https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الكاتب:بوبو لو
تضمن كتاب ” محور المنفعة: موسكو وبكين والجيوبولتيك الجديد” لمؤلفه بوبو لو – وهو دبلوماسي أسترالي سابق في موسكو – تحليلات دقيقة عن العلاقات الثنائية الأهم في العالم.
فقد كشفت تحليلاته المتعمقة عن العلاقات الروسية الصينية – التي يصفها البلدان أحيانا بـطريقة خاطئة على أنها “شراكة إستراتيجية” عن مدى قوة الإستراتيجية الصينية العالمية ومكانة روسيا في عالم اليوم.
إن تحول التوجهات الإستراتيجية الصينية من الإتحاد السوفيتي نحو الولايات المتحدة يعد هو التحول الجيوبولتيكي الأهم خلال العقود السابقة. ولا تتمتع بكين حاليا بعلاقات جيدة مع واشنطن فحسب، وإنما بعلاقات مع موسكو تفوق تلك التي تتمتع بها الولايات المتحدة مع موسكو. ويصف “لو” العلاقات الصينية الروسية بـ “شراكة المنفعة المشتركة” بل ويذهب أبعد من ذلك فيعتبر تحسن علاقات موسكو مع بكين بأعظم إنجاز حققته السياسة الخارجية الروسية في حقبة ما بعد انهيار الإتحاد السوفيتي.
ومن شأن مثل هذا الإطناب في الوصف إثارة الهواجس لدى العديد من المراقبين الذين يرون أن الولايات المتحدة تواجه تحديات من التحالف الصيني-الروسي القائم على قيم مشتركة غير ليبرالية. ويشير “لو” إلى أن العلاقة الصينية-الروسية غير متوازنة، بل وتكتنفها المشاكل. فكلا البلدين يختزنان توجسات عن بعضهما البعض ولديهما مصالح متضاربة، وهي علاقة مرشحة للتضارب بصورة أكبر في المستقبل. ويصف “لو” تلك العلاقة بالآنية، أي أنها شراكة محدودة تتوقف على مقدرتها على تحقيق مصالح الطرفين.
ولكن “لو” لم يسهب كثيرا في شرح زيف التحالف الصيني-الروسي، فيقول أن تلك العلاقة رغم ما يعتريها من أخطاء تعتبر من أفضل النماذج الإيجابية المقنعة للعلاقات الدولية حاليا. وهو قول مشكوك فيه. فالعلاقة قد تسمح للصينيين بالحصول على موارد طبيعية مهمة من روسيا وبتوسيع نفوذهم الإقليمي، ومن ناحية ثانية فهي تتيح للروس افتراض عالم ثنائي القطب تلعب فيه موسكو دورا محوريا.
لقد كان عام 2006 هو عام روسيا في الصين، وعام 2007 هو عام الصين في روسيا حيث استضاف كلا البلدين عددا كبيرا من المعارض والبرامج الثقافية والمحادثات التجارية والزيارات الحكومية. فقد أشار الرئيس الصيني “هو جينتو” في حفل افتتاح أحد المعارض في موسكو في مارس 2007 إلى أن ” المعرض القومي الصيني في روسيا هو أكبر معرض صيني في الخارج للثقافة الصينية والتنمية الاقتصادية” .
إن عرض الصين لـ 15,000 منتج صيني لثلاثين صناعة من بينها صناعة المعدات والطيران وبناء السفن وتقنية المعلومات والأواني المنزلية ينطوي على رسالة مفادها أن ثمة نفوذ صيني جديد حاليا بعد أن تبوأت الصين مكانة مهيمنة بصرف النظر عن الدور الكبير الذي لعبه الإتحاد السوفيتي في الصين في حقبة النهضة الصناعية بعد عام 1949. وفي واقع الأمر نجد في ذلك عودة للنموذج التاريخي- أي أن الصين قد وضعت أجندتها لإرساء علاقات بين البلدين. فالعلاقات الصينية الروسية تعود بجذورها للغزو الروسي لسيبيريا في القرن السابع عشر. والإمبراطورية الروسية – قبل أن تتوسع ثرواتها- كانت تسعى للتبادل التجاري مع الصين التي كانت أغنى دول العالم. واكتشفت الإمبراطوريتان أيضا مصلحة مشتركة ولكنها في الغالب تنافسية بسحق القبائل الرعوية في آسيا الوسطى، مما جعل الحدود بين الصين وروسيا تمتد لمسافة 2,700 ميلا كأطول حدود بين دولتين. ومنذ ذلك الوقت تبدلت هذه الحدود المشتركة عدة مرات وتسببت في حدوث توترات من وقت لآخر. ففي عام 1969 حدث صدام بين الدولتين على امتداد نهر يوسوري الذي يفصل أجزاء الصين الشمالية الشرقية عن الشرق الأقصى الروسي وطرح القادة الروس خيار الانتقام بالأسلحة النووية إذا ما أقدمت الصين على شنّ هجوم واسع.
والآن – كما يقول “لو”- تتمتع الدولتان بعلاقات أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى. ففي شهر يونيو 2005 صادقتا على اتفاقية تقضي بتسوية منازعاتهما الحدودية، وتزدهر بينهما حاليا التجارة الحدودية والسياحة. ففي عام 2006 عبر مليونا سائح روسي إلى الصين كما زار حوالي مليون صيني موسكو.
ولكن ما زال ” محور المنفعة الصيني الروسي -كما يرى “لو”- يتسم بفقدان الثقة المتجذر في الشعور التاريخي بالغبن والتنافس الجيوبولوتيكي وعوامل أخرى. فضلا عن أنه محور ثانوي. فالصين وروسيا يتحدثان عن شراكة إستراتيجية ولكنهما في الواقع لا يشكلان اهتماما محوريا لبعضهما البعض. والشريك الأساسي للصين هي الولايات المتحدة ولروسيا أورووبا أو تحديدا ألمانيا. ففي عام 2007م بلغ حجم التجارة بين الصين وروسيا 48 مليار دولار، منها 5,7 مليار دولار عام 1999 مما يجعل الصين أكبر شريك تجاري لروسيا بعد الإتحاد الأوروبي. ولكن في الوقت الحالي تتجاوز التجارة بين روسيا والإتحاد الأوروبي 400 مليار دولار. ويشير “لو” إلى أن الصين وروسيا ” يبديان اهتماما بالغرب أكثر مما يبديانه لبعضهما البعض”. والعلاقة بينهما عارضة، وليس لديهما تصور بعيد الأمد للعالم أو تفاهم مشترك لموقعهما فيه.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجانب الأهم في هذا السياق هو أن الصين لن تتوانى في استغلال أية فرصة تلوح لها من خلال هذه العلاقة. فالصين تجني فوائد كبيرة من البترول والأسلحة الروسية. وفي المقابل، فإن الصين طالما أسهبت في القول لروسيا “بعلاقتهما الإستراتيجية” وتدللها بتعزيز أوهام عالم ثنائي القطب. وتشبه العلاقة الحالية بين الصين وروسيا في كثير من جوانبها تلك العلاقة التي نشأت بينهما في القرن السابع عشر: تنافس على النفوذ في آسيا الوسطى مقارنة بتوسيع العلاقات التجارية الثنائية بينهما حاليا والتي تستفيد منها الصين بصورة أكبر، وهو ما يصفه “لو” بأسلوب مهذب على أنه علاقة ” غير متماثلة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان − 2 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube