تكثف الحكومة الإسرائيلية إجراءاتها من أجل استغلال مآلات النزاع المأساويةفي سوريا للخروج بمكاسب استراتيجية، وأهمها الاحتفاظ بالجولان المحتل. ويبعث اجتماع الحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى في هضبة الجولان السوريةالمحتلة رسائل تتضمن مطالب تل أبيب ورغباتها في شأن أي تسوية سياسيةمستقبلية للأزمة السورية. ويأتي اجتماع الحكومة الإسرائيلية في الجولان بالتزامن مع ذكرى جلاءالاحتلال الفرنسي عن سوريا. ويندرج في إطار التصعيد الإسرائيلي الواضح فيالأيام الأخيرة بعد حضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مناورات عسكرية فيالجولان، وإقراره بشن اعتداءات على الأراضي السورية في السنوات الماضية،وتأكيده أن الجيش الإسرائيلي سوف يواصل الرد داخل الأراضي السورية واستهدافأي محاولة لنقل الأسلحة المتطورة إلى “حزب الله” اللبناني. ومن الواضح أن الاجتماع يهدف إلى إيصال رسالة فحواها أن إسرائيل ترفض إدراجإعادة الجولان إلى السيادة السورية ضمن أي تسوية مستقبلية للأزمة السورية. وفي دلالات التوقيت، فإن اجتماع الحكومة الإسرائيلية في الجولان المحتليأتي بعد زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن ودعوة السوريين إلى أن ينسواموضوع الجولان، وقبل أيام من زيارة مقررة إلى موسكو يوم الخميس المقبل (21 04 2016) يتوقع أن يكون الملف السوري وصفقة صواريخ “إس-300” إلى إيران أبرزمحاورها في اللقاءات مع الرئيس فلاديمير بوتين. ورغم عشرات القرارات الدولية التي ترفض ضم إسرائيل للمرتفعات السورية منذديسمبر/ كانون الأول 1981، تواصل الحكومات المتعاقبة بناء المستوطنات،وتشجيع المستوطنين على الإقامة في الجولان عبر تسهيلات كبيرة. وفي هذاالإطار أعلن أخيرا الصندوق الدائم لإسرائيل “ككال” عن اعتزامه توسيعالمستوطنات في الجولان، وإقامة 19 حيًا استيطانيًا جديدًا في الهضبةالمحتلة. ويُتوقع أن يستوعب المشروع، الذي سيبدأ تنفيذه صيف العام الحالي، 1500 عائلة جديدة، وأن ينتهي بناؤهفي غضون خمس سنوات. ذلك، في إشارةواضحة إلى نية إسرائيل عدم إعادة الجولان إلى السيادة السورية في المستقبل. وبعد خمس سنوات على اندلاع الأزمة السورية، التي تحولت إلى حرب طاحنة تنذربتفكك سوريا إلى كيانات و”دويلات” على أساس عرقي وطائفي، تسعى إسرائيللإقناع الأطراف الدولية الرئيسة المشاركة في تسوية الأزمة بالأخذ بعينالاعتبار مخاوفها الأمنية، وتعويضها بالسيادة على هضبة الجولانالإستراتيجية. ورغم الانقسام الكبير في سوريا بين الحكومة والأطراف المعارضة، فقد اتفقالجانبان في جولة مفاوضات “جنيف-3″ الثانية على عدد من النقاط المشتركة،وأهمها العمل على عودة هضبةالجولان إلى السيادة السورية. ومما لا شك فيه أن هذا الإجماع يقلق إسرائيل، خاصة أنه قد ورد على لسانالمبعوث الدولي الخاص بسوريا ستيفان دي مستورا. كما أن قرار مجلس الأمن الـ 2254 لتسوية الأزمة السورية تضمن نصا لا لبس فيه حول وحدة وسلامة الأراضيالسورية. ونادرا ما دخلت إسرائيل مباشرة على خط الأزمة السورية، وغالبا ما يوجهالمعارضون للقيادات السورية بشخص الرئيس بشار الأسد ووالده الرئيس الرحلحافظ الأسد اتهامات بالتنسيق مع إسرائيل والحفاظ على حدودها آمنة منذ توقيعاتفاق الهدنة وفصل القوات في عام 1974. وفي المقابل تتهم السلطات السورية المعارضين بالحصول على دعم إسرائيلالعسكري واللوجستي، وتستشهد بمعالجة عشرات الجرحى من الفصائل المسلحةو”جبهة النصرة” في المستشفيات الإسرائيلية. وفي الحقيقة، فإن إسرائيل بنت استراتيجيتها للتعامل مع الأزمة على أساسالتزام الحذر في تصريحات المسؤولين السياسيين والأمنيين، والرد على أي مصدرنيران يخترق خط الفصل. إضافة إلى تنفيذ عدد من العمليات في العمق السوريتستهدف منع نقل أي أسلحة متطورة إلى “حزب الله”، أو اغتيال شخصيات مثلالأسير المحرر سمير القنطار، أو منع وقوع أي أسلحة استراتيجية في أيديالمجموعات “الجهادية”، أو الفصائل المسلحة. وفي بداية “الربيع العربي” كان الارتباك الإسرائيلي واضحا في الخوف منتبعات التغير الديمقراطي في المنطقة، وتأثير ذلك على الصورة التي سعتإسرائيل لترويجها على أنها الديمقراطية الوحيدة في وسط متوحش. بيد أنه،وبعد تحول الربيع “خريفا”، تعيش إسرائيل أفضل أوقاتها بعد تدمير معظمالقدرات العسكرية لسوريا وقبلها العراق، والأوضاع غير المستقرة في مصروليبيا وحتى تونس. ومع تحقق حلمها بعودة سوريا إلى القرون الوسطى من دون أن تكلف نفسها عناءخوض أي حرب، تسعى تل أبيب لاستغلال الأوضاعلتأكيد ضمها للجولان المحتل. والمفارقة في أن الجولان في التاريخ التوراتي كان من مدن الملجأ عبر نهرالأردن، وحسب سفري التثنية ويشوع يلجأ إليه من قتل سهوا ويخشى الانتقام،ولكن نتنياهو ووزراءه، ممن قتلوا الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين عمداوبدم بارد، يجتمعون في الجولان ويسعون لفصله نهائيا عن سوريا، من دون خوفمن أي رادع ما دام السوريون منشغلين في حروب داخلية طاحنة تعيد مشاهد القتلالقروسطية، ما يسمح للقاتل بيبي بأن يقرأ مزاميره حول الأخلاقوالديمقراطية.
روسيا اليوم