https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

لمؤلف:هنري كيسنحر

يعتبر أكبر تكريم حصل عليه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر هو جائزة نوبل للسلام في عام 1973عن جهوده في مفاوضات توقيع اتفاقيات باريس للسلام، والتي بموجبها تم وضع نهاية للحرب الفيتنامية وخروج الولايات المتحدة من مستنقع تلك الحرب، لكن كتابه الذي صدر في الآونة الأخيرة بعنوان “عن الصين On China” يشير إلى أن أهم إنجازاته وأكثرها دوامًا هي قيامه بالتمهيد للزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الصين وصياغة البيان الرسمي الذي أدى في نهاية المطاف إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين، ثم قيامه فيما بعد بدور الوسيط فيما بين الطرفين وعلى مدى عقود. وفي هذا الكتاب يقوم كيسنغر، بأسلوب غاية في المهارة والإتقان، بتحليل تاريخ العلاقات الصينية الأميركية ولكنه يكتفي بتقديم نصيحة عامة حول آفاق المستقبل لهذه العلاقة. لقد عمل هنري كيسنغر في الإدارة الأميركية في عهد نيكسون على مدار ثمانية أعوام استمرت من عام 1969 وحتى عام 1977 حيث شغل في البداية منصب مستشار الأمن القومي ثم منصب وزير الخارجية لكل من نيكسون والرئيس الأسبق جيرالد فورد الذي تولى الحكم بعده. ومع ذلك فإن نشاطه وخدماته للولايات المتحدة خارج نطاق العمل الرسمي، وبالتحديد في مجال العلاقات الصينية الأميركية، لم يتوقف على مدى أربعين عامًا.
ويقول كيسنغر في كتابه إنه قام بخمسين زيارة إلى الصين. وكان نشاطه خلال تلك الزيارات يقتصر في بعض الأحيان على تسليم الرسائل المتبادلة بين الرؤساء، وفي أحيان أخرى كان الهدف هو استطلاع آراء الرؤساء الجدد للحزب الشيوعي الصيني. بينما كان يكتفي في بعض زياراته باصطحاب عائلته لمشاهدة معالم الصين السياحية. وعلى مدار أربعة أجيال كان الزعماء الصينيون ينظرون إلى كيسنغر على اعتباره صديقًا قديمًا ولهذا، فقد كان كيسنغر موضع ثقة الإدارة الأميركية بصرف النظر عن ماهية الحزب الحاكم سواء كان جمهوريين أم ديمقراطيين. وترتيب هذا العمل بين أعمال كيسنغر هو الثالث عشر، وهو عبارة عن مزيج من التحليل الاستراتيجي الثاقب الفكر للتحركات والتحركات المعاكسة لكل من الصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، مع وصف مختصر لاجتماعاته ولقاءاته مع زعماء الحزب الشيوعي الصيني. وربما يجد عشاق التاريخ الدبلوماسي في هذا الكتاب المتعة في تناول كيسنغر لأمور سوء التفاهم والأخطاء والفرص الضائعة التي عانت منها علاقات بكين مع واشنطن قبل الزيارة التاريخية التي قام بها نيكسون إلى الصين. ومن بين ما أورده كسينغر في هذا السياق ما قاله الزعيم الصيني الأسطوري ماو تسي تونغ خلال منتصف فترة الستينيات من القرن الماضي إلى الصحافي الأميركي إدغار سنو بان “الصين لن تقوم بمحاربة الولايات المتحدة كما أنها لا تنوي التدخل في قضية فيتنام”، ويعيب كينسغر على المسؤولين الأميركيين إخفاقهم في استيعاب تلك الرسالة. وقال إن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون استمرت في النظر إلى الصين على أنها أكثر تهديدًا للولايات المتحدة من الاتحاد السوفيتي في منطقة جنوب شرق آسيا.
أما القارئ العادي، فسيستمتع بروايات كيسنغر الممتعة وحكايات القيل والقال من خلال مقابلاته مع أغلب زعماء الصين. ومن بين هذه الحكايات مداعبات الزعيم الصيني ماو وأسلوبه العسير على الفهم أثناء الحوار لاسيما وأن ماو كان يدافع عن أفكاره على طريقة الفيلسوف سقراط. فقد كان يبدأ حواره بطرح سؤال أو إبداء ملاحظة ثم بعد ذلك يدعو محاوره للتعليق ثم يستمر في طرح ملاحظاته وتأملاته وتساؤلاته السقراطية.
ويقول هنري كيسنغر إنه كان أقل انجذابًا للزعيم الصيني دينغ شياو بنغ الذي عمل على تحديث الاقتصاد الصيني بعد ماو وذلك خلال عقد عصيب. ويصفه كيسنغر بأنه صاحب أسلوب في النقد لاذع وأنه كان نادرًا ما يضيع وقته في السخرية على عكس ماو. ويرى كيسنغر أن الصين اليوم تدين بالاعتراف بالجميل لرؤية دينغ وصلابته ومنطقه السليم.
ولم ينس كيسنغر أن يشيد برئيسه ريتشارد نيكسون، وذلك بسبب استيعابه الفريد للتوجهات الدولية ولإدراكه في عام 1969 أن الصين ربما تستجيب لمبادرات وانفتاح من جانب الولايات المتحدة. ويشير كيسنغر إلى أن المحرك للدبلوماسية التي أسفرت عن قيام نيكسون بزيارة الصين هو نذر الحرب على الحدود الصينية بين الصين والاتحاد السوفيتي الذي قام بحشد ما يقرب من مليون جندي على تلك الحدود وألمح إلى إمكانية مهاجمة المنشآت النووية في الصين. وفي تلك الأثناء وبعد أشهر قليل من دخوله البيت الأبيض طرح نيكسون رؤيته التي كانت بمثابة صدمة آنذاك والتي كانت تقول إن الاتحاد السوفيتي هو الطرف الأكثر خطرًا وإن غزو الصين يضر بالمصالح الأميركية. وقد أصدر كيسنغر تعليماته التي تقول إنه في حال نشوب حرب بين الصين والاتحاد السوفيتي فإن الولايات المتحدة ستقف موقف الحياد ولكنها تميل كل الميل نحو الصين.
وحول مظاهرات تيانانمن، التي أسفر عن قيام القوات الجيش الصيني باستخدام العنف والقسوة في قمع هذه المظاهرات في حزيران/يونيو عام 1989 الأمر الذي أثار استياء الاتحاد السوفيتي، يرى كسينغر أنه لا ينبغي لأي حدث أن يضعف العلاقات الاستراتيجية التي تربط ما بين الصين والولايات المتحدة، وذلك على أساس أن مثل هذه العلاقات هي التي وضعت الاتحاد السوفيتي في مأزق وحالة اضطراب وهي التي أسهمت في انهيار الاتحاد السوفيتي وإمبراطوريته. إلا أن هذه الرؤية من جانب كيسنغر لم تعد صالحة للوقت الحاضر وذلك في ضوء عدم وجود عدو مشترك لكل من الصين والولايات المتحدة. وما يقدمه هنري كيسنغر في كتابه هو روشتة ووصفة عامة لعلاج كافة العلل التي تعتري تلك العلاقة وينصح بضرورة استمرار العلاقات واستمرار التواصل حتى ولو اختلفت المناحي والتوجهات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube