https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كشفت كوبا عن لقاح “عبد الله” المضاد لفيروس كورونا، وقالت الدولة التي تعدّ إحدى أقل الدول تضررا من الوباء في أميركا اللاتينية إن لقاحها التجريبي “عبد الله” أظهر أنه فعال بنسبة مرتفعة في مكافحة المرض.

واشتق اللقاح اسمه من بطل قصيدة “عبد الله” الدرامية التي ألفها الفيلسوف والصحفي والسياسي والمترجم خوسيه مارتي (1853-1895) الذي يعدّ بطلا لجميع الكوبيين وأطلق اسمه على مطار العاصمة هافانا الدولي بسبب دوره في التحرر من الاستعمار، فضلا عن كونه شخصية ملهمة لأدب أميركا اللاتينية بصوة عامة، وإلى جانب ذلك كله اشتهر مارتي -بوجه خاص- لإعجابه بالعرب وولعه بحضارة المسلمين رغم أنه -على الأرجح- لم يزر العالم العربي قط.

كان توحيد مارتي لمجتمع المهاجرين الكوبيين في الخارج أمرا حاسما لنجاح حرب الاستقلال الكوبية ضد إسبانيا نهاية القرن الـ19، وكان شخصية رئيسة في التخطيط لهذه الحرب وقيادتها، بل كان مؤسس الحزب الثوري الكوبي ومنظّره، ومات في عمل عسكري خلال معركة دوس ريوسفي في مايو/أيار 1895، ويُعدّ مارتي أحد أعظم مفكري أميركا اللاتينية وتشمل أعماله المكتوبة سلسلة من القصائد والمقالات والخطابات والمحاضرات والرواية ومجلة للأطفال.

أظهر مارتي اهتماما ملحوظا ومبكرا بالعالم العربي، وبرز ذلك في نصوص عدة بينها تناوله موضوع استقلال النوبة والنضال الكوبي ضد الحكم الاستعماري الإسباني في قصيدته الدرامية الممتلئة بالرموز السياسية “عبد الله” (1869) التي كتبها قبل أن يبلغ من العمر 16 عاما.

وفي تلك القصيدة الدرامية يتحدث مارتي عن شاب نوبي خرج للقتال دفاعا عن وطنه (بلاد النوبة) ولم يكتف بالخطب والرسائل والمواد الصحفية، وتتكون القصيدة من 8 مشاهد مشحونة بعبارات حماسية ربما قصد بها الإسقاط على وطنه كوبا، ويقول في أحد مقاطعها:

الحب، يا أمي، للوطن

إنه ليس حبا سخيفا للأرض

ولا للعشب الذي تطؤه نباتاتنا

إنه الكراهية التي لا تُقهر لمن يضطهدونها

إنه الحقد الأبدي لمن يهاجمها

ويوقظ هذا الحب في صدرنا

عالم الذكريات الذي يدعونا

إلى الحياة مرة أخرى، عندما

يتدفق الدم والجرح على النفس من الألم

صورة الحب التي

تعزينا والذكريات الهادئة التي تحتفظ بها!

العربية في كوبا

ودخلت الثقافة العربية إلى كوبا عبر مسارات متعددة أهمها الاستعمار الإسباني الذي حمل معه ملامح من معمار المزيج العربي والأمازيغي والأوروبي الذي تشكل في شبه الجزيرة الإيبيرية، وكذلك عبر اللغة المتخمة بالكلمات ذات الأصل العربي المستخدمة في الحياة اليومية، وفضلا عن ذلك تزامنت حياة مارتي مع بداية تشكل جالية من العرب المهاجرين إلى الجزر الكوبية في البحر الكاريبي.

وفي الورقة البحثية التي عنونتها “سمّه إسماعيل: مارتي الشرقي والعالم العربي” رأت الشاعرة والأكاديمية الكوبية سوزانا رودريغيز دريسي أن مارتي -الذي عاش حقبة النضال ضد الاستعمار الإسباني لكوبا- وجد نموذجا يحتذى به في موقف العرب (بخاصة بلاد المغرب العربي ومصر) تجاه الإمبريالية الأوروبية التي كانت تتمدد في شمال أفريقيا في نهاية القرن الـ19.

وتمثل “عبد الله” بداية تطور الكتابة السياسية لمارتي، وتماهيه مع شخصية “المور” والعالم العربي، إذ قام بتمثيل الشخصية العربية باعتبارها ملتزمة سياسيا بقضيتها النضالية.

)

ويطلق مصطلح المور على سكان شبه الجزيرة الإيبيرية المسلمين، ويشير أيضا في الثقافة الشعبية الأوروبية إلى سكان بلاد المغرب العربي، واستخدم المصطلح ذاته في أوروبا أيضا للإشارة إلى المسلمين بوجه عام خاصة المنحدرين من أصل عربي أو أمازيغي ممن عاشوا في إسبانيا أو شمال أفريقيا.

وعلى وجه الخصوص، أعجب مارتي بالشعور القومي المتنامي في المنطقة العربية ضد القوى الاستعمارية سواء أكانت فرنسا أم إنجلترا أم إسبانيا، حسب الأكاديمية الحاصلة على دكتوراه الأدب المقارن من جامعة كاليفورنيا.

وبعبارة أخرى، كان مارتي مدركا لأهمية أحداث الانتفاضة المصرية (1881) ضد الإمبريالية الإنجليزية، والغزو الفرنسي لتونس في العام نفسه، واحتلال إسبانيا للمغرب عام 1893، وهذا ما جعل شخصية “المور” في كتاباته السياسية ترتبط برمزية ما عدّه ضرورة المقاومة وحمل السلاح في وجه المستعمر، حسب بحث دريسي المنشور بمجلة “تايلور آند فرانسيس” (Taylor & Francis).

النضال الكوبي “الشرقي”

وكتب مارتي داعما الانتفاضة الأمازيغية على الحكم الإسباني في شمال المغرب، فقال في مقال “عن المور في إسبانيا” بكلمات حماسية “دعنا نكن موريين.. إن الثورة في الريف ليست حادثة منعزلة، بل اندلاع تحولات وتغيرات عالمية، دعنا نكن موريين (نحن الكوبيين) الذين من المحتمل أن يموتوا على يد إسبانيا”.

وترى دريسي أن المور أصبحوا في نظر مارتي رمزا لمقاومة الحكم الاستعماري، في حين أصبحت الحداثة النامية في شمال أفريقيا نموذجا لحداثة متصالحة مع الذات بدلا من التحديث المفروض من قبل السلطات الاستعمارية الذي يستخدمه المستعمر مسوّغا وحجة “لغزو الشعوب المتخلفة”.

وفضلا عن ذلك، تقول الباحثة إن “المور شكلوا جزءا من الهوية الكوبية ليس فقط باعتبار نضالهم ضد الاستعمار الإسباني، ولكن لأن الكوبيين السود من أصل أفريقي أتى كثير منهم من غرب أفريقيا المسلم و(كانوا يستخدمون تحية السلام عليكم) ذاتها أيضا”.

ومع ذلك، لم يكُتب سوى القليل عن اهتمام الشاعر الكوبي بالعالم العربي، وربما يكون أحد أسباب ذلك هو أنه من أجل فهم كيفية ظهور “الشرق العربي” لدى مارتي، من الضروري فهم كيفية ظهوره في كوبا في القرن الـ19، وكيف أثّر الاهتمام المتزايد في الجزء الشرقي من الجزيرة الكوبية في هذه التمثيلات.

وتقول الباحثة الكوبية إنه منذ الأيام الأولى للاستعمار، أُهملت المنطقة الشرقية من الجزيرة لمصلحة الطرف الغربي لأسباب يتعلق بعضها بالجغرافيا وبعضها بالإرادة الإسبانية، وفي عام 1519 نقلت العاصمة من سانتياغو دي كوبا على الساحل الجنوبي الشرقي إلى هافانا على الساحل الشمالي الغربي للجزيرة.

وكانت المنطقة الشرقية معزولة عن بقية الجزيرة بسلاسل جبلية شاسعة ورياح وتيارات محيطية، وهاجر إليها كثير من السود طوال القرن الـ19، وأسهمت كل تلك العوامل في تطوير المنطقة الشرقية باعتبارها ربما المنطقة الأكثر كوبية في كوبا إذ كانت الأقل عرضة للتأثيرات الخارجية والأكثر التزاما بالقيم المحلية والتقليدية للعمل والوجود.

وكانت هذه العناصر أيضا هي التي ساعدت على جعل الشرق مصدرا وموقعا للحركات الثورية المتكررة في كوبا، ولبعدها عن مقرّ السلطة كان شعب المشرق مستعدا دائما لتحدي السلطات، وهكذا نشأت النضالات الثورية الرئيسة في كوبا في الشرق، بدءا من حرب السنوات العشر (1868-1878) وحرب الاستقلال (1895-98) وأيضا خلال التمرد الذي قاده فيدل كاسترو في الخمسينيات من القرن الـ20.

وتقول الكاتبة إن هناك رابطا رمزيا بين الشرق (العربي) والشرق (الكوبي) في أدب مارتي الذي عزز ذلك الرابط في استلهام أفكار النضال ضد الاستعمار وحركات الاستقلال والتحرر الوطني في القارة اللاتينية باعتباره واحدا من أدبائها الكبار، وهكذا كان مارتي قادرا على النظر إلى نطاق تاريخي وسياسي أوسع من العالم اللاتيني عبر تلك الاستعارة بين الشرقين الكوبي والعربي.

أديب القارة اللاتينية وثائرها

وكتب مارتي عن السيطرة الاستعمارية الإسبانية وخطر التوسع الأميركي في كوبا، ففي رأيه كان من غير الطبيعي أن تكون كوبا خاضعة لسيطرة الحكومة الإسبانية وقمعها، في حين لها هويتها وثقافتها الفريدة.

وفي كتيب له بتاريخ 11 فبراير/شباط 1873، بعنوان “الجمهورية الإسبانية والثورة الكوبية”، قال إن “الكوبيين لا يعيشون كإسبان.. إنهم يتغذون من نظام تجاري مختلف، ولديهم روابط مع دول مختلفة، ويعبّرون عن سعادتهم من خلال عادات متناقضة تماما. لا توجد تطلعات مشتركة أو أهداف متطابقة تربط الشعبين، أو ذكريات عزيزة توحّدهما.. لا تجمع الشعوب إلا روابط الأخوة والمحبة”.

واعتقد خوسيه مارتي أن دول أميركا اللاتينية بحاجة إلى معرفة حقيقة تاريخها، ورأى أيضا ضرورة نشوء أدب خاص بالقارة اللاتينية وبلادها.

ويقول باحثون تاريخيون إن مارتي كان أهم مثقف من أميركا اللاتينية في ذلك الوقت يقدم مقاربة مهمة لبناء هوية وطنية، إذ شدد على ضرورة بناء مؤسسات وقوانين تتناسب مع العناصر الطبيعية لكل بلد، وأشار إلى إخفاق تطبيقات القوانين المدنية الفرنسية والأميركية في جمهوريات أميركا اللاتينية الجديدة. واعتقد مارتي أن “الرجل الجنوبي” يجب أن يختار إستراتيجية تنمية مناسبة تتناسب مع شخصيته، وخصوصية ثقافته وتاريخه، والطبيعة التي تحدد كيانه.

وتعكس كتابات مارتي وجهات نظره الاجتماعية والسياسية، ففي قصيدة له بعنوان “ازرع وردة بيضاء” يقول:

أنا أزرع وردة بيضاء

في يوليو كما في يناير

للصديق المخلص

الذي يمدّني بيده بصراحة

وللشخص القاسي الذي يمزق

القلب الذي أعيش به

لا أزرع القرّاص (القريص) ولا الأشواك

أزرع وردة بيضاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 10 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube