قامت طائرة بلا طيار تابعة للجيش الأمريكي في الثالث من أيلول / سبتمبر 2012 بإطلاق صاروخ على ارهابيين مفترضين في اليمن. كانت نتيجة هذا الخطأ مقتل 13 شخصاً من المدنيين، بينهم امرأتان. تتكرر هذه الواقعة بشكل منتظم من قبل الجيش الأمريكي، في عدة بلدان، وفي قارات مختلفة. ومؤخراً في العشرين من الشهر الجاري، قتلت طائرة أمريكية بلا طيار، في اليمن أيضاً ثمانية أشخاص، يفترض أن اربعة منهم فقط مقاتلون تابعون لمنظمة “القاعدة”، والأربعة الباقون كانوا مواطنين مدنيين عاديين من أفراد احدى القبائل اليمنية. بدأت الولايات المتحدة الأمريكية باستعمال الطائرات الهجومية بلا طيار بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر عام 2001 ، وكان هذا النوع من الطائرات يستخدم قبل ذلك في مجال الاستطلاع فقط. ويبدو أن الآثارالناجمة عن الجلوس في مقعد وثير وشرب فنجان من القهوة، مع القضاء على الأعداء دون تكبد أية خسائر، تحولت الى استراتيجية قتالية لدى الولايات المتحدة. ولا يبدو مقتل الأبرياء مسألة تدعو للقلق لدى الأمريكيين. ففي عام 2006 على سبيل المثال قتلت الطائرات الأمريكية بلا طيار في ثلاث غارات على باكستان 108 شخصاً، بينهم 97 مدنياً، منهم 75 طفلاً. وبدءاً من حزيران / يونيو 2004 ولغاية أيلول / سبتمبر 2012 بلغ عدد ضحايا هجمات الطائرات الأمريكية بلا طيار في باكستان 3325 شخصاً. منهم 881 شخصاً مدنياً، بينهم 176 طفلاً.
وتعترف واشنطن بمقتل الضحايا المدنيين مرغمة، وعلى مضض، وفقط في الحالات التي لا تستطيع فيها انكار ذلك. ومن المفارقة أنه تم التوسع كثيراً في استخدام الطائرات الهجومية بلا طيار، خلال عهد الرئيس الحالي باراك أوباما الحاصل على جائزة نوبل للسلام. فقد تم تنفيذ 250 عملية من هذا النوع في فترة رئاسته الأولى، من أصل 300 عملية نُفذت على الحدود الباكستانية – الأفغانية فقط.
“قوائم االموت” من رجل السلام ..
لم يرد اسم الرئيس الأمريكي في هذا الموضوع بشكل اعتباطي. فقد اعترف الخبراء المحيطون به أكثر من مرة، أن أوباما يتولى شخصياً التوقيع على “قوائم الموت”، التي تعدها له مجموعة من عناصر الاستخبارات، وموظفي البيت الأبيض. وتُجهز تلك القوائم في وكالة المخابرات المركزية، وقيادة العمليات الخاصة في القوات المسلحة الأمريكية. وكان جوني برينان معاون الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب (ويشغل حالياً منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية) يحملها الى سيد البيت الأبيض ليقوم بالتوقيع عليها، وهي القوائم التي تشرّع القتل دون محاكمة. ومن أجل التخفيف من “الحمل المعنوي الثقيل” على كاهل الرئيس أوباما، قررت واشنطن اعتبار كل ضحايا تلك الهجمات من الرجال البالغين سن التجنيد، ارهابيين أو متعاونين معهم. حيث لا تستطيع الولايات المتحدة، ولا أية جهة أخرى في الوقت الراهن، ضمان عدم حصول أخطاء لدى استعمال هذا النوع من الطائرات الهجومية بلا طيار.
يقول الخبير العسكري العقيد المتقاعد ميخائيل تيموشينكو: لا توجد البتة أي ضمانات لعدم وقوع ضحايا بين المدنيين عند استعمال الطائرات الهجومية بلا طيار. وربما العكس هو الصحيح، أي أن استخام تلك الطائرات يضمن وقوع ضحايا بين المدنيين.
