دانيال سنايدر (باحث في مركز والتر شورت شتاين) أصبحت الكتب المدرسية التي تتناول التاريخ الياباني وأساليب معالجة ما حصل إبان فترة الحرب العالمية موضوعا يدور حوله الجدل باستمرار فيما يتعلق بالنزاعات الدولية على مدى العقود الثلاثة الماضية. وما يتعرض للنقد داخل اليابان وخارجها يكمن في محتويات هذه الكتب المدرسية والتي تتلخص في كونها فشلا في تحمل مسؤولية اندلاع الحرب في منطقة آسيا-الباسفيك أو في الاقرار بالمعاناة التي قاست منها الدول الآسيوية التي غزتها القوات اليابانية والممارسات العسكرية التي أعقبت ذلك إضافة الى الجرائم التي ارتكبت ضد القوات الحليفة. ولعل قرار السلطات التربوية اليابانية حول الموافقة على استخدام أنواع معينة من الكتب المدرسية أو إعادة صياغة المحتويات والاسلوب اللغوي دلائل على التوجه الوطني في اليابان كما أن الأمر الاكثر أهمية يتجلى فيما يراه البعض من فشل في تعليم الأجيال القادمة من اليابانيين عن تاريخهم وبشكل أكثر ملائمة. ولعل وجهات النظر آنفة الذكر لا تأتي من فراغ، فكتب التاريخ المدرسية اليابانية لا تقدم للطلبة معلومات مفصّلة حول دور اليابان الاستعماري، لاسيما في شبه الجزيرة الكورية. فقد تجنب السرد أو قلل من أهمية أكثر المفاهيم والأحداث التي هي موضع جدل إبّان فترة الحرب مثل إرغام النسوة على مضاجعة أفراد الجيش الامبريالي الياباني، وما يعرف بنساء الترويح أو ”نساء الراحة“، وفي تلك الأوقات وتحت ضغوط الإصلاحيين المحافظين من جانب، ومؤيدهم من أحزابهم السياسية من جانب آخر، قامت وزارة التربية في اطار عملية مراجعة الكتب المدرسية ثانية بمحاولات لتخفيف العبارات اللغوية واللهجة التي يوصف بها العدوان الياباني. لكن مشروع الذكريات المتباينة والمصالحة لمركز والتر شوورن شتاين المختص ببحوث آسيا ـ الباسفيك APARE في جامعة ستنافورد، وصنع لبنة للمفاهيم السائدة والواسعة الانتشار حول أمر هام ألا وهو طبيعة الفظائع على النحو الذى أدرجت به في الكتب المدرسية للتاريخ الياباني وكان الهدف من وراء هذا المشروع بادارة الاستاذ جي-ووك شين وبالتعاون معي شخصيا محاولة الفهم ـ ومن خلال دراسة لعدة سنوات ـ لكيفية تشكل الذاكرة التاريخية حول فترة الحرب. وقد بدأت الدراسة باستعراض الكتب المدرسية للتاريخ ثم انتقلت بعدئذ للنظر في رؤية دور الثقافة الشعبية – خاصة الأفلام – اضافة الى آراء النخبة في صياغة الرؤية الى تاريخ فترة الحرب. وقد تجلّى بوضوح الأسلوب المقارن الذي اعتمده مشروع ستنافورد، والذي يرى فيه اليابان بالمقارنة مع كبرى الدول الأخرى التي شاركت في حرب الباسفيك وبشكل خاص الصين وكوريا الجنوبية ومالطة الولايات المتحدة الامريكية. تعامل منهجى مع المشروع تجنبت دراسة كتب التاريخ المدرسية عن عمد عدم الوقوع في فخ التركيز على الكتب المدرسية الأكثر جدلاً والمستخدمة على نحو محدود. فقد قارن المشروع معالجة الفترات الزمنية إبان الحرب وعقب الحرب مباشرة (١٩٣١-١٩٥١) في آسيا وذلك في كتب التاريخ الوطني أو تاريخ العالم والتي عممت في المدارس الثانوية على نطاق واسع وتم تداولها مؤخراً أو ما زالت قيد التعاطي معها في كل من الصين، وتايوان، وكوريا الجنوبية اضافة الى الولايات المتحدة الامريكية واليابان مع الكتب المستخدمة في الصفوف الاعدادية للطلبات الجامعية (وذلك بهدف التركيز على صياغة تشكيل آراء النخبة). وتم إعداد الترجمة لتلك الكتب المدرسية، وقام فريق الباحثين بتقديم نماذج مختارة تلك الدراسات غطت ثمانية مواضيع تاريخية رئيسية مثل حادثة جسر ماركو بولو في الصين وإلقاء القنابل الذرية على مدينتين في اليابان. وهذا ما سمح للدارسين والخبراء ووسائل الاعلام وغيرها وللمرة الأولى القيام بمقارنة كيفية تبلور الذاكرة التاريخية في النظم المدرسية آنفة الذكر، مما ساهمت في توسيع آفاق تفهم دور الكتب المدرسية التي يتم تداولها خارج اليابان.(*١) وكان اختيار الكتب المدرسية يقوم على مبدئين رئيسيين. الأول يكمن في ان البرنامج يسعى الى تحديد أكثر الكتب المدرسية التي تعالج التاريخ القومي وتاريخ العالم انتشاراً وتداولاً في المدارس الثانوية وعند توفر ذلك، فقد كان الإختيار يعتمد على الملفات المقدمة من الوكالات والجهات الحكومية المختصة (اليابان، وكوريا الجنوبية وتايوان) حول استخدام الكتاب، أما فيما يتعلق بجمهورية الصين الشعبية، فلم يكن حتى وقت قريب سوى ناشر واحد مفوض رسميّا في هذا الصدد. في حين أن الأمر في الولايات المتحدة مختلف الى حد، حيث لا يوجد احصاءات قومية في هذا الصدد، وبالتالي فقد اختارت اللجنة القائمة على التنفيذ الكتب المدرسية بناء على المعلومات التي قدمها الناشر، وكذلك مدى تداول تلك الكتب في ثانويات ولاية كاليفورنيا الامريكية مع الآخذ بنصائح وتوجيهات برنامج ستنافورد للتربية الدولية والثقافات المتلاقية (SPICE). التي تقوم بدورها بإعداد وتوزيع مواد تربوية اضافية ووسائل إيضاح الى الدارس الثانوية في مختلف الولايات المتحدة. أما بالنسبة لليابان، فقد اختارت ادارة المشروع الكتب المدرسية التي تستخدم بشكل واسع في المدارس الثانوية اليابانية، التي قامت بنشرها شركة (ياماكاوا للنشر). وقد اتخذ قرارعدم مقارنة الكتب المدرسية المنشوّرة من قبل الجمعية اليابانية لاصلاح كتب التاريخ المدرسية التي تحظى باهتمام ملحوظ خارج اليابان، لأن الكتب الصادرة عن هذه الجمعية لا تستخدم إلاّ على نحو ضئيل ويكاد يصل الى دون الواحد بالمائة من المدارس اليابانية. والأمر الثاني هو ان ادارة المشروع اختارت عند توفر الكتب المدرسية التي يتم تقديمها الى الدورات التحضيرية في الكليات الجامعية أي ما يشبه دورات المستوى المتقدم للتمييز في المهن والوظائف AP (التعيين المتقدم) ونحو ذلك. وكانت الغاية من الحالة الثانية هذه، هو استحواذ المواد التربوية والتي يجري تداولها على الاغلب لدى النخب في كافة النظم المدرسية. وقد تم اختيار أربع كتب مدرسية بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية؛ اثنان منها حول التاريخ الامريكي، اثنان آخران حول تاريخ العالم،. حيث يجري استخدام وحدة منها في صفوف التربية العامة والوحدة الثانية (حضارات العالم: الخبرة الدولية الامريكية تاريخ الجمهورية). وكلاهما أي كلتا الوحدتين تعكسان اكثر الكتب شيوعا ممن تم اعتمادها ككتب مدرسية لدورات فيAP (التعيين المتقدم) وبالنسبة للحالة اليابانية فقد اعتبرت الكتب