المؤلف: عبد الكريم بدرخان
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب في العنصرية الثقافية: نظريات ومؤامرات وآداب، لعبد الكريم بدرخان. يتناول الكتاب في فصوله السبعة معانيَ العنصرية وأنواعها وفلسفاتها وتطورها مع التغيرات السياسية التي تضرب الكوكب الذي بات قرية صغيرة في ظل العولمة، والتغييرات التي طرأت في العقود الثلاثة الأخيرة وإفرازاتها الأدبية والفكرية لدى شخصيات أدبية أنتجت نظريات شهيرة، مثل صامويل هنتنغتون ونظريته “صراع الحضارات”، وفرانسيس فوكوياما ونظريته “نهاية التاريخ”، وجان راسبيل وروايته “معسكر القديسين”، وبرنارد لويس وقراءته للتاريخ على أنه “صراع إسلامي – مسيحي”، وأوريانا فالاتشي وبات يُور اللذين قدّما نظريتيهما عن “قيام المهاجرين بأسْلَمَة أوروبا وجعل أهلها ذميِّين” تمهيدًا للقضاء على إسرائيل وقتل اليهود، وميشيل ويلبيك الذي قدّم رواية بمنظور النظريات السابقة، وكارين تويل وغريغ هربك وجون أبدايك الذين قدموا روايات تدعم الفكر الإسلاموفوبي … وغيرهم، فضلًا عن تبيان لاعلمية النظريات والطروحات والخطابات العنصرية، ونقد فرضياتها، وإظهار خطئها وقصورها وانحيازها، والتعريف بالثقافة والمآخذ على طريقة فهمها في الغرب، وعلاقة الثقافة بالديمقراطية.
يمثل كتاب عبد الكريم بدرخان قيمة علمية كبيرة، لما كشفه بين دفتيه من أفكار كانت مغيَّبةً عن القرّاء العرب. يقع الكتاب في 264 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
يعالج كتاب في العنصرية الثقافية إشكاليةَ تحوّل العنصرية في العقود الأخيرة من “العنصرية البيولوجية” القائمة على افتراض وجود أعراق متمايزة بصفات وراثية ثابتة تحتِّم تمايزًا بين الدول والشعوب والجماعات سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو من حيث القدرات العقلية أو الصفات الأخلاقية، كما أنها عنصرية ترتّب الأعراق هرميًّا من الأسمى إلى الأحطّ، إلى “العنصرية الثقافية” التي تقسّم الشعوب ثقافيًّا، وتجعل لكل منها صفات ثقافية متوارثة من الأسمى إلى الأحطّ كذلك، كما تقوم على ركيزتين: الأولى، تحديد صفات جوهرانية ثابتة لثقافة شعب أو جماعة معينَين، والثانية، تعميم هذه الصفات على المنتسبين بالولادة إلى تلك الثقافة.
كانت النظرية العرقية قد سقطت بالتزامن مع سقوط النظام النازي في ألمانيا، ثم تأسيس الأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، التي من أهم أهدافها القضاء على التمييز العنصري، وما تلا ذلك من إجماع غربي على رفض العنصرية وتجريمها، وظهور حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية، انتهاءً بإلغاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في عام 1994.
وفي حركة مضادة، وبعد صعود موجة النيوليبرالية في الثمانينيات ونهاية الحرب الباردة، ظهرت في التسعينيات نظريات تقسّم العالم حضاريًّا، وأخرى تبرِّر التفاوت الاقتصادي محليًّا وعالميًّا باختلاف الثقافات. كانت الذروة مع أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من غزو أميركي لأفغانستان والعراق، وانتعاش خطابات ونظريات وآداب تضع الإسلام في موضع النقيض والعدوّ للغرب، ثم اكتمل المشهد مع الهجرة الواسعة إلى أوروبا في عامَي 2014 و2015، لتَشْخَصَ العنصريةُ الثقافية من جديد أمام ناظرَي البشرية معلنةً التحديَ الصارخ.
إن رصد تحوّل العنصرية إلى “تثبيت” صفات للثقافات بدلًا من الأعراق، والحكم على نظريات أو طروحات أو خطابات معينة بالعنصرية، ليسا غايتَي هذا الكتاب، فهو يُعنى خاصةً بتبيان لاعلمية هذه النظريات والطروحات والخطابات، ونقد فرضياتها، وإظهار خطئها وقصورها وانحيازها، ومن ثم دراسة ظاهرة العنصرية الثقافية دراسة عبر-تخصُّصية تنقد مرجعياتها الفكرية، وكذلك نظريات المؤامرة، وصولًا إلى منتجات الإسلاموفوبيا بعد أحداث 11 سبتمبر.
عند مقاربتنا أي نظرية سياسية تعطي الثقافة أهمية يجب علينا طرح سؤالين أساسيين: هل تحدد هذه النظرية صفات جوهرانية ثابتة لكل ثقافة من الثقافات وتعمّمها على معظم أبناء الثقافة المدروسة؟ وهل تفسّر الظواهرَ السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الصفات في الثقافة/ الشعب، أو تقارب الثقافة بوصفها ظاهرة لاتاريخية معزولة عن الظروف السياسية والاقتصادية للمجتمع؟
أهمّ أفكار البحث ونتائجه
أولًا: مع تصور فهم شائع جواهرَ ثابتةً لذاته وللأفراد والجماعات والشعوب المختلفة عن ذاته، فإن أحكامه في حقها تكون تنميطية ومسبقة، وينزع معها إلى “أخْرَنَة” هذه الجماعات (جعْلها آخرَ نقيضًا)، وبخاصة في حالة الصراع، ففي جوِّه المحموم تستغلّ نخبٌ نخبًا أخرى تحت شعارات حماية الجماعة أو الشعب أو الوطن أو الدين أو التقاليد، وعبرَ إثارة المخاوف من الآخرين “المختلفين”، سواء أكانوا حركات تحرّرية أم أقليات أم مهاجرين أم دُوَلًا أم منظمات دولية، لتحقيق مصالح أفراد وليس الجماعة التي تدعي تلك النخب تمثيلها.
ثانيًا: شاعت تفسيرات ثقافوية في العقود الثلاثة الأخيرة لتقدُّم الدول والشعوب والجماعات وتأخُّرها، أو غِناها وفقرها، أو ظواهر مجتمعاتها الإيجابية والسلبية، كما اختزل بعضُ الباحثين ثقافاتٍ ضاربةً في القدم وشديدة الاتساع والتنوّع ببضع صفات فأوهمَ الناسَ بأنها ثابتة ومتوارثة فيها، فضلًا عن عزو سلوكات الأفراد وأحوال السياسة والاقتصاد والاجتماع إلى هذه الصفات “الجوهرانية” المفترَضة. ولا بد هنا من نقد هذه التفسيرات الثقافوية، بسبب لاعِلميّتها وخطورتها؛ فأما لاعِلميّتها فتتمثل في الاستهتار بالعلم عند حصر مختلف الظواهر بالثقافة، وعزل تفاعل الثقافة مع ظروف تشكُّلها، وتقديمها بوصفها ظاهرة لاتاريخية و”فوق-مجتمعية” تؤثّر في كلّ شيء ولا تتأثر بشيء. أما خطورتها، ففي جعل الخصائص الثقافية ثابتةً في الشعب وتبرئة السلطات مما هي متسبِّبٌ أساسي فيه؛ أي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تكمن الخطورة في سهولة استحضار التفسيرات الثقافوية في أي صراع سياسي، داخلي أو خارجي، وتحويله طائفيًّا أو قَبَليًّا أو هوياتيًّا.
ثالثًا: إن العنصرية قديمة قدم الجماعات البشرية، لكنها تتطور من حقبة إلى أُخرى تبعاً لتطوّر المجتمعات، ومن مظاهرها الشائعةِ الأحكامُ التنميطية والمسبقة التي تشكّلها كل جماعة حول الجماعة الأخرى، خاصةً عندما تكون الجماعتان متجاورتين وفي حالة صراع على الموارد المشتركة. أما العنصرية البيولوجية المبنيّة على دراسات الأعراق فإنها أخطر مراحل العنصرية؛ إذ كانت المحرقة النازية أكبر جرائمها. إنّ مَن يستخدم العنصرية على صعيد البلد الواحد هُم الفئاتُ المسيطِرة، بهدف تأبيد علاقات السيطرة والاستغلال مع الفئات المسيطَر عليها، كما في حالة النظام الطبقي التقليدي. واليوم، مع صعود سياسات الهوية في الديمقراطيات الغربية، تستخدم الأحزاب الساعية إلى السلطة خطابًا عنصريًا ثقافيًا ضد المهاجرين واللاجئين و”المواطنين غير الأصلاء”، وتحمّلهم مسؤولية الأزمات، من أجل كسب أصوات الطبقة العاملة والفئات المتضررة من العولمة.
رابعًا: رفض مقولة “الاستثناء العربي” أو “الاستثناء الإسلامي” في مسألة الانتقال الديمقراطي، فـ “نظريات التحديث” التي تربط العامل الثقافي بالديمقراطية، وتَسِمُ ثقافاتٍ بالتعارض مع الديمقراطية، كانت تهدف إلى تبرير الدعم الغربي لأنظمة استبدادية في مناطق مختلفة من العالم، ثم وضع هنتنغتون نظرية “صدام الحضارات” لتبرير توسُّع الإمبراطورية الأميركية بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، بخاصة في مناطق “الحضارة الإسلامية” – بحسب توصيفه – التي عدّها عدوًّا، بل نقيضًا للحضارة الغربية، بينما جاءت نظرية فوكوياما “نهاية التاريخ” لإقامة جدار عازل بين الشعوب الغربية، التي بلغت نهاية التاريخ برأيه، وبين سائر الشعوب، في حين قامت قراءة برنارد لويس المانوية للتاريخ (أي قراءة التاريخ بوصفه صراعًا بين قوى النور وقوى الظلام) على تقديم تناقضات حدّيّة بين ما أسماه العالمَين “الإسلامي” و”اليهو-مسيحي”، وذلك لتبرير دعم الغرب للسياسات والممارسات الإسرائيلية عبر تقديم الإرهاب منتَجًا إسلاميًّا أصيلًا.
خامسًا: مهّدت هذه النظريات السياسية لصناعة نظريات مؤامرةٍ بلغت الغايةَ القصوى في الخطورة والعنصرية، ليس في بنائها الفكريّ بالتأكيد، فهي متهافتة وتربط بين ظواهر لا علاقة بينها، بل في تبنّيها من نخب نافذة، وتحوُّلِها إلى جزء رئيس في كل أيديولوجيا متطرفة تُبرِّر العنف، مثل نظرية “الاستبدال العظيم”، التي ترى في هجرة المسلمين إلى أوروبا مؤامرةً هدفُها أسلمة أوروبا وإبادة أهلها البيض “الأصليين” وجعلهم أهل ذمة، وكذا نظرية أورابيا، التي ترى أن “تعريب أوروبا وأسلَمَتَها” وسيلتان لغاية أبعد هي إزالة إسرائيل وإبادة اليهود.
وقد استَبعدت نظرياتُ المؤامرة أيَّ تفسيرات علمية لظواهر الهجرة، وصوَّرت المسلمين متبنِّين نظامًا اعتقاديًّا واحدًا، ولملمت خيوط حوادث وظواهر وتصريحات لا علاقة بينها البتة لتحيك بها “مؤامرة كبرى” مزعومة، ومتَّنت دعاماتها بالمقولات الأساسية في خطاب الإسلاموفوبيا، ومن أهمها مقولة “الدمج بين العرب والمسلمين واعتبارهم غزاةً طارئين”؛ لنفي الوجود العربي في مصر والعراق والشام، وفي فلسطين على وجه الخصوص، وكذلك “الجهادية ونشر الدين بالقوة”، و”الجزية والذمّية واضطهاد الأقليات”، وتكاثر المسلمين بمعدلات غير طبيعية.
سادسًا: دور الأدب المهم في تشويه صورة “غير-الأوروبيين” وتعزيز مخاوف الناس من هجرتهم، بتمثيلهم عنصريًّا بصورة المتخلّفين الهمج العديمي الأخلاق، وقد ساهمت رواية معسكر القديسين لجان راسبيل في نظريات المؤامرة والتكوين الفكري لزعماء اليمين المتطرّف، فأشاد بها اليمين الفرنسي، وحوَّلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قرارات تنفيذية. ثم لاحظنا تحويل ثيمة “غزو المهاجرين” من العنصرية البيولوجية إلى العنصرية الثقافية مع تصوير الشعوب المهاجرة خطيرةً ومتخلّفةً ومدمّرةً للحضارة، لا بسبب أعراقها المتدنّية بل بحكم ثقافاتها المتدنّية، تمهيدًا لـ “نزع الصفة البشرية” عنها وتسعير خطاب الكراهية ضدها؛ فقد استمر الروائيون في تغذية تنّور الأفكار المتطرفة بالحطب وإمداد القارئ الغربي بما تعوَّد سماعه عن الإسلام والعنف والغموض والشهوانية. وكذلك قدمت روايات ما بعد 11 سبتمبر الإرهابَ بوصفه تنفيذًا لنصوص وأوامر دينية، بشكل يجرّد الإرهابي من إرادته، وقدمت المسلمين المقيمين في الغرب بوصفهم أعداءً لبلدانهم، يحملون منظومة فكرية مناقضة وينتمون إلى عالم آخَرَ مناقض.