أولاً: تقوم الطائرة بلا طيار بتحديد الهدف بنفسها، وبعدها يُتخذ قرار القصف. يبقى هناك فاصل زمني واسع، قد تحصل فيه تغيرات مهمة على الأرض. ثانياً: لاتستطيع أجهزة الطائرة التعرف على الهدف بدقة 100%. أما ما يشاع من أن الخبراء العسكريين الأمريكيين قادرون على تحديد رقم السيارة بواسطة الأقمار الصناعية، فهو كذب صريح. ومقتل النساء والأطفال، والقوات الباكستانية الصديقة أكبر دليل على عدم دقة تلك التقنيات. بالإضافة الى أن الاشارات تصل عن طريق الأقمار الصناعية التجارية، المعرضة للتشويش، أو القرصنة، وهو ما حدث فعلاً. ودعونا نتذكر أن إيران استطاعت الدخول على عمليات قيادة الطائرات بلا طيار. أي أن الأخطاء والضحايا من المدنيين، أمور محتومة تقريباً. ولا يبدو ذلك أمرا مهما بنظر الولايات المتحدة، لأنهم لا يعنون سوى بأمر مواطنيهم فقط.
فضيحة ضمن الأسرة النبيلة ..
كان رد فعل المجتمع الأمريكي هادئا جدا، عندما كان الأمر يتعلق بضحايا مجهولي الأسماء من الأفغان، والباكستانيين أو من البدو العرب. ولكن الموضوع تغير بشكل جذري عندما قتلت طائرة بلا طيار ثلاثة ارهابيين، من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية. عندها ثارت العاصفة. وتذكّر رجال القانون الأمريكيون والصحفيون وقتها، التعديل الخامس للدستور الذي يقول: “بأنه لا يجوز انتزاع حياة، أو حرية، أو ممتلكات أي شخص دون مراعاة الأصول القانونية”. وفي هذا السياق ثار عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وحاولوا الإشارة الى أن اتخاذ القرار باعدام مواطنين أمريكيين من عداد الإرهابيين يتم دون شفافية، واتهموا الادارة بالإفراط في استعمال الصلاحيات في هذا المجال. وجاء جواب مدعي عام الولايات المتحدة الأمريكية حادا: إن دستور الولايات المتحدة يضمن الإجراءات والأصول القانونية، وليس المحاكمة. أي أن الرئيس يستطيع أن يحل محل القضاء، ويفعل كل ما يرغب فيه.
ومن الأرجح أن واشنطن لن تكون راضية، ان بدأت طهران باستخدام الطائرات الهجومية بلا طيار ضد الأكراد، أو الصين ضد الإنفصاليين الإيغور. أو على الأخص روسيا في حربها ضد المقاتلين في القوقاز، الذين وجدوا لهم ملاجئ في جورجيا. وعندها لن يتبقى للأمريكيين سوى أن يلوموا أنفسهم. يقول فيتشسلاف نيكونوف النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما: “إن الحالات التي يتم فيها استخدام الطائرات بلا طيار، في أراضي دولة أجنبية، يعتبر دون شك نوعاً من العدوان. أما اذا تسبب ذلك بقتل أناس دون محاكمة وقرارات قضائية، فتلك جريمة قتل. ولأجل ذلك من الواجب ادخال تعديلات على القانون الدولي. ويتطلب ذلك موافقة جميع الأطراف المهتمة بالموضوع. ومن المؤكد أن واحدة من تلك الأطراف على الأقل لن توافق على ذلك. إنها الجهة التي تحاول بسط سيطرتها على العالم، ولا ترغب في تحديد مجال استخدامها للطائرات بلا طيار. وليس هناك شك في أن اقتراحاً لاتخاذ أي قرار بهذا الشأن سيلاقي الفيتو من طرف الولايات المتحدة. كما أن موقف بريطانيا وفرنسا لا يبدو واضحاً من هذه المسألة. وفي الأيام الأخيرة بدأت الأمم المتحدة التحقيق في 25 حادثة فقط لاستعمال الطائرات بلا طيار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الأغلب لن يعطي ذلك أية نتائج.
روسيا اليوم