المدرسية المنشوّرة من دار”طوكيو تشوسكي“ للنشر معادلة ّ لمستوى استخدام التعيين المتقدم الامريكي مثل كتب التاريخ الدولي في كوريا الجنوبية والمنشورة من دار”كويم سونغ“ للنشر. وقد اضحى الباحثون من خلال تنفيذ المشروع على مستوى من الادراك الكافي لأهمية مراجعة الكتب المدرسية لكل من الصين وتايوان، التي جرى تقديمها للتداول في كلا النظامين. علما بأن ذلك لم يشمل كافة الصفوف المدرسية. وفي تلك الحالتين بالذات قدمت الكتب الدولية التي تمت مراجعتها مؤخراً مفاهيماً متباينة ومختلفة حول فترة الحرب. وقد تم ترجمة ”القديم والجديد“ من الكتب المدرسية في هذين النظامين وثم اقتطاف عدد من المقاطع جرى سردها في هذه الدراسة مقدّمة بذلك ايضا ّ مقارنة داخلية تستأثر الاهتمام. تركيزعلى الحقائق. سرد عابر لحب الوطن ولعل ما كشفت عنه هذه البحوث يختلف كلياً عن المفاهيم العامة الموجودة في وسائل الاعلام، وهذا لا ينطبق على آسيا وحدها فحسب بل يتعدى ذلك ليشمل الولايات المتحدة. فبعيداً عن الشعور والاعتزاز القومي، يبدو بأن الكتب المدرسية اليابانية هي اقل الكتب على الاغلب من حيث اثارة المشاعر القومية، حيث لا تشير الى احتفالات بالحرب كما انها لا تشدد على أهمية المؤسسة العسكرية، ولا تسرد قصصا عن بطولات المعارك، لكن بالمقابل تقوم باستعراض زمني لمسلسل الاحداث بشكل جاف دون الكثير من الاسهاب في السرد القصصي. مقطع ومقتطفات من أحد كتب التاريخ الياباني ١٩٣٣ (حادثة منشوريا). وقد تم كتابة الكتب المدرسية اليابانية عن قصد في هذا الاسلوب الذي يمكن وصفه بأنه ملطف ومخفف، بحيث يرجع ذلك لتجنب بعض تفسيرات مبالغ بها وتأويلات قد تصل حد الاستفزاز والعداء، اضافة الى كونها تهدف الى تحضير الطلبة لامتحانات الدخول للجامعة. مع ذلك فإن الكتب المدرسية اليابانية تقدم فعلا وأن كان هذا ضمنيا الى حد ما، رسالة تتلخص في أن الحروب التي جرت في آسيا ليست سوى نتيجة لتوسع اليابان الامبريالي، وأن قرار خوض الحرب ضد الولايات التحدة الامريكية كان خطأ كارثياً ترك آثاراً رهيبة على البلاد وعلى السكان المدنيين وبالتأكيد، فإن هذه القصة الاساسية هو ما دفع بنقاد المراجعة الى تأليف الكتب المدرسية الخاصة بهم بغية تصحيح مفهوم اليابان الحديثة البعيد عن المفهوم الخاطئ المنحرف حول عقدة الإضطهاد. وعلى عكس الإعتقاد الشعبي السائد، فإن الكتب المدرسية اليابانية لم تتجنب بأي شكل من الأشكال بعض اللحظات أوالاحداث ابان الحرب والتي تعتبر من أكثر مواضيع إثارة للجدل في الكتب المدرسية المتداولة وواسعة الإنتشار حيث تضمنت عرضا وإشارة دون الخوض في التفاصيل لمذابح المدنيين من الصينيين في مدينة نانكين علم ١٩٣٧ من قبل القوات العسكرية اليابانية .(*٢) وهنالك أيضا بعضا من الكتب المدرسية، ولكن ليس كلها، ممن تصف إجراءات العمل القسري في المناطق التي احتلتها اليابان بما في ذلك التطرق الى ذكر ما يعرف بنساء الراحة أو نسوة التمتع وتشغيلهم في بيوت الدعارة ابان الحرب (*٣) ولكن هنالك حقيقة ساطعة تبقى ألا وهي عدم وجود أي سرد للأحداث عن فترة الإستعمار الياباني لكوريا. التاريخ بوصفه قصتنا مقتطفات من كتاب تاريخ مدرسي كوري جنوبي حول الاقتصاد ابان فترة الاحتلال الياباني. يشير بيتر دووس ، عالم التاريخ في ستنافورد، وأحد المتعاونين في مشروعنا هذا بأن كتب التاريخ المدرسية اتسمت من غابر الازمان بتنمية الشعور بالهوية الوطنية.(*٤) وفي هذا الصدد، يسهب دووس بالقول بأن الكتب المدرسية اليابانية هي الاكثر تطرقا للجوانب المثيرة للعداء وذلك في اطار سردها ومعالجتها لموضوع وطني عند التحدث عن قصص تتعلق بالحرب لكن بالمقابل فإن البرامج المدرسية الوطنية في معظم دول شرقي آسيا تؤكد وتوجه على اهمية تنمية الاعتزاز القومي والهوية الوطنية، حيث تعتبر ذلك بمثابة الممر الاساسي لتعليم التاريخ. فقصص الحرب المذكورة في الكتب المدرسية لكل دولة من تلك الدول هي مخصصة بوضوح لتحقيق تلك الغاية وذلك حسب أقوال دووس، ولعل الرغبة في إذكاء الاحساس بالفخر القومي بشكل أحيانا نماذجاً فضولية من ضيق الأفق وفقدان القدرة على التمييز الموضوعي حول فترة الحرب، فالشرح والسرد الذي يقدم الى طلبة كوريا الجنوبية حول الحرب يركز بالكاد كليْا على خبرة القمع الممارس على الكوريين تحت الاحتلال الاستعماري الياباني إضافة الى قصص المقاومة الكورية ضد مستعمريهم. كما أنه لم يتم التطرق الى الجانب الأكبر من فترة الحرب وانتهى في حاجة اليابان الملحة والمتزايدة وجهودها لتجنيد الكوريين اجباريا من اجل الحرب، وهذا يعني بعبارة أكثر دقة التورط في الحرب في الصين من ناحية وتزايد المهمات الرادعة الامريكية بعد عام ١٩٤٢ من ناحية أخرى. ولم تنوه الكتب المدرسية الكورية الجنوبية إلاّ بشكل يسير جداً الى اندلاع الحرب في الصين خلال علم ١٩٣٧، وكذلك الهجوم على قاعدة بيرل هاربور التابعة للبحرية الامريكية في هاواي. أما بالنسبة للكتاب المدرسي الرئيسي الذي نشرته الحكومة، فلم يكن هنالك أي ذكر اطلاقاً لالقاء القنابل الذرية على كل من هيروشيما وناغازاكي. مقتطفات من كتاب مدرسي لتاريخ الصين حول بداية الحرب الصينية اليابانية على ١٩٢٧. وتكون الكتب المدرسية الصينية هي الأكثر إشباعا وتشربا كما يبدو بوصف الحرب حيث تتضمن عبارات وطنية فياضة ونصوص ّ تم صياغتها عقائدياً ففي الكتب المدرسية التي كانت تستخدم قبل الحقبة الأخيرة من الزمن، جعل قصة من الحرب احدى العمليات العسكرية البطولية التي قام بها الصينيون، وكان العامل الاكبر وراء ذلك كله دور الشيوعيين في النضال ضد اليابان. وتم التطرق بشكل بسيط أو بالكاد لم يكن الى القتال الذي دار في منطقة الباسفيك أو دور القوات الحليفة. وقد تم ذكر دور الهجوم الذري في انهاء الحرب بسطر أو عمود واحد فقط. وقد اعتبرت دعوة الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ الى شن هجوم شامل ضد القوات اليابانية واعلان الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان في شهر آب/ اغسطس عام ١٩٤٥من وراء العوامل الفعالة. فالنصر في الحرب ضد اليابانيين يمثل في مثل هذه الاحوال نهاية لقرن من المذلة قامت بها أياد الامبرياليين الاجانب الذين مارسوا بفظاظة أدوراً فوق حقوق الصين ومصالحها، واعتبر هذا النصرعودة الصين الى موقعها التاريخي كإحدى قوى العالم الكبرى. وقد خضعت الكتب المدرسية الصينية المنشورة من دار الصحافة التربوية الشعبية مراجعات هامة علم ٢٠٠٢. وتم توزيع الكتب التي تمت مراجعتها بشكل تدريجي في مختلف انحاء الصين، والتي احتوت بدورها على مفاهيم أكثر وطنية تجاه فترة الحرب. وركزت الطبعات القديمة على الكفاح في الحرب الأهلية بين الحزب الشيوعي والوطنيين، وكانت تدعم ادعاءات الشيوعيين بتحمل العبء الأعظم من المقاومة ضد الغزو الياباني. أما الصيغة الجديدة فقد قللت من الحرب الأهلية مقابل شرح قصصي حول الوحدة الوطنية ضد اليابان وقد سبق لمذبحة نانكين أن قلل من أهميته مع التنويه الى أنها معركة لعب بها الوطنيون الدور الرئيسي، والآن أصبحت نانكين تغطي مساحة لا بأس بها من الكتب المدرسية وبشكل متكامل مع الوصف الصوري التجريدي للفظائع اليابانية. مقتطفات في كتب مدرسي للتاريخ في تايوان حول حركة نشر يابانية (قولا و فعلا) إبان فترة الاحتلال الياباني. كانت الكتب المدرسية الصينية التي استخدمت لوقت طويل تتوافق الى حد كبير مع المفاهيم التاريخية والجغرافية لكارل ماركس التقليدية، التي تعلل الحرب على أنها نتيجة لتنامي مشاكل الرأسمالية وكوسيلة نضال ضد الفاشية وذلك بقيادة الاتحاد السوفيتي وحلفائه الشيوعيين في الصين. لكن الكتب المدرسية المعدلة قد المحت الى حد كبير باستبدال عبارة المقاومة القومية ضد الغزاة الاجانب عوضاً عن الحرب الباردة. وخلال سرد الأحداث التي ادت الى الغزو الياباني للصين، ورد عام ٢٠٠٢ على سبيل المثال في الكتب المدرسية الصينية شرح مستفيض او في ما يعرف بنصب ”تاناكا“ التذكاري للاشارة الى طموحات اليابان في آسيا منذ عشرينيات القرن الماضي ١٩٢٠ وما بعد. وجدير بالذكر فيما ما ورد ان ذلك كان طموحات عدوانية يابانية في آسيا خلال تلك الفترة لايقبل الشك لكن الحقيقة الجغرافية التاريخية في الغرب وفي اليابان على حد سواء تعتبر أن ما يعرف ”بمذكرات تاناكا“ ليست سوى وثائق مزيفة. الكتب المدرسية الحمراء والبيضاء والزرقاء لعل ما يدعو الى استغراب البعض ودهشتهم هو أن الكتب المدرسية الأمريكية تقدم سردا قصصيا مشابها يبيّن الانتصار في الحرب. فكتاب الابهة الامريكية اوالمهرجان الأمريكي The American Pageant الذي يعتبرمن أوسع الكتب المدرسية انتشارا في الولايات المتحدة الأمريكية يصور الحرب كنقطة تحول حساسة في مفهوم ما يعرف بالرشد الامريكى كقوة عالمية. حيث كان الشعب الامريكي ينأى بنفسه بعيداً عن العالم الخارجي مفضلاً ما يعرف بالإنعزالية والإنطوائية و دفن الرأس في الرمال لكن الهجوم على ”بيرل هاربر“ في هاواي دفع للإدراك بأنه لم يعد بالامكان البقاء في أطر الإنعزال لاسيما وأصبحنا نعيش في عالم تسوده الفوضى. وقد وحد الهجوم الشعب الأمريكي الذى امتلك قوة إقتصادية كبيرة أدت إلى النصر في الصراع العالمي ضد الفاشية، الديكتاتورية والاستبداد والتسلط العسكري. لقد كانت اللغة التي استخدمت في الطرح الامريكي بعيداً عن الإلتباس والغموض وذلك في وصف اليابان على أنها عدو طامع وبأن الولايات المتحدة كانت الى حد كبير ضحية بريئة لغدر ياباني كبير. ولعل الكتب المدرسية لتاريخ العالم تقدم عروضا أكثر إسهابا حول بداية النزاع الباسفيكي، بما في ذلك الحرب في الصين والتوتر المتزايد بين اليابان والولايات المتحدة خلال الاشهر التي سبقت الهجوم على ”بيرل هاربور“. لكن الكتب المدرسية للتاريخ الامريكي تميل الى تجاهل الحرب في الباسفيك، وتبيّن أن النزاع قد بدأ مع حادثة بيرل هاربور وانتهى بإلقاء القنابل الذرية.ويبدو أيضا أن الكتب المدرسية الأمريكية أكثر اتجاها لتقديم مواد نقاش للطلبة بين مؤيد ومعارض لإلقاء القنابل الذرية، هذا النقاش الذي يغيب كليا في كل الكتب المدرسية الآسيوية.(*٥) مقطع مقتطفات من كتاب مدرسي للتاريخ الامريكي حول الهجوم على بيرل هاربر. وفي صدى ومنحى منفرد لمعالجة الموضوع في الكتب المدرسية الصينية، فإن الدراسة الأمريكية جعلت من الولايات المتحدة في تحقيق النصر في الحرب أقوى دولة في العالم. وكان للنصر إبان فترة الحرب موقعاً فيما يعرف بـ ”قصة الحرب“ وكذلك في فترة ما بعد الحرب في الكفاح ضد المعسكر السوفيتي. ومع معرفة المخاطر التي تحيق بالعزلة ومحاولات استرضاء العدو تجنبا لشروره فقد ظهرت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام وضعها الجديد كقوة عالمية في نضال جديد ضد التهديد الشيوعي. وتعتبر لغة الكتب المدرسية الأمريكية أقل غوغائية من نظيرتها الصينية حين يتعلق الامر بالمشاعر الوطنية، ولكنها تدعم سياسة البلاد تجاه الحرب الباردة في نفس الاسلوب الذي تدعم الكتب المدرسية الصينية انتصار الحزب الشيوعي. وتترافق الشروح القصصية الموجودة في كتب American Pageant مع كلا مفهوم العالم الحر والتدخل المحافظ. وهما اللذان سيطرا على السياسة المحافظة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية الخصبة من ايام ترومان واتشيسون الى نيكسون وكيسينغر، وعلى غرار الكثير من الثقافة الشعبية الأمريكية، فإن الكتاب آنف الذكر يحتفل بالحرب العالمية الثانية على انها الحرب الجيدة أو بالاحرى الحرب المباركة . النأي بالنفس كشعور يغلب المشاعر الوطنية تقدم الإفادات المسهبة حول المشاعر الوطنية الفياضة في الكتب المدرسية الصينية والكورية والامريكية تباينا ملحوظاً حسبما أفاد به “دووس”العلامة التاريخي بشؤون اليابان والتي تتلخص في أن أسلوب الكتب المدرسية اليابانية هو ”أبكم ومحايد ولطيف“. وقد يسبب ذلك مفاجأة الى الذين يعتقدون أن الكتب المدرسية اليابانية هي ناتج لقراءات مندمجة ومتداخلة ببعضها البعض لكتب عديدة تمت مراجعتها ومستخدمة في نطاق ضيق من جانب وتلك الموجودة على طاولات طلبة المدارس الثانوية على الأغلب من جانب آخر . وكما يشير ”دووس“ في كتابنا، فإن السبب الرئيسي الذي يرجع الى عدم وجود سرد قصصي مكلل بالنجاح في اليابان هو بسيط ”فاليابان خسرت الحرب“؛ (*٦) وعلى نفس القدر من الأهمية هنالك أيضاً ضمور أو نقص، كما هو مبين في العديد من محتويات الكتب المدرسية،عن وعي وإدراك تجلى بعد الحرب حول كيفية تفسير حدوث تلك الحرب في اليابان فالمعركة التي يجب صياغتها في الذاكرة حول الحرب ما زالت دائرة ومستمرة في اليابان وهذا مغاير لما عليه الحال في الصين وكوريا والولايات المتحدة، حيث أن المفاهيم واستيعاب أحداث الماضي أصبحت أكثر تبلوراً وتقارباً إلى حدّ كبير أما في اليابان فما زالت هنالك محاولات نشطة لرفض وجهة نظرتعتمدها الأغلبية من اليابانيين والقائلة بأن اليابان قامت بشن حرب عدوانية في كل من آسيا والباسفيك ولكن مع ذلك فإن السرد القصصي واستعراض الاحداث السائد في اليابان يشير الى أنها لم تكن حرب تحريرشنت ضد الامبريالية الغربية وانما كانت هي مغامرة عسكرية كارثية يجب عدم تكرارها في أي حال من الاحوال. ويعكس هذا المستوى المتواضع لمعالجة الحرب في الكتب المدرسية اليابانية إلى الاسطورة السائدة حول معارضة التسلح في فترة ما بعد الحرب. ويذكر ”دروس“ في كتاباته بأنه فيما قد تكون الحرب قد أدّت إلى انهاء قرن من الذل والمذلة في الصين والى انهاء انعزال الولايات المتحدة عن العالم، إلا انها اي الحرب قد أنهت بدورها ايضا الوهم الياباني من ان الفخر والاعتزاز الوطني لا يبنى ولا يقوم على أساس واحد الا وهو القوة العسكرية. التقارب والمصالحة بين وجهات نظر التاريخ المختلفة يبدو ان الطبيعة المتباينة والمتنوعة للدراسات حول فترة الحرب والمتجلية في كتب التاريخ المدرسية تساعدنا على فهم الاسباب التي أدت الى صعوبة التوصل الى فهم مشترك حول تاريخ فترة الحرب بين القوى الرئيسية المتصارعة فيما بينها. ولعل هذا ما أدى إلى تثبيط جهود اللجان الثنائية المشتركة بين كل من الصين واليابان وكذلك كوريا الجنوبية واليابان بغية فهم النجاح الذي احرزته ألمانيا وفرنسا في تأليف كتب مدرسية مشتركة في البلدين. لكن تلك اللجان أحرزت تقدما ّ ملموسا ذا قيمة ذاتية وذلك من خلال تقريب وجهات النظر في النقاط المختلف عليها وفي خلق وعي حول مفاهيم التيار المتوازية السائدة لدى الطرف الآخر. وحسب رؤية فريق من الباحثين في مؤسسة شورن شتاينAPARC، هنالك حاجز يعترض المصالحة ويكمن في وجود ذكريات تاريخية متضاربة حول الحرب ولكن هناك ايضاً الطريق الى تحقيق المصالحة وذلك من خلال الاعتراف بالطبيعة المنقسمة للذاكرة التاريخية. ويجادل الاستاذ شين بالقول: ”بأن الخطوة الأولى الهامة هي فهم كيفية قيام كل أمة بخلق وتكوين ذاكرتها وتحديد معالم هويتها“.(*٧) ومع إدراج اليابان في اطار المقارنة، فإّنّ مشروع الذاكرة متعددة الجوانب (الذاكرة المتباينة / المنقسمة) يأمل في تقديم المزيد من التفاهم المتبادل وبشكل يمكنّه من إنجاح وترسّيخ المصالحة.(*٨) (*١) ^ نتائج هذه الدراسة. بما فيها ومؤلفي الكتب المدرسية من الصين، اليابان، تايوان، كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية، مبيّنة جميعا في كتاب: ”كتب النصوص التاريخية والحروب في آسيا: ذكريات متباينة“ دار نشر روثلدج Routledge – نيويورك -٢٠١١، المحررين جي-ووك شين، دانيال سي شنايدر،كما ستقوّم دار النشر بجامعة هاواي بنشر جزء ملحق حول دور الفلم في تكوين الذاكرة التاريخية للحرب. ويجري اعداد الكتاب الثالث في هذا الصدد حول آراء النخبة الذي يشارك الآن في تأليفه سويا كل من شين وشنايدر بين المقتطفات وتعليقات المؤرخين (*٢) ^ من كتاب شين وسنايدر صفحة ٢٧ -إلى ٣٠ (*٣) ^ من كتاب شين وسنايدر صفحة ٦٥ -إلى ٦٧ (*٤) ^صفحة ١٠١ من قصص الحروب بقلم بيتر دووس (*٥) ^ من كتاب شين وسنايدر صفحة ٥٥-إلى ٦٤ (*٦) ^ د ووس، من كتاب شين وسنايدر صفحة ١١٣ (*٧) ^ صفحة ١٤ من كتاب شين وسنايدر (والمصالحة) جي ووك شين |