https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

هل أخطأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في قولها يوم ٣٠/٨ /٢٠١٥ “نحن قادرون على ذلك” إيذانا بفتح الحدود يوم ٤/٩ / ٢٠١٥ أمام مئات الألوفمن المشردين السوريين ما بين الجبال والوديان الأوروبية؟ما هي النتائج الفعلية على الأرض لما بات يعرف بسياسة اللجوء الألمانية،وهل يمكن أن تؤدي إلى خسارة المستشارة نفسها الانتخابات العامة عام ٢٠١٧؟ما الذي طرأ على هذه السياسة في هذه الأثناء، وهل يمكن التراجع عنها لاسيما تحت الضغوط الداخلية المتصاعدة، ليس في صيغة ارتفاع أسهم اليمينالمتطرف فقط؟لا توجد أجوبة قاطعة على هذه التساؤلات المطروحة يوميا على المستوياتالسياسية والعامة في ألمانيا وأوروبا، مع ما تثيره من أصداء على صعيد “اللاجئين” أنفسهم، لا سيما السوريين منهم..فمعظم ما يدور من حوار يتركزعلى محورين، حسابات الربح والخسارة، وتوظيف المواقف الرسمية في خدمةالمعركة الانتخابية وقد أصبحت على الأبواب. خياران أحلاهما مرعندما بلغ تعداد المهاجرين المشردين عن سوريا مئات الألوف على ما يعرف بخطالبلقان، ومعظمهم يسعى للوصول إلى ألمانيا أو السويد، كانت الدولةالألمانية أمام خيارين: ١- التشبث بسياسة إغلاق الحدود المتبعة منذ سنين مع التركيز على تحصينالحدود الخارجية الأوروبية والتمسك باتفاقات أوروبية أهمها ما يقضي بأنتكون طلبات اللجوء ومعالجتها في أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وهو ماحمّل بعض الدول أعباء ثقيلة، كما هو الحال مع إيطاليا شمال المتوسطواليونان جنوب البلقان. ٢- فتح الحدود دون أن تسبق إلى ذلك استعدادات كافية على مستوى إدارة أعدادضخمة من اللاجئين الجدد، لا تستطيع الأجهزة المعنية ومعسكرات الاستقبالالمؤقت استيعابها في حدود ما كانت عليه من تجهيزات تناسب استقبال عشراتالألوف وليس مئات الألوف. “خياران أحلاهما مرّ” كما يقال وكما يبدو للوهلة الأولى، والواقع أن الخيارالأول لم يكن واردا بسبب عواقب وخيمة للغاية، منها: ١- تحميل الأعباء الأكبر لليونان في حينه، وهي في وضع اقتصادي وسياسي لايقارن بوضع ألمانيا وأوضاع دول أخرى، كالنمسا وفرنسا والدول الاسكندنافية،وبالتالي فإن الأطراف السياسية الأوروبية التي تعارض سياسة ميركل الحاليةبشدة، كانت ستعارضها بشدة أكبر لو بقيت الحدود الألمانية مغلقة. ٢- لا يزال لعقدة النازية أثرها في تقويم السياسات الألمانية بالمنظورالإنساني، لا سيما عند استخدام العنف، ومن المؤكد أن إغلاق الحدود في وجهموجة لجوء كبرى كان سيتطلب ما يشبه الثكنات العسكرية، واستخدام أجهزة الأمنوحرس الحدود وربما القوات العسكرية، كما فعلت دول أوروبية شرقية لا سيماالمجر التي لا ينقطع لومها أوروبيا، ولو سلكت ألمانيا أساليب مشابهة لكاناللوم أضعافا مضاعفة. كان على ميركل واقعيا أن تختار بين “فوضى نتيجة الترحيب باللاجئين” و”فوضىنتيجة ردّ اللاجئين” على حد تعبير أسبوعية “دي تسايت” المرموقة يوم ٢٩/٨ /٢٠١٦، أي أنه لم يكن يوجد سوى خيار واحد له تبعاته، إذ يتطلب مضاعفةالجهود الألمانية نفسها، وهو ما تعنيه عبارة “نحن قادرون على ذلك”، وعندماعلقت ميركل يوم ٣١/٨ /٢٠١٦ على عبارتها تلك قبل عام واحد، لم تتراجع عنها،إنما استغربت تركيز الاهتمام الكبير عليها، وأضافت أنها لو قدّرت ذلك مسبقافلربما استخدمت عبارة سواها. الواقع أن ميركل لا تنفرد برؤيتها أن ألمانيا قادرة على التعامل مع التحديالجديد، ومن الأمثلة على ذلك قول وزير الداخلية توماس دي ميزيير من قبل -وهو من الصقور في قضية اللجوء عموما- “كدولة ثرية لا تتجاوز المشكلةطاقتنا على الإطلاق” كما جاء في مقابلة له مع صحيفة فرانكفورتر آلجيماينهيوم ١٨/ ٧/ ٢٠١٥. وحتى أشد المنتقدين لميركل، رئيس حزب المسيحيين الاجتماعيين الشريك في “الاتحاد المسيحي”، هورست زيهوفر، لم ينقطع عن انتقادها ولكن لم يقدم خلالعام كامل “بديلا” عمليا واحدا عن السياسة المتبعة، مما يسمح بتصنيفانتقاداته في نطاق المنافسات الحزبية على أصوات الناخبين، وتكاد تتخذ صبغة “المزايدة” على اليمين المتطرف. سياسة الحدود المفتوحة مستمرة، وإن صدرت إجراءات تحدّ منها جزئيا مثل مزيدمن العراقيل في تطبيق مبدأ “جمع الشمل” أو زيادة حدة التعليمات حول مكانالإقامة والعمل أثناء النظر في طلبات اللجوء وبعد الموافقة لفترات زمنيةمعينة، ولكن هذه الإجراءات تندرج في نطاق التخفيف من مفعول الحملاتالمضادة، لا سيما من جانب اليمين المتطرف، والموصوفة بالحملات “الشعبوية” المعتمدة في الدرجة الأولى على المخاوف غير المبررة. أعباء فورية ومكاسب منتظرةاستهدف فتح الحدود في حينه أيضا امتصاص غضب الرأي العام إزاء القصور الدوليأمام المأساة الإنسانية للسوريين، فقد سبق ذلك تحوّل ملموس في غالبيةوسائل الإعلام الألمانية وأصحاب التأثير ممن يظهرون على الشاشة الصغيرةوعبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لم يكن أحدهم يشير بالكاد إلى مشكلةاللجوء والتمييز بين عوامل سياسية واقتصادية وأمنية، ويشير إلى استحالةاستيعاب طالبي اللجوء جميعا في ألمانيا، إلا ويستثني السوريين منهم بسببأوضاعهم. وآنذاك أرادت ميركل أن يكون فتح الحدود مؤقتا لتأمين معطيات ضبط تدفقهقانونيا والتعامل معه إداريا وماليا، وهو ما جعلها تركز لاحقا على الاتفاقالمعقود مع تركيا، وتستشهد بنجاحه حين تتحدث حاليا عن التطلع إلى ما يشابههفي التعامل مع اللجوء عبر المتوسط، مقابل خذلانها أوروبيا بشأن تعميمالالتزام باستقبال اللاجئين وتوزيعهم على دول الاتحاد الأوروبي. ويظهر حجم الأعباء موضوعيا عند العودة إلى المعيار المستخدم في السياسةالألمانية مع مشكلة اللاجئين تبعا لتثبيت حق اللجوء السياسي في المادة ١٦- أمن الدستور، فالمعيار هو عدد طلبات اللجوء، وكانت ذروتها عام ١٩٩٥ إذ بلغتزهاء ١٦٧ ألفا، وأدنى مستوى لها عام ٢٠٠٨ في حدود ٢٨ ألفا، ولكنها ارتفعتمجددا إلى ١٢٧ ألفا عام ٢٠١٣ وحوالي ٢٠٣ آلاف عام ٢٠١٤، أما في عام ٢٠١٥الماضي، الذي شهد فتح الحدود فقد وصل حوالي ٩٠٠ ألف لاجئ إلى ألمانيا. وتكشف مقارنة الأرقام عن الأعباء الإضافية، من حيث إقامة معسكرات الاستقبالوزيادة أعداد المسؤولين عن الشؤون الأمنية والإدارية، فضلا عن أعباء تأمينالسكن والمورد المالي ودورات التدريب وأماكن العمل ومقاعد الدراسة لمنتقبل طلبات لجوئهم. بالمقابل تحتاج ألمانيا إلى “المهاجرين” إليها من جيل الشباب، لا سيماأصحاب الكفاءات والمهارات المهنية، ولم يعد يوجد خلاف كبير بصدد وصفألمانيا أنها “بلد هجرة” ككندا مثلا، فمن قبل موجة اللجوء الأخيرة وصلتنسبة ذوي الأصول المختلطة إلى أكثر من ٢٥% من مجموع السكان. ولا تنقطعالمخاوف منذ سنوات من هبوط نسبة القادرين على الإنتاج لتحتفظ ألمانيابمكانتها عالميا، وكذلك بالرفاهية داخليا، نظرا إلى استمرار تبدل الهرمالسكاني نتيجة ارتفاع نسبة المسنين المتقاعدين، وسبق للحكومات الألمانية أنبذلت جهودا مضادة كبيرة دون جدوى، عبر برامج خاصة لترحيل المتقاعدين منذوي الأصول الأجنبية بإغراءات مالية كما كان في عهد المستشار الأسبق هلموتكول، وبرامج جلب المتخصصين من الهند بعقود متميزة لسنوات معدودة لاحقا،علاوة على سلسلة القوانين ذات التكلفة المالية العالية لتشجيع الإنجاب فيألمانيا. وتقول الإحصاءات الرسمية إن ارتفاع نسبة الولادات بدأ بالفعل منذ أربعسنوات، ووصل عام ٢٠١٥ إلى ما يعادل وسطيا (١.٥) طفلا لكل امرأة في سنالإنجاب، ولكن تقول التفاصيل إن هذا لا يسري على ذوات الأصول الألمانية،كما أن الحفاظ على عدد سكان ألمانيا في حدود ٨٠-٨٢ مليونا لم يتحقق منذ عام١٩٨٥إلا عبر مزيد من المهاجرين والمتجنسين، ولا يتحقق ذاتيا في المستقبلإلا إذا وصل معدل الولادة إلى طفلين لكل امرأة.. وهو مستبعد وفق الدراساتالاجتماعية المعتبرة. صعود اليمين المتطرفيحمّل خصوم ميركل السياسيون سياسة “فتح الحدود” المسؤولية عن ارتفاع نسبةالتأييد الشعبي لليمين المتطرف، وهو ما انعكس بالفعل في انتخابات محلية فيأربع ولايات ألمانية على التوالي، ولم يعد مستبعدا أن يصل حزب “البديل” المتطرف الجديد نسبيا إلى المجلس النيابي الاتحادي عبر انتخابات ٢٠١٧،ويمكن في الحملات السياسية والإعلامية الدعائية الربط بين ذلك وبين سياسةميركل، إنما تنقضه النظرة الموضوعية، فظاهرة صعود اليمين المتطرف أوروبيةوليست محصورة في ألمانيا. وتقول التقديرات العامة واستطلاعات الرأي العام إن الحزب المذكور يحظىبتأييد شعبي بنسبة 15% في ألمانيا، ولكن تقديرات واستطلاعات مشابهة تقول إننسبة التأييد لليمين المتطرف تصل إلى ٣٠% في فرنسا و٤٠% في الولاياتالمتحدة الأميركية، و٥٠% في النمسا، ناهيك عن أثر هذه الظاهرة في التصويتعلى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي وصول حكومات يمينية متشددةإلى السلطة في شرق أوروبا، وجميع ذلك يتجاوز الوضع في ألمانيا بمراحل، ولايمكن القول إنالسياسة المتبعة على صعيد اللجوء في تلك البلدان كانت علىغرار السياسة الألمانية أو أكثر “ترحيبا” باللاجئين والمشردين من أنحاءالعالم، سواء بسبب الاستبداد أو الحروب أو حتى هوة الفقر والثراء بينالشمال والجنوب.. وعلى غرار ذلك يمكن القول بعدم وجود مستند موضوعي للربطبين “فتح الحدود” وتصعيد ما يوصف بالإرهاب المرتكب باسم توجهات إسلامية. يبدو أن ما سبق لا يغيب عن غالبية عموم السكان في ألمانيا، ومما يشير إلىذلك وفق صحيفة “دي فلت” يوم ٣١/٨/ ٢٠١٦، أن ٥٧% من السكان يؤيدون قرارميركل (بالتوافق مع النمسا في حينه) على فتح الحدود أمام مئات الألوف منالمهاجرين وتمكينهم من الوصول إلى الأراضي الألمانية، ويقابل ذلك حوالي 33% من المعارضين، كما أن نسبة المعارضين لمقولة ميركل “نحن قادرون على ذلك” كانت تعادل 59% يوم أطلقتها لأول مرة، وهبطت بعد مرور عام على تطبيقمقتضاها إلى ٥٤%، مقابل ارتفاع نسبة المؤيدين من ٣٧ إلى 43%. من المستبعد وفق هذه المعطيات وسواها حدوث تبدل جذري في سياسة الحدودالمفتوحة، وهي سياسة موازية لارتفاع نصيب ألمانيا من المخصصات الماليةلأغراض إنسانية في مناطق النزاعات الدموية الدائرة، ولكن ستستمر عمليةتطوير القوانين والإجراءات الإدارية حول مشكلة اللجوء بهدف تنظيمها وضبطهادون المساس بجوهرها من حيث الأساس، مقابل متابعة العمل للحد من استقبالاللاجئين القادمين من البلقان وبعض البلدان الآسيوية والأفريقية، دون أنيشمل ذلك سوريا والعراق تخصيصا. تسري هذه التوقعات بصورة خاصة، إذا ما أعلنت ميركل عن ترشيح نفسها لمنصبالاستشارية في انتخابات ٢٠١٧، فنجاحها مرجح إلى حد كبير رغم هبوط نسبةشعبيتها قليلا في الاستطلاعات الدورية، ولكن الفارق بينها وبين سواها لايزال كبيرا مع استبعاد حدوث تبدل يذكر في الشهور القادمة، ولا يتناقض ذلكمع سلسلة النتائج السلبية في الانتخابات المحلية للولايات على حساب حزبالمسيحيين الديمقراطيين برئاسة ميركل، فظاهرة تمكين الأحزاب المعارضة علىمستوى الولايات معروفة من جولات انتخابية سابقة، وتعلّل برغبة الناخبين فيتحقيق توازن في التشريعات التي تتوزع صلاحياتها بين المجلس النيابيالاتحادي ومجلس تمثيل الولايات الألمانية .

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + 11 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube