https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

اطلعتُ على كتاب  مهم   للمؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه ،يدحض  فيه الخرافات التي تسلحت بها اسرائيل لتسويغ احتلالها لفلسطين ، وخداع الراي العام الدولي ، وحشد اليهود حول  الحركة الصهيونية .عنوان الكتاب : ” عشر خرافات عن اسرائيل”. “،

وهذه الخرافات هي : هل كانت  فلسطين ارضا خالية ؟وهل كان اليهود شعبا بلا ارض ؟ وهل الصهيونية هي اليهودية ؟وما ارتباط الصهيونية بالاستعمار ؟وهل  غادر الفلسطينيون ارضهم طوعا عام 1948؟ولماذا  شنت اسرائيل حرب عام 1967؟ وهل اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة . كما يفند الكاتب ايضا الخرافات التي صنعتها اسرائيل حول اوسلو وحول غزة .

وساتعرض اليوم في مقالتي لخرافة واحدة اوردها المؤلف ، ولكنه لم يعطها حقها الكافي  من الدراسة والتحليل  ،و هي ادعاء اسرائيل ان الصهيونية واليهودية هما وجهان لعملة واحدة ، وان اي يهودي يجب ان يكون بالضرورة صهيونيا .

في الواقع ، فان اليهودية هي دين سماوي  -مثل غيره من الاديان – انتشر  انصاره في  مختلف اصقاع المنطقة وبين شعوب العالم ، ولذلك يمكن ان نجد بين  اليهود ،اصحاب البشرة البيضاء والشقراء والسمراء  وحتى السوداء ،مثل يهود الفلاشا .ثم ان هناك حركات يهودية معارضة للصهيونية واسرائيل ،مثل حركة حريديم ، وحزب اغودات اسرائيل، وجماعة ناطوري كارتا  وحركة” ساطمر”  ،وغيرها من الحركات اليهودية التي يعارض بعضها حتى وجود اسرائيل ! ولذلك ـ فادعاء الصهاينة ان كل يهودي هو صهيوني  يجانب الواقع والحقيقة . وكتاب المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه  الذي اشرنا اليه ، هو برهان ساطع على ذلك .

اما الصهيونية ، فهي حركة سياسية  نشأت في ظل ودعم  الاستعمار الاوربي بشكليه القديم والحديث ، واعتمدت الاساليب الاستعمارية ذاتها ،من احتلال وقتل ونهب للثروات،نهجا رسميا لها .  ولكن الصهيونية اضافت لمساتها الخاصة للاساليب الاستعمارية التقليدية .وقد تجلى ذلك في  دمج الوقائع التاريخية المزيفة  بالاساطيرالدينية  المختلقة  ، مع التركيز على  ممارسة العنف والاستيطان وتهجير السكان المحليين  . وقد انتج هذا الدمج مزيجا ايدولوجيا خطيرا قائما على  مقولة شعب الله المختار ، “المناضل ”  من اجل  استعادة حقوقه التاريخية والدينية  ، ونشر الحضارة  الغربية في  منطقة متخلفة وهمجية   .

وقد انطلت هذه الخديعة على عدد كبير من فئات غير يهودية في المجتمع الغربي  ، باتت تساند بشكل اعمى  الصهونية واسرائيل . وخير دليل على ذلك ،الحركة الصهيونية المسيحية في امريكا ، والتي تضم  في صفوفها عشرات الملايين  من اتباع الكنائس البروتستانتية الاصولية . يؤمن اتباع هذه الحركة ، ان قيام اسرائيل كان ضرورة حتمية وتجسيدا  لنبؤات  الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لمجيء المسيح الثاني المخلص ، الذي سينشر النور  في العالم  .ولذلك  تتعاطف   هذه  الحركة مع الصهيونية ، وتؤيد بشكل مطلق  اسرائيل ،  وتدين كل انتقاد او معارضة لسياساتها . وبالمناسبة ، فان هذه الحركة  قد  ايدت سياسة ترامب المحابية  لاسرائيل . وهي قد اعلنت  عن دعمها للمساعدات العسكرية والمالية  العاجلة التي يقدمها بايدن للعدوان الاسرائيلي على غزة .

وهكذا ، لم تعد الصهيونية امتدادا للاستعمار فحسب ،بل باتت  المرحلة  الاعلى للامبريالية  التي تجسدها اليوم الولايات المتحدة  وبعض دول الغرب الاخرى . وهذا يفسر استنفار تلك الدول  لتقديم المساعدات لاسرائيل  ،وتبني اكاذيبها حول العدوان على غزة والشعب الفلسطيني.

واسباب هذه ” الفزعة”  الغربية  لاسرائيل ،لا تكمن فقط  في التطابق الايدولوجي الاستعماري  بين الغرب واسرائيل ،وفي الحقد الصليبي الغربي على العرب والمسلمين ، وانما جاءت كذلك ، نتيجة  لعمليات  الخداع والتزوير المكثفين ، التي  مارسها الصهاينة بشكل مكثف خلال عقود كثيرة . ولنعترف ، ان هذا  الجهد السياسي  والاعلامي الصهيوني ،قد تمكن من خداع فئات كثيرة مؤثرة في المجتمع الغربي ، وجرها الى اعتماد الرواية  والاساطير الدينية والسياسية لاسرائيلية حول ما يجري في المنطقة  .

ثم ان محاولات التهادن مع العدو الاسرائيلي ـ والتطبيع معه وقبول خرافاته ، قد  اضفت مصداقية على بعض تلك الخرافات الصهيونية ، وشجعت الغرب على الاستمرار في نهجه المماليء لاسرائيل والصهيونية ، ودعم العدوان  على الشعب الفلسطين .

لقد اعترف  نتنياهو  ان  المعركة مع غزة هي مسألة حياة ام موت لاسرائيل ، وهو صادق في ذلك ، فخسارة اسرائيل في هذه المعركة سينسف من الاساس ، كل خرافات  الخداع والتضليل التي نسجتها اسرائيل خلال العقود السبعة الماضية  ، وسيضع  على المحك المشروع الصهيوني العدواني الاستيطاني باكمله .

24/10/2023

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 + خمسة عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube