– المؤلف: جين ماير – يتحدث الكتاب عن عوائل أميركية فاحشة الثراء والنفوذ ابتدأت مشوارها السياسي بالمناداة بمبدأ “الليبرتالية”، وهو شكل من أشكال رفض سلطة الدولة، واعتبار جباية الضرائب نوعا من التسلط، والنظر إلى رقابة الدولة وتنظيم الأعمال بوصفهما أحد أنواع الهجوم على الحريات. وعندما اصطدم أصحاب هذا التيار برفض الغالبية الساحقة من الشعب الأميركي لمبادئ هذه الحركة، تحولوا إلى دعم اليمين الراديكالي خلف الكواليس على طريقة عمل المافيا في الظلام، ليحركوا المشهد مثل مسرح للدمى لا أحد يعرف اليد التي تتحكم في حركة شخصيات لعبته. وتقول ماير في كتابها إن هذا التوجه -الذي بدأه الأخوان تشارلز وديفد كوك- اصطدم بحقائق أثارت حفيظة الرأي العام، حيث إن مناداتهما بحرية العقيدة السياسية نسفتها حقيقة أن عائلتهما كوّنت ثروتها من الاستثمار في مشاريع بالاتحاد السوفياتي أيام جوزيف ستالين وألمانيا النازية، أي أنها تعاونت مع أكثر نظامين سياسيين معاديين لحرية الرأي. أما تصويرهما لجباية الضرائب ورقابة الدولة على الأعمال والاقتصاد لفرض النظام ومنع الاستغلال بأنهما هجوم على الحريات الشخصية، فقد ثبت أنه غطاء لإطلاق أيدي أصحاب الملايين لاستغلال الناس والسلطة على السواء، إذ قابله الكشف عن مخالفات ضريبية خطيرة وقصور في تطبيق قوانين حماية العمال والتلوث البيئي في مجموعة شركات تابعة للعائلة. وبناء على ذلك؛ تـُقدم ماير كتابها -الذي كرست له خمس سنين من عمرها- على أنه محاولة للإجابة على أسئلة تقض مضاجع كثير من الأميركيين، من قبيل التساؤل عن السبب وراء قصور الأنظمة الأميركية في حماية الموظف والعامل، وفشل بلادهم في المساهمة في جهود الحد من التلوث المناخي، والهوة الشاسعة بين الضرائب المنخفضة التي يدفعها الأغنياء والضرائب المرتفعة التي تدفعها عامة الشعب. اتجه الأخوان كوك -بعد لفظ المشهد السياسي لهما- إلى تكوين شبكة أخطبوطية معقدة من الأعمال والشركات والمصانع في كافة المجالات، ومن خلالها بدؤوا يمولون المؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث والمحاكم والكونغرس الأميركي وحتى الرئاسة الأميركية، في مسعى حثيث للسيطرة والتأثير في صنع القرار وصياغة التوجهات السياسية والفكرية العامة. وفي هذا الإطار قدم ريتشارد سكيف -وهو أحد دهاقنة التيار الليبرتالي- خطة عمل مبتكرة أصبحت خارطة طريق لكافة المؤسسات التي تعمل في الخفاء لترويج أفكار اليمين الرأسمالي المتطرف، وهي إستراتيجية “فاعل الخير”، حيث تقوم المؤسسات بتمويل نشاطاتها العامة -التي تخدم أغراضها بشكل سري- على أنها “فاعل خير”، وفي نفس الوقت تقوم بإدراج تلك التبرعات في معاملات الاسترجاع الضريبي. وقد انبثق عن تلك التحركات السياسية الخفية الكثير من الحركات التي ساهمت في صياغة توجهات الناخبين، لعل أشهرها “حزب الشاي” اليميني الذي تتمتع رئيسته سارة بالين بعلاقات وثيقة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان اسمها على لائحة المرشحين لنيل منصب في الإدارة الأميركية الجديدة. ويقول الكتاب إن تحركات الظلام -التي تقودها عائلة كوك- تستخدم شبكة من النشطاء والمحترفين الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء والانضباط والقسوة، وتوثق ماير في كتابها أمثلة عن شخصيات ترتبط بتيار كوك قامت بتوظيف مخبرين خاصين لتشويه سمعة نشطاء وصحفيين، وتكذيب تحقيقات تجريها الحكومة في مخالفات معينة، وقد حققت تلك الجهود نجاحات باهرة. وهكذا فإن المبادئ التي ينادي بها الليبرتاليون حول الضريبة والقيود الحكومية -والتي رفضها الرأي العام الأميركي منذ البداية- هي في الحقيقة عقيدة الحكومات المحلية في الولايات المتحدة وأعضاء في المحكمة العليا وحتى الكونغرس. ويُرجع الكتابُ أسبابَ تحجيم قضايا أميركية مهمة مثل البيئة والعمال والإصلاح الضريبي إلى تغلغل التيار الليبرتالي الخفي في مفاصل الدولة الأميركية، من خلال أعوان غير معلنين يضعون في الخفاء العراقيل أمام قضايا تهم الأغلبية الساحقة من الأميركيين. ويقدم الناشر كتاب ماير على أنه وثيقة بالغة الأهمية، ومؤسسة على مئات المقابلات والملفات السياسية والقضائية التي نفذت على مدى خمس سنوات، ويحث كل من يهمه مستقبل الديمقراطية الأميركية على قراءة كتاب “أموال الظلام”. وتقدم ماير كتابها في ثلاثة فصول، خصصت الفصل الأول منها لسياسة “استخدام التبرعات كسلاح في حرب الأفكار للفترة بين ١٩٧٠-٢٠٠٨”، والفصل الثاني “المانحون السريون والعمليات الخفية بين ٢٠٠٩-٢٠١٠”، والفصل الثالث “خصخصة السياسة والهجوم الشامل في ٢٠١١-٢٠١٤”.