(دار الفارابي بيروت )2011
المقدمة
اثارت العلاقات بين الصين واسرائيل اهتمامي منذ وقت طويل. فاسرائيل ليست مجاورة للصين ، و هناك فوارق حضارية وزمنية واتنية هائلة تفصل بينهما . و ومنطقيا ، فان اهتمامات الجانبين ينبغي ان تكون متضاربة ، فاسرائيل تعتبر نفسها جزءا من الغرب المعادي لحضارات الشرق كله وقيمه، بما في ذلك الكونفوشية . واسرائيل هي الحليف الاول للخصم التاريخي لبكين واعني الولايات المتحدة ، واسرائيل تمارس سياسة تتعارض كليا مع المنهاج الرسمي الذي تسير عليه الصين والقائم على السلام ودعم قيم الحرية والعدالة وحق الشعوب في تقرير المصير. ورغم هذا التباين الكبير في كل شيء، فان العلاقة مع اسرائيل حظيت وتحظى حتى الان باهتمام خاص من جانب بكين . وقد حاولت العثور على الاسباب الكامنة وراء ذلك ، لكني اكتشفت ان صعوبات جمة اعترضتني ، في طليعتها يبرز حرص الجانبين الصيني والاسرائيلي على ابقاء الجزء الاهم من تعاونهما طي الكتمان الشديد ، فضلا عن ذلك ، فان المسيرة الطويلة والمتعرجة التي تفصل بين البداية الفعلية لهذه للعلاقات بين الجانبين في سبعينات القرن الماضي ، وصولا الى الاعلان رسميا عن وجودها في عام 1992، اضاف صعوبات كثيرة على هذه العلاقات مما عقد مهمة أي باحث لها. ومع ذلك ، قررت السير في طريق استكمال هذه المهمة الشائكة . واتاح لي عملي كسفير في الصين لمدة ثمانية سنوات، فرصة مهمة لفهم البواعث التي تدفع كلا من بكين وتل ابيب للحفاظ على روابط خاصة بينهما،وادراك افق التعاون بينهما والعوامل التي تؤثر فيه . وكان للمساعدة التي قدمها بعض الاصدقاء ، والذين زودوني بترجمات للمقالات والدراسات التي تنشرها بعض اجهزة الاعلام الصينية باللغة الصينية والاسرائيلية باللغة العبرية عن العلاقات الصينية الاسرائيلية دور في فهم طبيعة هذه العلاقات.
لقد حرصت منذ البداية على معرفة الدور الحقيقي الذي قام به اليهود في الصين في القرنين التاسع عشر والعشرين في الصين . وقد بحثت طويلا من اجل اجلاء الحقيقة وعدم الوقوع ضحية للتزور واختلاق الحقائق الذي مارسته المنظمات اليهودية من اجل اخفاء بواعثهم الحقيقية في الوصول الى الصين . وقد وجدت ضالتي اثناء بحثي الطويل، والذي لم يخلو من مشقة ، في المراجع ومراكز البحوث الروسية وباللغة الروسية . فروسيا – بحكم علاقاتها التاريخية مع الصين – مهتمة جدا بالاوضاع الصينية . ثم ان المستشرقين الروس يشغلون موقعا مهما على الصعيد العالمي في الدقة والموضوعية لدى رصد الاوضاع في الصين . فهم لم يكتبوا عن بعد ، بل عايشوا الاحداث وعاش جلٌهم في الصين . فضلا عن ذلك ، فان المنظمات اليهودية في روسيا قد نشرت معلومات كثيرة – ولو انها متحيزة وغير دقيقة- عن تواجد اليهود في الصين وهجرة اليهود اليها ، وعن التنظيمات الصهيونية في شمالي الصين.وهذه المعلومات كانت بحاجة الى التمحيص والغربلة والمقارنة للوصول الى الحقيقة. ويبقى موضوع العلاقات الصينية الاسرائيلية مهما بالنسبة لنا في الوطن العربي. فالصين شغلت موقع الصديق للقضايا العربية ، ونحن معنيون بالدرجة الاولى في ان الا تتأثر بكين بعلاقاتها مع اسرائيل ، والا تتراجع في مواقفها الداعمة للقضايا العربية ، وفي مقدمتها االحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ثم اننا معنيون كذلك في الا تكتسب اسرائيل مواقع دولية قوية اضافية ، تساعدها على فك العزلة الدولية عن سياستها التوسعية، وتوفر لها مزيدا من الوقود لاستمرار نهجها العدواني التوسعي . وهناك جانب اخر للامر. فالعلاقات الصينية العربية تملك تاريخا طويلا من التعاون المثمر ، وتتوسع دائرة المصالح المشتركة بين العرب والصينيين . ونحن على قناعة بان الهدف الاسرائيلي الاول من وراء تمتين الصلات مع الصين كان ولا يزال ، التأثير على مواقف بكين وابعادها عن العرب ، وتحويلها الى حليف للسياسة الاسرائيلية . لقد بحثنا في هذا الكتاب في الادعاءات الاسرائيلية حول وجود قرابة تاريخية بين اليهود والصينيين ، وبينٌا الدور الحقيقي الذي لعبه اليهود ضد الشعب الصيني ، وتوقفنا عند بدايات العلاقات الصينية الاسرائيلية ، وفصٌلنا في العوامل التي تدفع كلا من الصين واسرائيل للتقارب ، وكذلك في الكوابح التي تحول دون وصول علاقاتهما الى مرحلة التحالف . كما بحثنا في الافاق المستقبلية للعلاقات الصينية الاسرائيلية . ونأمل ان نكون قد وفقنا في اطلاع القارىء العربي على كل الظروف المحيطة بعلاقات الصين واسرائيل