يرى مينكسين بي وهو من أصل صيني وأستاذ للعلوم السياسية في الولايات المتحدة أن الصين تواجه تحديات كبيرة على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، بسبب “السياسات الخارجية المتطرفة التي تمارسها.
ويردد القادة الصينيون باستمرار أن العالم يشهد اليوم “تغييرات لم تحدث في قرن كامل”. وما يقصده هؤلاء هو أن ميزان القوة العالمي أصبح يميل لصالح بلادهم، بعد سنوات من التدهور والامتهان.
لكن القيادة الصينية نفسها، تواجه خطر أن تؤدي محاولتها استغلال ما يفترض أنها نافذة تتيح فرصة التحول إلى قوة عظمى، إلى غلق هذه النافذة،
ويرى مينكسين بي في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أنه خلال أربعة عقود منذ وفاة الزعيم المؤسس لجمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونج، توفرت بيئة خارجية ساعدت الصين في الخروج من دائرة الفقر والعزلة لتصبح قوة اقتصادية عظمى.
والآن تتعرض العلاقات التي طورتها الصين بشق الأنفس مع الاقتصادات المتقدمة في الغرب للتآكل، مما يهدد استمرار النمو الاقتصادي للصين وحصولها على الاستثمارات والتكنولوجيا التي تحتاجها.
تطويق الصين
ليس هذا فحسب بل إن التحدي الذي تواجهه الصين على الصعيد الأمني أصبح أخطر. فرغم تحقيق القوات المسلحة الصينية قفزات تكنولوجية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، بدأت الولايات المتحدة تعتمد بفاعلية على حلفائها لتعزيز نفوذها في محيط الصين.
وقد وقعت واشنطن اتفاقا لتزويد أستراليا بغواصات نووية، إلى جانب زيادة التقارب مع كل من اليابان والهند وأستراليا، وهو ما يعني زيادة عدد الخصوم الذين قد تواجههم الصين إذا ما تورطت في أي نزاع.
وقد يقنع القادة الصينيون أنفسهم بأنهم لا ذنب لهم في هذه التطورات. فقد فقدت الصين كثيرا من حظوظها الجيوسياسية بوصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة مطلع 2017 حيث أدت سياساته التجارية الحمائية وسيطرة الصقور المناوئين للصين على إدارته إلى تسريع نشوب المواجهة بين بكين وواشنطن.
ثم جاء تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد عام 2020 ليؤجج التوترات الأمريكية الصينية. فالرئيس ترامب كان يعتقد أن تعامل الصين السيئ مع الفيروس في البداية كان جزءا من مؤامرة استهدفت حرمانه من الفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات تشرين ثان/ نوفمبر 2020.
كما أن الاضطراب الشديد في سلاسل الإمداد والتوريد نتيجة الجائحة دفع الدول الغربية إلى تقليص اعتمادها على الصين وتقصير سلاسل الإمداد.
دبلوماسية “الذئب المحارب”
والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بسوء الحظ وإنما بالسياسات الخارجية المتشددة التي تمارسها الصين مع جيرانها مثل بناء الجزر الصناعية في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وممارسة القهر الاقتصادي مع شركائها التجاريين مثل أستراليا، وتبنى دبلوماسية “الذئب المحارب” الوطنية المتطرفة.
ويرى مينكسين بي الذي يعمل حاليا أستاذ الإدارة العامة في كلية كليرمونت ماكينا كوليدج في ولاية كاليفورنيا الأمريكية والباحث غير المقيم في برنامج آسيا بمركز أبحاث مارشال فاند الألماني، أن السبب وراء تبني الصين لهذه السياسات غير البناءة يتمثل في عملية صناعة القرار الصيني حاليا، والتي باتت تفتقد إلى الميكانيزمات التقليدية للتحكم في المخاطر.
وخلال أغلب سنوات ما بعد ماو تسي تونغ ومنذ فترة حكم خليفته دينج سياو بنج ضمنت القيادة الجماعية الالتزام بالسياسة الخارجية لدينج والمتمثلة في “عدم الظهور القوي” على المسرح العالمي.
كما أن تبنى أي مبادرات سياسية كبرى كان يحتاج إلى موافقة اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم بالإجماع. ورغم أن هذه الآلية ليست مثالية وكانت سببا في تعثر الإصلاحات الاقتصادية في أواخر العقد الماضي، فإنها في الوقت نفسه جنبت الصين وقوع السياسة الخارجية في أخطاء قد تتحول إلى كوارث.
سياسة متشنجة
ولكن اليوم، ومع مركزية عملية صناعة القرار، وتراجع فرص المراجعة فيها، أصبح احتمال تبني سياسات عالية المخاطر أقوى واحتمال التراجع عنها أقل.
وشكلت خسارة الصين التوازن والمرونة التكتيكية في سياستها الخارجية مشكلة كبيرة. وأبلغ دليل على ذلك ملف حقوق الإنسان. ففي سنوات ما بعد مذبحة ميدان السلام السماوي (تيانانمن) عام 1989 ضد المطالبين بالديمقراطية في الصين، أصبح القادة الصينيون مهتمون بنسبة بسيطة
بالمعايير الغربية لحقوق الإنسان، وكانوا يدركون على الأقل أن الانتهاكات الحادة لحقوق الإنسان يمكن أن يكون لها آثار سلبية غير مرغوبة.
لذلك وفي حين ظلت الانتهاكات قائمة، فإنها لم تكن جسيمة بما يكفي لإثارة ردود فعل من جانب حلفائها في الغرب. ولكن الأمر تغير الآن، حيث تتعرض أقلية الإيغور المسلمة لانتهاكات جماعية في إقليم شينجيانج، كما أنهت الصين صيغة “دولة واحدة ونظامان” المنظمة للعلاقة بين بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ. ورغم أن السؤال مازال قائما بشأن ما إذا كان القادة الصينيون يمتلكون من المرونة ما يكفي لتغيير مسارهم، خاصة في ظل تنامي النزعة الوطنية في الداخل، فإن الخطر الذي تواجهه الصين كبير ويفرض عليها التحلي بالحكمة لمحاولة تغيير المسار