https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

ينظر الصينيون بحذر وترقب الى فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الاخيرة .وتأمل بكين في ان يسعى بايدن الى حل  الازمات الخطيرة التي تعرضت لها العلاقات الصينية الامريكية  على مدى السنوات الاربع من حكم ترامب .

وفي ظل صمت رسمي صيني  ،فقد عبرت  الصحف الرسمية عن ذلك ،وطالبت الرئيس  الرئيس الامريكي المنتخب بالمبادرة الى  معالجة “الفقاعات ” التي احدثها ترامب ، والتي  نقلت العلاقات  بين البلدين من حقل  التعاون والشراكة ، الى سكة المجابهة والحروب الباردة .

والسؤال المهم الذي يحوم الان هو : هل الرئيس بايدن قادر على  وخز هذه ” الفقاعات ” ، وهل يرغب حقا في ذلك ؟

هناك رأي شائع  بين الاوساط البحثية والسياسية ، ان بايدن – على نقيض ترامب –  يرتبط بعلاقات صداقة مع بعض الشخصيات الصينية الفاعلة ، وانه اسهمَ – من خلال منصبه السابق-  في تطوير العلاقات الثنائية ، وان لابنه بعض العلاقات التجارية مع الصين . قد يكون هذا كله صحيحا ، لكن بايدن لن يكون قادرا على تطبيع كامل للعلاقات بين واشنطن وبكين للاسباب التالية :

اولا: ان كثيرا من الازمات في العلاقات الصينية الامريكية كان موجودا قبل ترامب .والرئيس المنتهية ولايته   استغل  هذه الازمات  لبواعث انتخابية  ، وصنع – باسلوبه الاستفزازي – مزيدا من المشكلات خلال السنوات الاربع الماضية مع الصين . ويمكن حصر هذه الازمات ، بالتفاوت الهائل في الميزان التجاري لصالح الصين الذي اشعل الحرب التجارية،وغزو السلع الصينية للسوق الامريكية على حساب الصناعة الامريكية ، والمنافسة الصينية القوية لامريكا على قيادة العالم . وهذه العوامل اوجدت حالة من القلق في صفوف النخبة السياسية الامريكية –بغض النظر عن لونها السياسي – ،والتي باتت تعتبر الصين خصما وتهديدا لمصالح الولايات المتحدة في العالم كله .

اضافة الى ذلك ، فان الاجراءات التي اتخذها الرئيس شي جينغ بين في تعزيز سلطة الحزب الشيوعي، وتقوية القطاع العام والعودة الى التمسك بالفكر الشيوعي  في المجتمع الصيني ، قد نسفت كل الاوهام التي ساورت القيادات الامريكية المتعاقبة خلال العقود الاربعة الماضية  ،حول امكانية تحول  الصين من الشيوعية الى الليبرالية الغربية .ثم ان امريكا  باتت تنظر بريبة الى نمو القوة العسكرية  والتقنية الصينية ، وهو امر –برأي واشنطن – يهدد مصالح امريكا وحلفائها في جنوب شرقي آسيا .كما ان اوساطا نافذة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي  مقتنعة ان الصين قد  استحوزت على الاختراعات الامريكية  ،وسخًرت الشركات ورؤوس الاموال والسوق الامريكية ، من اجل  انتزاع مركز الصدارة العلمي من امريكا .واخر هذه الازمات يتجلى في ان معظم القوى السياسية الامريكية تعتبر الصين مسؤولة عن جائحة كورونا التي احدثت خسائر بشرية واقتصادية هائلة في امريكا .

هذه الوقائع كلها ستقيد رغبة  الرئيس القادم ان اراد الانفتاح مجددا على الصين واعادة العلاقات معها الى ما قبل الحقبة الترامبية .

ثانيا : صحيح ان ترامب قد خسر الانتخابات ، ولكنه بالمقابل عزز مواقعه الجماهيرية  ونفوذه من خلال ابتلاعه  للحزب الجمهوري ، وتكريس  نفسه زعيما  للأوساط المتطرفة عنصريا ودينيا لا سيما في الريف الامريكي ( وهذه الكتلة تمثل نصف امريكا ). بكلمات اوضح ،فان ترامب سيكون المعرقل الاساسي لأي تحسين في العلاقات مع الصين ، وسيعتبر ذلك خيانة وطنية لأمريكا وارتماء في حضن بكين  .وهذا العامل سيجعل بايدن يعد الى العشرة قبل اتخاذ اية خطوة للتقارب  مع الصين .

ثالثا : يبدو ان الجمهوريين في طريقهم للسيطرة على مجلس الشيوخ . واذا ما تحقق ذلك ، فان الرئيس الديمقراطي القادم سيجد صعوبة في تعيين  كوادر صديقة للصين في ادارته، وفي الغاء قوانين العقوبات التي اقرها الكونغرس ضد  بكين ، او في تمرير اتفاقات كبرى  للتعاون مع الصين .

