https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

بنجامين ر. يانج و سو كيم

شهدت كوريا الجنوبية، في 9 مارس 2022، انعقاد الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز المُدَّعي العام السابق “يون سوك يول”، على خصمه “لي جاي ميونج”، بهامش ضئيل يقل عن 1%، في السباق الانتخابي الذي بلغت نسبة الإقبال فيه 77%. فيما تُعد تلك الانتخابات السباق الأشد الذي تشهده البلاد منذ بدأت تُجري انتخابات حرة في عام 1987. وفي حين يُعتبَر الرئيس الكوري الجنوبي الجديد “يون سوك يول” إلى حدٍّ كبير ذا خبرة سياسية محدودة، في ظل افتقاره الخبرة التشريعية؛ فإنه سيواجه مهام داخلية معقدة وشاقة. ومن المرجح أن يتعامل الرئيس الجديد مع كوريا الشمالية بحزم، بالتوازي مع تقوية التحالف مع الولايات المتحدة، والتعامل بحذر مع التوترات المتنامية بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة، فضلاً عن التعاطي مع التوتر التاريخي القائم مع اليابان. وفي الوقت الذي تحتل فيه قضية كوريا الشمالية أولوية في ملفات السياسة الخارجية التي على الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية أن يتعامل معها؛ فإن ذلك من المرجح أن يساعد في تجديد تعهدات التحالف الأمريكي – الكوري الجنوبي.

تحديات متعددة

يُمكن تناول أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية، بحسب مقال للكاتبين؛ سو كيم، وبينجامين يانج، نشرهما موقع “نيكي آشيا” و”فورين بوليسي”، في 15 و18مارس 2022، تحت عنواني: “رئيس كوريا الجنوبية الجديد سيعيد تشكيل الديناميات الإقليمية”، و”الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية يُبدي تفهماً أكبر لتهديدات بيونج يانج”؛ وذلك على النحو التالي:

1– مهام داخلية معقدة أمام رئيس محدود الخبرات: يعتبر الرئيس الكوري الجنوبي الجديد “يون سوك يول”، إلى حدٍّ كبير، ذا خبرة سياسية محدودة، وهو ما يرجع جزئياً إلى افتقاره الخبرة التشريعية. وفي المقابل، فإنه سيواجه مهمة داخلية شاقة متمثلة في إعادة توحيد المجتمع الكوري الجنوبي المُستقطَب الذي تشتد درجة امتعاضه بسبب تفشي الفساد، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والتداعيات المستمرة لجائحة “كوفيد–19”. علاوة على ذلك، فإن الحزب الديمقراطي الحاكم سيظل محافظاً على الأغلبية في الجمعية الوطنية حتى الانتخابات التشريعية في أبريل 2024.

2– مواجهة تحديات مختلفة في السياسة الخارجية: من المرجح أن يتعامل الرئيس الجديد مع كوريا الشمالية بحزم، وأن يُقوِّي التحالف مع الولايات المتحدة، وكذلك عليه أن يتعامل مع التوترات المتنامية بين الولايات المتحدة والصين في المنطقة، فضلاً عن التوتر التاريخي القائم مع اليابان. وتتضح محورية هذه الملفات مع تهنئة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للرئيس الكوري الجنوبي الجديد “يون سوك يول” على فوزه في الانتخابات بعد ساعاتٍ فقط من إعلان فوزه بالسباق، وفي المقابل أعرب رئيس الوزراء الياباني “فوميو كيشيدا” بحذر عن تفاؤله بشأن تحسُّن العلاقات المتوترة بين طوكيو وسيول. أما الصين فإنها مع تهنئتها “يول” لفوزه في الانتخابات، ذكَّرت الرئيس الجديد بأن البلدين شريكان مهمان، ولا يمكن فصل أي منهما عن الأخرى.

3– تعهُّد باتخاذ مواقف حازمة تجاه كوريا الشمالية: تحتل قضية كوريا الشمالية أولوية في ملفات السياسة الخارجية التي على الرئيس الجديد لكوريا الجنوبية أن يتعامل معها، لا سيما أنه يرى أن سياسة الرئيس السابق “مون جاي إن” في التعامل مع تلك القضية كانت “خانعة”، وتعهَّد في المقابل بأن يتخذ موقفاً أكثر حزماً من سلفه في التعامل مع الزعيم “كيم جونج أون”، بالتركيز –على نحو خاص– على مهمة نزع السلاح النووي لبيونج يانج، كاختبار حاسم لمدى التزام الزعيم الكوري الشمالي بتقليل التوترات مع جيرانه، وبناء السلام في شبه الجزيرة الكورية.

4– تعزيز التعاون مع واشنطن لمواجهة بيونج يانج: ضمن جهوده للتعامل مع التهديد النووي والصاروخي الكوري الشمالي، تعهد الرئيس الكوري الجنوبي “يون سوك يول” بتعزيز التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، التي تم تقليصها في ظل إدارة الرئيس الكوري الجنوبي المنتهية ولايته “مون جاي إن”، باعتبار ذلك جزءاً من مساعي تعزيز مناخ أكثر ملاءمة لتحقيق حالة من السلام والحوار مع بيونج يانج؛ حيث سيعمل “يول” على استغلال التوافق مع هدف الولايات المتحدة المتمثل في نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية؛ ما قد يمهد لتحالف أكثر قوة بين سيول وواشنطن. فعودة سيول لمعالجة القضية النووية الكورية الشمالية بأسلوب مباشر، يمكن أن تساعد في تجديد تعهدات التحالف الأمريكي–الكوري الجنوبي على أساس القيم والأهداف المشتركة للمنطقة. ومن ناحيتها، قد تنظر الولايات المتحدة إلى التنسيق مع كوريا الجنوبية بشأن التهديد الكوري الشمالي باعتباره فرصة سانحة لتعزيز وتوسيع التحالف ليشمل مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك، بما في ذلك مواجهة روسيا في إطار الحرب الأوكرانية، وكذلك تقوية موقف واشنطن في منافستها الاستراتيجية المستمرة مع بكين.

ترحيب أمريكي

بحسب المقالين، فقد لقي فوز “يون سوك يول” بانتخابات الرئاسة في كوريا الجنوبية ترحيباً من الولايات المتحدة؛ لعدد من الاعتبارات، يمكن إلقاء الضوء عليها في النقاط التالية:

1– اعتبار انتصار “يول” دعماً للعلاقات الأمريكية الكورية: تنظر واشنطن إلى انتصار المرشح الشعبوي المحافظ “يون سوك يول” في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كوريا الجنوبية، باعتباره دعماً لعلاقات واشنطن مع سيول، وخصوصاً في مقابل الطموحات النووية لجارتها الشمالية؛ فبالنسبة إلى واشنطن، فإن فوز “سوك يول” في الانتخابات من شأنه أن يعزز التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، ويعيد تنشيط هذه الشراكة الاستراتيجية الحيوية، بعد أن قامت الإدارة اليسارية الكورية الجنوبية السابقة، على مدى السنوات الخمس الماضية، بمحاولة استرضاء بيونج يانج، من منطلق الاعتقاد بأن الحوار معها من شأنه أن يسفر عن تدابير ملموسة لبناء السلام في شبه الجزيرة الكورية.

2– تحفظ أمريكي حول نهج الرئيس السابق تجاه بيونج يانج: الارتياح الأمريكي لنتائج الانتخابات الكورية الجنوبية، ارتبط بالتحفظات حول نهج الإدارة السابقة في سيول تجاه كوريا الشمالية، الذي كان سيستمر في حال فوز مرشح الحزب الحاكم “لي جاي ميونج” في الانتخابات؛ حيث سعت إدارة “مون جاي إن” باستمرار إلى أن تُوقِّع مع الزعيم الكوري الشمالي “كيم جونج أون” معاهدة سلام كان من شأنها إنهاء الحرب الكورية ظاهرياً، واستعادة النوايا الحسنة بين الكوريتين، لكن في الواقع فإن معاهدة السلام هذه كانت ستزيل أي أساس منطقي للوجود المستمر للقوات الأمريكية على الأراضي الكورية الجنوبية، والأهم أنها كانت ستُضفي الشرعية على نظام الحكم المطلق في شمال المنطقة المنزوعة السلاح، مع قبول كوريا الشمالية عضواً في المجتمع الدولي وفقاً لشروطها الخاصة، وبما يعني القبول بها دولة مسلحة نووياً.

3– التوجه الحازم للإدارة الجديدة في التعامل مع بيونج يانج: في تعارض مع نهج الإدارة السابقة، صرَّح الرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية بكوريا الجنوبية بوضوح، بأنه سيشن ضربة استباقية لصواريخ كوريا الشمالية الأسرع من الصوت التي طوَّرتها مؤخراً، في حال نشوب صراع عسكري. وفي إطار إدراكه لكون جارته الشمالية تمثل نظاماً ثورياً ساعياً إلى إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية، عن طريق فرض نظام ينتهك الحريات الشخصية لمواطنيها على نطاق غير مسبوق وعازم على تطوير قدراته العسكرية؛ فقد حدد “سوك يول” بالفعل نظام عائلة “كيم جونج أون” باعتباره “العدو الرئيسي” لكوريا الجنوبية، وأشار إلى أنه سيعطي الأولوية لحقوق الإنسان في العلاقات بين الكوريتين.

وخلال حملته الانتخابية، تعهد “سوك يول” بألا يلتقي “كيم جونج أون” إلا إذا كانت هناك محادثات على مستوى العمل سابقة لعقد القمة الدبلوماسية بينهما؛ وذلك بعدما التقى الرئيس السابق نظيره الكوري الشمالي، دون شروط مسبقة، ثلاث مرات في عام 2018 فقط، دون أن يبذل الجهد اللازم لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان في محادثاته مع القيادة الكورية الشمالية، ودون أن تسفر اللقاءات معه عن نتائج حقيقية في تأمين السلام في شبه الجزيرة الكورية.

4– توافق الرئيس الجديد مع واشنطن حول الموقف من الصين: وعد الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب كذلك بـ”الوضوح الاستراتيجي” في إعلانه عن موقف بلاده المؤيد لواشنطن بشأن إدارة العلاقات الأمريكية–الصينية؛ وذلك في إطار حديثه عن أهمية الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان في سياسة سيول الخارجية، مقارنةً بموقف سلفه الذي كان متردداً، في كثير من الأحيان، في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان الصينية في شينجيانج وهونج كونج؛ ربما خوفاً من رد الفعل الاقتصادي العنيف من الصين؛ حيث تجنب “جاي ميونج” إثارة قضية حقوق الإنسان في محادثاته مع بكين، رغم خلفيته المنتمية إلى مجال المحاماة عن حقوق الإنسان، فضلاً عن أن إدارته لم تتخذ أي قرار بفرض عقوبات أحادية الجانب على روسيا بعد غزو أوكرانيا، وهو ما يُظهر أن سيول لم تكن مستعدة للعب دور قيادي في النظام الليبرالي الدولي في ظل الإدارة المنتهية ولايتها.

وختاماً، فإن نتائج انتخابات الرئاسة في كوريا الجنوبية، التي انعقدت في 9 مارس 2022، ستترك انعكاسات مهمة على ملفات السياسة الداخلية والخارجية للبلاد على السواء، لا سيما فيما يرتبط بإدارة العلاقات مع كوريا الشمالية، والعمل على نزع سلاحها النووي، وفرص تعزيز التحالف بين سيول وواشنطن من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك، لكن بالتوازي مع ذلك، فإن الرئيس الجديد في سيول سيُجابهه العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي ينبغي له أن يتحسَّب لها، في ضوء التوترات الإقليمية من جهة، والأزمة العالمية المتمثلة في الحرب الأوكرانية من جهة ثانية، وتداعيات الأزمة الممتدة لفيروس كوفيد–19 من جهة ثالثة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − سبعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube