داهمت الشرطة الفرنسية منازل أطفال فرنسيين مسلمين، وعاملتهم، كما تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، كإرهابيين، وذلك بسبب إعرابهم لمعلمين في المدرسة عن رفض الرسوم المسيئة للنبي محمد، وتعاملت الشرطة مع أطفال بعمر 10 سنوات على أنهم إرهابيون، وجاء ذلك بإبلاغ من المدرسة نفسها للشرطة ردا على أسئلة وجهها اليهم المدرسون، وهو ما اعتبرته الشرطة «دعما للإرهاب» فاعتقلت 4 أطفال واستجوبتهم 11 ساعة في قسم الشرطة، وهو ما أجج موجة غضب واسعة بين المسلمين في فرنسا.
وحسب مجلة لوبس الفرنسية فقد اتهم أطفال ومراهقون بـ«التساهل مع الإرهاب» وفتشوا واستجوبوا واحتجزوا، أحيانا لمجرد حيازة ورقة عليها كتابات باللغة العربية، وهو ما أدى إلى إساءة معاملة مئات الأطفال، وهو ما دفع 38 شخصية يهودية فرنسية معروفة، بينهم مؤرخون وصحافيون وناشرون وأطباء وكتاب، لإصدار بيان يقول إن «الطفولة لا ينبغي أن تكون موضع اشتباه بل موضع حماية».
تناظرت هذه الحملة الأخيرة، مع الكشف عن الأسئلة التي استخدمتها أجهزة الأمن النمساوية ضد محتجزين بعد حملة تعقب لأكثر من 70 شخصية وجمعيات وهيئات محسوبة على جماعة «الإخوان» وحركة «حماس» تنفيذا لقانون صدر فيها العام الماضي يعتبر الإخوان وحماس حركتين إرهابيتين.
تتعرّض بعض هذه الأسئلة إلى حدود الاشتباك بين الشخصي والديني، مثل السؤال عن إيقاظ الزوجة والأطفال لصلاة الفجر، و«هل تسمح لابنك أن يتزوج بمسيحية أو يهودية» و«هل تذهب زوجتك إلى التسوق بمفردها» فيما يسأل بعضها عن حدود دينية، حيث يصبح توجيهها يجعلها أقرب للاشتباه والتجريم مثل السؤال عن حد السرقة في القرآن، وماذا تعني كلمة كفار، وما هي «الأوضاع الدينية» في البيت، و«هل تزور المسجد» كما تتضمن أيضا أسئلة سياسية من قبيل: هل تعرف ياسر عرفات وما رأيك فيه وهل تعتبره مثلا أعلى؟ و«ما هو المدخل إلى حل الصراع بين فلسطين وإسرائيل»؟
وفيما تبدو أسئلة أجهزة الأمن النمساوية للمحتجزين كدفاع عن حقوق الأطفال الذين قد يُفرض عليهم الاستيقاظ لصلاة الفجر، أو المرأة التي لا تذهب للتسوق وحدها، أو الابن الذي يرغب بالزواج بمسيحية أو يهودية، فإن التطبيق الفرنسي يظهر كيف يتحول الدفاع عن «قيم أوروبا» إلى احتقار وإساءة لهذه القيم عبر استجواب واعتقال الأطفال، وإهانة النساء بغض النظر عن مستواهن العلمي أو دورهن المهم في المجتمع، كما حصل مع النواب الفرنسيين اليمينيين الذين غادروا البرلمان رفضا لوجود مريم بوجيتو، رئيسة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا بجامعة السوربون، لكونها محجبة.
الأسوأ من ذلك، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يخوض معركة كبرى حاليا بدعوى الدفاع عن حرية التعبير، اتصل شخصيا بوسيلتي إعلام عالميتين، هما «فايننشال تايمز» البريطانية و«بوليتيكو» الأمريكية، لمنعهما من نشر مقالات تنتقد سياساته الحالية فيما يخص المسلمين، وأعطى بذلك مثالا فاضحا عن استخدام القوة لمنع حرية التعبير حين يتعلق الأمر بسياساته، ثم محاولة فرض نسخته من حرية التعبير حين يتعلق الأمر بالسخرية من نبي الإسلام.
تذمر الرسميّون الفرنسيون من «عدم فهم» دول غربية أخرى لرؤيتهم للقضايا الداخلية والخارجية، وفي مقابلة لمجلة «لوبوان» الفرنسية مع مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في فرنسا، للشكوى من سوء التغطية الأمريكية لما يحصل في فرنسا، اعتبر المراسل كلام الرسميين الفرنسيين ووسائل الإعلام اليمينية عن العلمانية والاندماج «هراء» وأن العلمانية كما يثيرها السياسيون وبعض وسائل الإعلام الفرنسية ليست غير ورقة توت تستخدم لإخفاء مشاكل البلاد وتغطي بعض الإخفاقات السياسية الصارخة وعنصرية الشرطة، وكون عيش بعض الجاليات المسلمة في الضواحي ليس رغبة في الانعزال والانفصال بل بحكم الفقر وكونهم مجبرين على العيش في تلك المناطق. القدس العربي