المؤلف:جورج ويل ربما لا يجادل أميركي في أن جورج ويل هو أشهر المفكرين الأميركيين المحافظين، وأكثرهم كتابة. وكان قد فاز قبل 45 سنة بجائزة «بوليتزر» الصحافية. كتب 16 كتاباً؛ أكثرها عن أفكار وتطبيقات المحافظين (و3 كتب فلسفية عن رياضة البيسبول التي يهوى مشاهدتها). لكن أمام الفكر الليبرالي، والفكر التقدمي، الذي لا يمكن التقليل من قوته، بينما الولايات المتحدة تتطور، وتتحرر، وتنفتح، وتتسامح، ظل ويل في موقع المدافع أكثر منه في موقع المهاجم. وفي كتابه الجديد «حساسية محافظة» يعترف بأنه خسر معارك، لكنه لم يخسر الحرب. وهو يتحدث فيه كثيراً عن الأخلاق والحرية في السياسة وفي الاقتصاد. وكان ويل، لنحو نصف قرن، قد أهمل هذه النقطة. ولأن أميركا تظل تتحرر وتنفتح، يظل ويل إما يدافع، وإما يتردد، لكنه لم يغير أساس فكرة المحافظ. ويظهر هذا في كتبه القديمة؛ ففي عام 1978، نشر كتابه «البحث عن السعادة»؛ اعتماداً على الإشارة إليها في الدستور الأميركي، الذي لم يفسرها، ولم يحللها. وفي عام 1982، نشر «البحث عن الفضيلة»، وكان الرئيس جيمى كارتر جادل كثيراً دفاعاً عن هذه النقطة. أما في عام 1983، فنشر «فن الحكم أو أخلاق الحكم»، مع بداية سنوات الرئيس رونالد ريغان الذي رسخ الممارسة الرأسمالية والمحافظة. وفي هذا الكتاب، فضل ويل الرخاء المادي على الرخاء الأخلاقي. لكن في كتابه الجديد، يبدو أنه تراجع عن ذلك، ابتداءً من عنوان الكتاب «حساسية محافظة»، وكأنه يقول إن ما ظل طبيعياً، أو معقولاً، هو أن الفكر الإنساني يظل يميل نحو الإنسانية أكثر من ميله نحو المادية؛ (لأن «الحساسية» عاطفة أكثر منها عقلاً أو علماً). وتحدث ويل كثيراً عن «القانون الطبيعي»، وعرفه بأنه غير بشرى، بمعنى أنه «منزل»، وأن القانون الطبيعي يميل نحو الأخلاقيات. كما أنه تناول «الحقوق الطبيعية»، وقال إنها لا تعتمد على حكومات أو منظمات، وإنها «كونية، وعالمية، ولا يمكن إنكارها أو نزعها». يبدو غريباً أن يتحدث ويل عن هذه المواضيع، وهو الرأسمالي المعتق. غير أنه يريد أن يجمع بين الاثنين: الرأسمالية والطبيعة، ولأن هذا ليس سهلاً، فإنه يتأرجح ويتردد. فقد كتب: «لا تجعلنا الرأسمالية في وضع اقتصادي أفضل فقط. إنها تجعلنا في وضع أفضل من خلال فرض فضائل مثل: التفاني في العمل، والتوفير لوقت النكبات، وتأجيل الإشباع المادي»… إنه هنا يتحدث عن فضائل وليست أخلاقيات. وفي هذا السياق، ينتقد ويل الاتجاهات الشعبوية، ويرى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ينتمي بسياسته وشخصيته إليها، وأنه ما كان ليفوز لولا اعتماده على الشعبوية. وهو لا يكتفي بنقده الشعبوية، بل ينتقد الدستور الأميركي نفسه، لأنه «لم يؤسس نظاماً برلمانياً، بل أسس نظاماً رئاسياً ينتخب فيه الشعب رئيس الجمهورية انتخاباً مباشراً». يقول: «تناقض الشعبوية الفكر المحافظ الذي يعتمد على المفكرين، لا على عامة الناس. لكن، الشعبوية هي الإيمان بالترجمة المباشرة للنبضات العامة، والعواطف العامة». في الديمقراطية البرلمانية ينتخب عامة الناس نواباً؛ الذين هم الصفوة، ويحكم هؤلاء. لكن، بالنسبة إلى ترمب، انتخبه عامة الناس بعد أن قادهم في معركة انتخابية عاطفية، وحماسية، تثير النعرات العنصرية والعداوات الدينية. وكتب أيضاً: «مبدأ الحكم التمثيلي، الذي يقع في قلب النزعة المحافظة، هو أن الناس لا يحكمون، بل يختارون من سيحكم. هذا هو السبب في أن الشعبوية حتماً معادية للفكر؛ أي فكر. ويبدو أن الزعماء السياسيين اليوم يشعرون بأن مهنتهم هي إثارة المشاعر، وليست التهدئة، والعقلنة، والاعتدال. وترمب يلحق أضراراً كثيرة بالفكر المحافظ، وبالحزب الجمهوري أكثر مما فعله الرئيس نيكسون خلال فضيحة (ووترغيت)». وبالنسبة له، أخطأ نيكسون قانوناً، ونال عقابه، وانتهت ظاهرته، لكن أخطاء ترمب ثقافية