https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :
طفت على سطح الاحداث مؤخرا وقائع تشير الى اهتزاز شديد ، يحصل في العلاقات التي كانت توصف بالمستقرة بين كازاخستان وروسيا . فقد اثارت التصريحات الجريئة وغير المعهودة التي ادلى بها مؤخرا الرئيس الكازاخي تاكاييف في المؤتمر الاقتصادي العالمي في مدينة بيتر غراد الروسية ، عاصفة من التحليلات والنقد الضمني المتبادل لم تهدأ امواجها حتى الآن .
فقد رفض المسؤول الكازاخي الاعتراف باستقلال كل من دانيسك ولوغانسك التي تعترف بهما موسكو . وزاد من سخونة الجو ما قاله تاكاييف ، من انه ليس مدينا لروسيا في انقاذ نظامه عقب احداث الشغب التي وقعت قبل عدة اشهر في كازاخستان، مشيرا بذلك الى قرار الرئيس بوتين بارسال قوات روسية لاخماد تلك الاضطرابات . وزاد الطين بلة، اعلان الحكومة الكازاخية فيما بعد ، عزمها الالتزام بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا .
وردٌت شركات النفط الروسية بالاعلان المؤقت عن توقف ضخ النفط الكازاخي عبر اراضي روسيا بسبب ” الصيانة”. والمقابل ،سارعت وزارة النفط الكازاخية للقول ، بانها بصدد الاسغتناء نهائيا عن الخط الروسي ، وانها ستنقل نفطها عبر انابيب النفط التي تمر بعيدا عن روسيا عبر ازربيجان وجورجيا وصولا الى تركيا.
هذه التصريحا ت والممارسات ، تتعارض تماما مع الانطباع السائد حول متانة العلاقات بين البلدين ، والتي اعتقد بعض المراقبين الروس انها قد ارتقت الى مرحلة التحالف ، لا سيما بعد المساعدة العسكرية التي قدمتها روسيا اشهر للرئيس توكاييف .
وهنا ينهض عدد من الاسئلة الملحة بهذا الخصوص :
لماذا تعمٌد الرئيس الكازاخي الاعلان عن مثل هذه المواقف المعارضة لسياسة موسكو، وفي روسيا وبحضور الرئيس بوتين شخصيا ؟
ولماذا تحدث مثل هذه ” الاحتكاكات ” الساخنة في العلاقات الثنائية ؟
وهل يمكن ان يفضي ذلك الى تصدع العلاقات بين البلدين ؟
اعتقد ان هناك عدة اسباب دفعت الرئيس الكازاخي لرفع عقيرته في وجه جاره الشمالي .
السبب الاول يعود الى صدور بعض التصريحات عن شخصيات غير رسمية في موسكو، انتقدت رفض كازاخستان تأييد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا ،وحذرت هذه الشخصيات بشكل غير مباشر، من امكانية تكرار الامر نفسه في كازاخستان بسبب وجود ملايين الروس في المناطق الشمالية من ذلك البلد. ومثل هذه الانتقادات اثارت سخطا كبيرا في الاوساط الكازاخية .
اضافة لذلك ، فقد دأب الاعلام الروسي خلال الفترة الماضية على التذكير بمقولة مفادها ،ان الرئيس تاكاييف مُدين لروسيا بانقاذ نظامه ، وان عليه ان يرد الجميل ويؤيد سياسة موسكو في اوكرانيا .وهو امر اثار حفيظة الرئيس الكازاخي ، الذي رد على ذلك بالقول ، انه لم يطلب مساعدة روسيا ،وانما رجا منظمة الامن والتعاون لتقديم العون له !
فضلا عن ذلك ، يشير مراقبون كازاخ ، الى امتعاض تكاييف من عدم لفظ الرئيس بوتين اسم الرئيس الكازاخي الصحيح عدة مرات ، ويؤكد هؤلاء ان هذا الامر ترك ندوبا نفسية لدى المسؤول الكازاخي .
وينبغي ان نجد السبب الثاني للشروخ التي حدثت في العلاقات العلاقات الثنائية في التاثير الصيني المتنامي في كازاخستان ، والذي يثير عدم الارتياح في موسكو .
