كتب محمد خير الوادي :
قبل نحو عقدين من الزمن ، قدمت للرئيس الفيتنامي اوراق اعتمادي سفيرا لسورية في فيتنام. وأثناء اللقاء ،تحدثت عن القيم النضالية التي تمثلها فيتنام من مناهضة الامبريالية الامريكية ، ودعم حقوق الشعوب في التحرر والاستقلال ….الى آ خر ما هناك من شعارات،الهمت – آنذاك – الشارع الشعبي العربي . وكانت المفاجأة ، ان الرئيس الفيتنامي تجاهل ذلك كله ، وبدأ الحديث عن موضوع آخر لا علاقة له بقضايا النضال التحرري العالمي او مقاومة امريكا .
في تلك اللحظة ، ادركت ،ان فيتنام بدأت تغير جلدها ، وان اعداء الامس ، وأعني امريكا – لم يعودوا كذلك !
هذا النهج – واعني التقارب مع امريكا – هو المهيمن على السياسة الفيتنامية منذ ذلك التاريخ حتى اليوم . لا بل انه يشهد تصاعدا مستمرا .
مناسبة الحديث عن ذلك ،تتمثل في الزيارة المرتقبة للرئيس الامريكي بايدن الى فيتنام . والامريكان لا يخفون هدفهم من هذه الزيارة وهو : نقل العلاقات الثنائية مع هانوي من مستوى الشراكة الشاملة ،الى حقبة التعاون الاستراتيجي ضد الصين .
ولا بد من الاعتراف ، ان هناك اسسا كثيرة ،ومرتكزات مادية تغذي هذا الزخم في العلاقات بين البلدين. فامريكا باتت السوق الاول للمنتجات والسلع الفيتنامية ، والولايات المتحدة هي المستثمر الاجنبي الاول في الاقتصاد الفيتنامي . وكثير من الشركات الامريكية نقلت اعمالها ومعاملها من الصين الى فيتنام ، وحجم التعاون التجاري الثنائي السنوي يفوق المائة واربعين مليار دولار – لصالح فيتنام .
وفي الجانب السياسي ، تستثمر واشنطن الخلافات التاريخية بين فيتنام والصين ،والتنازع العميق حول الحدود البحرية بين هانوي وبكين ، للنفخ في ” الخطر الصيني ” الذي يهدد فيتنام. كما ان عدد الزيارات الرسمية الامريكية الى هانوى قد تضاعف بشكل ملحوظ خلال الاشهر الاخيرة. فقد حضرت الى هانوي وزيرة الخزانة الامريكية ، وتلاها وزير الخارجية الامريكي كذلك . اضافة الى جولات لمسؤولين امريكيين كثر ، فضلا عن زيارات لم يعلن عنها لموظفين من البنتاغون .
ولا يمل الاعلام الامريكي ولا يكل ،من التذكير بالصدامات العسكرية العنيفة التي جرت بين الجيشين الصيني والفيتنامي في اوائل عام 1979.
ولايمكن التغاضي عن التعاون الامريكي – الفيتنامي العسكري المتصاعد ، والذي يتجسد في صفقات ضخمة من السلاح الامريكي لفيتنام ، وتقديم برامج تدريب وهبات عسكرية أمريكية .كما يرابط عدد من السفن العسكرية الامريكية في الموانيء الفيتنامية .
بكلمات اخرى ، فان القيادة الفيتنامية قد تخلت عن العداء لامريكا – كما فعلت كل من اليابان والمانيا – ، وحولت امريكا من عدو الى شريك شامل ، واليوم يجري الحديث عن امكانية نقل العلاقات الثنائية من الشراكة الشاملة الى التعاون الستراتيجي .
ورغم الحماس الملحوظ التي تبديه واشنطن ازاء التقارب مع فيتنام ، الا ان هناك بعض العقبات التي لا تزال تعترض ذلك . منها مثلا ، ان الصين -حتى اليوم – هي الشريك التجاري الاول لفيتنام ، وان القيادة الفيتنامية لاتحبذ ، حتى الآن ،الانضمام الى الاحلاف ، وان هانوى لا تزال ملتزمة بمبدأ السلام والتعاون مع الدول كلها . لكن ارتفاع حدة التوتر في بحري الصين الجنوبي والشرقي الى مستويات غير مسبوقة، وتفاقم مشكلة الجزر المختلف عليها وكذلك المسألة التايوانية ، هذا كله – ان استمر-يمكن ان يقلب حسابات وتحالفات دول تلك المنطقة – بما فيها فيتنام .
18/8/2023