https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

ودعت إندونيسيا  رئيسها الثالث بحر الدين يوسف حبيبي عن عمر ناهز 83 عاما، وقد أوقفت القنوات التلفزيونية جميع تغطياتها لتتابع الحدث من المستشفى إلى منزل أسرة الراحل ثم الدفن.

ويعد حبيبي من الشخصيات التي تلقى إجماعا وطنيا، وارتبط اسمه بالتحول الديمقراطي في إندونيسيا قبل 21 عاما،إلى حد أنه يوصف بأنه “أب للديمقراطية”، ففي منتصف عام 1997 استفحلت الأزمة المالية في البلاد وفي آسيا كلها وأدت لحراك طلابي أجبر لاحقا الرئيس محمد سوهارتو على تقديم استقالته بعد حكم امتد لـ32 عاما، وسلم السلطة إلى حبيبي الذي كان قد اختاره نائبا له. تسلم حبيبي الرئاسة في 21 مايو/أيار 1998 وحتى 20 أكتوبر/تشرين الأول 1999. كانت فترة رئاسة قصيرة، لكنه ترك أثرا كبيرا لمن بعده، وحينها سمى حكومته ذات الوظيفة الانتقالية “حكومة التنمية الديمقراطية”، فألغى القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، مطلقا الحريات الصحفية ورافعا كل آليات الرقابة التي كانت مفروضة على العمل الإعلامي من خلال وزارة الإعلام طوال عقود مضت. قوانين الإصلاح والانفتاح ولتحقيق التحول الديمقراطي سُن في عهد حبيبي قانون الأحزاب واضعا خريطة طريق لإنهاء الحضور العسكري في البرلمان، كما أسس للحكم المحلي والذاتي في الأقاليم من خلال تقنين ذلك، وسُن أيضا قانون للانتخابات، مما فتح المجال لتعددية حزبية غابت عن البلاد منذ الخمسينيات. كذلك، صدر في عهده قانون يعيد رسم عضوية البرلمان ومجلس الشعب الاستشاري، وقانون للصحافة، وآخر للمصرف المركزي الإندونيسي. وما ينساه كثيرون أنه أدار مع فريقه الأزمة المالية الآسيوية في فترة وصلت قيمة الروبية إلى أدنى مستوياتها، فعندما استلم السلطة كان الدولار الواحد يساوي نحو 15 ألف روبية، ولم يترك القصر الرئاسي حتى أعاد الروبية إلى مستوى 6500 فقط مقابل الدولار. وكان له أيضا دور في الحفاظ على وحدة البلاد التي شهد سكانها مسلسل فصل تيمور الشرقية عنها من خلال استفتاء لقي دعما خارجيا في أغسطس/آب 1999، وشكل صدمة للإندونيسيين. مؤسس صناعة الطيران لم يكن حبيبي عسكريا أو سياسيا كغيره من القادة في حزب غولكار الحاكم آنذاك، فقد كان ذا خلفية علمية متميزة أهلته لأدوار يتذكرها الإندونيسيون، فلفترة استمرت عقدين قبل تسلمه الرئاسة كان وزيرا للبحوث والتقنية، ورئيسا لهيئة البحوث والتطبيقات العلمية. ويعود له الفضل في وضع خطة لتوفير فرص تعليمية لآلاف الشباب الإندونيسيين في تخصصات علمية مهمة، وتابع هؤلاء دراستهم في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا، ليستفيد منهم لاحقا في الصناعات التي أسسها. وقاد حبيبي فريقا موسعا في مختلف الصناعات الإستراتيجية، فخلال تسلمه وزارة البحوث والتقنية أسس شركة إنكا لصناعة القطارات، وشركة بال لصناعة السفن، وشركة إنتي لأجهزة الاتصالات، وشركة بينداد لصناعة السلاح والمعدات والعربات العسكرية، وما زالت كلها قائمة ومنتجة، كما برزت من بينها شركة صناعة الطائرات في مدينة باندونغ التي حققت عددا من الإنجازات التصنيعية، وذلك بتصنيع عدد من الطائرات وبدخولها صناعة أجزاء لطائرات لشركات عملاقة. لمحة عن حيات حبيبي ولد في بلدة باري باري جنوب غرب جزيرة سولاويسي عام 1936، وكان من الطلبة المتميزين في معهد باندونغ التقني في جاوا الغربية، وتابع دراسته في ألمانيا في مجال هندسة الطيران بين عامي 1955 و1965. جوائز علمية حصل حبيبي على جوائز علمية في بلاده ومن بريطانيا والسويد وألمانيا والولايات المتحدة، ومن بينها جائزة إدوارد وارنر، وجائزة تيدروي فان كارمان الألمانية. وفي عام 1973 طلب الرئيس الأسبق سوهارتو من حبيبي العودة إلى بلاده، وهنا بدأت مسيرة اهتمامه بصناعة الطيران منذ تأسيسه ورئاسته شركة حكومية حديثة التأسيس لصناعة الطائرات والمروحيات عام 1976 كأول شركة من نوعها في جنوب شرق آسيا. وكان يدرك ومنذ وقت مبكر أن بلاده -التي تعد أكبر أرخبيل في العالم- مقبلة على نمو سريع للنقل الجوي خلال عقدين أو ثلاثة، وكان تقديره دقيقا ونراه يحدث اليوم، فدفع حينها بصناعة طائرات صغيرة ومتوسطة تناسب النقل بين الجزر. وقد ورّث حبيبي ابنه إلهام أكبر وجيلا من المهندسين هذا الولع بالصناعة الجوية، فأسس عام 2012 شركة خاصة تعمل في مجال صناعة الطائرات بدأت العام الماضي بتصميم طائرة ستعرف باسم “آر80” نسبة إلى سعتها 80-90 راكبا، وهي مستوحاة من مشروع طائرة “إن 250” الذي تعثر إنجازه بسبب الأزمة المالية عام 1997. ويفترض حسب الخطة أن يبدأ إنتاج هذه الطائرة وبيعها للشركات عام 2025، ويسعى المشروع -الذي يوصف بأنه كان آخر مشاريع حبيبي قبل وفاته- إلى جذب استثمارات أجنبية لتسريع إنجازه. اتحاد المثقفين في ظل حكم الجنرال سوهارتو الذي كان معتمدا على الجيش وحزب غولكار ونخبة ثرية متحالفة معه أسس حبيبي اتحاد المثقفين المسلمين الإندونيسيين (إتشمي) عام 1990، وانضم إليه نحو عشرين ألف مثقف من اقتصاديين ومهندسين وكتاب وأدباء وقانونيين وناشطين اجتماعيين. وكان لبعض أعضاء هذا الاتحاد دور في التحول الديمقراطي بالبلاد، مثل أمين رئيس الذي قاد مسار الإصلاح الدستوري في مجلس الشعب الاستشاري. انسحب الرئيس حبيبي من الساحة السياسية مع انتهاء فترته الانتقالية في أكتوبر/تشرين الأول 1999 بسبب تنافس داخل حزبه غولكار آنذاك وبعد أن أدى دوره في المرحلة الانتقالية، ولم يسعَ للعودة إلى المنافسة السياسية مجددا، وهو ما رفع مكانته في قلوب الإندونيسيين. وقد قضى بقية عمره في العمل البحثي من خلال “مركز حبيبي” الذي اهتم بمراقبة الممارسة السياسية الديمقراطية وأداء الإعلام، إلى جانب متابعة مشاريع صناعية عدة، وفي السنوات الأخيرة عرضت السينما الإندونيسية عددا من الأفلام التي تحكي قصة حياته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 + واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube