https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلفة : فاطمة الزهراء جمال الدين تستقصي أستاذة الأدب الفارسي في جامعة عين شمس فاطمة الزهراء جمال الدين في كتاب «الحكاية الخرافية في إقليم أذربيجان»؛ الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة؛ جذور الحكايات الخرافية في إقليم أذربيجان الذي يتكون من أمشاج عرقية مختلفة هم: الآريون، والأتراك، والأذريون، والتركمان، والأرمن، وبعض القبائل العربية. وسكان هذا الإقليم منهم المسلم الشيعي والمسلم السني والمسيحيون بطوائفهم المختلفة، وبقايا الزردشتيين. كما تتنوع الطبيعة الجغرافية للإقليم ما بين سهول وهضاب وجبال وبحيرات ومناطق ساحلية. كما أن الصراعات التاريخية التي شهدتها أذربيجان لمواجهة أي غاصب سواء كان الإسكندر الأكبر قبل الإسلام أو المغول بعد الإسلام أو الإنكليز والروس في العصر الحديث، خلق شخصية أذربيجانية تتسم بالصلابة. كل هذا التنوع طبع الحكايات الخرافية الأذربيجانية بسمات فلكلورية، وهذا يعني أن هذه الحكايات قاصرة عليهم، بل قد يكون بعضها مشتركاً مع الأقاليم المجاورة. وتعرّف الباحثة الخرافة بأنها الحديث المستملح من الكذب، والكذب الذي هو نوع من فساد العقول، يعد شرطاً واجباً لوجود الخرافة. ويرى الناقد والباحث في الفلكلور الأذربيجاني حميد سفيد كَر أن الخرافات الأذربيجانية من أقدم الخرافات الفارسية وأجملها من ناحية المضمون، وتعد جزءاً من أفضل قصص الأدب الشعبي العالمية، وأكثرها ثراءً من حيث المحتوى؛ وتبدو في هذه الخرافات صورة واضحة عن تجربة أهل أذربيجان، وأسلوب تفكيرهم وأسلوب معيشتهم، والتعبير عن آمالهم وآلامهم عبر العصور. ومن سمات الخرافة الأذربيجانية عبارات البداية أو المقدمات الملفتة وتسمى «دوشمة»، وهي عبارات جذّابة ممزوجة بالفكاهة. وشخصياتها مزيج من البشر والحيوانات، والأبطال غالباً ما ينقسمون إلى مجموعتي أخيار وأشرار. وشخصية البطل في الحكاية الأذربيجانية تنمو من الخارج. فهو عندما يشعر بالخطر الذي يتهدده لا يواجهه إلا بمعونة القوى الخارجية والسحرية، لأن الخرافة تحرر الأشياء والشخصيات من علاقاتها الطبيعية وتنشئ بينها علاقات جديدة. ومن الممكن أن تنتهي هذه العلاقة الجديدة وكأنها لم تكن. ولهذا فإن علاقة الحيوان والنبات والجماد بالبطل ليست مألوفة، فهي تتحدث إليه وتنصحه وتهديه إلى الطريق، فإذا حصل على المساعدة منها وخاض مغامرته، انتهت علاقته بها. ويتحتم عليه كذلك أن يقتل التنين أو المارد أو ينتصر على الساحر الشرير أو الغول، وعندما يفعل ذلك لا ينفعل أو يتغير مزاجه. ولا تصوّر الخرافة صراعه الداخلي ومجرى تفكيره مع تطور الأحداث، بل تجعله يسير إلى الأمام ويشق طريقه في الظلام وسط الغابات، وفوق الجبال، وفي العالم السفلي، وهو جوال خفيف الحركة، مقدّر له أن يحصل على الكنز الذي ينتظره. والبطل الأقرع أحد الشخصيات الجذابة والعريقة في الحكاية الأذربيجانية، فهو إنسان بسيط ورمز للشعب المظلوم، وهو شاب فقير من عامة الشعب لا يملك ما يجتاز به مصاعب الحياة، يعيش غالباً مع جدته العجوز، فلا أرض ولا مال ولا حرفة، ويقتات من النقود التي تكسبها جدته من غزل الصوف. وأحياناً يركن البطل الأقرع إلى الكسل والخمول، وأحياناً يدفعه الجوع إلى البحث عن عمل أو تضعه يد القدر أمام الملك والوزير والأميرة الجميلة، وفي النهاية ينتصر على الصعاب التي تواجهه. وشخصية الحطّاب أيضاً من شخصيات الخرافة الأذربيجانية، التي تعد رمزاً للشعب الكادح الفقير، الذي يلقى في الحكايات جزاء وفيراً على أعماله. كما أن العفاريت في الخرافة الأذربيجانية تعادل الغول في خرافات أقوام آخرين وبها مزيج من السمات الأسطورية، كما أن الجن والشياطين في أذربيجان قوية للغاية ولكنها غبية، فهم يستطيعون وضع جبل على جبل آخر لكنهم ينخدعون بالكلام ويلحقون الأذى بأنفسهم أو يفرون هاربين. وشخصيات عالم الواقع يتحقق فيها العمق الواقعي وإدراك الزمن، أما شخصيات عالم الخرافة فهي مسطحة أشبه بأشكال بلا أجساد وكأنهم يعيشون بلا واقع داخلي وبلا عالم يحيط بهم. فبكاء الطفل مثلاً لا ينقل حالة نفسية وجدانية، ومبرره الوحيد ظهور الكائنات المساعدة، فالبطل في هذه الحالة لا يملك طاقة من الذكاء بقدر ما يمتلك الموهبة المقدّرة له من قبل، وهي موهبة موقتة تظهر حين الحاجة إليها ثم تختفي بعد ذلك. كما أن هذه الشخصيات لا تتأثر بالزمن، فالشاب يظل شاباً، والمسن يظل مسناً، والجميلة تظل جميلة حتى لو تجاوز عمرها المئة عام. ومن أشهر الحكايات الخرافية في التراث الشعبي الأذربيجاني «خرافة الأخوات الثلاث» والتي تتكون من حكايتين متتابعتين ولكنهم منفصلتان في البنية والمضمون، ويربط بينهما رابط وحيد هو شخصية الفتاة الصغيرة التي تولد في نهاية الحكاية الأولى وتصبح بطلة الحكاية الثانية. ومضمون الحكاية الأولى أن صغر السن لا يعني قلة الذكاء والدهاء، فالأصغر سناً في الحكاية تستطيع إنقاذ أختيها والتغلب على الشخصية الشريرة «الدرويش». أما مضمون الحكاية الثانية فهو انتصار الجمال على القبح، فجمال الخُلُق والخلْق للبطلة تمكّنا من دحر قبح فعل العمة وابنتها. تلك العمة التي تنتزع عيني ابنة أخيها وتلقي بها عارية في الصحراء؛ لكي تضع ابنتها القبيحة مكان الفتاة وتزف بالتالي على أنها العروس. وهناك قصة «إلياس» التي تتناول غلام الملك الذي له خبرة في الجياد والناس والجواهر، والقدرة على حل الألغاز، وكل ذلك يدفع الملك الشاب إلى التنازل عن ملكه لإلياس. وكان للحياة السياسية في أذربيجان تأثيرها على الجانب الاجتماعي في بنية الخرافة، فظهرت شخصية الدرويش في شكل جديد في الحكايات مخالف لما هو متعارف عليه من كون الدرويش رجلاً فقيراً زاهداً وعابداً وربما يكون متصوفاً. فإذا به يجسّد الجانب السيئ والشرير في مقابل الشخصيات الخيرة في الحكايات. وترى الباحثة أن هذا التحول هو انعكاس لفكر اليهود في هذا الإقليم وما عانوه من بعض الحكام، فالعقلية الشعبية تحاول إبراز ما يتداعى في فكرها من دون التعرض للعقاب، فأسقطت على شخصية الدرويش كراهية اليهود في تلك المنطقة للحكام المسلمين، الذين سعوا لنشر الإسلام أو من أسلم من اليهود وسعى لاضطهاد من بقي من بني جنسه على ملته وديانته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × اثنان =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube