https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

يرى البعض في علاقة روسيا ذات الحدود المديدة مع الصين علاقة حلفين، فهل تعبير حليف صحيح لتوصيف علاقة روسيا بالصين؟ روسيا والصين ليستا حليفتين، ولكن ذلك لا يعني أنهما خصمان. الحليف مستوى جدي جداً من العلاقة، وعلاقة روسيا والصين أقرب إلى أن تكون شكلية، يلتزم كل طرف من خلالها بأخذ مصالح الطرف الآخر في الاعتبار. وهذه هي القاعدة في منظمة شنغهاي (شوس).

حلف روسيا مع الصين غير ممكن، ليس لأن روسيا لا تريده، إنما لأن الصين لا تحتاج إلى حلفاء، ولا تدخل مع أي طرف في تحالف يكبلها بالتزامات. الصين تبحث عن تنسيق عالي المستوى في شراكة استراتيجية وليس عن أحلاف. فهي ترى أن أي تحالف ترتبط به سيحد من إمكاناتها. فما إن توقّع حلفاً مع أحد ما حتى تجد نفسك مضطراً للاستجابة لطلب حليفك حتى لو كان ذلك لا يوافق مصالحك. إلى جانب ذلك، فأنت بتحالفك مع طرف ما تحد من إمكانية تعاملك مع أطراف أخرى. لذلك فلا حلف الصين مع روسيا ممكن ولا حلفها مع الولايات المتحدة كذلك.

هذا ما تدركه القيادة الروسية، فتحاول انطلاقاً من فهمها للحال بناء علاقات مع جارها القوي في مجرى تنسيق المصالح الجيوسياسية المشتركة التي هي بينهما أكبر وأكثر بكثير من المطامع والمخاوف المتبادلة، خصوصاً أن الحدود بينهما قد تم ترسيمها بصورة نهائية عام 2003، وبذلك تم إغلاق هذا الملف الإشكالي. والصين لا تحرج أحداً بصورة مباشرة، وليست لديها مطامع توسعية معلنة أو ملمح إليها في روسيا، على رغم ما يثيره وجود الصينيين وتضاعف أعدادهم في روسيا من أسئلة، وبخاصة في منطقة الشرق الأقصى الروسي. تحاول روسيا فهم ذلك في الإطار الطبيعي، من زاوية أن الأرض الروسية شبه فارغة وضعيفة التنمية هناك، بينما جوارها الصيني مزدحم بالسكان. وفي الواقع، تدرك القيادة الروسية حجم الخطر، بدليل أنها بدأت باتخاذ إجراءات في الفترة الأخيرة لتنمية الإقليم والحد من احتلاله سلمياً من جانب الصينيين.

يتم تنسيق عالي المـــستوى بين روســيا والصين، انطلاقاً من فهم أن جميع الأحداث الجيوسياسية المعاصرة، العسكرية منها والاقتصادية، ذات علاقة بالطاقة، وأن اللعب يتم ليس فقط في مجال السيطرة على منابع النفـــط والغاز والاستثمار في التنقيب والإنتاج، بل وفي مجال نقل الطـــاقة. فكما أن روسيا من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، ولديها إمكانية لإيصالهما إلى المستهلكين (في أوروبا والصين) بالطريقة الأسرع والأرخص والأكثر أمناً، فإن للصين مصلحة تتعدى مسألة الاستهلاك.





تشغل روسيا المكان الأول في العالم في احتياطات الغاز المكتشفة (25 في المئة من الاحتياطي العالمي)، ويربطها مع أوروبا خطان لنقل الغاز، هما (السيل الشمالي) و (يامال- أوروبا). فمن هو حليف روسيا في لعبة الطاقة العولمية هذه ومن هو خصمها؟ هناك من يرى في شبكة نقل الطاقة امبراطورية قائمة بذاتها عظيمة الحضور يسميها (أنبوبستان)، فهي تربط في عقدة واحدة كل التوافقات والخلافات الجيوسياسية.

في إمبراطورية الطاقة هذه، تلعب أوروبا دور المستورد الرئيس. فهي تحصل على ثلث حاجتها من روسيا. المورّدون الأساسيون، روسيا وبلدان آسيا الوسطى وأذربيجان. لكن اللعب لا يقتصر على المصدّرين والمورّدين، بل تشارك فيه البلدان التي تمر عبر أراضيها الأنابيب (لدان الترانزيت) وأولئك الذي يطمحون إلى التأثير الجيوسياسي في المنطقة عبر الطاقة. والولايات المتحدة تقوم بالدور الأكثر نشاطاً في هذه اللعبة، مستعرضة قوتها بأشكال ومجالات وأساليب مختلفة. وهنا نقع على تناقض بين مصالح أوروبا وأميركا. فأوروبا تجد نفسها في موقف مزدوج محرج. فهي من جهة، بصفتها المستورد الأكبر للطاقة، تحتاج إلى علاقات شراكة طيبة مع روسيا، وإلى استقرار في البلدان الناقلة، ومن جهة أخرى يضطرها وجودها في «الناتو» للوقوف في حالة مواجهة مع روسيا، محاولة تقليص التأثير الجيوسياسي للأخيرة.

وكمثال على اللعب الأوروبي المزدوج، يمكن إدراج خط «نـــابوكو» الذي يخطط له أن يمتد من آسيا الوسطى إلى الاتحاد الأوروبي، وهو لعبة اســـتراتيجية مفـــصلية يلعـــبها الغرب لإيصال الغاز من منـــطقة بحـــر قـــزوين إلى أوروبـــا، متجــنباً أراضي روسيا، ويفترض أن يمر عبر خمسة بلدان هي: النمسا وبلغاريا وهنغاريا ورومانيا وتركيا.

ويراد لهذا الخط أن يكون بديلاً من «السيل الجنوبي»، ومنفساً لـ «السيل الشمالي». وقد تم الاتفاق على «السيل الجنوبي» بين روسيا وألمانيا وفرنسا وإيـــطاليا، ومن شــأنه أن ينقل الغاز الروسي عبر قاع البحر الأسود إلى جنوب الاتحاد الأوربي ويعبر بلغاريا وصربيا وهنغاريا وسلوفاكيا.

يصل الغاز الروسي اليوم إلى أوروبا عبر خط «السيل الشمالي»، وقد بدأ ضخ الغاز فيه في أيلول (سبتمبر) 2011، من سيبيريا، على قاع بحر البلطيق، إلى ألمانيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك وتشيكيا، من دون المرور بأوكرانيا الإشكالية.

وإذ تدرك روسيا الأبعاد الجيوسياسية لـ «نابوكو» وتحاول تعطيله، فإن الصين تقف معها، في صورة غير مباشرة. ذلك أن الأخيرة لا مصلحة لها ببيع الغاز التركمانستاني بيعاً مباشراً إلى أوروبا بسعر مرتفع، فهي تتخوف من محاولات عشق آباد إعادة النظر في سعر الغاز. إضافة إلى ذلك، فمن المحتمل أن تقوم الصين بخطوات للحصول على فرصة استثمار في المشاريع النفطية الواعدة في كازاخستان في منطقة قزوين، الأمر الذي سيقود إلى تضاد مع مصالح الشركات الغربية العاملة هناك.

وإذا كان «السيل الشمالي» قد أفقد الولايات المتحدة توازنها، من حيث إنه لا يكتفي بتغيير خريطة أوروبا الطاقية، بل يقوّي العلاقات الألمانية- الروسية ويجعلها أكثر رسوخاً، فمن شأن السيل الجنوبي أن يخرج أميركا عن طورها من حيث إنه يُبطل مشروع «نابوكو» عملياً، فيعد بتقديم الغاز بسعر أرخص بكثير وبكميات وافرة. هنا يتم النزال الجيوسياسي والجيواقتصادي، وهنا تتضارب المصالح بين أميركا وحلفائها في «الناتو». فإيطاليا وألمانيا، من حيث المبدأ، ضد توسع «الناتو». وسبب ذلك يكمن في «السيل الشمالي» و «السيل الجنوبي». فالصادرات الألمانية العملاقة تغذيها الطاقة الروسية.

وفي صورة مشابهة، تتصاعد المواجهة بين أميركا وروسيا في الاتجاه الهندي، وللصين حضور هنا. فخط النقل «تابي» الذي ينتظر منه أن يمر من تركمانستان إلى أفغانستان إلى باكستان، ينافسه الخط «إيبي» الذي تشترك فيه إيران وباكستان والهند. وعملياً، خرجت الهند تحت ضغط الولايات المتحدة وتستعد الصين لشغل مكانها، بحيث يتحول «إيبي» إلى «إيشي». غازبروم الروسية عبّرت أيضاً عن رغبتها المشاركة في هذا المشروع. وخلافا لـ «تابي»، المشروع الذي ترعاه أميركا والذي لا يزال على الورق، فإن الجزء الإيراني من خط «إيبي» أو «إيشي» جاهز عملياً، كما تم البدء ببناء الجزء الباكستاني منه، مع بداية 2012.

وهكذا، فنشوء امبراطورية أنبوبستان التي تسيطر روسيا وآسيا الوسطى وإيران على 50 في المئة من الغاز الذي سيمر فيها، يجعل إيران وباكستان عضوين مرشحين للانضمام إلى «شوس» ويقوّي الأخيرة.

وهنا يمكن الوقوف عند محاولة روسية لربط الصين بآسيا الوسطى وآسيا الجنوبية وبلدان الخليج، حيث «شوس» تتطور وتزداد قوتها كمركز قرار في الاقتصاد والأمن… وبالتوازي مع ذلك، وحيث من شأن «أنبوبــستان» أن تُسرّع التكامل الكلي بين بلدان «شوس» لتصير قوة في مواجهة «الناتو».

وفيما لو انضمت باكستان إلى «شوس» كعضو كامل العضوية، كما تريد روسيا وإيران، وللصين مصلحة في ذلك، فإن صدى مثل هذا الحدث سيكون كبيراً، لأن روسيا والصين وإيران وباكستان سيكون في إمكانها ليس تنسيق التكامل الاقتصادي فقط، بل والأمن الجماعي المشترك ضمن المنظمة… وستزداد «شوس» قوة، فتفعل فعلها تحت شعار: «عدم الانضمام إلى أحلاف أو شراكات أخرى، وعدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى»، الأمر الذي يعني في الفهم الجيوسياسي، قطباً جديداً في العالم، وتكون الصين قد تورطت في وضعية الحليف حتى لو لم تشأ ذلك.

اخبار العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube