https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

 المؤلف :شوشانا كيلر

أستاذة في قسم التاريخ الروسي/السوفييتي في كلية هاميلتون في مدينة نيويورك. تركز في أبحاثها وأعمالها على الطابع متعدد الجنسيات للاتحاد السوفييتي ودمج التاريخ الروسي في تاريخ القارة الأوروبية الآسيوية، ومن بين اهتماماتها الأخرى التاريخ الديني وبناء الدولة في السياق السوفييتي.

بقيت دول آسيا الوسطى، (كازاخستان، أوزباكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وتركمانستان)، كياناً تابعاً لإمبراطوريات وثقافات مهيمنة حولها، لكنها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حصلت على استقلالها كدول قومية مستقلة. ويسلط هذا الكتاب الضوء على تاريخ هذه المنطقة الجغرافية المهمة خلال خمسة قرون من التغيرات، خاصة من جهة علاقتها مع روسيا، وتقديم منظور جديد للاستعمار والحداثة.

يقدّم هذا الكتاب لمحة عامة عن العلاقة بين منطقتين ديناميكيتين، والطرق التي أثرت بها روسيا في آسيا الوسطى، وكيفية التأثير المتبادل بين أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، وهذين الكيانين. ويغطي الكتاب فترة التعايش المبكر في القرن السابع عشر حتى يومنا هذا، ويحاول ابتكار طرق جديدة للتفكير حول كيفية تطور العالم الحديث.

تركز شوشانا كيلر على خمس دول رئيسية في آسيا الوسطى، هي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان. ويتشابك التاريخ الثقافي والاجتماعي مع السرد العسكري مع تسليط الضوء على الشعوب ودينها وممارساتها الثقافية، وكلها تم اختبارها بشدة في عهد ستالين.

ويتضمن الكتاب الذي يقع في 360 صفحة باللغة الإنجليزية، والصادر عن مطبعة جامعة تورنتو، قسم التعليم العالي (20 نوفمبر 2019) تسعة فصول، هي: 1) التعايش المبكر. 2) توازن تغيرات القوة. 3) الغزو. 4) الحكم الإمبريالي. 5) الثورات. 6) تأسيس آسيا الوسطى السوفييتية. 7) الهدم والبناء – عهد ستالين. 8) الاستقرار والنمو. 9) من الإصلاح إلى الاستقلال. كما يتضمن صوراً وخرائط تساعد على تسليط الضوء على 500 عام من التغييرات.

جغرافيا مركزية

تقول الكاتبة كيلر: «إذا نظرت إلى الخريطة، تجد أن آسيا الوسطى هي مركز كل شيء، ولكنها لا توجد في أي مكان. المنطقة محاطة بالصين، والهند، وإيران، وروسيا، وكلها ثقافات مؤثرة، لكنها نادراً ما تكون جزءاً من حديثنا العام حول تاريخ العالم الحديث. ولكن إذا أردنا أن نفهم ما تعنيه عبارة تاريخ العالم الحديث، فإن آسيا الوسطى هي مكان مفيد للغاية للنظر فيه. لقد شاركت دول آسيا الوسطى بشكل كامل في التيارات السياسية، والاقتصادية، والفكرية العالمية».

وترى أن «أحد أسباب عدم كون آسيا الوسطى جزءاً منتظماً من الحديث العام، هو أنها لا تتناسب تماماً مع المربعات المألوفة التي نستخدمها لتصنيف العالم. يجب أن يتحدى هذا الإدراك على الفور اعتمادنا على تلك التقسيمات. معظم سكان آسيا الوسطى مسلمون، وتشكلت شعائرهم الدينية من خلال التقاليد الصوفية العميقة التي نشأت في آسيا الوسطى، ومع ذلك فإن معرفتهم ومستوى ممارستهم يختلفان تماماً عن تلك الموجودة في الثقافات الإسلامية الأخرى. ينحدر معظم سكان آسيا الوسطى من الرعاة الرحل الترك المغول الذين خلّفتهم الإمبراطورية المغولية، وتتأصل أشكالهم الفنية، والأدبية، والموسيقية، في التقاليد الإيرانية. وكانت المدن الرئيسية في سمرقند، وبخارى، وطشقند، وخوارزم، عبارة عن مؤسسات تجارية على طول طريق الحرير، متأثرة بالتجار والمبشرين من الهند، وإيران، والصين، والسهوب الأوراسية. ومع ذلك، كان لشعوب آسيا الوسطى صلات مع الشعب السلافي الذي سبق الإمبراطورية المغولية. لقد تاجروا وقاتلوا معاً، وتزاوجوا وانخرطوا دبلوماسياً مع الآخرين لأكثر من ثمانمئة عام. ومال ميزان القوى ببطء لمصلحة روسيا خلال القرن السابع عشر، وبدءاً من القرن الثامن عشر، حكمت الإمبراطورية الروسية، ثم الاتحاد السوفييتي آسيا الوسطى، بشكل مباشر وغير مباشر. دفعت هذه التجربة إلى تطوير ثقافات آسيا الوسطى في اتجاه مختلف عن ثقافات الشرق الأوسط، أو الثقافات الآسيوية. وقادت الإمبراطورية الروسية تحديث التعليم، وكذلك بعض الهياكل السياسية والاقتصادية».

وتشير الكاتبة إلى أنه «بعد عام 1917، فرضت الشيوعية السوفييتية تحولات عميقة وسريعة بشكل مذهل في هذه المناطق، إضافة إلى مجالات الدين والحياة الأسرية، والبيئة المعيشية، والترفيه الشعبي. ومع ذلك، لم ينجح الشيوعيون أبداً في إعادة تشكيل آسيا الوسطى تماماً. وقد ترك تراثهم المعقد سكان آسيا الوسطى في موقف متناقض: المسلمون الذين لا يتناسبون بسهولة مع الثقافات الإسلامية في الشرق الأوسط أو آسيا، ونشأوا على رؤية العالم من خلال عدسة تاريخية روسية على الرغم من أنهم ليسوا سلافيين، ولا مسيحيين أرثوذكس.

وتقترح المؤلفة أنه كانت هناك ثلاث مراحل في هذه العلاقة: أولاً: فترة التعايش عندما تقاسمت الشعوب السلافية والتركية السهوب وأعباء الحكم المغولي، وثانياً: الغزو، حيث استوعبت روسيا تدريجياً أراضي السهوب الكازاخستانية، ثم اجتاحت الشعوب المستقرة في الجنوب؛ وثالثاً: التقارب، حيث خضع كل من الروس وآسيا الوسطى لتحديث الصدمة الشيوعية، وأصبحوا مرتبطين بالثقافة التجارية العالمية.

تمازج الأعراق والثقافات

تجد الكاتبة أنه من بين الأسباب العديدة التي تجعل آسيا الوسطى تميل إلى أن تكون غير مرئية لبقية العالم، هو أنه لا يوجد أحد متأكد تماماً من مكانها، فالتعريف الشائع الحالي هو أنها تتكون من كازاخستان، قيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان. ومع ذلك، هناك أفغانستان، وعادة لا يتم تضمينها على الرغم من أن لديها الكثير من الروابط التاريخية والثقافية مع شعوب هذه الدول. وعلى صعيد الإثنيات، هناك الكازاخ، والطاجيك، والأوزبك، والقرغيز، والتركمان، والأويجور، (أبناء عمومة لغويين للأوزبك) الذين يعيشون في إيران، وأفغانستان، ومقاطعة شينجيانج، في جمهورية الصين الشعبية، ويمكن إدراجهم بسهولة في «آسيا الوسطى»، ولكن تجاربهم التاريخية الأخيرة تختلف عن تجارب الشعوب التي تعيش في هذه الدول الخمس. ثم هناك شعوب منغوليا، والتبت، وجنوب سيبيريا، التي تعيش بالتأكيد في آسيا الوسطى، وهي منغمسة بعمق في تاريخ المنطقة، إلا أن العلماء يعاملونهم بشكل منفصل، لأن لغاتهم ودياناتهم تختلف عن تلك الموجودة في هذه الدول، كما لم تكن أي من الجمهوريات الخمس موجودة قبل عشرينيات القرن الماضي.

تقول الكاتبة: «قبل 2500 عام، أطلق الإيرانيون على الأرض منطقتهم الشمالية الشرقية التي يسكنها البرابرة المرعبون وغير المتحضرين. أطلق الإغريق بعد الإسكندر الأكبر (356-23 قبل الميلاد) عليها اسم «ترانسوكسيانا»، بمعنى «عبر نهر أوكسوس» (أمو داريا حالياً). والمسلمون في القرن الثامن ترجموا المصطلح اليوناني إلى «ما وراء النهر». كانت جزءاً من خانية الجاغاطاي المغولية، ثم انقسمت إلى خانيات سميت على اسم العواصم بخارى، وخوارزم، وخوقند. وعندما استولى الروس عليها في القرن التاسع عشر قسموا المنطقة إلى مقاطعة سهوب، ومقاطعة تركستان. وبالنسبة لمعظم القرن العشرين، تعامل العلماء الغربيون مع المنطقة بقسم فارغ كبير على الخريطة بين روسيا السوفيتية والصين.

وتذكر الكاتبة أن هذا ما أثار اهتمامها بالمنطقة عندما كانت طالبة جامعية تدرس التاريخ «السوفييتي»، وأدركت أن ما كانت تتعلمه حقاً هو تاريخ روسيا، وأحياناً أوكرانيا في ظل الشيوعية. وتعلق: «لم نتحدث عن بقية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، على الرغم من امتدادها من جبال الأورال إلى المحيط الهادئ، ومن جبال القوقاز وكوبت داغ إلى المحيط المتجمد الشمالي. علاوة على ذلك، تعلمنا في الصفوف الدراسية الأخرى أن تاريخ الهند، والصين، وإيران، قد تأثر بالشعوب البدوية التي غزت مراراً، وتكراراً، من خريطة تبدو مركزية إلى حد ما، لمعرفة أن هذه المنطقة المهمة كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، لكن من دون معرفة شيء عنها».

وتشير الكاتبة إلى أن «هناك حلولاً مرضية تماماً لمشكلة كيفية تعريف «آسيا الوسطى»، ولكن لأغراض هذا الكتاب نركز على الدول الخمس المذكورة أعلاه، نظراً لأن حدودها وأسماءها قد تغيرت كثيراً عبر الزمن، فإن استخدامي للمصطلحات يجب أن يكون كذلك مرناً. عندما أناقش فترة ما قبل المغول أستخدم الأسماء القديمة «ترانسوكسيانا»، أو أحياناً «ما وراء النهر»، أستخدم الأسماء الروسية للقرنين التاسع عشر، والعشرين. وعند مناقشة تفاعلات الكازاخ والأوزبك مع السيبيريين، أو المغول، أو الأتراك، أو الشعوب الواقعة في غرب جبال الأورال، أطلق على المنطقة الأكبر اسم «وسط أوراسيا»، ما يعني مساحة اليابسة تقريباً من القوقاز إلى منغوليا».

التأثير السوفييتي

كانت السهوب المفتوحة في وسط أوراسيا تشهد مراراً وتكراراً هجمات مجموعات على بعضها بعضاً، وتشرد مجموعات أخرى.. وشكّل الرعاة بشكل دوري اتحادات قبلية أصبحت، في ظل زعيم مؤثر، إمبراطوريات سيطرت على معظم منطقة أوراسيا الوسطى، وأرعبت الإمبراطوريات الزراعية في إيران، والهند. وإمبراطورية الهون التي أرعبت روما في القرن الخامس الميلادي، والإمبراطوريتان التركيتان الأولى والثانية في القرنين السادس، والسابع، والمغول في القرنين الثالث عشر والرابع عشر هي أشهر الأمثلة على ذلك. ومع كل هذه الحركة عبر مسافات شاسعة، لم تؤسس مجموعات من الناس ما يمكن أن نطلق عليه الهويات العرقية المتجذرة في مكان، أو لغة معينة.

وتعلّق الكاتبة على ذلك: «يجب أن يكون واضحاً الآن أن تاريخ آسيا الوسطى لا يمكن أن يكون تاريخاً للدول القومية بالطريقة التي قد يكون عليها تاريخ أوروبا، على الرغم من أن التأريخ الحديث قد عقد بشكل كبير نموذج «الدولة القومية». على الرغم من حقيقة أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية أنشأ الدول الخمس كجزء من البرنامج المدروس بعناية لبناء الدول القومية في التاريخ».

وغيرت روسيا، وخاصة خلال فترة حكم الاتحاد السوفييتي، البيئة المادية لآسيا الوسطى، وفي هذه العملية غيرت كيفية نمط حياة سكان آسيا الوسطى في تلك البيئة. وبنى السوفييت قنوات ري غير فعالة إلى حد كبير لنشر زراعة القطن والسدود عبر الأنهار الجبلية، وإلقاء آلاف الأطنان من المواد الكيميائية السامة على الأرض والمياه، لتعزيز محاصيل القطن المتزايدة باستمرار. وفرضوا الاستقرار القسري على مجتمعات البدو لجعلهم مزارعين تحت سيطرة الدولة، ما أدى إلى المجاعة التي حدثت في الفترة من 1930 إلى 1933 والتي أودت بحياة 1.5 مليون شخص، ما أدى إلى نقل القرى الجبلية الطاجيكية بأكملها، على سبيل المثال، إلى المزارع الجماعية في الأراضي المنخفضة. وأدت سياسات التنمية الاقتصادية هذه إلى جفاف بحر آرال، وحدوث أكبر أزمة مياه من صنع الإنسان في العالم، ومجموعة من مشاكل الصحة العامة من التسمم الكيميائي والاضطراب المجتمعي. وكان السوفييت من بين المروجين الأكثر حماسة للفكرة الأوروبية في القرن التاسع عشر القائلة إن التكنولوجيا يمكن أن تتغلب على جميع العقبات، وقد أدت جهودهم إلى تآكل بيئة واحة السهوب القديمة أثناء استبدالها بحدود سياسية. وتواصل حكومات آسيا الوسطى اليوم علاقة فاعلة اقتصادية بأرضها ومياهها».

ويتناول هذا الكتاب المزيد عن علاقة هذه الدول مع روسيا، وكيف أن هذه العلاقة لا تزال متجددة في أشكال أخرى رغم استقلالها بعد الاتحاد السوفييتي، لكن لا تزال التأثيرات الثقافية والروابط الاجتماعية حيوية بين هذه الدول، وروسيا. لكن يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع هذه الدول تعزيز الديمقراطية، وتحسين الوضع المعيشي لشعوبها عبر استغلال مواردها بصورة صحيحة، ومنصفة، وبناء مؤسسات مستقلة في قرارها متقدمة تقود تحولاً على الصعد كافة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + 13 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube