كتب محمد خير الوادي :
اطلعتُ على كتاب مهم للمؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه ،يدحض فيه الخرافات التي تسلحت بها اسرائيل لتسويغ احتلالها لفلسطين ، وخداع الراي العام الدولي ، وحشد اليهود حول الحركة الصهيونية .عنوان الكتاب : ” عشر خرافات عن اسرائيل”. “،
وهذه الخرافات هي : هل كانت فلسطين ارضا خالية ؟وهل كان اليهود شعبا بلا ارض ؟ وهل الصهيونية هي اليهودية ؟وما ارتباط الصهيونية بالاستعمار ؟وهل غادر الفلسطينيون ارضهم طوعا عام 1948؟ولماذا شنت اسرائيل حرب عام 1967؟ وهل اسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة . كما يفند الكاتب ايضا الخرافات التي صنعتها اسرائيل حول اوسلو وحول غزة .
وساتعرض اليوم في مقالتي لخرافة واحدة اوردها المؤلف ، ولكنه لم يعطها حقها الكافي من الدراسة والتحليل ،و هي ادعاء اسرائيل ان الصهيونية واليهودية هما وجهان لعملة واحدة ، وان اي يهودي يجب ان يكون بالضرورة صهيونيا .
في الواقع ، فان اليهودية هي دين سماوي -مثل غيره من الاديان – انتشر انصاره في مختلف اصقاع المنطقة وبين شعوب العالم ، ولذلك يمكن ان نجد بين اليهود ،اصحاب البشرة البيضاء والشقراء والسمراء وحتى السوداء ،مثل يهود الفلاشا .ثم ان هناك حركات يهودية معارضة للصهيونية واسرائيل ،مثل حركة حريديم ، وحزب اغودات اسرائيل، وجماعة ناطوري كارتا وحركة” ساطمر” ،وغيرها من الحركات اليهودية التي يعارض بعضها حتى وجود اسرائيل ! ولذلك ـ فادعاء الصهاينة ان كل يهودي هو صهيوني يجانب الواقع والحقيقة . وكتاب المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه الذي اشرنا اليه ، هو برهان ساطع على ذلك .
اما الصهيونية ، فهي حركة سياسية نشأت في ظل ودعم الاستعمار الاوربي بشكليه القديم والحديث ، واعتمدت الاساليب الاستعمارية ذاتها ،من احتلال وقتل ونهب للثروات،نهجا رسميا لها . ولكن الصهيونية اضافت لمساتها الخاصة للاساليب الاستعمارية التقليدية .وقد تجلى ذلك في دمج الوقائع التاريخية المزيفة بالاساطيرالدينية المختلقة ، مع التركيز على ممارسة العنف والاستيطان وتهجير السكان المحليين . وقد انتج هذا الدمج مزيجا ايدولوجيا خطيرا قائما على مقولة شعب الله المختار ، “المناضل ” من اجل استعادة حقوقه التاريخية والدينية ، ونشر الحضارة الغربية في منطقة متخلفة وهمجية .
وقد انطلت هذه الخديعة على عدد كبير من فئات غير يهودية في المجتمع الغربي ، باتت تساند بشكل اعمى الصهونية واسرائيل . وخير دليل على ذلك ،الحركة الصهيونية المسيحية في امريكا ، والتي تضم في صفوفها عشرات الملايين من اتباع الكنائس البروتستانتية الاصولية . يؤمن اتباع هذه الحركة ، ان قيام اسرائيل كان ضرورة حتمية وتجسيدا لنبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لمجيء المسيح الثاني المخلص ، الذي سينشر النور في العالم .ولذلك تتعاطف هذه الحركة مع الصهيونية ، وتؤيد بشكل مطلق اسرائيل ، وتدين كل انتقاد او معارضة لسياساتها . وبالمناسبة ، فان هذه الحركة قد ايدت سياسة ترامب المحابية لاسرائيل . وهي قد اعلنت عن دعمها للمساعدات العسكرية والمالية العاجلة التي يقدمها بايدن للعدوان الاسرائيلي على غزة .
وهكذا ، لم تعد الصهيونية امتدادا للاستعمار فحسب ،بل باتت المرحلة الاعلى للامبريالية التي تجسدها اليوم الولايات المتحدة وبعض دول الغرب الاخرى . وهذا يفسر استنفار تلك الدول لتقديم المساعدات لاسرائيل ،وتبني اكاذيبها حول العدوان على غزة والشعب الفلسطيني.
واسباب هذه ” الفزعة” الغربية لاسرائيل ،لا تكمن فقط في التطابق الايدولوجي الاستعماري بين الغرب واسرائيل ،وفي الحقد الصليبي الغربي على العرب والمسلمين ، وانما جاءت كذلك ، نتيجة لعمليات الخداع والتزوير المكثفين ، التي مارسها الصهاينة بشكل مكثف خلال عقود كثيرة . ولنعترف ، ان هذا الجهد السياسي والاعلامي الصهيوني ،قد تمكن من خداع فئات كثيرة مؤثرة في المجتمع الغربي ، وجرها الى اعتماد الرواية والاساطير الدينية والسياسية لاسرائيلية حول ما يجري في المنطقة .
ثم ان محاولات التهادن مع العدو الاسرائيلي ـ والتطبيع معه وقبول خرافاته ، قد اضفت مصداقية على بعض تلك الخرافات الصهيونية ، وشجعت الغرب على الاستمرار في نهجه المماليء لاسرائيل والصهيونية ، ودعم العدوان على الشعب الفلسطين .
لقد اعترف نتنياهو ان المعركة مع غزة هي مسألة حياة ام موت لاسرائيل ، وهو صادق في ذلك ، فخسارة اسرائيل في هذه المعركة سينسف من الاساس ، كل خرافات الخداع والتضليل التي نسجتها اسرائيل خلال العقود السبعة الماضية ، وسيضع على المحك المشروع الصهيوني العدواني الاستيطاني باكمله .
24/10/2023