سابعًا: من الضروري نقد مقولات العنصرية الثقافية التي تزداد انتشارًا بحكم العولمة، بتبيان خطورتها، وكيف تُستخدَم، ولمصلحة مَن، وبخاصة في الدول العربية، التي تُستخدَم فيها هذه المقولات وإلصاق تُهمة “الإرهاب الإسلامي” بمعارضي أنظمتها، لتبرير قمعهم ووأد ثوراتهم وإبادتهم، إلى درجة تقمّص “النظام الوطني” روح المستعمِر وتبنّيه الخطاب الاستعماري، وحتى قبوله بدعم خارجيّ في حربه ضد شعبه، ولو اضطر إلى وصمه كله بالإرهاب، في توصيف عنصري ثقافي بلا شك.
ثامنًا: إن استخدام زعماء اليمين الشعبوي الشوفيني المتطرف في الغرب شعارات التمييز العنصري و”القومية البيضاء” ضد المهاجرين ما هو إلا لإيقاظ غرائز القوة ومشاعر الكراهية لدى أنصارهم وكسب أصواتهم الانتخابية بصفتهم جماعات متطرفة لا تتردد في ممارسة العنف، كما تساهم هذه الشعارات على الصعيد الدولي في تبرير تحالف دول ليبرالية بلغت مرحلة متقدمة من حماية حقوق الإنسان مع أنظمة تسلّطية ذات سجل أسود في هذه الحقوق.
تاسعًا: إن الاكتفاء بنقد العنصرية الثقافية نظريًّا لا يحل مشكلتها، بل يجب العمل على بناء مؤسسات تقوم بهذه المهمة، عبر التشديد على مجتمعات ودول يكون لثقافتهما طابع متعدد، ودفع “الدولة-الأمة” ذات الشعب الواحد واللغة الواحدة والتراث الواحد إلى الاعتراف بواقع التعددية الثقافية، وحماية الحقوق المترتبة عليه، وكذلك دحض ادعاءات “النقاء” الواهمة، فمعظم الثقافات واللغات مولَّدة من أخرى سابقة، وبناء على ذلك تَبطل ادعاءات التفوُّق الثقافي أو اللغوي، كما أن هوية الفرد في المجتمعات الحديثة لا تُفرَض عليه من جماعة الأكثرية ومَن يدّعون الدفاع عن “هوية ثقافية أصلية” لبلد إنما يدافعون عمّا “يعتقدون” أنه كذلك، في حين ينبغي أن تقوم الهوية الوطنية على المواطَنَة أولًا وقبل أي شيء آخر.
فصول الكتاب
يشتمل الفصل الأول من الكتاب على تعريف الثقافة، وثنائية النظرة “الجوهرانية – الديناميّة” إليها، وتعريف “الجوهرانية” وإعادتها إلى المنطق الأرسطي، ثم مفهوم “الثقافوية” واعتباره موقفًا فكريًّا ومنهجَ تفسير. ويعرِّف الفصل مصطلحات الكراهية، مثل: “الأحكام التنميطية” و”الأحكام المسبقة” و”الأخْرَنَة” و”المركزية الإثنية” و”النسبية الثقافية”.
أما الفصل الثاني، فيتضمن عرضًا لـ “عنصريات ما قبل العرق”، مثل: “التعصُّب القبلي” و”التمييز الطبقي” و”العنصرية الجغرافية” و”التمايُز على أساس اللغة”، ثم يتعرض لاختراع مفهوم “العرق” في القرن الثامن عشر والدراسات التي بُنيت عليه والتي كان يُعتقد بعلميّتها وهي اليوم من العلوم الزائفة، ثم “عنصريات ما بعد العرق”، مثل: “المركزية الأوروبية” و”معاداة المهاجرين” و”رُهاب الغرباء” و”الإسلاموفوبيا”، وينتهي بتعريف “العنصرية الثقافية”، الذي ينقد نظريات السياسة والمؤامرة ويستخرج منها الأحكام العنصرية.
ويتناول الفصل الثالث نظريات تُعتبر مرجعيةً للعنصرية الثقافية، مثل: “نظريات التحديث”، التي تفرز الثقافات وفق الديمقراطية، كما يتناول قراءة لويس للتاريخ في كتابيه أين الخطأ وأزمة الإسلام، ثم نظرية “صدام الحضارات” لهنتنغتون، التي تجعل العالم حضارات متنازعة، وبعدها نظرية فوكوياما حول “نهاية التاريخ”، ويتعرض لمقالته بعد هجمات 11 سبتمبر، الداعية الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري في كل مكان.
وقد خُصِّص الفصل الرابع لنظريات المؤامرة، وبدأ بالتمييز بين النظرية العلمية ونظرية المؤامرة، وبحث في محتوى كتاب أوريانا فالاتشي قوة العقل ونظريتها حول مؤامرة “أسلمة أوروبا”، وكذلك مضمون كتاب بات يور أورابيا (Eurabia)، الذي أضاف أن الغاية البعيدة للمؤامرة المذكورة هي إزالة إسرائيل وإبادة اليهود. وينتهي الفصل بعرض مقولات خطاب الإسلاموفوبيا.
ويتناول الفصل الخامس تأثير رواية معسكر القديسين في نظريات المؤامرة الفرنسية والأميركية، وكذا رواية استسلام لميشيل ويلبيك، التي قدّمت الفكرة ذاتها بأسلوب سلس وعنصرية ضمنية. كما تطرق الفصل إلى “نزع الصفة البشرية عن اللاجئين” في نموذجين: أغنية نرويجية، وقصيدة شاعر يميني نمساوي. وبعد عرض روايات “حالة الطوارئ”؛ و”شاهد الحق”؛ و”الإرهاب الإسلامي”، يتوقف الفصل مطوَّلًا عند 14 رواية من الأخيرة صدرت في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا؛ مثل: عصر الابتكار المتجدد لكارين تويل؛ وليست مشتعلة لكنها تحترق لغريغ هربك؛ والإرهابي لجون أبدايك.
ويحاكم الفصل السادس العنصريةَ الثقافية من منظور أخلاقي، بتبيان خطورتها وكيفية استخدامها، وانتشارها في خطاب الغرب الطائفي وتفسيراته حول الدول والشعوب.
أما الفصل السابع (الأخير)، فقد خُصِّص لخلاصات عقلانية بعد نقد العنصرية الثقافية، مثل أن “التعددية الثقافية هي الأصل” الذي يجب على الدول احترامه، وأن الثقافات واللغات “مولَّدة”. وينتهي الفصل إلى أن الهوية الفردية المعولَمة “مركّبة وهجينة ولا تقبل الوحدانية”، وبما أن الفرد اليوم هو مَن يختار انتماءاته فإن الهوية الجماعية “مركّبة وهجينة ولا تقبل الوحدانية” أيضًا.
أهمية الكتاب
إن ما يجعل موضوع كتاب في العنصرية الثقافية ذا أهمية اليوم، هو أن العنصرية الثقافية مكوّن أساسي من مكوّنات خطاب الإبادة الجماعية الذي تستخدمه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وتبرر به جرائمها المستمرة منذ عقود. إن اعتبار أن للعرب أو للمسلمين جميعهم ثقافة واحدة وموحدة، وأن لهذه الثقافة صفات شريرة ثابتة لا تتغير، وأنها متوارثة عبر الأجيال، هي ما تستخدمه إسرائيل لشَيْطنة كل مَن يقاومها أو يعارض ممارساتها أو يفضح جرائمها، ولتقديم نفسِها في مظهر “الضحية” لأولئك الأشرار/ “الإرهابيين”.
وعلى صعيد الديمقراطيات الغربية، فقد بات الانقسام الداخلي على أساس ثقافي – هوياتي واضحًا وجليًّا في استفتاء “بريكسيت” في عام 2016، وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية في عامَي 2016 و2020، وسيكون أكثر جلاءً في انتخابات 2024، ولا تزال خطورته تتجلى في تهديده الديمقراطية الليبرالية، بتغليب الجانب الديمقراطي على الجانب الليبرالي فيها؛ ما يُنبئ بـ “طغيان الأكثرية”؛ إذ بسبب تحويل الخلافات السياسية إلى هوياتية – ثقافية بات الناخبون يختارون لونَ المرشَّح الرئاسي وجنسَه وإثنيتَه وموقفَه من الآخرين “الغرباء”، لا برنامجًا سياسيًّا وأيديولوجيا حزبية.
أثبت العلم الحديث تهافت مقولات العنصرية البيولوجية؛ لذا بات من الضروري اليوم إثباتُ تهافت مقولات العنصرية الثقافية، ولهذا الهدف كان هذا الكتاب