https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي 22 تموز الجاري، أن سيناريو «الثورات الملونة» لن يعمل في روسيا. وأوضح «أنمحاولات زعزعة الوضع الاجتماعي والسياسي تتواصل من الخارج لجعل روسيا سهلةالانقياد على الساحة الدولية». ومن المعروف أن موسكو اتخذت موقفاً رافضاًلما يُسمى بـ«الثورات الملونة» في جورجيا وأوكرانيا مطلع الألفية الجديدة،واعتبرتها من صنع الولايات المتحدة الأميركية بهدف الهيمنة على الساحةالسوفياتية السابقة ودعم هيمنتها العالمية. وأسقط الكرملين الفهم نفسه على «الثورات العربية»، التي انطلقت قبل أكثر من ثلاث سنوات بقليل. وتنطلقروسيا، في نظرتها لهذه «الثورات»، من محاولتها التنافس مع الولايات المتحدةالأميركية و«حلف شمال الأطلسي»، «الناتو»، على مناطق النفوذ في العالم،وذلك بهدف الحفاظ على مصالحها وإبعاد خطر مثل تلك الثورات عنها. بعد سقوط الأيديولوجيا السوفياتية نهاية العام 1991، عاشت «روسيا الجديدة» في عهد الرئيس بوريس يلتسين مرحلة من الفوضى الكبيرة تسببت فيها السياساتالاقتصادية الليبرالية الجديدة، وسيطرةُ «الأوليغاركية» سيطرةً كبيرةً علىمقاليد القرارين السياسي والاقتصادي في روسيا. ونضيف إلى هذه الأسباب، غياب «أيديولوجيا» جديدة تحل محل أيديولوجيا العهد السوفياتي. لقد شدد بوتينغير مرة، على أن بلاده جزء من القارة الأوروبية، إلا أنه يعتبر «الديموقراطية الغربية» لا تناسب روسيا وشعبها. وحاول بوتين على مدارالسنوات العشر الأخيرة، تقديم نموذج «الديموقراطية الروسية الموجهة» كأحدأشكال الديموقراطية، التي تناسب روسيا وثقافتها التاريخية. وفي كانون الأول 2013 في خطابه السنوي أمام البرلمان الروسي، أعلن بوتين «أن بلاده لا تسعىالى فرض هيمنتها على العالم، ولكنها تريد أن تكون مدافعاً رئيسياً عنالسيادة الوطنية والقيم المحافظة». ويقصد بوتين، هنا، «النزعة المحافظةالروسية» التي تحافظ على القيم التقليدية الروسية وتدافع عنها، والقائمةعلى ما يُسمى بـ«الرسالة» التاريخية لروسيا والتي لا تخلو من البعدالعالمي. ويعتقد الرئيس الروسي أن هذه الأيديولوجيا الروسية «المحافظة» يمكن أن تمثلبديلاً «للنموذج الغربي»، الذي يراه «محاولة دائمة لفرض أسلوب الحياة علىالآخرين». ويمكن إرجاع الجذور الفكرية الفلسفية السياسية للنزعة «المحافظةالبوتينية» إلى الموروث «السوفياتي» غير البعيد زمنياً، وتنظيرات «الطريقالروسي الخاص» الموروثة عن التيار السلافي القومي، المرتبط في أحد مكوناتهبالمسيحية الأرثوذكسية، والذي كان في مواجهة «التيار الغربي» في الفكرالروسي في القرن التاسع عشر. وأخيرا، يمكن إرجاع تلك الجذور أيضا إلى «التيار الأوراسي»، الذي ظهر في صفوف المهاجرين الروس في عشرينياتوثلاثينيات القرن العشرين، والذي يتلامس، بدرجة أو بأخرى، مع «التيارالسلافي» القومي الروسي. ولكن هذه النزعة المحافظة، التي يتبناها الرئيس بوتين ويرى أنها تحقق مصالحروسيا الوطنية، ليست، برأيه، ضد التطور والتقدم ولا تمنع محاولة توثيقالتعاون مع «النموذج الغربي» أساساً في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي. فبرنامج «تحديث روسيا» الذي أعلنه بوتين في نهاية ولايته الرئاسية الثانية،وتبناه ميدفيديف عندما تبادل السلطة معه في العام 2008، يعتمد على استيرادالتكنولوجيا والاستثمارات الغربية. وحتى البرنامج الحكومي الروسي للانتقالإلى «اقتصاد الابتكارات أو اقتصاد المعرفة» اتضح، حسب العديد منالاقتصاديين الروس، أنه يعتمد اعتماداً أساسياً على استيراد التقنيات من «النموذج الغربي». ويبدو أن الرئيس الروسي حاول عبر البرنامجين المذكورين «محاكاة» ما قام به بطرس الأكبر الذي حكم روسيا من 1682 وحتى 1725، وعُرفبأنه حاكم روسيا الذي فتح «النافذة» لروسيا على الغرب. بيد أن الخلافات «المتطورة والمتصاعدة» بين روسيا والدول الغربية وعلىرأسها الولايات المتحدة، وصولا إلى الأزمة الأوكرانية، باتت تضع بعض علاماتالاستفهام على برنامج «التحديث» وبرنامج الانتقال إلى «اقتصاد الابتكارات» في شكلهما ومضمونهما السابق، خاصة في ظل العقوبات الغربية المتوالية علىروسيا. ولذلك، نرى رئيس الحكومة الروسية، دميتري ميدفيديف، يطرح قبل عدةأيام سيناريو الانتقال إلى سياسة «إحلال الواردات» والاعتماد على الذات فيالتطور التكنولوجي. لقد «اندمج» الاقتصاد الروسي على مدار العشرين سنةالأخيرة اندماجاً كبيراً في النظام الرأسمالي العالمي في الأساس كمُصدرللنفط والغاز والخامات، الأمر الذي يحتاج إلى جهود كبيرة لتنويع هذاالاقتصاد. واللافت أن دعوات تنويع الاقتصاد الروسي، بحيث لا يعتمد فقط علىتصدير المواد الأولية، صدرت مراراً من بوتين نفسه خلال السنوات الماضية،ولكنها لم تتحقق في الواقع حتى يومنا الحاضر. ويطرح البعض منذ عدة سنواتضرورة «إعادة التصنيع» في روسيا بدلاً من الاستمرار في نموذج «الدولةالمُصدرة للمواد الأولية»، وذلك عن طريق استخدام عوائد تلك الصادرات فيتطوير وتنمية الصناعة وقطاعات الاقتصاد الأخرى. كما أن ثمة من يدعو إلىالتخلي تماما عن نموذج «اللحاق» بالغرب في النمو والتنمية. إن النزعة «المحافظة البوتينية» التي توصف، انطلاقا من الأهداف التيتبتغيها، بـ«النزعة المحافظة الوطنية» تُدرك جيدا أن روسيا باتت دولةرأسمالية مندمجة اندماجاً كبيراً في النظام الرأسمالي العالمي. وترى، فيالوقت نفسه، أن الصراع في القرن الحادي والعشرين هو بين نماذج مختلفةومتنوعة من الرأسمالية، وليس صراعاً بين «الرأسمالية والاشتراكية»، كماكانت الحال في القرن العشرين. لذلك، نراها تعمل على مواجهة التحدياتالخارجية، وجزئيا الداخلية، بمحاولة «تعديل» وضعها في المنظومة العالميةالحالية بالرهان على التعددية القطبية وتعددية المراكز العالمية.

السفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube