كتب محمد خير الوادي :
في اليوم الذي دخل فيه بايدن البيت الابيض ، عمدت الصين الى الاقدام على خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الثنائية ، تمثلت في اتخاذ عقوبات طالت نحو ثلاثين مسؤولا في ادارة ترامب.
لقد اقدمت الصين الراغبة في تصفية حساباتها مع ادارة ترامب، على هذه الخطوة ، بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد : معاقبة اولئك الاشخاص ، بسبب الاضرار الجسيمة التي الحقوها بالمصالح الصينية ،ونيل رضى بايدن الغاضب من ترامب ومن سلوكه ترامب الاهوج .
لكن ما حدث شكل مفاجأة غير سارة لبكين .
فقد عبر مسؤولون كبار في الادارة الامريكية الجديدة عن امتعاظهم من العقوبات الصينية ، واكدوا عزمهم على الاستمرار في نهج احتواء الصين . لا بل ان البيت الابيض ،بطاقمه الجديد ، قد مضى اكثر في تحدي الصين،عندما دعا – ولاول مرة منذ عام 1979- ممثلا لحكومة تايون لحضور حفل تنصيب الرئيس بايدن .وقد ترافق ذلك كله مع تصريحات اطلقها مسؤولو الادارة الجديدة ، عبروا فيها عن عزمهم على دعم العلاقات مع تايوان وحماية امنها .
وللتذكير ،فان ترامب كان قد سمح بتسليح تايون ، وان بومبيو وزير الخارجية الاسبق ، اعطى اذنا للدبلوماسيين الامريكيين باقامة علاقات واجراء اتصالات مع نظرائهم من تايون ، وهو امر دانته بكين بشدة ، واعتبرته خروجا على سياسة الصين الواحدة التي اعتمدتها واشنطن قبل اربعة عقود .
ماذا يعني هذا كله ؟
انه يعني ،ان التوتر مع الصين والذي كان السمة البارزة لسياسة ترامب ، لن ينتهي مع ذهابه ، وان هناك اجماعا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي معاداة الصين ” لانها تشكل خطرا على الدور القيادي لامريكا في العالم ، وتهديدا للأمن الوطني الامريكي” .
هذه القناعات التي تتحكم اليوم بالطبقة السياسية الامريكية اصبحت راسخة ،ولن تتبدل مع تغيير الادارات ، وانما ستبقى السمة المميزة لمواقف واشنطن ازاء بكين .واكبر مؤشر على ذلك ، ان المراسيم والقرارات التي اتخذها بايدن في ايامه الاولى لتصحيح اخطاء ترامب ، لم تقترب من الصين ، ولم تعالج مواقف الادارة السابقة التي اشعلت حربا تجارية وتقانية مع بكين ، واججت العداء للصين في امريكا والعالم .
واعتقد ان السبب مفهوم ، وهو ان بايدن لا يعتبر قرارات ترامب المعادية لبكين، اخطاء ينبغي تصحيحها والتراجع عنها . ومفيد التذكير هنا ، ان اوباما الديمقراطي هو الذي اتخذ القرار الشهير عام 2012 بنقل ثقل الاسطول الامريكي الى بحر الصين لمواجهة الصين .
واعتقد ، ان الديمقراطيين سيكونون اكثر فاعلية في اثارة قضايا حقوق الانسان في الصين ـ سواء في منطقة اليوغور او هونغ كونغ او قضية الحريات الدينية . وهذه قضايا يمكن ان تسمم اكثر العلاقات الصينية الامريكية .
الشيء الوحيد الذي يمكن ان يشكل فارقا في علاقات بايدن مع بكين ،هو ، ان السياسة الامريكية في ظل الادارة الجديدة لن تلجأ الى اساليب استفزازية وارتجالية – كما فعل ترامب – ، بل ستكون من حيث الشكل ،اهدأ ولكن المضمون سيبقى ، وهو السعي بكل السبل للتصدي للصين ومنعها من منافسة امريكا على قيادة العالم ، وتأجيج كل المشكلات الممكنة لاستنزاف الصين ، والعمل على اعادة الروح الى التكتلات الدولية المعادية للصين،سواء في جنوب شرقي آسيا ام في بقية مناطق العالم .
لن تعود الشراكة الامريكية الصينية ،والتي استمرت نحو اربعين عاما الى ما كانت عليه ، فمفهوم الشراكة قد انتهى بين البلدين ، وحلت مكانه المنافسة والحروب الباردة والسعي لتحجيم الصين، التي باتت – بنظر واشنطن – مركز التهديد الاول لامريكا ولموقعها القيادي في العالم .
22/1/2021