https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

هناك علامات واضحة لمكارثية جديدة بكل معاني الكلمة، ترتسم في الأفق، هيمزيج من الاختلاف الثقافي والحضاري المتطرف، والعنصرية اللغوية والدينيةوحتى الإثنية البغيضة. يحاكَم فيها الإنسان على إيديولوجيته، أو على دينه،في ظل عصر يُفترض أن يكون براغماتياً أكثر منه أيديولوجياً. لا يختلف جوزيفمكارثي عن دونالد ترامب في شيء. كان مكارثي من وراء اتهام عدد كبير من موظفي الحكومة، وبخاصة وزارةالخارجية، ظلماً، بالشيوعية والعمل لمصلحة الاتحاد السوفياتي. وامتدتالمكارثية لجميع قطاعات المجتمع الأمريكي، وراح ضحيتها الآلاف ممن زج بهمفي السجون ومطاردتهم والتنكيل بهم، من هؤلاء مارتن لوثر كينغ، ألبرتأينشتاين، آرثر ميللر، تشارلي تشابلن، وغيرهم. ما الفرق بين البارحة واليوم؟ لم يعد اليوم الانتماء للإيديولوجيةالشيوعية، بعد أن تم تقويضها، مهماً، أو لنقل كافياً للطرد أو المتابعةالقانونية، كما كان الأمر في السابق عندما تم تعميم المكارثية التي خولتللقضاة مطاردة كبار الفنانين في كل الميادين، ومراقبة تحركاتهم قبلمحاكمهم، وسجن وطرد الكثيرين منهم نحو بلدانهم الأصلية، على الرغم من أنهمولدوا في أمريكا الحرية والديمقراطية الفريدة، وعاشوا فيها كما عاش آباؤهموأجدادهم. بين يوم وليلة تغيّر كل شيء، فأصبحوا مواطنين من درجة عاشرة، وغير مرغوبفيهم. هذه المرة، مع ترامب، أصبح الإسلام هو الشبهة. أي تعويض الإيديولوجيةبالدين الإسلامي تحديداً، على الرغم من أننا نعرف أن جنون التطرف موجود فيكل زمان ومكان. هناك حقيقة موضوعية يجب عدم نسيانها. الإسلاموية المرتبطةبعدمية غير مسبوقة، سببت خراباً كبيراً في الجسد الإسلامي عموما، والعربيخصوصاً. فقد افترضت نفسها الوحيدة المالكة للحقيقة الاجتماعية والدينية،وطوعت الدين، من خلال سلسلة من التفاسير التي لها مبرراتها وسياقاتهاالتاريخية في زمانها. واستعملت الدين كأيديولوجية مدمرة لأي تطور، وخلقتالفرقة في المجتمعات الإسلامية نفسها، بين مسلم جيد وآخر لا. بين سنّيوشيعي. بين مسلم ومسيحي وغيرها من الثنائيات العنصرية، وكل من لم ينتملعدميتها أو حاول مقاومتها، اعتبر عدواً تجب محاربته. كل ذلك، وفق نظرة شمولية، عمقها إيديولوجية مدمرة، دكتاتورية بعباءة دينيةمقدسة، على قدّ المقاس، الهدف من ورائها تمرير خطابها العدمي والمتطرف،باستغلال حالة الأمية والجهل المستشرية. ليست الحرب الدائرة اليوم هي حربالثنائيات، بين الشرق والغرب، بين الملائكة والشياطين. الخطر الإرهابيالأصولي حقيقة سوسيولوجية، يمكننا أن نتحدث عن أسبابها طويلا، لكنها موجودةوحاضرة، وهي تدمي العالم الإسلامي الضعيف أمنيا قبل العالم الغربي. ردودفعل المواطن الأمريكي البسيط أو الأوروبي العادي عموما، طبيعية. هناك خوفحقيقي وليس وهماً مفتعلاً. خوف تولته الوسائط التابعة للمؤسسة الإعلاميةالمتعالية، فضخمت حقيقة موضوعية ومرئية، مع خلط أحيانا غير بريء، بين مسلمبسيط يعيش دينه أو حتى لا دينه كما يريده، في تناغم مع هويته المبطنة، وهوحال الغالبية التي تتعدى 99 في المئة يوميا في الشارع الأوروبي والأمريكي. وبين مسلم اختار التطرف، وأحيانا الفعل الإرهابي ليصل إلى حل معضلاتهالخاصة. فتشمل كلمة الإسلام الأمرين على تناقضهما، وتتحول إلى رديفللإرهاب. فعل أقلية أصبح يشمل ديناً بكامله. لكن ضعف المؤسسة الدينيةالإسلامية في أوروبا تتحمل مسؤولية ذلك، لأنها في الأغلب الأعم ظلت تبعيةلبعض البلدان الإسلامية المتزمتة دينيا، ولا