المؤلف: ميشال نوفل
يقول الباحث والمحلل السياسي اللبناني ميشال نوفل في كتاب جديد ان تركيا وجدت نفسها في حقبة تاريخية اخيرة مضطرة الى ان تعدل وتطور توجهاتها السياسية الخارجية نتيجة التغيرات التي طرأت على العالم منذ انتهاء الحرب الباردة.
وقال “كان على تركيا ان تطور وتعدل توجهات سياستها الخارجية على وقع ديناميات البيئة العالمية المتحولة عقب افول الحرب الباردة خصوصا ان عدم تبلور نظام عالمي جديد تتفرع عنه انظمة اقليمية فرعية جديدة تسبب بتهديدات امنية جدية لتركيا في المحيط الجيوسياسي الشامل الشرق الاوسط والبلقان والقوقاز.
“وعليه عملت المؤسسة الحاكمة في تركيا لصوغ مقاربة جيوثقافية تجعل تاريخها الامبراطوري العثماني وميزات موقعها الجيوسياسي المحوري رصيدا ايجابيا في مرحلة اعادة بناء النظرية السياسية للدولة.”
ميشال نوفل صحافي ومحلل سياسي متخصص في شؤون الشرق الاوسط “في تفاعلاته العربية التركية والايرانية”. وهو يتولى حاليا ادارة تحرير الصفحات العربية والدولية في جريدة “المستقبل” اللبنانية.
اما كتابه فقد حمل عنوانا مركبا واضحا جاء على الشكل التالي ” عودة تركيا الى الشرق..الاتجاهات الجديدة للسياسة التركية”. جاء الكتاب الموثق بدقة تجعله مرجعا مكثفا وان غير ضخم في 151 صفحة متوسطة القطع بينها فهارس للبلدان والمدن والمناطق والشعوب وللمفردات والمفاهيم وللشخصيات وللهيئات والتيارات والوجهات والاحزاب وثبت للمراجع والمصادر واخر للخرائط التي ضمها الكتاب.
وربما كان من اهم ما في الكتاب من الناحية التوثيقية سجل زمني لاحداث تاريخية مهمة تتعلق بموضوع بحث المؤلف وقد اورده تحت عنوان ” معالم كرونولوجية” وفيه عناوين مختصرة ابتداء بتاريخ معين هو القرن التاسع للميلاد حيث اشار الى معلم تاريخي هو “تدفق كثيف للمجندين الترك في خدمة الخليفة العباسي” وانتهاء بمعلم اخر عنوانه هو “6-10 -2004.. اللجنة الاوروبية تصدر تقريرها في شأن الوضع التركي بالنظر الى معايير العضوية في كوبنهاجن وتعتبر ان تركيا تحترم بصورة كافية المعايير الديمقراطية المحددة في الاتحاد الاوروبي.”
وردت هذه المعالم الزمنية بين الصفحة 107 والصفحة 126 من الكتاب.
وقال الكاتب في مجال الحديث عن التغير في السياسة التركية ان التغير الاساسي ظهر “عندما شرعت الدولة في فتح الابواب للنظام الاقتصادي العالمي فأطلقت حركة السوق وحررت نظام التجارة الخارجية وكان التبدل في مفهوم التصنيع في المرحلة الاولى في التحول الاستراتيجي على مستوى نظرية الدولة.
“وفي نطاق السياسة الخارجية استمر تأكيد انتماء تركيا الى العالم الغربي خصوصا طلب الانتماء الى الاسرة الاوروبية فيما كان يجري توثيق الروابط الاقتصادية والتجارية بالعالم العربي والاسلامي. وتمكنت تركيا من تعويض تقلص قيمتها الاستراتيجية بنظر قادة العالم الغربي اواخر الثمانينات نتيجة للتحولات التي اسفرت عن انهيار الانظمة الشيوعية في اوروبا وتفكك الاتحاد السوفيتي.
“فقد جاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 ليعيد تذكير الغرب الحريص على امداداته النفطية بأهمية انقرة الحيوية بالنسبة الى امنه. ومن ناحية اخرى انفتحت افاق جديدة امام الدبلوماسية التركية نتيجة التفكك الكامل للاتحاد السوفيتي وانعكاساته في منطقتي القوقاز واسيا الوسطى حيث تعيش شعوب لها جذور مشتركة مع اتراك الاناضول وتم الاعتراف فعلا بظهور عالم تركي كان خارج حسابات الرؤية الرسمية.”
اضاف ان هذا العالم يشمل ست جمهوريات مستقلة اضافة الى تتارستان داخل الاتحاد الروسي والاقليات التركية في البلقان والعراق وايران والصين مما يعني ان مسؤوليات جديدة باتت تترتب على الطبقة السياسية والمجتمع المدني في تركيا.”
وقال انه مع مطلع سنة 1992 صارت تركيا “مثابة القطب الجاذب في مجال جيوسياسي واسع يمتد من البلقان غربا الى حدود الصين شرقا واكتسبت السياسة الخارجية التركية ابعادا جديدة تفرض على انقرة التصرف كقاطرة لدفع “الجمهوريات التركية” المستقلة حديثا الى حضن النظام العالمي وقد تحقق ذلك فعلا عام 1992.”
ورأى ان الكمالية -نسبة الى نظام كمال اتاتورك- نتيجة لكل ذلك “تجاوزها تقادم الزمن شأنها في ذلك شأن الايديولوجيات الشمولية المنهارة في الاتحاد السوفيتي سابقا وفي بلدان شرق اوروبا. كذلك تبين ان الايديولوجيا الرسمية الجديدة التي تبنتها المؤسسة العسكرية التركية قبل ان تقدم على تنفيذ انقلاب 1980 ترفع لواء الكمالية وتستند عمليا الى مفهوم ثقافة وطنية تمتد جذورها في الدين الاسلامي.
“ولقد كان للجنرالات ورواد التيار القومي – الديني الفضل في مواكبة الوعي الاجتماعي الذي تجاوز التطور الاقتصادي لادخال دروس الدين في اطار الدروس الاجبارية في المدارس الابتدائية والثانوية وهو تدبير نصت عليه المادة 24 من دستور 1982 وتم تكريس “التوليف التركي – الاسلامي” سياسة رسمية في مجال الثقافة الوطنية ترفع شأن التجربة العثمانية وتضع الاسس لارادة تأكيد تركيا كقوة اقليمية كبرى.”
وتابع يقول “وينطوي التوليف التركي – الاسلامي على محاولة لاستعادة الرصيد الجيوسياسي للتجربة العثمانية على نحو يسمح بتجاوز سلبيات الحقبة الكمالية ولاسيما منها الانعزالية والقطيعة مع الموروث الاسلامي والعثماني والانكفاء الى المربع الجغرافي الاناضولي واعادة ربط تركيا العثمانية الجديدة بحاضنتها التاريخية والتمحور حول محيطها الجيوسياسي والجيوثقافي مقدمة لاعادة هندسة العلاقات الاقليمية في الشرق الاوسط واعادة الشراكة الاستراتيجية مع العرب.”
وقال ان رفض تركيا التعاون مع الولايات المتحدة تمهيدا لغزو العراق عام 2003 كان “بمثابة الكاشف للاتجاهات الجديدة للسياسة الخارجية التركية…”
ولعل عناوين الفصول الخمسة في الكتاب توضح كثيرا مما فيه. والعناوين هي “تركيا وصعود العالم التركي” و”حركة التوليف التركي الاسلامي” و”اعادة توجيه السياسات التركية” و”العرا ق في مفهوم العثمانية الجديدة” و”المقاربة التركية للشرق الاوسط”.