https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كان العالم بحاجة إلى نيلسون مانديلا، لكنه بدلا من ذلك جاءه بوتين؛فعندما كان بطل جنوب أفريقيا يشيع إلى قبره كان الرئيس الروسي يحاولاستقطاب أوكرانيا المجاورة لتشكيل اتحاد جديد بدا إلى حد ما أشبه باتحادسوفياتي محدود، وتعزيز سيطرته على وسائل الإعلام التي تديرها الدولة بإنشاءوكالة أنباء جديدة للكرملين يديرها قومي متشدد. لم تكن تحركات بوتين أحداثا أحادية، فهي تتماشى مع نمط سلوك خلال الأعوامالسابقة وحاول متعمدا النأي بروسيا ثقافيا واجتماعيا عن الغرب الليبرالي،وما يجري الآن أمر أكثر تعقيدا وخطورة من تعزيز بوتين لقوته السياسية، بلإنه يحاول مواجهة أوروبا، لتعميق الانشقاق في قارة كانت مهد حربينعالميتين. وبات واضحا أكثر من أي وقت مضى أن بوتين لا يواجه الغرب وفقطلرفع قاعدة الدعم له أو إرهاب المعارضة الداخلية في مهدها، بل يحاول العودةإلى الحقبة التي كانت قبل 25 سنة. كان دافع بوتين هدفا للكثير من التكهنات الصحافية والبحثية على مدار فترةطويلة، التي تمخضت عن الكثير من النظريات المتداخلة، والتي كان من بينهاأنه الفتى الذي تعذب في الحديقة الخلفية القاسية لليننغراد قبل الحرب،والذي ارتدى زي الـ«كي جي بي» ينتقم ولا يخلعه على الإطلاق. وهو الساخرالذي يجيد حسابات السياسة الحقيقية. وهو أيضا روح روسية معذبة كأحد أبطالروايات ديستوفسكي، يزعجه الإلحاد والإباحية والتردي الأخلاقي. وهو الرجلالسوفياتي الذي لا يزال يقاتل في الحرب الباردة، وهو نرجسي كلاسيكي، لكنهيميل إلى تصويره عاري الصدر ممتطيا صهوة جواده. ومنذ بدء ولايته الرئاسية الحالية في 2012، شعر بوتين على نحو متزايد بأنتقربه من الغرب لم يمنحه الاحترام الواجب، وأن روسيا كانت تعامل كدولةمهزومة، وليس على قدم المساواة على الساحة العالمية. وقد تحول هذا الاستياءإلى آيديولوجية كراهية ليست سوفياتية على نحو خاص، بل روسية عميقة. لكن ما الصلة بين عودة روسيا إلى التزمت والاضطرابات في شوارع كييف، عندماواجه المتظاهرون التواقون إلى شراكة مع الاتحاد الأوروبي، الرئيس فيكتوريانكوفيتش، الذي بدا سعيدا، بالانضمام إلى اتحاد يوراسيا عوضا عن ذلك؟يكفي الاستماع إلى رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي، ألكسيبوشكوف، الذي حذر من أنه في حال انضمت أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فسوفيتسلل المستشارون الأوروبيون إلى البلاد ويحاولون «توسيع مجال ثقافة مثلييالجنس»، أو تعيين ديمتري كيسليوف، المذيع التلفزيوني الذي يوجه انتقاداتحادة للغرب على رأس وكالة أنباء أعيدت هيكلتها. ويبدي ديمتري ترينين، وهو باحث في مكتب موسكو لمؤسسة كارنيغي للسلامالدولي، اقتناعا بأن ذلك ليست مجرد إرضاء لشعب متدين، بل هو أمر أكثرشخصية. فقد تحول بوتين خلال العامين الماضيين إلى شخصية أكثر تحفظا منالناحية الآيديولوجية، أكثر ميلا لرؤية أوروبا منحلة وغريبة عن المسيحيةالأرثوذكسية، والعالم الشرقي السلافي الذي ينتمي إليه كل من روسياوأوكرانيا. وأضاف ترينين: «إنه تسامح لا حدود له. إنها العلمانية. فهو يرى أوروبا مابعد المسيحية. وهي السيادة الوطنية التي حلت محلها مؤسسات فوق وطنية. وتقلصدور الكنيسة. وحقوق الناس التي فاقت مسؤوليات الناس على بعضهم البعض وإلىالدولة». وفي يوليو (تموز) 1989 ألقى الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، خطابا فيستراسبورغ عده الكثيرون خطوة مهمة في إنهاء الحرب الباردة. وتحدث فيه عن أنروسيا تعد نفسها الآن شريكا في «البيت الأوروبي المشترك» جنبا إلى جنب معمنافساتها الغربية. وعن ضرورة أن يحل الاحترام المتبادل والتجارة محلالمواجهة والردع كأساس للعلاقة. وإعادة تشكيل التكتلات العسكرية فيالمؤسسات السياسية. وهو ما وصفه الرئيس الأميركي رونالد ريغان بأن «إمبراطورية الشر» ستكون جارا طيبا. ويقول جيم هوغلاند، كبير مراسلي السياسة الخارجية في «واشنطن بوست»، في ذلكالوقت: «يبدو أن الشتاء الطويل للصراع العالمي القائم على الفرقة بينأوروبا يقترب من نهايته». وعندما تفكك الاتحاد السوفياتي بعد بضع سنوات، كانت أكبر الجمهوريات الأربععشرة التي تحررت من الهيمنة الروسية هي أوكرانيا. ورغم استمتاعهاباستقلالها، فإن الكثير من الأوكرانيين أرادوا السير على خطى روسيا التيأعلنها غورباتشوف. وبعد ما يقرب من 25 سنة على خطاب غورباتشوف عن «البيت الأوروبي المشترك» يبدو بوتين وكأنه هادم البيت الأوروبي المشترك. صحيح أنه خلال السنوات الأخيرة من الركود والتقشف التي سادت أوروبا فقدالبعض حالة الانبهار بها، لكنها لا تزال أكثر إغراء من الاقتصاد الأوكرانيالمهترئ. ولم يتخل الأوكرانيون على الإطلاق عن أملهم في أن يكونوا جزءا منالغرب؛ فالمحتجون الذي تظاهروا في ساحة الاستقلال في كييف كانوا يمثلونالجيل الذي درس وعمل وسافر إلى بولندا عقب انضمامها إلى أوروبا، والذين لايريدون العودة إلى زمن الإمبراطورية الروسية. ويتلقون، أيضا، دعما من خلالشريحة كبيرة من قطاع الأعمال الأوكراني، الذي يفضل سيادة القانون الغربيعلى الفساد والنزوات القانونية لروسيا وأوكرانيا. لقد نجح بوتين في أسر أوكرانيا، لكنه قد يأسف على ذلك؛ فرغم دراستهالماضية، فإنه ينبغي أن يتوقف بعض الوقت عند تجربة الرئيس الأسبق، جوزيفستالين، الذي ضم غرب أوكرانيا من بولندا. وكما يشير رومان سبورلوك، المديرالسابق لمعهد البحوث الأوكرانية في جامعة هارفارد ، كان ستالين يعتقد أنهذكي، لكنه انتهى إلى مواجهة مشاكل جمة، فقد استدعى الأوكرانيين المضطربينسياسيا إلى خيمة السوفيات، وترك بولندا أكثر قوة وتجانسا واستقرار عبرالأقلية الأوكرانية بها. وبالمثل، إذا حاول بوتين ضم أوكرانيا إلى ائتلافه الذي تهيمن عليه روسيا،فسوف يحتاج إلى تهدئة الرأي العام عبر إمطار العضو الجديد بالهدايا التي لايمكنه رفضها، والتنازل عن ذلك التأثير الذي يفضل ألا يشاركه أحد فيه. وحتىذلك الحين، سوف يتفاقم استياء الشباب من محبي الأوكرانيين الراغبين فيالانضمام إلى منطقة اليورو، وسيزيد السخط من جيل الشباب خاصة في روسيا. كمايشير ترينين: «ستحاول أوكرانيا دائما البحث عن مخرج، فقد يعلم بوتين، كمافعل ستالين، أن استقطاب أوكرانيا سيزيد من المتاعب أكثر مما تستحق.

نيويورك تايمز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube