقامة موطأ قدم لها في مصر لتسهيل التحرك ضد القسطنطينية، والقضاء على السيطرة البريطانية على الهند، والتحكم في طرق التجارة عبر المنطقة. لكن المؤكد أن النتائج الفعلية لتلك الحملة كانت تدمير قرون من الحكم المملوكي في مصر، وبناء وعي داخل النخب المصرية حول مدى التخلف عن أوروبا عسكريا وتكنولوجياً، ويبقى الأثر الأهم -والذي لم يتضح كثيرا وقتها- هو ولادة شعب ذي طاقة ثورية استمرت طوال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، قبل أن تخمد لتعود من جديد في أوائل القرن الواحد والعشرين. في الفصل الثاني يتناول المؤلف الحرب العالمية الأولى ووراثة التركة العثمانية، فالسلطة التركية التي كانت تسيطر على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استطاعت قمع الاقتتال المحلي والإقليمي وفرض استقرار المناطق الخاضعة لها. كانت الدولة العثمانية قد استفادت من مهاراتها التنظيمية والسياسية والعسكرية -وجميعها مدعومة بأيدولوجية إسلامية موحدة- في صنع إحدى أعظم الإمبراطوريات في التاريخ. لكن مع النهضة الغربية والاكتشافات والتقدم الفكري والتكنولوجي في أوروبا، بدأ الغرب في تجاوز القوة العثمانية، وبحلول أواخر القرن الثامن عشر كان قادرا على تحدي السلطة التركية مباشرة. وتأتي الحرب العالمية الأولى وقد تحالفت الدولة العثمانية مع ألمانيا ضد روسيا في الشرق وبريطانيا وفرنسا في الغرب، وكانت الهزيمة المحققة التي فتحت أراضي الإمبراطورية العثمانية أمام القوى المنتصرة، لتملأ فراغ السلطة -الذي نشأ عن الانهيار العثماني- وتوسع نفوذها. ويؤكد المؤلف في الفصل الثالث أن الطبيعة الإستراتيجية للجغرافيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -التي تعمل بمثابة حلقة وصل بين أوروبا وآسيا وأفريقيا- أجبرت الدول والمجموعات على مر التاريخ على المناورة للسيطرة على الطرق البحرية والبرية من أجل إظهار القوة والنفوذ. ويستعرض بالتفصيل العمليات والمعارك الكبيرة التي جرت على أراضي المنطقة فغيرت وجه الحرب على مستوى العالم. خلال الحرب العالمية الثانية كان الشرق الأوسط مسرحا لعمليات الحلفاء منذ البداية، فالقيادة البريطانية التي أقيمت في القاهرة (يونيو/حزيران 1939) وقناة السويس كانت بمثابة المركز الجغرافي والإستراتيجي واللوجستي للمسرح. وامتدت منطقة مسؤولية تلك القيادة مسافة 1700 ميل في 2000 ميل عبر شمال أفريقيا والشرق الأوسط. كان الهدف الرئيسي للقيادة هو التنسيق بين ثلاث قيادات منفصلة للجيوش، تقع في مصر والسودان وفلسطين وشرق الأردن. ومع اندلاع الحرب، ضمت إليها أرض الصومال البريطانية وعدن والعراق وسواحل الخليج العربي، مع إضافة إثيوبيا وإريتريا وليبيا واليونان فيما بعد. يأتي تأسيس إسرائيل والحروب العربية الإسرائيلية في الفصلين الرابع والخامس، كان النصف الثاني من القرن قد شهد نشوء منافسات الحرب الباردة، وحلت الولايات المتحدة محل بريطانيا كقوة عسكرية رئيسية في الشرق الأوسط، وواجهت جهود الاتحاد السوفياتي لتوسيع سيطرته ونفوذه، في الوقت الذي تقوضت فيه المصالح الغربية في بالمنطقة. وأصبحت الحرب الباردة وتكتيكاتها بمثابة الخلفية للحروب العربية/الإسرائيلية، في الأعوام 1948 و1956 و1967 و1973، حيث جلبت الثلاث الأخيرة المشاركة العسكرية السوفياتية المباشرة، وفي الوقت ذاته دعمت موسكو حلفاءها في مصر وسوريا والعراق ضد إسرائيل ومؤيديها وعلى رأسهم واشنطن. وفي 1971 بدأ البريطانيون سحب قواتهم من الخليج العربي. في الفصل السادس يحلل المؤلف إستراتيجية الولايات المتحدة بالمنطقة، في ظل حرب فيتنام وما أدت إليه من عجز مالي وخسائر مهولة بشريا ومعنويا، وتدهور في القدرة على الوفاء بالالتزامات الخارجية. وسعى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى طلب مساعدة الجهات الفاعلة القوية في الشرق الأوسط لحماية حركة النفط من الخليج العربي. وتحول نحو شاه إيران محمد رضا لتعويض التكاليف وتقاسم عبء تأمين الوصول الغربي إلى المنطقة. لكن يأتي الرئيس جيمي كارتر ليضع مبدأ جديداً للتعامل مع إيران، فيربط المعونة العسكرية والمساعدات الأميركية بالتحسن في سجل حقوق الإنسان. ويضطر الشاه للرضوخ وتخفيف القبضة الأمنية على المعارضة التي انتهزت الفرصة، وقادت سلسلة من الاحتجاجات أدت في النهاية إلى قيام الثورة الإيرانية ولجوء الشاه وأسرته إلى مصر. ويشير المؤلف إلى تبدل موقف مصر في السبعينيات، فصاحبة القوة العسكرية التقليدية الكبرى في العالم العربي نأت بنفسها عن الفلك السوفياتي بعد حرب 1973، وبحلول عام 1979 أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل. وتبددت آمال العرب في حرب تقليدية تقضي على إسرائيل بعد هذا القرار المصري. الفصل السابع تنازل تشكيل القيادة المركزية الأميركية (USCENTCOM) المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (عدا إسرائيل بالطبع)، واجتياح العراق للكويت ثم حرب عاصفة الصحراء. كان تشكيل القيادة الأميركية في البداية لردع أي هجوم سوفياتي على مصادر البترول، أو التدخل لصالح إيران في حربها مع العراق. بعد حرب دامت تسع سنوات مع إيران؛ خرج عراق صدام حسين غارقا في ديون معظمها للسعودية والكويت. كانت خدمة الدين فقط تكلف العراق نحو ثلث عائدات النفط، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار النفط إلى مستويات قياسية. ويلقي صدام باللوم على السعودية والكويت في انخفاض الأسعار بسبب فرط الإنتاج، ويطالب الكويت بالتخلي عن ديونها ودفع تعويضات للعراق عن خسائره في حرب زعم أنها كانت دفاعا عن دول الخليج، ويتصاعد الدخان فيجتاح صدام الكويت (1 أغسطس/آب 1990). بعد حشد أكبر تحالف منذ الحرب العالمية الثانية؛ تشتعل حرب عاصفة الصحراء. وبعد 43 يوما من العمليات الهجومية، دُمرت 42 فرقة عراقية أو أصيبت بأضرار أعجزتها عن القتال مجددا، وأغرقت البحرية العراقية بالكامل، وأبيد 50% من القوات الجوية، في حين أُسِر 82000 جندي عراقي. ولم تحاول واشنطن إزاحة صدام من الحكم بعد هزيمته. في الفصل الثامن يستعرض المؤلف محاولات احتواء صدام، ومعارك الجهاد في أفغانستان، ثم هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الأراضي الأميركية. ففي أفغانستان استعرت الحرب السوفياتية الأفغانية بين 1979-1989، وقدمت الولايات المتحدة -بالشراكة مع السعودية وباكستان- الدعم للمجاهدين (الأفغان والعرب) ضد الاتحاد السوفياتي حتى انتهى الأمر بانسحاب السوفيات مطلع عام 1989. تبعت ذلك سريعا الحرب الأهلية بين فصائل المجاهدين من أجل السيطرة على الحكم، ويقول المؤلف إنه بحلول عام 1994 حصلت طالبان من السعودية وباكستان على الموارد الكافية لتمكينها من شن هجوم ينهي الاقتتال الداخلي، ويمكنها من السيطرة على الحكم في أفغانستان. بمرو الوقت وسّعت طالبان صلاتها مع الجماعات العربية المسلحة التي ساعدتها من قبل في حربها ضد السوفيات والفصائل الأخرى، وسمحت لتنظيم القاعدة بإنشاء معسكرات للتدريب على أراضيها. ويؤكد المؤلف أن كل ذلك تم في ظل اعتراف السعودية وباكستان والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة بطالبان وحكومتها حاكماً شرعياً لأفغانستان، ولاحقا أعلن بن لادن الحرب على الولايات المتحدة وإسرائيل. ويناقش الفصل التاسع الحرب على العراق وصعود تنظيم الدولة الإسلامية وهيمنته على منطقة واسعة بين العراق وسوريا، ويناقش المؤلف نظريتي الحرب الوقائية والاستباقية لما كان لهما من بالغ الأثر على منطقة الشرق الأوسط، ويخلص إلى سوء استخدام الولايات المتحدة للنظريتين في تحركها داخل المنطقة. ومع الضغط على الجماعات المسلحة داخل المنطقة من جانب الجيش الأميركي، كانت هناك إصابات كثيرة بين الأبرياء صُنفت آثارا جانبية للعمليات العسكرية، ولكن المؤلف يؤكد أنها دفعت نحو بعض الدعم الشعبي لتلك الجماعات. وهو ما أعطاها ميزة نسبية تفوقت بها على التقدم التكنولوجي العسكري الأميركي فزادت الخسائر الأميركية. وكان الاسترخاء الأمني بعد انتهاء الحرب الباردة، وتقليل الدعم للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، قد أدى إلى زيادة مستويات الاحتجاجات التي أطاحت أحيانا بحكومات، حيث طالبت الجماهير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقدر أكبر من المشاركة السياسية، وزيادة الفرص الاقتصادية، فاندلعت أحداث الربيع العربي نهاية عام 2010.