https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تصاعد التوتر في العلاقات بين الجارتين أذربيجان وإيران في الأيام الأخيرة بشكل كبير، وصعّدت طهران من لغة التهديد، ونفذت مناورات عسكرية هي الأضخم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، على طول الحدود مع أذربيجان، وأغلقت باكو المكتب التمثيلي للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في حين أغلقت طهران أجواءها أمام حركة الطيران بين أذربيجان والدول الأخرى.

وكشفت مناورات إيران العسكرية وتهديداتها، والانتقادات الأذربيجانية لها عن نار تحت الرماد في علاقة جوار معقدة في منطقة جنوب القوقاز، المنطقة التي تحكمها معادلات وتوازنات معقدة إقليمية ودولية، وكونها نقطة تماس بين روسيا وتركيا وإيران.

كانت العلاقات بين هذين البلدين الجارين مشبعة بالتوتر، منذ استقلال أذربيجان في عام 1991، والتوتر الحالي بين طهران وباكو ليس جديدًا، ولكن من الواضح أنه الأخطر ولن يكون الأخير، وهناك عوامل متعددة تؤثر في علاقات طهران وباكو، منها تل أبيب وواشنطن، وكذلك الجالية الأرمينية داخل إيران نفسها، مع وجود عوامل متبادلة، بينها قلق إيراني من النزعات الانفصالية للمناطق الأذرية، كما تخشى أذربيجان التأثير الديني الإيراني في مجتمعها العلماني.

وتشهد حدود إيران مع كل من أذربيجان وأرمينيا تطورات كبيرة بعد نهاية حرب قره باغ الثانية أواخر العام الماضي، إذ استعادت أذربيجان معظم حدودها مع إيران بعد سيطرة أرمينية استمرت أكثر من 30 عاما، وأوقفت القوات الأذربيجانية الشاحنات الإيرانية المتجهة عبر أراضيها المستعادة إلى أرمينيا، واعتقلت سائقين إيرانيين، وفرضت ضرائب على دخول تلك الشاحنات، بسبب مرورها بطريقة غير قانونية وفق سلطات باكو.

وتوضح حادثة الشاحنات وتوقيت المناورات والانتقادات المتبادلة بين باكو وطهران أن الأزمة متعلقة بشكل مباشر باتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته روسيا بين أذربيجان وأرمينيا بتنسيق مع تركيا العام الماضي، وأوقف حرب ناغورني قره باغ الثانية، وأتاح تبادلًا للممرات عبر أراضي أذربيجان بين أرمينيا وعاصمة إقليم قره باغ، وعبر أراضي أرمينيا بين إقليم نخجوان وأذربيجان.

ليس من المبالغة القول إن إيران ليست مرتاحة من الاتفاق الذي رعته روسيا بين باكو ويريفان، وعلى الرغم من الترحيب الرسمي به، واعتباره ذا أهمية لإحلال السلام في المنطقة، فإن تصريحات وتحليلات جهات مقربة من صناع القرار في طهران تشير إلى أن الترحيب الحكومي تشوبه في الوقت نفسه مخاوف وقلق مما يمكن أن تصل إليه ترتيبات الأوضاع في مراحل مقبلة.

وهو ما كشف عنه بشكل واضح تصريح قائد القوات البرية الإيرانية كيومرث حيدري مع انطلاق مناورات بلاده على حدود أذربيجان، “إيران حساسة تجاه تغير الحدود الرسمية لدول هذه المنطقة، وترى ذلك غير مقبول، يجب حماية الحدود القانونية، ضعف دولة في حماية حدودها لا يبرر قيام دولة أخرى بتغيير حدودها بدعم من الأجانب، إيران لن تسمح بمثل هذا الشيء”.

أما عن عبور الشاحنات الإيرانية إلى قره باغ، فقال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إنه “غير قانوني وحدث مرارًا خلال الاحتلال الأرميني لهذه المنطقة”، مشيرًا إلى أن بلاده أبدت اعتراضها على ذلك للجانب الإيراني عبر قنوات مختلفة.

وتعدّ إيران هذه المعطيات مؤشرات على ما تصفه بأنه مخطط، لإحداث تغييرات جيوسياسية بجوارها القريب القوقاز، عبر إزالة حدودها مع أرمينيا، وذلك من خلال السيطرة على الشريط الحدودي -الممتد من جمهورية نخجوان الأذربيجانية الذاتية الحكم إلى بقية أراضي أذربيجان- الذي يشكل الحدود الإيرانية الأرمينية، حيث يعد إقليم نخجوان الأذربيجاني أكبر منطقة جغرافية في العالم، تابعة لدولة لا ترتبط بها بممر بري، وتحيط بها أراضي دول أخرى من كل جانب.

مما لاشك فيه أن المناورات تعكس الهواجس التي تعيشها طهران جراء التطورات الأخيرة المتلاحقة في جنوب القوقاز، وكذلك تعزيز أذربيجان علاقاتها مع أكثر من طرف إقليمي ودولي، وتأتي المناورات والتهديدات في إطار إعادة ترتيب الأوراق من قبل أكثر من قوة إقليمية، عقب حرب قره باغ الثانية.

وفي ضوء هذه التوترات، شهدت المنطقة في مدة وجيزة مجموعة من المناورات، زادت من سخونة التطورات ورفعت المخاوف، منها 3 مناورات، بين تركيا وأذربيجان، وبين تركيا وباكستان وأذربيجان، وبين تركيا وأذربيجان وجورجيا، فضلًا عن مناورات نظمتهما القوات الإيرانية على الحدود مع أذربيجان.

ويأتي هذه التصعيد في ظل مخاوف إيرانية من التطورات في جنوب القوقاز، وما تعدّه محاولات لتغيير جيوسياسي على حسابها، وسط اتهامات لباكو بجرّ أطراف ثالثة إلى المنطقة، والحديث هنا عن إسرائيل، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أنّ بلاده تتلقى، منذ المواجهة العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا خلال العام الماضي حتى اليوم، تقارير عن حضور الإرهابيين والقوات الإسرائيلية داخل أراضي جمهورية أذربيجان بالقرب من الحدود الإيرانية، مؤكدًا أن طهران أبلغت باكو بهذا الأمر، في حين نفت باكو على لسان أكثر من مسؤول بينهم رئيس البلاد إلهام علييف وجود قوات طرف ثالث قرب هذه الحدود.

و يرى مطلعون أن طهران تستغل التوتر مع تل أبيب التي تعزز علاقاتها وتعاونها مع دول جنوب القوقاز، وعلى وجه الخصوص أذربيجان، للتغطية على الأزمات التي بدأت تظهر تداعياتها، جراء خلافها مع باكو في أكثر من ملف، وآخرها حول نقل شاحنات الوقود الإيرانية والبضائع إلى حليفتها أرمينيا عبر إقليم ناغورني قره باغ، الذي استعادت أذربيجان معظم أراضيه بعد حرب أواخر عام 2020.

ويمكن النظر إلى تركيز التصريحات أو التهديدات الإيرانية الأخيرة على العامل الإسرائيلي في إطار الضغط على أذربيجان كي تنأى بنفسها عن تل أبيب، إذ إن علاقات التبادل التجاري وشراء المعدات العسكرية بين إسرائيل وأذربيجان لم تكن جديدة أو سرية، وسبق أن كشفت مصادر إسرائيلية وعالمية عن صفقات سنوية بمعدل مليار دولار كل عام لتزويد أذربيجان بطائرات مسيرة وبأنظمة الأقمار الصناعية الإسرائيلية، وكانت باكو عام 2016 ثاني أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، والثالثة عام 2017. يبقى القول إن باكو تجد ضرورة لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية ومع تركيا ومع إسرائيل، حيث إنها منفردة غير قادرة على مواجهة أي أنشطة إيرانية قد تستهدفها. باسل الحاج جاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × اثنان =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube