https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

باتت فيتنام اليوم احدى الدول ذات النمو السريع في جنوب شرق آسيا . ونحن سنسلط الضوء على العوامل التي مكنت هذه الدولة من الوصول الى ما حققته اليوم تروي قصة نجاح عملاق الإلكترونيات الكوري الجنوبي “سامسونغ” في فيتنام ، قصة نجاح منقطعة النظير . وقد دخلت سامسونغ فيتنام عام 2008 برأس مال يعادل 670 مليون دولار، وفي عشر سنوات فقط، وبحلول العام الماضي 2018، بلغت القيمة التراكمية لاستثمارات الشركة بفيتنام 17 مليار دولار(4)، ما جعلها المستثمر الأكبر هناك، والأهم كذلك أن تلك الاستثمارات عادت على الدخل القومي الفيتنامي بشكل مباشر وغير مباشر بـ 58 مليار دولار في العام الماضي أيضا، ورغم كل تلك الأرقام الضخمة، فإن الأهمية التي تُمثّلها سامسونغ لفيتنام تتعدى كونها إحدى دعائم اقتصادها الصاعد؛ لكونها مثالا للطريق الذي اتخذته هانوي صعودا من كونها واحدة من أفقر دول العالم -ما بعد الغزو الأميركي- لكونها على الطريق لتصبح واحدة من أهم اقتصادات آسيا وربما العالم، إن استمرت في تحقيق مزيد من النمو خلال السنوات القادمة. رأى “بينيت موراي”، محرر مجلة الفورين بوليسي ورئيس مكتب وكالة الأنباء الألمانية في هانوي، أن فيتنام كانت هي المستفيد الأكبر من قمة كيم-ترامب، ففي الوقت الذي يُعتقد فيه أن كوريا الشمالية لن تسلك طريقا سهلة للتخلي عن برنامجها النووي، وهو ما حدث بالفعل مع وصول القمة لنهاية مسدودة، فإن الأمر لم يُشكّل فارقا كبيرا لفيتنام التي اعتبرتها وسيلة لتحقيق غاية تسعى إليها منذ أكثر من ثلاثين عاما: أن تعود عنصرا فاعلا في المجتمع الدولي، وأن تكون قادرة على مواجهة التحدي الصيني المتصاعد في جنوب آسيا والعالم، والأهم؛ أن تُشكّل المصداقية التي اكتسبتها فيتنام من استضافتها لقمة عالمية ناجحة، تنظيما وأمنا، دافعا جديدا لاقتصادها المتنامي الذي يُرى بالفعل الآن كمعجزة قادمة ومستمرة من زمن الحرب الأميركية. اقتصاد مهندس الحرب يُؤرَّخ غالبا للنمو الاقتصادي بفيتنام ببداية دورة برلمان البلاد السادسة في ديسمبر/كانون الأول لعام 1986(6)، لكن محاولات الإصلاح الاقتصادي كانت قد بدأت بالفعل قبل هذا التاريخ بأكثر من عشر سنوات، مع انسحاب القوات الأميركية من فيتنام عام 1974 -بعد اتفاق باريس 1973-، والذي تلاه بعام واحد (1975) غزو جمهورية فيتنام الشمالية لجمهورية فيتنام “الديمقراطية” الجنوبية كما سُميت وقتها، وما تلاه من توحيد شقي فيتنام من جديد تحت اسم “جمهورية فيتنام الاشتراكية” وعاصمتها “هانوي” في الشمال. زراعة الأرز في فيتنام (رويترز) كان الاقتصاد الفيتنامي في تلك الفترة يعتمد على زراعة وتصدير الأرز(7) مصدرا رئيسا للدخل، ويعمل بها أكثر من 70% من القوى العاملة الفيتنامية، لكن الحرب كانت قد أتت على الكثير، بما في ذلك إنتاج الأرز الذي لم يكن يكفي لإطعام السكان؛ بمعدل إنتاج وصل حينها إلى 300 كيلوغرام للفرد الواحد سنويا. وبحلول الثمانينيات، كانت الأزمة الاقتصادية قد بلغت ذروتها، خاصة مع الحظر التجاري ثم العسكري الذي فرضته واشنطن على فيتنام بعد غزو الأخيرة لكمبوديا عام 1978 وقضائها على حكم “الخمير الحمر” بزعامة “بول بوت” الموالي للصين. انعزلت فيتنام داخليا قبل أن تعزلها العقوبات الأميركية دوليا، وكانت سياسات الحزب الشيوعي الحاكم المنفردة هي الداعي الأكبر لعزلتها؛ بداية من عزلة سياسية عززها ميل الحزب للتجربة الشيوعية السوفيتية على حساب شيوعية الصينيين الذين يتشاركون مع هانوي كراهية تاريخية مستمرة للآن، ثم عزلة اقتصادية زادت منها سياسات لي دوان (Le Duan) الداعية لرفض كل ما يتعلق بتحرير التجارة وإقامة اقتصاد السوق الحر هناك. يعد “دوان”، الذي تولى زعامة الحزب الشيوعي في الدورة الثالثة للبرلمان عام 1960 وحتى وفاته عام 1986، واحدا من أهم قادة الحزب الشيوعي الذين أثّروا في سياسات واقتصاد فيتنام خلال تلك الفترة المتقلبة من تاريخها، ليس فقط لكونه مهندس الحرب التي انتهت بخروج أميركي “مُهين” من بلاده، وكذا معركة “التوحيد” بعد ذلك بعام واحد فقط؛ لكن كذلك لكونه صاحب نظرية اقتصادية أعطت اهتماما كبيرا نظريا للنمو الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للفيتناميين؛ بخطة مركزية طويلة المدى تضع نصب أعينها تنمية الجوانب الزراعية والاقتصادية والتقنية، بجوار الوفاء للشأن العسكري الخاص بحماية الدولة الآسيوية من أي حرب قادمة محتملة في فترة لم تكن فيها ماكينة الحرب الفيتنامية تتوقف عن العمل. لكن تأييد “دوان” اللامتناهي لمركزية الحكم التي تضع كافة القرارات السياسية والاقتصادية في يد الحزب الحاكم؛ أجهضت تجربته الاقتصادية دون أن تدع لها الكثير من فرص النجاح، فبحلول منتصف الثمانينيات كان الاقتصاد الفيتنامي يواجه واحدة من أكثر فتراته تأزما، إذ ارتفعت معدلات التضخم لتتجاوز نسبة غير مسبوقة بلغت 770%، وهو معدل تضخم لم يجد معه المساعدات الدولية القليلة التي اعتمد عليها الاقتصاد الفيتنامي خلال تلك الفترة من الحظر الأميركي، ولم يجد معه أيضا محاولات “هانوي” تفادي هذا الحظر للوصول لحل للأزمة. ظل ذلك الوضع المتردي مستمرا حتى وصل “نيجوين فان لين” لرئاسة الحزب الشيوعي عام 1986، وعنى وصوله تحوّلا جذريا كاملا في السياسات الاقتصادية الفيتنامية، خاصة بعدما أطلق خارطة سياسات التجديد المعروفة عالميا باسم “دوي موي” (Doi Moi)، وهي الحزمة التي بدأت معها تجربة فيتنام الاقتصادية في السطوع. لم تكن الخطة الطموحة للتنمية التي أتى بها “فان لين” وأيّدها البرلمان الشيوعي هي السبب الوحيد للطفرة الاقتصادية التي شهدتها فيتنام النصف الثاني من العقد الثمانيني الماضي، بل إن ميله للتحول البطيء من حالة الركود إلى مرحلة النمو والرفاه قد وضع حجر الأساس لتنفيذ خطة التنمية شبه المُحكمة التي قادها منذ توليه الحكم وحتى عام 1991، ومعها اعتُبر “فان لين” الشخصية الفيتنامية ذات النفوذ الأكبر حينها، وصاحب حجر الأساس في تحوّل الاقتصاد المحلي من المركزية إلى اقتصاد السوق بدأ “لين” خطته بإصلاح القوانين الخاصة بتملك الأراضي الزراعية، إذ منحت الحكومة الشيوعية للمرة الأولى الحرية للفيتناميين في استخدام أراضيهم وزراعتها وفقا لرغباتهم، مع الاحتفاظ بحق الدولة في استرجاع الأرض إذا ما هجرها أصحابها أو توقفوا عن زراعتها، ومعها منحت الحكومة الحق لكل أسرة بتملك 3 هكتارات (= 7 فدادين تقريبا)(10) ضمن عملية ضخمة لتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين، وهي عملية اعتُبرت تحوّلا جذريا في سياسة وأيديولوجية الحزب الشيوعي التي لا تعترف سوى بملكية الدولة لكل شيء على أرضها. تعددت إصلاحات القوانين الخاصة بالأراضي الزراعية بعد ذلك عدة مرات وعلى سنوات متفرقة، ومن أبرز محطاتها انتهاء العمل فيما عُرف بـ “المزارع الجماعية” بشكل كامل عام 1990، وهو نظام كانت تتبعه الحكومات الفيتنامية الشيوعية في زراعة أراضيها لضمان جني ضرائب أكثر، ويعتمد على سحب ملكية المزارع الفردية ووضع المزارعين في مزارع جماعية مملوكة للدولة، حيث كانت تلك المزارع الفردية لا تدر أكثر من 10% كضرائب للدولة، بينما كانت نسبة الضرائب المحصلة من المزارع الجماعية تصل في بعض الأحيان إلى 40%، وتم تغيير هذا النظام كليا مع عملية التجديد الاقتصادي القائمة وقتها لتصبح فيتنام ثالث أكبر مصدر للأرز على مستوى العالم بحلول عام 1989. تزامنت تعديلات القوانين الزراعية بتلك الخاصة باستثمارات رأس المال الأجنبية، لكن تلك التعديلات لم تُفلح في تجاوز الحظر الأميركي إلا بقرار انسحاب فيتنام من كمبوديا عام 1989، والذي تلاه بعام واحد بدء مرحلة جديدة من العلاقات الأميركية الفيتنامية انتهت إلى رفع الحظر على السفر إلى فيتنام عام 1991، متبوعا برفع الحظر التجاري -واستمرار الحظر العسكري- عام 1994، وهي الخطوة التي مهّدت الطريق بعد ذلك ليس فقط لعملية طويلة من ترميم علاقات واشنطن-هانوي؛ بل لإعادة الاعتراف بفيتنام ضمن صفوف المجتمع الدولي، وفتحت الباب على اتساعه للاقتصاد الفيتنامي كي يُعيد بناء نفسه. استغلت هانوي الفرصة المتاحة أمامها لتُعيد التأسيس لنفسها داخل مجتمع التجارة العالمي، وساعدها في ذلك ارتفاع قيمة استثمارات رأس المال الأجنبي لما يُعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1994، إلى جانب نشأة أكثر من 17 ألف شركة خاصة بعد التأسيس لقوانين تعترف بدور القطاع الخاص في الاقتصاد الفيتنامي عام 1992، باعتباره بجانب الاستثمارات الأجنبية السبيل أمام إعادة البناء الاقتصادي. وبالرغم من أن انضمام فيتنام لرابطة “أمم جنوب شرق آسيا” المعروفة اختصارا بـ “أسيان” (ASEAN) عام 1995 شكّل خطوة مهمة في ترحيب المجتمع الدولي بها، فقد كان لبداية الألفية الجديدة مذاق خاص للاقتصاد الفيتنامي وخطوة رئيسة على طريق التحول نحو نمو شامل، أسست له هانوي عام 2001 بتوقيع اتفاقية التجارة المتبادلة مع عدوها القديم وصديقها الأهم الجديد: واشنطن. كانت إدارة “بيل كلينتون” قد أعلنت عودة العلاقات بين واشنطن وهانوي إلى طبيعتها عام 1995، لكن توقيع اتفاق التجارة المتبادلة بين البلدين -والذي مهّد الطريق أمام انضمام الأخيرة لمنظمة التجارة العالمية “WTO” عام 2007- قد وضع حجر أساس جديد في علاقة البلدين بعضهما ببعض، وساهمت علاقات كليهما المتوترة مع بكين على فترات متباعدة في تشكيل مساحة من الاتفاق المتبادل ستمهّد الطريق عام 2016 لرفع إدارة باراك أوباما الحظر الأميركي العسكري على تجارة الأسلحة مع فيتنام. بالعودة إلى انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، فقد أدى ذلك الانفتاح الدولي إلى أن يوقّع النظام الفيتنامي 16 اتفاقية للتجارة الدولية المتبادلة أسهمت بشكل فعّال في تخفيض التعريفة الجمركية على الصادرات والواردات، إضافة إلى انخفاض متوسط الأجور -وهو ميزة استثمارية أجنبية لا محلية- ووفرة العمالة، ومن ثم أصبحت هانوي بمرور السنوات قِبلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة التي أصبحت تُمثّل الآن ما يُعادل 90% من قيمة صادرات الصناعات الفيتنامية للعالم. لم يكن مستبعدا بعد ذلك أن تسعى فيتنام لعملية تنمية داخلية شاملة لبنيتها التحتية، بمساعدة البنك الدولي ومؤسسات دولية عدة، وبإشراف رئيس من وزارة النقل وبعض الإدارات الحكومية الفاعلة، وقد أتت وحدة إدارة المشروع 18 (Project Management Unit 18) التابعة لوزارة النقل الفيتنامية على رأس تلك الإدارات، باعتبارها أحد أغنى المكاتب الحكومية الفيتنامية بميزانية تتعدى الملياري دولار من أموال الدولة والدول المانحة والبنك الدولي، وتتولى مهمة الإشراف على إنشاء عشرات من مشاريع البنى التحتية للنقل والمواصلات كالطرق السريعة والكباري والجسور. وقد هدفت هذه المشاريع بالأساس إلى إقامة شبكة تحتية من الطرق السريعة القادرة على ربط مدن فيتنام بريفها، وبصيغة أخرى فإن هذه المشاريع لم تهدف فقط إلى إعادة رسم صورة أكثر حيوية وتقدما لفيتنام، بل لتوفير فرصة لتنمية شاملة عن طريق وصل مقاطعات وأقاليم فيتنام بحضرها، وهي مناطق لم تكن قد حظيت بعد وقتها بفرصة حقيقية لمواكبة عجلة النمو الاقتصادي. لاقت مساعي الحكومة الفيتنامية الصدى المطلوب، وبحلول عام 2010 كانت شركات عالمية كبرى مثل سامسونغ وإنتل وغيرهما قد بدأت تشق طريقها إلى السوق الفيتنامية وتنشئ قواعدها هناك، إلا أن نقطة التحول تلك لم تكن نتيجة مباشرة لسعي الحكومة للتنمية فقط، وإنما ساهم فيها أيضا وللمفارقة النمو الاقتصادي المتصاعد للجارة “الصين”، وهو نمو بدأ يرتفع بمكانة بكين عاما بعد عام، ومعه ارتفعت تكلفة وجود الشركات العالمية على الأراضي الصينية ومن ثم انخفضت أرباحها باستمرار، وبدلا من الدخول في مفاوضات غير مجدية مع الحكومة الصينية لأجل التوصل لتسويات مرنة غير محتملة الحدوث، بدأت هذه الشركات في التحوّل نحو أسواق أخرى أقل تكلفة، وحينها شكّلت فيتنام البديل الأنسب والأفضل الجديد لعالم الشركات الناشئة في السوق الآسيوي. يمكن تخيّل حجم النمو الذي وصل إليه الاقتصاد الفيتنامي، على إثر الطفرة التي أحدثتها الشركات العالمية هناك بعد عام 2010؛ بمعرفة أن واحدا من كل عشرة هواتف محمولة تُنتج حول العالم يتم تصنيعه في فيتنام. وتؤكد إحصائيات البنك الدولي ليس فقط ارتفاع معدل النمو الاقتصادي الفيتنامي منذ العام المذكور، بل وثباته بمعدل يتجاوز نسبة 5% سنويا حتى الآن، وهو ما يُعد معدل نمو سريع نسبيا مقارنة بدول العالم، بينما تجاوز ذلك المعدل نسبة 6% بعد عام 2016 في طفرة مكّنت هانوي من منافسة معدلات النمو الاقتصادي الصينية، الأمر الذي يجعلها الآن ضمن قائمة الدول متوسطة الدخل وبثبات نسبي. إلا أن تلك النهضة لا تخلو من مشاكل شتى تواجهها الدولة الآسيوية في طريقها نحو تحقيق نمو اقتصادي أكثر شمولا واستقرارا، أو بتعبير آخر لا تخلو تلك النهضة من وجود أفيال عدة في الغرفة الاقتصادية الفيتنامية، بداية من أن الحزب الشيوعي الحاكم ما زال يتمتع بسطوة الحزب الواحد دون معارضة تضمن عدم انفراد الحزب بكل السياسات الاقتصادية والاستثمارية التشريعية والقانونية، ومرورا بمشكلات حقوق الإنسان التي لا تزال تُشكّل إحدى أكبر معضلات علاقات فيتنام بالمجتمع الدولي، وليس انتهاء بالفساد الذي يُعتبر الفيل الأكبر هناك، والذي ظهر تأثيره جليا عام 2006 بالفضيحة الشهيرة التي ارتبطت بمشاريع الوحدة 18 وباختلاس ملايين الدولارات من قِبل القائمين عليها، ما أدى في النهاية إلى استقالة وزير النقل وقتها، إلى جانب أحكام عدة بالغرامة والسجن طالت مجموعة كبيرة من المسؤولين والقائمين على الوحدة في قضية ما زال أثرها يتردد في الداخل الفيتنامي حتى اليوم. يقف الفساد في الداخل والصين في الخارج على قائمة معوقات النمو الاقتصادي الفيتنامي منذ أمد بعيد، وفي حين تسعى الحكومة للتصدي للمشكلة الأولى داخليا بإجراءات متصاعدة عاما بعد عام، فهي لم تُفلح إلى الآن في القضاء على نسبة كبيرة منه، بينما تتخذ إجراءات أخرى لمقاومة النظام الأحمر على الحدود الشمالية وبامتداد سواحلها، إذ تهدد بكين الآن هانوي وعواصم آسيوية أخرى، دون ذكر واشنطن، بتمددها المستمر في بحر الصين الجنوبي. يرى السيناتور الأميركي الأسبق “ويليام فولبرايت”، في كتابه “غطرسة السلطة” الصادر عام 1967؛ أنه “لصالح واشنطن، تظل الشيوعية الفيتنامية هي الحصن المحتمل، وربما الوحيد، ضد الهيمنة الصينية، وهو حصن ينبع من “انعدام الثقة الفيتنامي البالغ ألفي عام تجاه كل ما هو صيني”. وتظل تلك المقولة غاية في الأهمية بالنسبة للعلاقات الفيتنامية الأميركية، وكذا السياسات الفيتنامية المؤثرة في النمو الاقتصادي، ويُصدق عليها استطلاع للرأي أجراه معهد “بيو” في أبريل/نيسان عام 2014، ويستعرض فيه الطريقة التي ترى فيها دول آسيا بعضها بعضا، وفي حين يرى الفيتناميون -وفقا للاستطلاع- أن ا من الفيتناميين يعتقدون ان الولايات المتحدة كانت تُمثّل تهديدا محتملا بنسبة 30%، فإنهم يرون أن الصين تُمثّل تهديدا محتملا بنسبة تتجاوز 70 شهدت كلٌّ من فيتنام والصين حروبا عدة تواجهت فيها كلتا الدولتين بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأن الخارطة الجيوسياسية العالمية الحالية تجعل من بكين خصم واشنطن الأول خاصة في عهد ترامب، فإن ذلك الوضع يجعل هانوي هي الرابح الأكبر من التوتر السائد بينهما، ومع ذلك، فإن النظام الفيتنامي يضع نفسه في موقف حذر وشديد الحساسية بمعركة قد تضره أكثر مما تنفعه إن قررت واشنطن التخلي عن فيتنام لصالحها الشخصي، أو قررت -على الأقل- عدم التدخل في أي صراع قد يحدث مستقبلا بين هانوي وبكين وهو أمر محتمل. على جانب آخر، وفيما يخص الاقتصاد الفيتنامي، فإن الدعوات تنطلق لأجل التصميم لنسخة تالية أحدث وأكثر عصرية من سياسات “دوي موي” النهضوية، وفي وقت يعتقد فيه البعض أن المرحلة الحالية هي آخر ما قد يصل إليه الاقتصاد الفيتنامي من نمو قبل أن يبدأ المنحنى في السير لأسفل، فإنه لا يزال أمام الاقتصاد الفيتنامي بعض الأوراق الرابحة التي تستطيع مدّه بالكثير من عوامل التطور مثل قابلية المجال العام المحلي لاستيعاب استثمارات دولية أكثر، وكذا ما قد ينتج عن تقليل نسب الفساد الحكومية والخاصة على سواء، وهي أوراق إذا ما نجح النظام باستغلالها لصالح النمو العام بدلا من الخضوع للوبيات الضغط وجماعات الهيمنة الداخلية فقد تؤسس لنهضة فيتنامية ثانية قد تحوّل البلد الآسيوي الصغير إلى لاعب محوري كبير في الاقتصاد العالمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 3 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube