قالت مجلة فورين بوليسي إن الأحداث الأخيرة في بنغلاديش تُظهر كيف أضر المشروع القومي الهندوسي بالمصالح الإقليمية للهند، وكيف كانت استقالة رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة صدمة للمؤسسة السياسية والأمنية الهندية التي دعمتها بالكامل خلال فترة ولايتها، متجاهلة في كثير من الأحيان مخاوف أصحاب المصلحة الآخرين وشعب بنغلاديش.
وأوضحت المجلة -في مقال بقلم سوشانت سينغ من جامعة ييل- أن تنصيب ناريندرا مودي رئيسا للوزراء قبل 10 سنوات، قدم سياسة “الجوار أولا” الخارجية التي كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الودية والتآزر الاقتصادي بين الهند وجيرانها، ولكن سرعان ما تعثر هذا النهج بسبب النزاعات الحدودية والخلافات الثنائية، والنفوذ الصيني المتزايد في المنطقة
ويبدو -حسب الكاتب- أن إخفاقات السياسة الهندية في جوارها لا ترجع فقط إلى أحداث خارجية، بل إنها أيضا مظاهر للسياسة الداخلية الهندية الحالية، فمن إضفاء الطابع الأمني على الدبلوماسية إلى صورة مودي كرجل قوي، قوضت نيودلهي أوراق اعتمادها الليبرالية بين شعوب جنوب آسيا.
أيديولوجيا هندوسية
وقد لعبت الأيديولوجيا القومية الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا التابع لمودي، دورا رئيسيا في الإضرار بالمصالح الإقليمية للهند، وخاصة في بنغلاديش، حيث أثار قانون تعديل المواطنة لعام 2019 الذي سرع منح الجنسية الهندية للأقليات المضطهدة في البلدان المجاورة مع استبعاد المسلمين انتقادات من الجمهور البنغلاديشي.
ومع ذلك وفرت استقالة الشيخة حسينة للحكومة الهندية فرصة للتأمل -حسب الكاتب- ولكنها كما يبدو غير قادرة على الانخراط في تصحيح السياسات، علمًا أن صورة الهند الملطخة في بنغلاديش ليست أول فشل كبير لحكومة مودي في جنوب آسيا ولن تكون الأخيرة.
وذلك لأن سعيها إلى إقامة دولة هندوسية بحكم الأمر الواقع لا يضر بالهند وحدها، بل سيخلف نتائج كارثية في جنوب آسيا أيضا.
وذكّر الكاتب بعمق العلاقات بين الهند والشيخة حسينة التي لجأت مع شقيقتها إلى نيودلهي بعد اغتيال والدها الشيخ مجيب الرحمن في انقلاب عسكري عام 1975، قبل أن تعود إلى بنغلاديش، حيث شغلت منصب رئيسة الوزراء لأول مرة عام 1996 وحتى عام 2001 قبل أن تعود مرة أخرى إلى منصبها في عام 2009.
نهج أمني مفرط
وقد أشرفت حسينة على نمو اقتصادي هائل وسيطرت على كافة مؤسسات الدولة، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، مما أوهم الهند أنها ستستمر في الحكم رغم الاحتجاجات، ولكن في فشل استخباري ودبلوماسي هندي مذهل، أصيبت نيودلهي بالذهول عندما طلب الجيش من حسينة مغادرة البلاد هذا الشهر، ولم يبق لها إلا اللجوء إلى نيودلهي.
غير أن النهج الأمني المفرط الذي تنتهجه الهند في التعامل مع دبلوماسية الجوار، والذي ينعكس في دعمها غير المشروط لحسينة ــحسب الكاتب- يتعارض مع جوهر الروابط التاريخية والثقافية والإثنية والجغرافية والاقتصادية التي تربط الهند مع مختلف أنحاء جنوب آسيا، مما أضاع فرص نيودلهي لكسب ثقة جيرانها.
ففي ميانمار، اختارت الهند المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 2021، وفي أفغانستان، أقامت علاقات ودية مع حكام طالبان، وفي بنغلاديش، تكثر الشكاوى من السلوك القاسي لقوة أمن الحدود الهندية
وقد شكلت سياسة مودي الدبلوماسية الإقليمية القوية عقبة للهند، التي شنت غارة عبر الحدود في ميانمار عام 2015 ضد معسكرات عبور المتمردين الهنود، وفي نفس العام أطلقت حصارا تجاريا على نيبال عندما أعلنت نفسها جمهورية علمانية، وفي العام الماضي، أطلق أنصار مودي حملة للسياح الهنود لمقاطعة جزر المالديف، بعد خلاف دبلوماسي عندما انتقد بعض الوزراء المالديفيين مودي.
وطن للهندوس فقط
وفي بنغلاديش، انضاف النهج الصارم الذي تنتهجه شرطة الحدود الهندية إلى الشكاوى العامة بشأن تصرفات نيودلهي بشأن تقاسم المياه ومرافق العبور وغيرها من القضايا المتعلقة بالتجارة، والتي يُفترض أنها غير عادلة بالنسبة لداكا، وبدا أن الجمهور ينقل غضبه من الهند لانتهاكها سيادة بنغلاديش إلى حسينة.
وبالفعل ساهمت الشعبوية والاستبداد والمحسوبية في إثارة المشاكل للهند في بنغلاديش، لكنّ سعي حكومة مودي إلى أيديولوجية القومية الهندوسية كان أكثر ضررا، إذ إن قانون تعديل الجنسية لعام 2019 يخدم هدف إنشاء دولة هندوسية بحكم الأمر الواقع، حيث سارعت الهند إلى منح الجنسية الهندية للهندوس في بنغلاديش، مما غذى سردية معادية للهند هناك.
وفي خطابه الوطني يوم استقلال الهند، تحدث مودي عن قلق مواطني الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة بشأن سلامة الهندوس في بنغلاديش، مصورا الهند على أنها وطن للهندوس فقط، وليست الدولة المتعددة الأعراق والأديان واللغات التي كانت معروفة منذ مئات السنين.
يبدو أن حكومة مودي الآن تفتقر إلى القدرة على التأمل الذاتي -كما يقول سوشانت سينغ- وبدلًا من إلقاء اللوم على باكستان أو الصين أو الإسلاميين في الأحداث التي أدت إلى استقالة الشيخة حسينة، يتعين على الهند أن تعترف بأن مواطني الدول المجاورة قادرون على استعادة سلطتهم وممارستها ضد الأنظمة الاستبدادية