https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

قبل عام تماماً، وتحديداً في الرابع من تشرين الأول العام 2011، أعلن رئيس الوزراء الروسي يومها فلاديمير بوتين عن نيته الترشّح لولاية رئاسية ثالثة.
أتبع بوتين إعلانه هذا بمقال نشرته صحيفة «ايزفيستيا»، وخصص جزءاً كبيراً منه للحديث عن عزمه إنشاء «اتحاد أوراسي» ينطلق من أسس الاتحاد الجمركي والفضاء الاقتصادي الموحد، ليحوّله إلى «أحد أكثر الأقطاب عصرية وتطوراً في العالم».
وفي حين يتحدث بوتين عن بناء إمبراطورية أوراسية ضخمة خلال ولايته الثالثة ـ ويسانده في ذلك رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف ـ بهدف استعادة روسيا دورها على الحلبة الدولية وحماية مصالحها، يبدو الأمر أشبه بتحدٍّ برز حجمه عند الاصطدام بواقع هذا الاتحاد وتأرجح بعض الدول المعنية فيه في أحضان قوى أخرى أبرزها الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ما يسمح لبوتين أو لميدفيديف بتعليق الآمال على إمكانية خلق قوة تضاهي بحجميها السياسي والاقتصادي الاتحاد الأوروبي ـ في ما قد يبدو أكثر من مجرد هلوسة ـ هو ارتباط الكتلة السوفياتية السابقة الممتدة من أوروبا إلى الشرق الأقصى مروراً بآسيا الوسطى، بشبكة علاقات حرصت روسيا على إعلان جوانبها الرسمية عن طريق اتحادات وروابط، فالفضاء السوفياتي السابق لا يزال جزء كبير منه مجتمعاً في «رابطة الدول المستقلة»، والجزء الآخر في «الاتحاد الجمركي» الذي يضم ثلاثة بلدان هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان.
ولدت فكرة الاتحاد الجمركي في إطار قمة للمجموعة الاقتصادية الأوراسية، التي نهضت بعد أكثر من عقد من انهيار الاتحاد السوفيتي، وتحديداً في العام 2006. وضمن إطار هذه القمة، اتخذ قرار العمل على تشكيل اتحاد جمركي على أسس المجموعة الاقتصادية الأوراسية، آخذين في الاعتبار مشروع فضاء اقتصادي موحد.
إلا أن فكرة الاتحاد الجمركي لم تنل ترحيباً كبيراً، إذ لم تنضم إليه سوى ثلاث دول هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، فيما تطلّب تشكيل الاتحاد الجمركي سنوات ليتخذ شكلاً واضحاً تتفق عليه الأطراف كافة.
وفي تشرين الأول العام 2006، أُعدت خطة لإنشاء الاتحاد الجمركي، وهي توضح تفاصيل العمل على مدى ثلاث سنوات. كما اتخذ قرار بإنشاء لجنة لهذا الاتحاد وهي هيئة بين الحكومات الثلاث تشغل روسيا فيها 57 في المئة، وكل من كازاخستان وبيلاروسيا 21,5 في المئة.
وبعد فترة من التجارب والاتفاقيات والالتزامات والاختبارات أعربت طاجكستان مؤخراً عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الجمركي ما سيسهّل عليها استيراد العديد من المنتجات الضرورية لها.
وقد يكون انضمام طاجكتسان مهماً بالنسبة إلى الثلاثي المتحد، فهذه الخطوة تصب خصوصاً في مصلحة روسيا التي تسوق للاتحاد من دون توقف لإثبات وزنها السياسي في المنطقة، ما يضيف إلى رصيدها نجاحاً سياسياً واقتصادياً، فكلما ارتفع عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي، تعزز الثقل السياسي والاقتصادي الروسي اقليمياً ودولياً.
وبالنظر إلى طاجكستان، فبالرغم من الوضع الداخلي الذي تعاني منه البلاد، نتيجة لغياب الاستقرار، يبقى السوق الطاجيكي ذا حجم اقتصادي كبير ما لم تستخدمه روسيا فستسبقها إليه إما الصين وإما الولايات المتحدة.
من حيث الفكرة، يبدو نجاح الاتحاد الجمركي واقعاً يُرضي الرأسمالي الراغب في تسهيل أعماله تحت جناح الكرملين من جهة، وأملاً للحالم السوفياتي في إحياء اتحاد تلاشى من دون أن يلغي ملامح العودة.
وبين التاجر والحالم يبقى الشعب هو الضحية، فعلى سبيل المثال يطرح انضمام طاجكستان إلى الاتحاد تساؤلات عدة، ويواجه مشاكل مختلفة، من بينها غياب أي حدود مشتركة حتى الآن مع أي من دول الاتحاد الجمركي، وثانيها هو التخوف من خلق حالة تضخم في البلاد بسبب التزامها في إطار الاتحاد برفع الرسوم الجمركية على السلع الواردة من الدول غير الأعضاء.
وإلى جانب طاجكستان، أعربت مولدافيا بدورها عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الجمركي، وسارعت روسيا إلى التأكيد على أنها ستنظر في هذا الطلب، وهذه نقطة جديدة في خانة روسيا.
لكن المفاجأة الأكبر تمثلت في إعلان الرئيس الفيتنامي رغبة بلاده إنشاء منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الجمركي.
وفي هذا الصدد قالت المحللة الاقتصادية داريا بيتشوغينا من مركز «الدراسات الاقتصادية المستقلة»، في حديث إلى «السفير»، إن الاتحاد الجمركي «في البدء مشروع تسعى روسيا من خلاله توثيق التعاون بين الشركات التي راحت تنمو في أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق من دون أن تكون منبراً أو حتى تلميحاً لبناء اتحاد سوفياتي جديد».
وأشارت بيتشوغينا إلى أن قناعتها تنبع من «ثقة بعدم تمكن روسيا استعادة الروابط الصناعية أو التجارية أو الزراعية التي كانت أيام الاتحاد السوفياتي، وإذا ما رغبت بذلك فإن بضع سنوات ليست كافية لتحقيق هذا الهدف».
وحول مسألة تعارض مصالح روسيا، بين انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وبين نشاطها في إطار اتحاداتها الإقليمية، أكدت بيتشوغينا أن العكس هو الصحيح، موضحة أن «انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية ومتابعة الخطط المرسومة لمستقبل المنطقة على الجبهة الاقتصادية يزيد من هيبة روسيا عالمياً، ويثبت مكانتها في مجال الاستيراد والتصدير، ما سيرفع اقتصادها عالمياً وإقليمياً إلى مستوى أعلى بكثير مما كان عليه في السابق».
واختتمت بيتشوغينا الحديث قائلة إن «ما يعيشه الاتحاد الجمركي والدول التي انضمّت إليه اليوم أمر إيجابي، إلا أن التكهنات بشأن مستقبل هذا الاتحاد غير ممكنة أبداً. فروسيا تسعى إلى كسب الهيمنة الاقتصادية التي كانت تملكها خلال الاتحاد السوفياتي، إلا أنها ترفض العودة في الوقت عينه إلى عناصر هذه الحقبة. ربما ستنجح روسيا في تطوير الاتحاد الجمركي إلى اتحاد أوراسي عملاق، وربما ستنطفئ هذه الحماسة إذا ما اصطدم بمصالحها على صعيد آخر».
حتى اللحظة يكتفي الاتحاد الجمركي في مرحلته الحالية بتنظيم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، ومنذ الانطلاقة الفعلية للاتحاد تمّ وضع قانون جمركي موحّد يحدد آليات احتساب وتوزيع الرسوم الجمركية، كما تمّ تقديم مشروع قانون حول عملة موحدة للاتحاد الجمركي.
وفي هذا الشأن، أعرب المحلل الاقتصادي غينادي تشوفرين لـ«السفير» عن قناعته بأن دول الاتحاد السوفياتي السابق تعيش حاجة ملحة لتعزيز الروابط الاقتصادية بينها، ليس فقط في هيكليات ثنائية الجانب إنما متعدّدة الأطراف.
ولكن يمكن التساؤل، من المستفيد الأكبر من هذه الخطوة؟ أهي دول الاتحاد السوفيتي السابق أم روسيا؟ وبرغم ما يدعو إليه من تكامل، يبدو الاتحاد الجمركي غير متوازن، حيث يبقى نشاطه تحت جناح الكرملين الذي يلمّح بشكل أو بآخر للدول التي لم تنضمّ بعد إلى حاجتها لهذا الغطاء الروسي.
لا يمكن حتى اليوم تقييم نجاحات أو فشل الاتحاد الجمركي، علماً بأنه ليس خالياً من الخلافات بين أعضائه، إذ يذكر الجميع التباين بين بيلاروسيا وروسيا خلال السنوات الأخيرة حول تحديد الرسوم الجمركية على الطاقة والمحروقات.
الحديث عن الاتحاد الجمركي بمعزل عن لحظات ولادته ومستقبله، أو بحسب ما يراه سادة الكرملين، يبدو ناقصاً أو غير منطقي، ففي الحقيقة لا يبدو هذا الاتحاد حتى الآن منبراً يمكن للكرملين وحلفائه في الفضاء السوفياتي السابق استخدامه لإطلاق مفاجأة أكبر من أي تصور أوروبي أو أميركي أو عالمي: مشروع بوتين لـ« الاتحاد الأوراسي.

الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر + واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube