قالت المعلقة في مجلة “نيويوركر” روبن رايت إن الرئيس الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين وقعا اتفاقية لمواجهة الولايات المتحدة والغرب. وهي اتفاقية تتحدى النظام العسكري والسياسي الحالي. وقالت إن الرئيسين اللذين ظهرا في صورة يرتديان ربطة عنق بنفس اللون، البنفسجي، أعلنا في الأسبوع الماضي عن “عهد جديد” في النظام العالمي، وإن كان لمدة قصيرة، حيث أكدا على أحقية كل منهما في أوكرانيا وتايوان.
وكشف الزعيمان عن خطة واسعة لمواجهة الولايات المتحدة كقوة عظمى والناتو باعتباره حجر الأساس للأمن الدولي والليبرالية الديمقراطية كنموذج صالح للعالم. وأعلنا في بيان نشر بعد لقاء الزعيمين عشية افتتاح الدورة الشتوية للألعاب الأوليمبية في بيجين أنه “لا حدود للصداقة بين البلدين” و”لا توجد مجالات “ممنوعة” للتعاون”.
وتشير رايت إلى أن الاتفاقيات بين موسكو وبيجين، بما فيها معاهدة الصداقة الموقعة عام 2001 احتوت وبشكل تقليدي على الخطاب النبيل والغامض بشكل تلاشى في التاريخ المنسي.
ولكن الاتفاقية المصاغة بأكثر من خمسة آلاف كلمة ليست مثل المعاهدات السابقة، حسب روبرت دالي، مدير معهد كيسنجر للصين والولايات المتحدة في مركز ويلسون بواشنطن. ورغم أن الاتفاقية الأخيرة لا تصل إلى حد التحالف، مثل حلف الناتو، إلا أنها تعكس عرضا مقصودا للتضامن وأكثر من أي وقت مضى. وقال دالي “هذا تعهد بالوقوف جنبا إلى جنب ضد الولايات المتحدة والغرب، أيديولوجيا وعسكريا أيضا”. و”ربما أعاد هذا البيان إلى بداية الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية”.
وجاء توقيت البيان وسط التوترات على حدود روسيا مع أوروبا والعدوان الصيني حول تايوان و”سيعطي المؤرخين حدثا معينا يركزون عليه دائما”. وإلى جانب التعاون الأمني، ركزت المعاهدة على العمل في مجال الفضاء والإنترنت والتغيرات المناخية والذكاء الاصطناعي. ومن الناحية السياسية، فالوثيقة تزعم أنه في مجال الدبلوماسية “لا يوجد مقاس يناسب الجميع” واعتبرت أن موسكو وبيجين هما أنجح الديمقراطيات.
ويعلق ألكسندر فيرشبو، السفير الأمريكي السابق في موسكو “هي خطوة مثيرة للدهشة نحو التحالف وتكشف أنهما متحالفان معا في الرؤية للنظام العالمي في القرن الحادي والعشرين”.
ووصف بوتين الشراكة الإستراتيجية الأوسع مع الصين بأنها “غير مسبوقة”، أما شي فقد قال إن الإستراتيجية المشتركة ستترك “آثارا بعيدة المدى على الصين وروسيا والعالم”. ووصف الخبراء الأمريكيون البيان الطويل والحافل باللغة الاتهامية والأخطاء بأنه مدهش. وتقول أنجيلا ستينت، الخبيرة بروسيا التي عملت في مجلس الأمن القومي، ومؤلفة كتاب “عالم بوتين: روسيا ضد الغرب والبقية”: “لم أر بيانا مشتركا من الزعيمين يستخدم هذه اللغة، لقد وحدا قواهما”. ووصفت البيان بأنه “أورويلي” وقالت إنه “نقطة محورية” تتحدى فيها الصين وروسيا ميزان القوة التي علمت النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود. وأضافت “قد نكون أمام بداية حقبة جديدة تتدهور فيها علاقات روسيا والصين مع الغرب”. وقالت إن الاتفاقية تضع الولايات المتحدة وحلفاءها “أمام منعطف رهيب” و”حقيقة أنه مهما فعلنا لمواجهة ما تفعله روسيا سيعزز من اعتمادها على الصين”.
وتقول رايت إن البيان هو بمثابة دفعة لبوتين في مواجهته مع الولايات المتحدة والغرب في أزمة أوكرانيا. وهذه هي المرة الأولى في عدوان روسي، يحصل بوتين على دعم مفتوح من زعيم صيني. فلم تدعم الصين حرب روسيا في جورجيا عام 2008 ولا الحرب في أوكرانيا عام 2014 ولم تعترف بضمها لشبه جزيرة القرم. وأعلنت الصين وروسيا اللتان لديهما حق الفيتو في الأمم المتحدة معارضتهما لأي محاولة توسيع للناتو وتشكيل أي تحالف أمني جديد. وقال دالي “تقف روسيا والصين ضد محاولات القوى الخارجية لتقويض أمنهما واستقرارهما في المناطق المشتركة والمحاذية لهما. وتريدان مواجهة تدخلات القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة وتحت أي ذريعة ومعارضة الثورات الملونة وستزيدان من التعاون”.
وحاولت الولايات المتحدة الضغط على الصين، بما في ذلك مكالمة في الأسبوع الماضي بين وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووانغ يي في محاولة لدفع الصين إلى الحياد أو عدم التدخل في أوكرانيا. والآن وعلى الأقل نظريا وبشكل علني، تراجعت عن موقفها كما يقول أندرو ويس، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي والعامل حاليا في وقفية كارنيغي للسلام العالمي “لقد أصبح لدى روسيا الصين كمؤيد للموقف التشهيري والخطير الذي تبناه بوتين في أوكرانيا”. وبدت بوادر التغير في الموقف الصيني بالظهور في الأسبوعين الماضيين، حيث بدأت الأزمة الأوكرانية بالتأثير، وكان الرئيس جوي بايدن يأمل بتحريك العلاقات بين البلدين لمنافسة مستقرة ويمكن التحكم بها، وبدلا من ذلك بدأت الصين التي تتبنى دبلوماسية غامضة بالدفع. فبعد مكالمته مع بلينكن الشهر الماضي، دعا وزير الخارجية الصيني لمعالجة مظاهر القلق الروسي حول الناتو واصفا إياها بالمشروعة.
وردت إدارة بايدن بالعتاب، وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية أن الغرب لديه “عدد من الوسائل” يستطيع نشرها ضد الشركات الأجنبية، بما فيها الصينية، والتي تساعد روسيا على تجنب العقوبات. ومن جهتها عبرت روسيا في الاتفاق الجديد عن دعمها لسياسة الصين الموحدة والتي ترى أن تايوان “جزء لا يتجزأ من الصين ومعارضة أي شكل من أشكال الاستقلال”. ودعم البيان سياسة الصين القاسية في هونغ كونغ والتي تمارسها بيجين على مدى العامين الماضيين.
ويأتي الخطاب التأكيدي في البيان وسط عمق التعاون العسكري بين البلدين خلال العقدين الماضيين. ونظمت روسيا والصين عددا من المناورات العسكرية التي شارك فيها عشرات الآلاف من القوات ونشرت فيها قدرات تكتيكية وعملياتية. وتباهى المسؤولون العسكريون الروس بأن العلاقات العسكرية القوية هي رسالة للولايات المتحدة والناتو بعدم الضغط على روسيا. وتضمنت العمليات البحرية تدريبات مزيفة للسيطرة على جزر ودوريات لمقاتلة طويلة المدى فوق بحر اليابان وبحر شرق الصين واستهداف بصواريخ أرض- جو. وفي الصيف الماضي شاهد شي وبوتين مناورة عسكرية في الصين.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر شاهدا مناورات بحرية على طول الشاطئ الروسي الشرقي. وجاء في تقرير معهد البحرية الأمريكي العام الماضي “إن التتابع والتعقيد والمدى الجغرافي زاد بشكل ثابت، بشكل عكس نمو العلاقات الدفاعية الثنائية”. ولأن البلدين النوويين يمتدان على آسيا وأوروبا فالتحالف القوي بين الصين وروسيا سيكون بمثابة تغيير لقواعد اللعبة عسكريا ودبلوماسيا. وقال دالي “يريدون أن يكون هذا مهددا للغرب كتحالف رسمي ولكنهما لا يريدان تكريس نفسيهما لتعاون دفاعي متبادل”. و”هما ليسا بحاجة إلى هذا لأن منظور الدعم المتبادل سيخدم بمثابة ردع”.
ويعكس الإعلان تغيرا في ميزان القوة بين الصين وروسيا، وكما يقول ويس “ظل الروس ولفترة طويلة متعالين في نظرتهم للصين كمجتمع ريفي غير مهم” و”الآن تنظر الصين لروسيا وتتساءل: في أي مجال أنت جيدة؟”. وأصبحت الصين ذكية في استغلال روسيا التي تحتاج إليها. وتستخدم روسيا كمخلب قط لوقف التحول الأمريكي باتجاه آسيا وعرقلته. وحقيقة العودة الدائمة لبوتين باعتباره بلطجي المنطقة مفيدة للصين.
والسؤال هو إلى أي مدى يمكن للصين وروسيا الدفع باتفاقهما. ويقول فيرشبو “الكلام شيء” و”علينا انتظار ترجمة البيان إلى دعم صيني ملموس لسلوك روسيا العدواني. أو إن كانوا سيقولون “حظا سعيدا، نحن معكم” ثم يديرون ظهرهم”. فالصين لديها علاقات مختلفة وأحيانا براغماتية، مع الولايات المتحدة وأوروبا وهي تجارية الطابع و”لا يريدون حرق كل الجسور من أجل العلاقة مع روسيا .