باتت أيام الدولار الأمريكي معدودة كعملة عالمية تتحكم بالمعاملات الدولية، وكعملة صعبة للحفاظ على احتياطيات البلدان، فهناك وعي متزايد لدى البنوك المركزية في العالم التي بدأت تشعر بشكل مباشر بالنظام المالي الأمريكي المجرم لدى تحويل احتياطاتها مقابل الحصول على سندات الخزانة الأمريكية وأوراق أخرى، فتحويل الاحتياطيات يخفف من العجز المالي الأبدي للولايات المتحدة ويموّل الحروب الدائمة التي يشنّها المجمع الصناعي العسكري في وزارة الدفاع الأمريكية. لقد أفادت وسائل الإعلام العالمية الكبرى بأنّ هناك عدّة مبادرات ملموسة لاستبدال الدولار كعملة للعالم إما بسلة عملات أو بعملة أخرى، وقد اعتمدت عدّة اتفاقات لإعلان وفاة الدولار رسمياً كما في مؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة، وفي مؤتمر منظمة البلدان التسعة الأعضاء في منظمة ألبا في أمريكا اللاتينية، وفي ست دول من آسيا بما في ذلك روسيا، بالإضافة إلى إيران التي تريد التخلص من الدولار، كما أثير موضوع استبدال الدولار في العديد من المحافل الدولية الأخرى. في أيلول من العام الماضي، أوصى مؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة بإنشاء عملة جديدة تحل محل الدولار كاحتياطي عالمي، كما طلب المؤتمر إعادة صياغة “أسلوب بريتون وودز” للنظام النقدي الدولي الحالي، ومن شأن هذه المبادرة لخلق عملة جديدة أن تؤدي إلى مزيد من المراجعة النقدية اعتباراً من الحرب العالمية الثانية، (منتجع بريتون وودز كان يوماً مقراً للمؤتمر النقدي والمالي للأمم المتحدة الذي أرسى في 1944 قواعد العلاقات التجارية والمالية للبلدان الصناعية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وقرّر إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واستخدام الدولار كعملة دولية). لم تعد دول العالم تتحمل الدعم غير المحدود للمغامرات العسكرية الأمريكية، ففي الاجتماعات التي عقدت في شهر حزيران 2009 في مدينة ايكاترينبرج الروسية، اعتمد زعماء عالميون كالرئيس الصيني هو جين تاو، والروسي ديمتري ميدفيديف، ومسؤولون كبار من الدول الست الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون (الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، الخطوة الرسمية الأولى بصفتهم شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة، ليستبدلوا الدولار كعملة احتياطية للعالم، وإذا نجحوا، فإنّ قيمة الدولار ستنخفض بشكل كبير وتكلفة الواردات مثل النفط سيرتفع بشدة، والامبراطورية الأمريكية لن تستطيع الاستمرار بحروبها، وبالإضافة إلى ذلك، مازالت الصين تفاوض على عقود مع البرازيل وماليزيا لتقييم تجارتها بـ (اليوان) الصيني، في حين أعلنت روسيا أنّها ستبدأ التداول في العملة المحلية وهي الروبل، وعلاوة على ذلك، روسيا والهند وباكستان وإيران شكلت سوياً منطقة مالية، رسمية وعسكرية لمحاولة إجبار الولايات المتحدة للخروج من أوراسيا. من جانب آخر، وافقت تسعة بلدان من أمريكا اللاتينية على إنشاء عملة إقليمية وهي الـ (سوكري)، لتحل محل الدولار الأمريكي، الأعضاء التسعة في منظمة ألبا (البديل البوليفاري لشعوب القارة الأمريكية) وبمبادرة من الرئيس الفنزويلي أوغو شافيز في اجتماع القمة الذي عقد في تشرين الأول 2009 في بوليفيا، دعوا إلى التقدم باستخدام الـ (سوكري) كعملة تحل محل الدولار في التجارة ضمن دول المنطقة، وقد بدأ استخدام العملة الجديدة (سوكري) في أوائل العام الحالي كوحدة تقليدية للحسابات بين الدول الأعضاء في منظمة ألبا وهي: (فنزويلا وبوليفيا وكوبا والاكوادور ونيكاراغوا وهندوراس وجمهورية الدومينيكان وسانت فنسنت وأنتيغوا وبربودا)، كما دعت الكتلة أيضاً إلى إلغاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي والذي ورّط تحكيمه حول الخلافات في العقود الدولية، بلداناً أعضاء في الـ ألبا في مستنقع من النزاعات مع بعض الشركات النفطية الكبيرة، ولذلك انسحب معظم أعضاء الـ ألبا من المركز، بينما أعلنت الاكوادور بأنّها ستخرج منه قريباً. “الامبراطورية الأمريكية مُدمّرة”، كتب الصحفي الأمريكي كريس هيدجز، تعليقاً على الاجتماع الذي عُقِد في مدينة ايكاترينبرج في روسيا: “لا يمكن لباراك أوباما ولا للطبقة المجرمة المتحكمة بوول ستريت أن تخدعنا من خلال وسائل الإعلام التي تنشر القيل والقال وتدس أخباراً فارغة في الأخبار، في حين أنّنا نتحمل أكبر أزمة اقتصادية في تاريخنا… لا يمكنهم خداعنا، فبقية العالم بات يعرف بأنّنا قد دُمّرنا، لم تعد الدول مستعدة لتواصل دعمها للحفاظ على الدولار، والعجز في الميزانية الأمريكية الذي يتجاوز /2/ تريليون دولار، هذه الدول تستطيع ليّ ذراعنا بسهولة وباستطاعتها الشد وخنقنا متى أرادت“. إنّ استبدال الدولار بعملة تقليدية أخرى من شأنه أن يحل الكثير من المشاكل المرتبطة بقوة البلدان التي تعاني عجزاً كبيراً، وعلى الرغم من أنّ العديد من الاقتصاديين قد أشاروا إلى أنّ الأزمة الاقتصادية كانت بسبب خلل في عمل النظام النقدي الذي أنشئ في اتفاقات بريتون وودز، إلا أنه للأسف، حتى الآن لم تقدم أية مؤسسة رئيسية، بما في ذلك مجموعة العشرين، بديلاً عن الدولار. ترجمة البعث |