حضور لهذه المؤسسة في العملعلى خلق نموذج المسلم العقلاني الرافض للتطرف، والمحتفل بإيمانه، لكن فيالوقت نفسه ينتمي إلى مجتمع أوروبي أصبح مجتمعه، تحكمه قوانين وضوابط خارجةالنظرة الأحادية. لا يمكنه أن يعيش دينه وينتمي ذهنياً على الأقل، إلىبيئة أخرى تحكمها الشرائع المدنية والدينية الإسلامية التي لا يعرف منهاإلا القشور والعدمية التي كثيراً ما تفرض عليه لأنها تجد أمامها كائناًمفرغاً داخلياً، سهل الانقضاض عليه. وإلا ماذا فعلت هذه المؤسسة الدينيةللمسلمين الأوروبيين الذين توجهوا إلى أمكنة القتال والصراعات، وتحولوا إلىمجرد لحم للمدافع داخل وهم الدولة الإسلامية الصافية القريبة في أطروحاتهاإلى إيديولوجيات الصفاء العرقي النازية. هناك حقائق يجب عدم التغاضي عنها. مثلما لأوروبا قيم إنسانية نادت بها وأنسنتها بالحروب تارة، وبالإقناعبنموذجها تارة أخرى، والتي كان عليها حمايتها من مختلف التطرفات العاصفة،للمسلم أيضاً حقه في الدفاع عن مكوناته وتوليفها إنسانياً. الهويات ليستكيانات مغلقة. عندما تسد أبوابها يبدأ رفض الآخر والحقد عليه فقط لأنهمختلف. وفق هذا المنطق، ليس دونالد ترامب ظاهرة منفصلة عن كل ما أحاط ويحيطبها، وليس أيضاً إلكتروناً حراً يدور في الفراغ. فهو التعبير الصريح عنهذه التصورات المسبقة عن الإسلام والمسلم والعربي أيضاً، بكل انغلاقهاوقسوتها. تتخذ صفة متوحشة وظاهرة ولا تلعب على الخطابات المتسيدة مثلما هوالحال في بعض دول أوروبا، حيث أصبح الإسلام وسيلة انتخابية حقيقية وظاهرة. نماذج كثيرة تتبدى فيها الظاهرة بوضوح شديد. في هولندا بحيث أصبح الجهربالعنصرية والإسلاموفوبيا مسألة اعتيادية. الانتخابات الأولية في فرنساأظهرت أيضاً هذه الظاهرة حتى أصبح الثلاثي لوبين، صاحب السبق، وساركوزيالجمهوري الذي لم يبقِ من جمهورية ديغول إلا عظامها وشعاراتها، على الرغممن مرجعها التاريخي المتوازن، وفرانسوا فيون القريب من فيليب سوغان الذيمسح بضربة كف، إنسانية سوغان وصداقته التاريخية للعرب. فيون، راهن بدورهعلى الخطاب الإسلاموي والتخويف، ليضعه على حواف العنصرية الدينية؟ وراهنعلى خطاب محاربة الفساد، قبل أن يدركه هذا الخطاب، ويضعه في الزاويةالضيقة، من خلال الفضائح التي أثارتها لوكانار أونشيني، وجرائد أخرى إلىدرجة أن أطلقت عليه الصحافة مسلسل فيون. طبعا، هناك في أوروبا، تياراتمقاومة، لكن ثقل الإعلام المضاد كبير، وهيمنة شخصيات مثل إريك زمورفلكنكراوت وغيرهما، ولا يسمح ببروز الحقيقة المنتظرة والمرجوة. تظلالخطابات العنصرية للأسف، هي المهيمنة بشكل كبير على المشهد السياسيالأمريكي والأوروبي. لهذا ترامب ليس إلا التعبير الواضح والنموذجي عن هذاالتيار الذي يهرب من المشكلات البنيوية الرأسمالية المتوحشة التي وصلت إلىسقف شديد الخطورة، من تفككها الداخلي غير الظاهر. وأعادت النظر في كلالمكاسب التي حققتها البشرية إنسانياً، ووضعت إنسان هذه الدول، في أفقالاستعمار الجديد الذي يعود سريعاً، يقوده الجشع الكبير، ورغبته الكبيرة فيحل مشكلاته وجشعه على حساب شعوب بلا نظم حقيقة، ولا تكنولوجية دفاعية،غنية نفطياً وبموادها الأولية، لكن حكم عليها بالفقر الأبدي، والهزاتالشعبية التي ظاهرها ديمقراطي وبحث عن العدالة، وعمقها تفكك وحروب أهليةطاحنة مُدارة عن بعد. الناس يموتون بالآلاف، بينما طريق الحرير النفطيمستمرة، كما لو أن شيئاً لم يكن.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر − 12 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube