https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

في ولاية كارناتاكا بالهند؛ يؤيد حاكم الولاية تكليف حزب بهاراتياجاناتا بتشكيل الحكومة، رغم حصول ائتلاف معارض على عدد أكبر من المقاعد فيالمجلس التشريعي للولاية. وقد أثار الجدال الدائر -بشأن ذلك- الانتباهَللطريقة التي اختُزل بها الموقف الدستوري لخدمة المصالح السياسية للحزبالحاكم في الهند. تشكل المؤسسات العامة القوية التي تعمل فوق أجواء التناحر السياسي أهميةبالغة لأي ديمقراطية. ولكن في السنوات الأربع الأخيرة؛ أصبحت كل هذهالمؤسسات -التي لا تقدّر بثمن في أكبر ديمقراطية في العالَم (الهند)- مهددةفي ظل حكومة بهاراتيا جاناتا الهندوسية الشوفينية العدوانية، التي تعملعلى توطيد سلطتها. ولننحّ حكام الولايات جانبا (طلب حزب بهاراتيا جاناتا منهم أن يستقيلواجميعا لإفساح المجال أمام المعيَّنين سياسيا بعد فوزه في انتخابات 2014مباشرة)؛ ونبدأ بالنظام القضائي الذي خضع للتدقيق والتمحيص منذ يناير/كانونالثاني، عندما عقد أكبر أربعة قضاة في المحكمة العليا مؤتمرا صحفيا غيرمسبوق، للتشكيك في طريقة إسناد كبير القضاة ديباك مِيسْرا للقضايا. وقد أوحت تعليقاتهم ضمنا بأن مِيسْرا يخصّ بالقضايا قضاته المفضلين، ويفترضفي هذا أنه محاولة لتأمين نتائج تحابي الحكومة (وإن كان هذا لم يُذكَرصراحة). وبعد ثلاثة أشهر؛ قامت عدة أحزاب معارضة بتعميم دعوى عزل ضد ميسرافي مجلس الشيوخ بالبرلمان. “تشكل المؤسسات العامة القوية التي تعمل فوق أجواء التناحر السياسيأهمية بالغة لأي ديمقراطية. ولكن في السنوات الأربع الأخيرة؛ أصبحت كل هذهالمؤسسات -التي لا تقدّر بثمن في أكبر ديمقراطية في العالَم (الهند)- مهددةفي ظل حكومة بهاراتيا جاناتا الهندوسية الشوفينية العدوانية، التي تعملعلى توطيد سلطتها” وبعد أن رفض رئيس مجلس الشيوخ ونائب الرئيس الهندي فينكايا نايدو الدعوى؛طلب اثنان من أعضاء البرلمان من المحكمة العليا الطعن في القرار. لكن ميسراعَيّن قاضيا يبدو أنه محبب لديه للاستماع إلى الطلب الذي تقدمت بهالأحزاب، الأمر الذي دفع النواب إلى سحب قضيتهم. وربما يكون ميسرا آمنا؛لكن صورة القضاء تلقت ضربة قوية لن تتعافى منها بسهولة. كما تلقت سمعة لجنة الانتخابات في الهند ضربةً قوية العام الماضي، وهي التيتحمل سجلا طويلا من إدارة الانتخابات الحرة والنزيهة، رغم أنها تتألف إلىحد كبير من موظفين مدنيين تعينهم الحكومة لفترة ولاية ثابتة. ففي ابتعاد عن مدونة السلوك التي تحكم عملها؛ أعلن رئيس اللجنة الانتخابية -الذي عيَّنه حزب بهاراتيا جاناتا آنذاك أتشال كومار جيوتي- مواعيدالانتخابات في ولاية هيماشال براديش، وولاية غوجارات بفارق 13 يوما، رغم أنالولايتين تذهبان إلى صناديق الاقتراع في نفس الوقت عادة. وقد زعمت اللجنة الانتخابية أنها أخرت موعد انتخابات غوجارات حتى لا تتسببمدونة السلوك الانتخابي (التي تقيد الإنفاق الحكومي بالولاية) في إعاقةعمليات الإغاثة من الفيضانات. لكن أغلب الهنود يعتقدون أن بهاراتيا جاناتا مارس الضغوط على اللجنةالانتخابية لحملها على تأخير الإعلان لأطول فترة ممكنة، حتى يتمكن مناجتذاب ناخبي اللحظة الأخيرة الذين لا علاقة لهم بعمليات الإغاثة منالفيضانات. وفي وقت لاحق؛ أعلنت حكومة غوجارات -وكذلك رئيس الوزراء نارندرا مودي- العديد من هذه المخططات. وقد أدان مفوضو الانتخابات السابقون بالإجماع قراراللجنة الانتخابية، لكن دون جدوى. وما زاد الطين بلة هو أن اللجنة الانتخابية قررت في يناير/كانون الثانياستبعاد 20 من أعضاء الحزب العاديين من المجلس التشريعي في دلهي لأسبابفنية، وهو التصرف الذي كان سيعود بالنفع على حزب بهاراتيا جاناتا لو أعقبتهانتخابات تكميلية على مقاعده. وقد ألغت محكمة دلهي العليا هذا القرار واصفةً إياه بأنه “رديء وينتهكمبادئ العدالة الطبيعية”. ولكن كما هي حال السلطة القضائية؛ كان الضرر وقعفعلا: فما كان ذات يوم الحارسَ المحايد للعملية الديمقراطية في الهند؛ يعملالآن -تحت ضغط من حزب بهاراتيا جاناتا- على تشويه دوره، وإضعاف مكانته بينالهنود. وتزداد قائمة المؤسسات الهندية التي تفقد مصداقيتها على نحو متزايد ببنكالاحتياطي الهندي؛ فقد أثارت عملية سحب العملة الكارثية في نوفمبر/تشرينالثاني 2016 انتقادات واسعة النطاق لبنك الاحتياطي الهندي، وذلك لفشله فيأداء واجباته الائتمانية. من المؤكد أن بنك الاحتياطي الهندي لم يُستَشَر على النحو اللائق عندمااتخذ حزب بهاراتيا جاناتا القرار؛ لكنه فشل مع ذلك -بشكل روتيني- في توقعالمشاكل التي قد يُحدثها المخطط، كما فشل في استخدام استقلاله لتحسين عمليةالتنفيذ والتخفيف من الآثار السلبية. فقد أصدر بنك الاحتياطي الهندي -بدلا من ذلك- 138 إخطارا بشأن عملية سحبالعملة على مدار سبعين يوما، وكان كل إعلان جديد يرقى إلى تعديل لإعلانسابق حول مقدار الأموال التي يمكن سحبها ومتى. وبدا الأمر وكأن بنكالاحتياطي الهندي تحول إلى دمية تتلاعب بخيوطها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا. في يناير/كانون الثاني من العام الفائت؛ كتب المنتدى الموحد لمسؤولي وموظفيبنك الاحتياطي الهندي إلى الحكومة لتسليط الضوء على “سوء الإدارةالتشغيلية”، التي زعم أنها “أضعفت استقلالية بنك الاحتياطي الهندي وسمعتهبدرجة غير قابلة للإصلاح”. وبسبب صمته؛ أصبح محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتل أشبه بحَمَلوديع. ولكن في حالتنا هذه؛ كان في “صمت الحِملان” أشد الضرر لبنك الاحتياطيالهندي ذاته، وكانت العواقب -مرة أخرى- طويلة الأمد. كما كانت حكومة مودي راغبة في تسييس المؤسسات الأمنية؛ فمثلا عند تعيينالجنرال بابين راوات رئيسا لأركان الجيش، تجاوزت الحكومة جنرالين أعلىرتبة، مستهزئة بذلك بمبادئ الأقدمية المعمول بها منذ الأزل. “إضافة للبرلمان؛ يجري تسهيل الهجوم على مؤسسة أخيرة بالغة الأهمية: الصحافة الحرة، التي تبدو الآن وكأنها أُخضِعَت -إلى حد كبير- لقوة الحكومةالمتغطرسة، ناهيك عن ترهيبها الواضح والاستيلاء على منافذ التيار السائد. إذا سُمِح باستمرار هذا الهجوم على مؤسسات الهند، فقد يفقد عامة الناسثقتهم في النظام كليا. وهذا من شأنه أن يحمل عواقب لا يمكن تقديرها علىالأصل الأكثر قيمة في الهند: الديمقراطية” وعلاوة على ذلك؛ استخدمت الحكومة الجيش مرارا وتكرارا في دعايتها السياسية،وكشفت علنا تفاصيل عملياتية كانت الحكومات السابقة تبقيها سرا (مثلالإعلان عن توجيه “ضربة جراحية” لقواعد الإرهابيين بمنطقة تسيطر عليهاباكستان). وخلال انتخابات ولاية كارناتاكا الأخيرة؛ استغل الرئيس مودي ذاتُه المؤسسةَالعسكرية الهندية على نحو فاضح لتحقيق غاياته القصيرة الأمد، عبر شجب أولرئيس وزراء للهند بسبب مزاعم عن إهانة اثنين من قادة الجيش ينتميان إلى هذهالولاية، رغم أن هذا لم يحدث قَط. ولم تسلم شرطة دلهي ووكالات التحقيق الفدرالية -وخاصة مكتب التحقيقاتالمركزي- من التسييس أيضا؛ فقد وُصِف مكتب التحقيقات بأنه “ببغاء في قفص” في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا، مع عمله الذي يُعَد الآن -في أحيان كثيرة- ذا دوافع سياسية، بعد أن وُصِف ذات يوم بأنه المعيار الذهبي في مكافحةالجريمة الهندية. كما أُفرِغ قانون الحق في الحصول على المعلومات -الذي يهدف إلى ضمانالشفافية والمساءلة- من مضمونه بسبب تثاقل الحكومة، ورئيس ديوان المظالمالوطني أو الممثل القانوني، الذي لم يعيَّن بعد ما يقارب خمس سنوات من صدورقانون لإنشاء هذا المنصب. كما ألقِيت ظلال من الشك على نزاهة المجلس المركزي للتعليم الثانوي، بعدتسريب أسئلة امتحان المدارس الوطنية، مما أرغم 1.6 مليون طالب على إعادةالامتحان. كما نشأت مشاكل مماثلة تتعلق باختبارات القبول لدراسة القانونوالطب، فضلا عن الاختبارات لمناصب كهنوتية. وفي وقت أصبح فيه عدد الوظائف أقل كثيرا من أعداد العمال؛ قد يؤدي تدنيمستوى الثقة في نظام الاختبارات التنافسية -كوسيلة لتقييم الطلاب- إلىتقويض السلام الاجتماعي. وحتى البرلمان الهندي -وهو “معبد الديمقراطية”- شهد تحول أعماله إلى مهزلة،لأن حلفاء حزب بهاراتيا جاناتا وأنصاره تعمدوا دفع جلسة الميزانية بمجلسالنواب إلى طريق مسدود في أبريل/نيسان 2018. ومع زعم رئيسة المجلس -التيعينها حزب بهاراتيا جاناتا- أنها لم تتمكن من “إحصاء الرؤوس” وسط الضجيج؛لم يُطرَح اقتراح أحزاب المعارضة بسحب الثقة من الحكومة للمناقشة. يجري تسهيل مثل هذا السلوك بالهجوم على مؤسسة أخيرة بالغة الأهمية: الصحافةالحرة، التي تبدو الآن وكأنها أُخضِعَت -إلى حد كبير- لقوة الحكومةالمتغطرسة، ناهيك عن ترهيبها الواضح والاستيلاء على منافذ التيار السائد. إذا سُمِح باستمرار هذا الهجوم على مؤسسات الهند، فقد يفقد عامة الناسثقتهم في النظام كليا. وهذا من شأنه أن يحمل عواقب لا يمكن تقديرها علىالأصل الأكثر قيمة في الهند: الديمقراطية.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − اثنان =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube