نشرت مجلة ناشيونال انترست مقالا لكاتب بريطاني
تناول فيه كيفية تجنب وقوع كارثة في أفغانستان بعد سحب الولايات المتحدة قواتها من تلك الدولة الواقعة في آسيا الوسطى.
ويرى مايكل أوهانلون -وهو باحث أول بمؤسسة بروكينغز ومقرها في واشنطن- في المقال الذي كتبه أن أفغانستان يمكن أن يكون لها مستقبل آخر.
ومع أنه يزعم أن مستقبل تلك الدولة لن يكون جميلا، فإن الولايات المتحدة -بنظره- تفضل جدا من الناحية الإستراتيجية وضعا يتسم بجمود عسكري تسيطر فيه حركة طالبان على بعض مناطق البلاد والحكم في حين تستحوذ المليشيات الصديقة على جزء آخر كبير من أفغانستان.
وحسب الكاتب فإن هذا النوع من المواجهة، مع بعض الحظ، قد يفضي مع مرور الزمن إلى إمكانية التفاوض على تقاسم السلطة، وربما على الأقل قد يساعد في الحفاظ على حلفاء الولايات المتحدة وتوفير مناطق آمنة نسبيا في أفغانستان، بحيث يتسنّى لأجهزة المخابرات الصديقة وضع ممتلكاتها وأصولها فيها مما يجعل من السهل الحيلولة دون بروز ملاذات آمنة “للمتطرفين العنيفين” في أفغانستان في المستقبل.
يضيف الكاتب “ولكي نرى كيف يتأتى هذا النوع من التقسيم الفعال، فمن المفيد رسم صورة تقريبية عن أفغانستان، فأغلب سكان البلاد البالغ تعدادهم 40 مليون نسمة يعيشون في الأرياف، لكن المدن تعد مناطق رئيسية تقع كابل في القلب منها جغرافيًّا”.
وهناك 4 مدن إقليمية كبرى تقع على الحدود الخارجية للدولة ويربط بينها طريق دائري. وهذه المدن هي مزار شريف في الشمال، وجلال آباد في الشرق، وقندهار في الجنوب، وهرات في الغرب، ولم تسقط أي من تلك المدن في أيدي حركة طالبان، رغم أن قندهار يتنازع عليها طرفا الحرب في أفغانستان.
وتحتضن كابل وتلك المراكز الإقليمية الكبرى معا زهاء 10 ملايين نسمة، في حين يعيش عدة ملايين آخرين في مدن أصغر مثل قندوز التي سقطت بالفعل.
تجدر الإشارة إلى أن عشرات من المقاطعات الأفغانية التي يناهز عددها 400 أو نحو ذلك سقطت في يد طالبان منذ الربيع الماضي، كما سقطت حتى الآن 9 من عواصم الولايات البالغ عددها 34.
وانسحبت الآن بالفعل الولايات المتحدة وشركاؤها في حلف الناتو من البلاد، باستثناء بضع مئات من الجنود الأتراك والأميركيين المكلفين بحراسة المطار والسفارات الرئيسة في العاصمة كابل.
هل تسقط كابل؟
ويتساءل أوهانلون: هل ستسقط كابل أيضا قريبا؟ وهل ستحكم طالبان سيطرتها في عموم أفغانستان، في ما عدا بعض الجيوب في الشمال على نحو ما فعلت في أواخر تسعينيات القرن الماضي؟
ويجيب هو نفسه بالقول إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) تعتقد ذلك على ما يبدو، فقد ورد في تقرير تسرب حديثا من مقرها في لانغلي بولاية فرجينيا أن حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني قد تنهار في غضون هذا العام.
وينتقد الباحث البريطاني في مقاله قرار الرئيس الأميركي جو بايدن إجلاء نحو 3 آلاف جندي من الوحدات الأميركية المقاتلة من أفغانستان، واصفا إياه بالمؤسف، ويقول إن سحبهم بهذه السرعة يجعل مستقبل تلك الدولة غامضا.
ومع أن الأمور في أفغانستان كانت سيئة بالتأكيد من قبل، لكنها الآن أكثر سوءا. وسواء أصبحت أفغانستان في ظل حكم طالبان ملاذا آمنا مرة أخرى لتنظيم القاعدة أو “الإرهابيين” ذوي الصلة به أو لم تصبح، فإن على الولايات المتحدة وشركائها بذل الجهد الجهيد -حسب كاتب المقال- لضمان عدم حدوث ذلك مما يعني أن بايدن ربما ينتهي به الأمر بأن ينفق من الوقت والموارد على تلك البلاد بعد مغادرتها أكثر مما كان عليه الحال في السابق.
إستراتيجية “منطقية”
ويطرح الباحث في مؤسسة بروكينغز في ختام مقاله تصوره لإستراتيجية “منطقية” تتضمن أولويات يتعين على الحكومة الأفغانية، المدعومة من شركاء دوليين، التركيز عليها.
وتتضمن هذه الإستراتيجية عددا من العناصر نوجزها في الآتي:
يجب حماية كابل والمراكز الإقليمية الأربعة الكبيرة، حتى لو سقطت قندهار، مع التسليم بأنه لا يمكن منع وقوع هجمات بسيارات مفخخة أو أي هجمات مثيرة أخرى.
لا بد من أن يكون هناك إدراك واضح بأن ثمة وحدات من الجيش الأفغاني هي الأكثر فعالية، بدءا بالقوات الخاصة وربما التشكيلات الرئيسية للجيش كالفرقة 30 و23 المتمركزتين في شرق البلاد، ولا ينبغي استخدام هذه القوات “المهمة” في استرداد مناطق لا يمكن الاحتفاظ بها من الناحية الواقعية.
ضرورة وضع خطة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو لتمويل الجيش الأفغاني، والشرطة، وبعض المليشيات المناوئة لطالبان التي يمكنها المساعدة في الحفاظ على أجزاء بعينها من البلاد التي تكون فيها أقوى من الجيش.
إيجاد أماكن في المنطقة يستطيع المقاولون الغربيون العمل فيها مع الأفغان لصيانة القوات الجوية الناشئة اللازمة لنقل القوات الخاصة سريعا إلى ساحات القتال ومهاجمة تجمعات مقاتلي طالبان.
الطلب من الولايات المتحدة دمج قواتها الخاصة ضمن وحدات بعينها تابعة للجيش الأفغاني.
صياغة خطة إنسانية وآمنة كملاذ أخير لنقل السكان المنتمين لقبائل البشتون في شمال البلاد وغربها، الذين يوفرون الغطاء والمجندين والدعم لطالبان والذين لا يمكن من نواح أخرى التحري معهم والتثبت من حقيقتهم.
ويتعين الأخذ في الاعتبار في هذه الخطوة العمل من أجل إقامة قاعدة عمليات موثوق بها فوق جبال هندو كوش. خلاصة القول إن من الواضح أن الوضع في أفغانستان سيئ، فالبلاد تعيش حالة حرب لا هوادة فيها من دون أمل حقيقي في عملية سلام ناجحة قريبا، وهي حرب -حسب الباحث مايكل أوهانلون- ستزداد سوءا قبل أن تتحسن