https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

تستفيد فيتنام حاليا من سياسات الإغلاق التي تطبقها الصين للحد من تفشي “كوفيد-19″، كما تستفيد من التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، لا سيما في مجال تصنيع الإلكترونيات. فقد حاولت فيتنام تطبيق نسختها من سياسة “صفر كوفيد”، وتبنَّت سياسة الإغلاق للحد من تفشي الفيروس عام 2021، لكنها حوَّلت مسارها بسرعة وحصَّنت ثلثي سكانها بلقاح كورونا بحلول ديسمبر/كانون الأول 2021 (ومن ثمَّ عادت الحياة إلى طبيعتها في البلاد على عكس الصين). وتداولت تقارير اقتصادية تسريبا يفيد بأن شركة “أبل” ستنقل خط إنتاج جهاز “آي باد” من الصين إلى فيتنام هذا العام، كما أن شركة “شاومي” الصينية نقلت بالفعل خطوط إنتاج بعض أجهزتها إلى فيتنام في يونيو/حزيران 2021 بفضل استثمارات شركة “دي بي جي” للتكنولوجيا، وهي شركة تابعة لشركة إلكترونيات تحمل الاسم ذاته ومقرها هونغ كونغ.
منذ وقت مبكر، استثمرت شركة “سامسونغ” الكورية في السوق الفيتنامية، حيث دشَّنت مصنعا بقيمة 670 مليون دولار أميركي في محافظة “باك نِنْه” شمالي البلاد، ورفعت استثماراتها إلى 17.3 مليار دولار أميركي على مستوى فيتنام كلها في أقل من عقد واحد. كما افتتحت شركة “إنتل” الأميركية، وهي أيضا أحد أول الوافدين إلى السوق الفيتنامية، منشأة لتجميع واختبار أشباه الموصلات بقيمة مليار دولار في “هو تشي مِنْه” (المدينة الأكبر في فيتنام) عام 2006، وضخَّت استثمارات إضافية عامي 2019 و2020، ما رفع القيمة الإجمالية لاستثماراتها في البلاد إلى 1.5 مليار دولار أميركي. وقد أدت هذه الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تداول قول شائع مفاده إن “الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين انتهت، وإن فيتنام هي الفائزة”.

بين عامي 2010-2020، ازدهرت صادرات فيتنام من الإلكترونيات وأجهزة الحاسوب ومكوناتها بمعدل سنوي بلغ 28.6%، وحافظت على معدلات نمو من رقمين “10% أو أكثر”، حتى في السنوات التي سبقت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وسياسات الإغلاق على خلفية تفشي “كوفيد-19”. وجاء ذلك بالأساس نتيجة إصلاحات داخلية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، لا سيما قانون الشركات عام 2005 وقانون الاستثمار عام 2000، إذ سَمَح هذان القانونان، اللذان طُبِّقا بالكامل عام 2015، للشركات الأجنبية بامتلاك حصة الأغلبية من الأسهم في الشركات المحلية. وبذلك تمكَّنت فيتنام من المشاركة في التجارة العالمية للقطع والمكونات، حيث إن الشركات الأجنبية في هذه الصناعات لا ترغب في إقامة مشروعات مشتركة مع شركات محلية، بل تُفضِّل أن تكون هي المالكة للتحكُّم في الجودة ولضمان تسليم البضائع في الأوقات المحددة لها.
فيتنام.. معقل الإلكترونيات

بالتوازي مع ذلك، انخفضت تكاليف ممارسة الأنشطة التجارية في المدن الفيتنامية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ما جعل فيتنام مُنافِسا إقليميا في اجتذاب الاستثمارات. وقد ازدهرت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسرعة، مدفوعة على نحو كبير بما يُعرَف بإستراتيجية “الصين زائد واحد” التي اتَّبَعتها الشركات متعددة الجنسيات، لا سيما في مجال الإلكترونيات. (وهي إستراتيجية تقضي بألا تقتصر استثمارات أي شركة على الصين وحدها، بل أن تُضاف إليها دولة أخرى من دول جنوب شرق آسيا لتنويع وجهات الاستثمار)*. سرعان ما قفزت فيتنام إذن في قائمة الدول المصدرة للإلكترونيات من المركز 47 عام 2001 إلى المركز العاشر عام 2020، إذ بلغت صادراتها 1.8% من إجمالي قيمة الصادرات العالمية للإلكترونيات.

تُعَدُّ العمالة منخفضة التكاليف ميزة لا تُخطئها عين في صالح “هانوي” (عاصمة فيتنام). فقد ارتفعت تكاليف عمالة المصانع في الساعة الواحدة في كلٍّ من الصين وفيتنام بين عامي 2016-2020، بيد أنها ارتفعت ببطء أكثر في فيتنام (ومن ثم منحت المستثمرين ميزة على حساب الصين)*. وبحلول عام 2020، بلغت تكاليف عمالة المصانع في فيتنام نصف نظيرتها في الصين، كما كان سعر الكهرباء في القطاع التجاري (لكل كيلوواط) أقل بثلاثة سنتات أميركية في مدينة “هو تشي مِنْه” عن نظيره في مدينة “شانغهاي”، بينما كان الوقت المطلوب للحصول على التيار الكهربائي في كلٍّ من الشركات والمنازل في فيتنام أسرع بيوم واحد من الصين. وتضمَّنت الإصلاحات الإدارية الأخرى تحسين كفاءة نظام تقديم الإقرارات الضريبية، وتخفيض معدلات الضرائب عموما بنسبة 2%. وتُعَدُّ الضريبة الوحيدة الضخمة بالنسبة لكبرى الشركات الأجنبية في مجال التكنولوجيا المتطورة هي ضريبة الدخل على الشركات، التي تنخفض عن نظيرتها في الصين بنسبة ما بين 5-7%. وتحصل هذه الشركات أيضا على إعفاءات ضريبية تصل إلى أربع سنوات.
لا تزال الشركات الفيتنامية عاجزة عن تحقيق الاستفادة القصوى من اتفاقيات التجارة الحرة، مثل اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام الموقعة عام 2019.)

اتسمت الحكومة الفيتنامية بالنشاط والفاعلية، وتجلَّى نجاحها في تعزيز الاستثمار الأجنبي في تصنيع الإلكترونيات والدفع ببلادها لتكون جزءا من شبكات الإنتاج العالمية. هذا وتحتاج بعض المشكلات على المدى الطويل إلى حلول لترسيخ وضع البلاد بوصفها مركزا للصناعات ذات التكنولوجيا المتطورة. وتركز صناعة الإلكترونيات في فيتنام حاليا أكثر على الأنشطة البَيْنيَّة في سلسلة التوريد، أي تجميع السلع النهائية لتقوم الشركات الأجنبية بتصديرها. وتتم الأنشطة التمهيدية مثل تصميم المنتج وإنتاج المكونات الثانوية في دول أخرى، وغالبا ما تُتِم الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تصميم المنتجات، بينما تُنتج الصين المكونات الثانوية. وأخيرا، تجري أنشطة ما بعد التنفيذ مثل المبيعات والتوزيع في دول أخرى.

يفسر ذلك السبب الذي يجعل القيمة المضافة لصادرات فيتنام تبلغ في المتوسط 55% فقط، إذ لا تزال الشركات الفيتنامية عاجزة عن تحقيق الاستفادة القصوى من اتفاقيات التجارة الحرة، مثل اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام الموقعة عام 2019. (وتُعَدُّ اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام الأشمل والأكثر طموحا بين الاتفاقيات التجارية الأوروبية مع بلد من البلدان النامية. وبعد فشل المفاوضات على الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)؛ أجرى الاتحاد الأوروبي وفيتنام مفاوضات ثنائية واسعة النطاق للتوصل إلى اتفاق تجاري خاص بهما، فألغى الاتحاد 86% من الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الفيتنامية. ويُعَدُّ هذا الالتزام الأكبر من قِبَل شريك تجاري مع فيتنام لخفض القيود التجارية معها. وقد منحت هذه الرسوم الجمركية المنخفضة على السلع الفيتنامية المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي ميزة للفيتناميين في مقابل منافسيهم في رابطة “آسيان” والصين)*.
أزمة المهارات

ولكن للصعود إلى أعلى سلسلة القيمة، تحتاج فيتنام بشدة إلى رفع مستوى مهارات القوى العاملة لديها. ولربما يوفر ذلك للشركات الأجنبية “الطليقة” (التي لا تتكلَّف كثيرا إن نقلت عملياتها إلى بلد آخر)* العمالة الماهرة التي تحتاج إليها لتوسيع الإنتاج، ما ينتج عنه تعزيز الإنتاج المحلي للمكونات الإلكترونية، ومن ثمَّ السماح بتطوير هذه الخبرات داخل فيتنام لمواكبة التصميمات والأجهزة الجديدة التي تجلبها الشركات “الأم” إلى السوق. وحاليا، تُسَدُّ هذه الفجوة في الخبرات من خلال الوافدين أو بعض الفيتناميين المغتربين العائدين إلى بلادهم من الخارج، كما ينتقل بعض صغار مُصنِّعي مكونات الأجهزة من كوريا الجنوبية إلى فيتنام لتغذية شركة سامسونغ. لكن هذا التدبير قصير الأجل لا يمكن أن يكون بديلا عن التعليم والتدريب.

اعترفت الحكومة الفيتنامية بالحاجة إلى تحسين المهارات في إستراتيجيتها للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للعقد الحالي 2021-2030، لكن الحكومة تفتقد إلى بعض الشعور بالحاجة المُلِحَّة، واتخاذ الخطوات العملية، وتحديد أهداف كمِّية. هذا ويبلغ متوسط طول مراحل التعليم الأساسي في فيتنام 10.2 سنوات -تأتي في المرتبة الثانية بعد سنغافورة في مجموعة دول “الآسيان”- في حين بلغ معدل الالتحاق بالتعليم ما بعد الثانوي 28.6% عام 2019. وتُقدَّر أعداد السكان ممن هم في سن التعليم ما بعد الثانوي في فيتنام بنحو 6.9 ملايين شخص، التحق منهم أقل من مليونَيْ شخص بدراسات المرحلة ما بعد الثانوية. ومن ثمَّ يجب مضاعفة هذا الرقم ليكون 3.8 ملايين شخص حتى يتسنَّى لفيتنام أن تكون في مصاف بلدان الشريحة العليا متوسطة الدخل في غضون عقدين تقريبا. ومع التوقعات بأفول التركيبة السكانية الفيتنامية المواتية للإنتاج بحلول عام 2040، لم يعُد أمام فيتنام الكثير من الوقت كي تضيعه دون تحسين مهارات سكانها.

____________________________________

ترجمة: هدير عبد العظيم عن:مجلة منصة شرقي آسيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 − 7 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube