كتب محمد خير الوادي :
تعقيبا على مقالتي الاخيرة التي تحدثت فيها عن نتائج القمة التي تمت بين الرئيسين الصيني والامريكي ، وردتني اسئلة كثيرة ، اخترت منها اثنين ، هما :
لماذا غيرت بكين موقفها ازاء النظام الدولي التي كانت تدعو الى ازالته، وأعلنت صراحة انها لا تسعى الى تحدي امريكا اوتغيير النظام الدولي القائم ؟
والثاني ما هو موقف الصين الفعلي من استخدام الاسلحة النووية ؟
فيما يتعلق بالسؤال الاول اجيب : ان بكين في علاقاتها الخارجية تنطلق من مقولة : “الصين اولا”. فالدراسة المتانية للوضع الدولي الحالي ، اوصلت القيادة الصينية الى نتيجة مفادها ، ان تغيير النظام العالمي القائم ، يمكن ان يُفقد الصين كثيرا من المكاسب التي حققتها خلال الاربعين عاما الماضية .
ونبدأ من العولمة ، وهي احدى ركائز النظام الدولي الحالي،وهي تقوم على حرية انسياب حركة الاشخاص ورؤوس الاموال . فقد كانت الصين في طليعة المستفيدين من العولمة التي فتحت ابواب العالم – لا سيما الغرب -على مصاريعها امام الشركات والسلع الصينية . كما وفرت العولمة للاقتصاد الصيني فرص تدفق مئات المليارات من الاستثمارات الاجنبية ، اضافة الى الحصول على التقانة الدولية دونما عوائق .
والركن الاخر للعولمة هو حرية التجارة ،المتثمل في منظمة التجارة العالمية . وقد عايشتُ الجهود الشاقة التي بذلتها الدبلوماسية الصينية على امتداد نحو خمسة عشر عاما من اجل الانضمام لتلك المنظمة ، وكذلك سعي القيادة الصينية للحصول على اعتراف دول العالم بوجود اقتصاد السوق في بلاد التنين .
فحرية التجارة ، فتحت اسواق الغرب امام البضائع الصينية ،وساعدت الصين لكي تصبح الدولة التجارية الاولى في العالم . ونضيف الى ذلك ، ان الصين هي اكبر مستفيد ومساهم في المنظمات المالية الدولية التي تشكل العمود الثالث للنظام العالمي المالي القائم ، على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشركات التأمين العالمية . والصين من المساهمين الكبار في هذه المؤسسات المالية ، ولذلك فان لبكين مصلحة كبيرة في الحفاظ على استمرارية هذه المؤسسات ووجودها .
وهناك نقطة اخرى في النظام الدولي القائم تثير الدهشة والغرابة . فرغم معارضة الصين للوجود العسكرية الامريكي في جنوب شرقي آسيا ، لا سيما في اليابان ، الا ان بكين كانت – في معظم الاحيان – المستفيد الاول من ذلك . فعلى سبيل المثال ، فان وجود القواعد العسكرية الامريكية في اليابان منع اليابانيين من تطوير قدراتهم العسكرية ، واسهم في الحفاظ على الدستور الياباني القائم ،الذي يمنع الوجود العسكري القتالي خارج اليابان ويحظر اطلاق التهديدات اليابانية ضد دول اخرى . ثم ان الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على منع اليابان من انتاج اسلحة نووية .وتدرك بكين اخطار عسكرة اليابان على الامن الوطني الصيني ، ويتذكر الصينيون حتى اليوم ،الويلات التي سببها غزو الجيش الياباني لعدد كبير من المناطق الصينية .
بكلمة واحدة ، فان النظام الدولي الحالي – رغم علاته الكثيرة ومثالبه التي لا تحصى – هو الذي وفر لبكين فرصا كبيرة للانتشار الاقتصادي في العالم . ولذلك ،اعلنت بكين حرصها على استمرار هذا النظام بقيادة امريكية – على الاقل في الوقت الحالي – ريثما تتم صياغة نظام افضل وأكثر عدالة .
وفيما يخص موقف بكين الرافض لاستخدام الاسلحة النووية ، فان بكين ترى ان استخدام تلك الاسلحة ، سيوفر سابقة خطيرة لدول شرقي آسيا ، من اجل امتلاك تلك الاسلحة المدمرة . وامكانية ذلك متوفرة هناك في الدول المتقدمة تقنيا . فقد صرح مسؤول ياباني ، ان بلاده قادرة تقنيا خلال اسابيع على انتاج الاسلحة النووية – ان توفرت الظروف السياسية لذلك – . والامر نفسه ينطبق على كوريا الجنوبية وتايوان ، وهي الحلقة الاخطر بالنسبة للصين في السباق النووي . لان امتلاك تايون لاسلحة الدمار الشامل ، سيدفن الى الابد شعار توحيد الاراضي الصينة . ومن سخرية القدر ، ان تكون واشنطن هي الطرف المتحكم بهذه المسألة .ولذلك اعلنت بكين ان ستتعاون مع واشنطن لمنع انتشار الاسلحة النووية في جنوب شرقي آسيا .
برأي ، هذه هي الاسباب التي دفعت الرئيس الصيني لاتخاذ المواقف التي اشرنا اليها خلال اجتماعه الاخير مع بايدن في جزيرة بالي الاندونيسية .وعندما تتغير هذه المعطيات ، فان بكين ستسلك مسارا آخر ازاء امريكا ونظامها الدولي .
19/11/2022