رابعا :والاهم من ذلك كله  هي المواقف التي اعلنها بايدن نفسه تجاه الصين . فقد قال الرئيس المنتخب،  انه سيسعى الى الحفاظ بقوة على الدور القيادي الامريكي في العالم . وهذه رسالة مبطنة لبكين . فضلا عن ذلك ، فهو قد اكد عزمه على عدم اعتماد  امريكا  مرة اخرى على السلع الصينية ، وانه سيعمل على انتاج هذه السلع داخل امريكا ، وانه سيشجع الشركات الامريكية على العودة الى امريكا، وهذا يعني عمليا خسارة الصين لاكبر اسواقها العالمية . فضلا عن ذلك ، فان موضوع حقوق الانسان كان دائما في طليعة اهتمامات  الحزب الديمقراطي الامريكي ، ولذلك ستكون الاوضاع في هونغ كونغ وشينجيان الصينية  والحريات الفردية  والدينية في الصين ، قنابل موقوتة في العلاقات بين البلدين .وينبغي ان لا يغيب عن الذاكرة ان اوباما الديمقراطي هو الذي نقل بدئا من عام 2012 معظم قوات الجيش الامريكي الى بحر الصين الجنوبي لمواجهة  ما اسماه التهديديات الصينية  . ثم ان بايدن قال صراحة انه سيعمل جاهدا على اعادة الاعتبار للتحالفات الامريكية مع  دول جنوب شرقي آسيا ،وانه سيضمن امن هذه الدول من التهديدات الخارجية ( الصيني في طليعتها .)

خامسا : والنقطة الاكثر حساسية ، هي ان القيادة الصينية تبدو متمسكة بنهجها الحالي ولن تتراجع في مسائل  زيادة نفوذ الحزب الشيوعي داخل الصين ، وهي مصرة على الابتعاد عن الاصلاحات الليبرالية لدينغ شياو بينغ ، ومتمسكة بزيادة حضورها العسكري في بحر الصين الجنوبي . وهذه الامور  تخلق مزيدا من العقبات امام بايدن للتقارب مع الصين  ، لانها تسقط المقولة الاساسية التي تذرع بها قادة امريكا خلال العقود الاربعة الماضية   لمساعدة بكين بحجة ان  الصين لا تهدد احدا   ،  وان التقارب معها ومساندتها اقتصاديا، ستُفضي في نهاية المطاف ،الى تحويل الصين لدولة ليبرالية تتنبى نمط الحكم الغربي .

وفي ظل هذه المعرقلات كلها  ،ماذا يمكن  ان يفعل بايدن لتنفيس ” الفقاقيع ” حسب التعبير الصيني،   التي ظهرت مؤخرا في العلاقات مع الصين ؟

اعتقد ، ان الرئيس الديمقراطي لن يكون في عجلة من امره ، للبدء فورا  بمعالجة الامراض المزمنة في العلاقات مع بكين رغم اهمية ذلك  ، لانه سيكون غارقا حتى شحمتي اذنيه – لا سيما في الاشهر  الاولى – في مداواة الجروح الداخلية التي خلفتها الانتخابات وتحقيق الوحدة الوطنية الامريكية – كما اعلن هو -. والاغلب ان بايدن سيبتعد عن السلوك الاستفزازي الذي اتبعه ترامب  ازاء الصين ،وسيستخدم لهجة تميل الى الهدوء معها  ، ولن يلجأ الى الحروب التجارية و سلاح العقوبات الا في الحالات الاستثنائية ،وسيبدأ في التعاون مع بكين في المجالات  غير الاشكالية ، مثل  المناخ ، واعادة   الحوار الاسترايجي المقطوع ، والتعاون في مكافحة جائحة كورونا ،واعادة امريكا الى المنطقة التجارية للمحيط الهادي. وبالمناسبة  ،فان هذه العودة الامريكية لن تكون في مصلحة الصين .

لهذه الاسباب ، فانني اعتقد ان بايدن لن يعيد  العلاقات الصينية الامريكية الى مرحلة الشراكة الكاملة – كما كانت ، ولكنه بالمقابل ، لن يخلق مزيدا من الازمات مع بكين ، وسيسعى الى تهدئة الامور والتواصل الدبلوماسي وعدم التركيز على المشكلات معها ، والبحث عن الجوانب والصعد التي يمكن ان يتعاون البلدان فيها .  وهذا النهج سيجنب العالم مزيدا من التوتر ، ويفتح ابوابا اغلقها ترامب للتعاون مع الصين في حل كثير من مشكلات  العالمية.

13/11/2020

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد + ستة عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube