خلال فترات رئاسته الأولى، أعلن بوتين بأنه يملك في جعبته برنامجاً لروسيا: يشتمل تحديثاً في السلطة، وشراكة مع الغرب. في الحقيقة، إن الإنجاز المذهل الذي حققته إدارته بخصوص التعزيز الاقتصادي الإجمالي وعلاقاته الودية مع القوى الغربية أكد بأنه كان يسير في الطريق السليم، وبأنه وجد أخيراً ما كانت روسيا بحاجة إليه.
لكن تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية في العام 2003-2004، والمشاكل الاجتماعية المتفاقمة، واستمرار الحرب في الشيشان، وخطر امتدادها إلى جمهوريات قوقازية شمالية أخرى، وأخيراً الازدياد المأساوي للأعمال الإرهابية في روسيا، كل ذلك وضع القيادة الروسية تحت الاختبار، وفشلت فيه.
لقد أثبتت أحداث العام 2004 بأن المظهر الهادئ لروسيا ما هو إلا نظهر مخادع. والكثير من الأسئلة ما تزال تتراكم: ما مدى قدرة النظام السياسي الروسي على البقاء؟ هل ستحافظ روسيا على الأقل على بعض الحريات السياسية التي ورثتها من فترتي حكم غورباتشوف ويلتسين؟ كيف سيتمكن بوتين من المزج بين أساليبه الديكتاتورية، وبين الليبرالية الاقتصادية، والسياسة المناصرة للغرب؟ كيف سيؤثر الصراع المتوالي وإعادة توزيع الثورة على مستقبل روسيا؟ هل ستتجه روسيا نحو الديكتاتورية، أم أن بوتين -أو أية قوة أخرى- سيحاول إيقاف هذه العملية.
يعرض هذا الكتاب أيضاً لتناقضات المرحلة الانتقالية. حيث كانت مراقبة اصطدام ذوي المناصب المنتهية شرعيتهم –الشيوعيون الذين يقاتلون من أجل الديمقراطية البرلمانية، والليبراليون الذين يدافعون عن الديكتاتورية والحكم الفردي –مع بعضهم البعض مرحلة مثيرة للاهتمام من الناحية الفكرية، ولكنها مرعبة من الناحية السياسية. إنه لأمر محير بالفعل أن ترى الكولونيل السابق في الاستخبارات الروسية (الكي جي بي) بوتين وهو يقود التحول المؤيد للغرب.
ومن المثير للذهول أيضاً أن تجد أن مشاركة روسيا في التحالف مع الغرب ضد الإرهاب يساعدها في الحفاظ على حالتها وقوتها التقليديتين. وقائمة ما يذهل لم تنته بعد. إليكم تناقضاً آخر: الشعب الروسي العادي أكثر قابلية للتحديث من النخبة الروسية التي تفضل بقاء الوضع على حاله، كونها غير قادرة أبداً على الحكم بشكل ديمقراطي.
سيتحدث هذا الكتاب أيضاً عن القيادة، تلك القيادة التي استطاعت، بدءاً من العام 2000، إعادة الحيوية إلى روسيا. مع أن هذه القيادة نفسها هي المؤسسة السياسية الوحيدة التي تعيق تحول روسيا إلى دولة ديمقراطية ليبرالية عصرية. فمنذ العام 2004، أصبحت القيادة الروسية العقبة الأكثر خطورة في وجه التحول المستقبلي للبلد.
إنه كتاب لا يناسب أولئك الذين يبحثون عن أجوبة سريعة ومحددة، إلا أنه يناسب أولئك المستعدين للبحث عما وراء الوقائع الواضحة، الذين يريدون فهم الأسباب الكامنة وراء التأرجح، والذين يستطيعون تخيل مدى صعوبة محاربة اليأس والفزع، وخاصة إذا كانت الطبقة السياسية غير مؤهلة للتصدي للمهام الصعبة الراهنة.
إنه ليس مجرد كتاب يتحدث عن بلد ورئيسه فقط، إنه قصة كفاح مستمر، عن التحديات والفرص، وعن القدرة على التعليم من الخسارة وارتكاب الأخطاء.
المؤلفة: ليليا شيفتسوفا