تاريخيا ، تَعتبرُ روسيا آسيا الوسطى ” حديقة خلفية لها “، وتنظر بعين الريبة الى تنامي نفوذ اية دولة اخرى في تلك المنطقة ، حتى لو كانت الصين . وفي الواقع ، فان توسع الوجود الصيني بدأ يغير تلك المعادلة في كازاخستان ودول آسيا الوسطى . فقد تمكنت بكين من ربط تلك الدول بالاقتصاد الصيني عبر آلاف الكيلو مترات من خطوط نقل النفط والغاز ، ودخول عدد لا يحصى من الشركات الصينية ،وضخ مئات المليارات من الاستثمارات الصينية . كما شهدت تلك المنطقة تحولا غير مألوف ، تجلى في اقدام بكين على بناء قواعد عسكرية صينية ،لا سيما في منطقة البامير الطاجاكية . وللتدليل على عمق التأثير الصيني في تلك المنطقة ، اشير الى القمة التي عُقدت في مطلع العام الحالي برئاسة الرئيس الصيني، وضٌمت رؤوساء خمس دول من آسيا الوسطى .
وقد وفرت العلاقات الواسعة مع الصين للرئيس الكازاخي، هامشا واسعا للتحرك المستقل في علاقاته مع موسكو، ومنحته امكانية كبيرة للمناورة والنأي بالنفس عن مواقف روسية لا تحبذها بكين .
والسبب الثالث هو ، الضغوط التي مارستها امريكا واوربا على الحكومة الكازاخية من أجل الالتزام بالعقوبات الغربية على موسكو . ويملك الغرب كثيرا من ادوات الضغط في كازاخستان ، مثل الاستثمارات الضخمة في قطاعات النفط والغاز والتقانة المتقدمة ، والتأثير الكبير في القطاع المالي . واظن ، ان التهديد الغربي بفرض عقوبات على الشركات الكازاخية التي يمكن ان تتعامل مع موسكو ، دفع استانا الى الالتزام بتلك العقوبات، للحفاظ على علاقاتها مع الغرب .
وهناك سبب أخير ، جعل الرئيس توكاييف اكثر ثقة واعتدادا بالنفس في تعامله مع موسكو ، وهو التعاون الضخم القائم الآن بين تركيا وكازاخستان .فهذه الدولة الاسيوية الوسطى تعتبر نفسها جزءا من ” العالم التركي “، وتسعى لتوطيد علاقاتها في مختلف المجالات مع تركيا . وقد توج ذلك في الزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس تكايف الى تركيا ، حيث وقع عقودا اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة مع تركيا ، منها الانتاج المشترك لطائرة ” بيرقدار ” وانظمة عسكرية اخرى . كما لمس الرئيس الكازاخي عزم تركيا على تقديم ” دعم غير محدود للشعب الكازاخي الشقيق الذي يرتبط برباط الدم والقرابة مع الشعب التركي “، كما جاء في تصريحات للرئيس التركي .
هذه العوامل كلها ، شجعت الرئيس الكازاخي على اتخاذ بعض المواقف المستقلة عن سياسة موسكو ، بغية تعزيز وضعه الداخلي والعالمي . وفي الوقت نفسه ، يدرك الرئيس تاكاييف بقرارة نفسه ، ان روسيا لا تزال تملك اوراقا مهمة للتأثير على بلاده . فلكازاخستان اكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر من الحدود المشتركة مع روسيا ، وهناك عدة ملايين من الروس الذين يعيشون في المنطقة الشمالية من البلاد ، وهناك روابط تاريخية وتجارية يصعب التخلي عنها .ولذلك ، سيكون الرئيس الكازاخي مضطرا – على الاقل في الوقت الحالي – للأخذ بعين الاعتبار هذه الوقائع ، ولكبح الرغبة الدفينة لدى حكام هذا البلد الاسيوي الكبير بالخروج من العباءة الروسية .ومثل غيرهم من حكام دول اسيا الوسطى ، ينتظر مسؤولو كازاخستان نتائج المجابهة الدموية الحالية في اوكرانيا ليقرروا وجهتهم المستقبلية . وفي حقيقة الامر ، فان ما يجري في كازاخستان ، سيقرر مصير آسيا الوسطى كلها ، لان هذا البلد الذي يعتبر الاكبر والاغنى ، يمثل “بيضة القبان” التي تحدد الجهة الفائزة في تلك المنطقة .
واختم بالقول : في كتابي المعنون ” لقاءات مع قادة آسيا ” ،دافع الرئيس الكازاخي السابق نزار باييف عن قراره بتخليص كازاخستان من ترسانتها النووية ، وعدٌ ذلك بمثابة اكبر انجازله. لكن الاوساط السياسية الحالية في هذا البلد لا تشاطر نزار باييف موقفه هذا ، وتعبتر هذه الاوساط تجريد بلادهم من الاسلحة النووية بمثابة تعريتها امام العواصف المتجمدة التي تضربها من كل صوب . ولسخرية القدر ، فان الشعور نفسه موجود الآن في اوكرانيا .
9/7/2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 13 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube